2025/09/20

الثالوث والمنطق القياسى التحليلى ( قانون الهوية وعدم التناقض)

المدخل الثالوثى الى المنطق القياسي- الفلسفة التحليلية(  قانون الهوية وعدم التناقض)

 

لا يتوفر وصف.

 




  - سُئِلَ "دانيل وبستر " كيف يمكن التوفيق بين تعليم التثليث والعقل، فأجاب:-" هل تتوقع ان تفهم رياضيات السما؟"..وكما يقول "ج.كينيث جرايدر"فلنخلع احذيتنا من فضلكم لان عقيدة الثالوث الاقدس ارض مقدسة فلنستبعد القياسات المنطقية المجازية هنا لايكفى المنطق وعلم الرياضيات بل الحاجة بالاحرى الى اذن صاغية وقلب متضع (يو17:7)واستغراق فى العبادة والخشوع

-        بدأ المنطق الكلاسيكى مع "أرسطاطاليس" المُعلم الأول والفيلسوف اليونانى الكبير، ويعتبر  المنطق الكلاسيكى أحد أقدم أنظمة التفكير المنطقى، ،ثم تطويره فيما بعد فأصبح هذا المنطق هو مُنطلق رياضى ولغوى,وشتى العلوم النظرية.

-       من تلك المبادئ "المنطقية القياسية" ما يُعرف   ب[قانون الهوية Identity ] وهو يُعنى أن [الشيء هو نفسه]، أي أن [أ هو أ]و[ماجد هو ماجد] فالشئ يكون ما هو عليه،وليس الشئ شئ آخر، فلايُمكن أن يكون[أ هو ب]ولايُمكن  ان يكون [ماجد هو عادل]يقول   الفيلسوف الألمانى  " لايبنتس"  ان "قانون الهوية" هو أول حقيقة عقلية إيجابية،

-       وهناك قانون اخر من ضمن قوانين "المنطق الكلاسيكى"يُعرف ب[قانون عدم التناقض Non-Contradiction] وملخص فحواه هو ان لايُمكن لشئ ان يحمل نقيضه ، فالقلم إما أزرق أو أسود،ولا محل لشئ ثالث،الانسان اما حى او ميت،انت ناضج او غير ناضج..الخ،ورقم[1]لايُمكن أن يكون هو الرقم[3]

-       واذا طبقنا هذا القانون على العقيدة المسيحية فيما يخص "ماهية الله" فأنت إما تؤمن "بإله واحد"او "أكثر من إله"،فمُحال   ان تؤمن المسيحية بإله واحد وفى نفس الوقت تؤمن بثلاث ألهة فى نفس الوقت.. لامناص فإخياراتك منحصرة بين"إما..او"، إما أن المسيحية تؤمن بإله واحد،أو تؤمن بثلاث ألهة ،  

-       والثالوث المسيحى لا يقول إن الله واحد وثلاثة في نفس البُعد،وهُنا يجب   أن نُفرق   بين" ما هو الله " و" من هو الله "،او بمعنى أدق نُفرق بين  الجوهر(Essence) [الطبيعة، الكينونة، الذات الإلهية ] و الأقنوم (Person)، [علاقات داخلية متمايزة داخل الله ]فالتعدد إذاً فى العلاقات لا فى الجوهر،هكذا لايوجد تناقض اطلاقاً مع منطق الهوية

-       فالوحدانية طاغية على رؤيتنا الخارجية لله ، اى فى طبيعته(Essence،Nature)ولكن فى علاقاته Immanent trinity))هو ثالوث،فالتعدد فى العلاقات"الاقانيم"لا فى الجوهر،ففى العلاقة الثالوثية بين "الاب" بــ"الابن" كل منهم هو آخر αλλος بالنسبة للثانى،فالاب ليس هو الابن من حيث الأقنومية، ولكنهم واحد من حيث الجوهر،فنحن لم نقول أن هناك ثلاث جواهر، بل جوهر واحد"هو الله"ولا إله غيره.

-       فلن تجد فى قانون-قوانين الايمان،ولا حتى   اباء الكنيسة يقول إننا نؤمن ب"ثلاث جواهر"،لذلك تفرز الكنيسة هرطقة سابليوس  و هرطقة المونارخية والاريوسية.لان الكنيسة تعى جيداً  ان   (1=1)،والرقم(3=3)،ولايُمكن ومستحيل أن رقم(1)يساوى(3)،فالشئ هو ذاته ولايُمكن أن يكون شيئاً اخر فى نفس الوقت/فالله واحد ولايُمكن أن يكون  غير واحد،

-       من منظور لاهوتي مسيحي: يُقال إن التناقض غير موجود لأن "الوحدة" تشير إلى الجوهر، و"الثلاثة" تشير إلى الأقانيم، أي أن المعنى مختلف في كل حالة،   "الواحد" و"الثلاثة" لا يشيران إلى نفس البُعد، بل بُعدين مُختلفيين different dimensions وبالتالي لا يوجد تناقض منطقي.فالوحدانية والثالوث،امران مُختلفان في  إشارة كُل منهم،

-       اللغة الدقيقة تحمي من التناقض، فنحن لانقول ان هُناك "ثلاث ألهة" بل نقول هُناك "إله واحد فى الجوهر"هذا الاله فى حالة من التمايز داخلياً،  نحن نفهم "الثالوث" كـ "تمايز" داخل الوحدة، لا كـ "انقسام" داخل الذات فـ"الواحد" و"الثلاثة"لايُشيران إلى نفس البُعد   

افكار هذا المقال مستوحاة من كتاب THE LOGICAL PROBLEM
OF THE TRINITY-Beau Branson

2025/09/07

امتداد التقليد السكندرى فى رؤية ق.كيرلس الكبير للعهد القديم

 كلمة الله أم نص محرف؟: الكتاب المقدس في عيون المسلمين – إضاءات

-        حياة الايمان المعاش فى الكنيسة والمشاركة فى الأسرار الكنسية واختبار حياة الفضيلة اليومية،أمور ضرورية لفهم صحيح للكتاب ..ان هدف الكتاب المقدس موجود(يحيا ويعمل) داخل الحياة الليتورجية فى الكنيسة،المرتبطة بتدبير "سر التجسد"سر التدبير الالهى الذى يُتمم بطريقة سرية فى الكنيسة،فكل من يجهل هذا البيت،يتوقف(يكتفى) بالتفسير الحرفى للكتاب.

-        إن جاز لنا أن نعتبر "وحى الله" سراً من أسراره، فإن هذا السر(الوحى)لايُمكن أن يُفهم خارج المسيح(ولا خارج سر التدبير الالهى) ولا بعيد عن سر الاسرار (اى:التجسد). بل ان المسيح نفسه هو الشارح له"لأن الروح يأخذ مما له ويُخبر" (يو 16: 14). ،ولما لا وكُل النصوص كُتبت من أجله،وكُلها تُشير نحوه؟فكل النبؤات لا تُشير إلا إلى شخص يسوع المسيح وشهادته (رؤ 19: 10).فهذا الشخص هو الذى فتش عنه كُل الأنبياء،باحثين اى وقت يدُل عليه روح المسيح الذى فيهم(1 بطرس 1: 10-11)

-        سر الله هو سرالمسيح، كما المسيح له طبيعتين فى حالة من الاتحاد والانسجام،بغير اختلاط،لكل منهما استقلاليته وخصوصيته،ولكى نكون اكثر دقة نقول مع ق.كيرلس الكبير"طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة" او بتعبير اخر له "طبيعة واحدة متجسدة للكلمة".فالوحى مثل طبيعة المسيح،ذو طابع بشرى وطابع إلهى،لايمحى اى منهم الاخر،لذلك نحن نفهم النص من خلال سر المسيح الذى يشرحه لنا بروحه القدوس.

-        فى كتابه الموسوعى(السجود والعبادة بالروح والحق4:5) يُخبرنا ق.كيرلس الكبير أن الكتب المقدسة أوحيت بنور روح المسيح،فحسب ق.كيرلس يُدعى كُتاب الوحى  "حامل الروح"او "محمول بالروح"،فالعهدين(القديم والجديد)موحى به وله سُلطان(أول إستخدام لكلمة سُلطان للكتاب ظهر فى بيان شيكاغو 1978)إلا إن رؤية الأباء للنص تُشير الى نوع من السُلطة(سواء روحية او نصية)مُستمدة من إن روح المسيح اوحت بذلك.

-        أياً كانت رؤيتك وتفسيرك للنص سواء(حرفي،رمزي،كريستولوجى)فأنت أمام نص موحى به[(2 بط 1: 21).& (2 تي 3: 16).][1] من الروح القدس-روح المسيح- يقول ق.بطرس "الخلاص الذى فتش.بحث.تنبأوا..باحثين أى وقت يدل عليه روح المسيح الذى فيهم..."(1بط10:1-11)

-        يتبع ق.كيرلس وق.أثناسيوس" "التقليد السكندرى" ابتدا من العلامة اوريجانوس،وقبله ق.كليمنت السكندرى، يعتمد على (2تى16:3) عند الحديث عن "الوحى"الذى به كُتب الكتاب المقدس،فيقول ق.كيرلس(ت،اشعياء2:2)ان الكُتاب قبلوا الكلمة الالهية باعلان مباشر من فم الرب وكتبوه بإلهام مباشر من الروح القدس ...الروح يمنح الكاتب الأذن الروحية ليسمع كلمة الله..ولايفقد الكاتب قوته او وعيه الذهنى،فهو ليس "أداة ميكانيكية"فى يد الروح القدس،بل بوعى وتفكير كتبوا الإعلان الإلهى(ت.يوحنا11)

-        فالعهد القديم له هدف وغاية سواء الاشارة الى المسيح او هدف(أولى-بدائى) تربوى وأدبى،فالعهد القديم له شكل وظل  يُشير الى"سر المسيح"الذى هو "سر الله"وعليه يرى ق.كيرلس ان "طبيعة الكلمة الكتابية"لُغز وظل ومثال،ولكن بعد ظهور الله فى ملء الزمان/ علينا أن لانتوقف عند الفهم الحرفى ولا نتمسك بالمفهوم الحرفى بل الروحى(كمرحلة متقدمة لا كبداية)

-        أعطى ق.كيرلس أهمية كبيرة للعهد القديم والتفسير الحرفى له(لاتستغرب)، فالعهد القديم، يعتبر ظل،لأنه اولا يقود الى الفهم العميق للروحيات،وايضا يُؤمن(يضمن ويحفظ)الفهم الروحى السليم بعيد عن التأمل الروحى المريض،فهو(ق.كيرلس)يُفرق بين نوعين من التأمل(الرؤية) وهُم:-

1-   التأمل الروحى السليم

2-   التأمل المريض

-        التأمل اللأول فى النص يقودنا إلى"سر المسيح"الذى هو "سر الله"وحسب ق.كيرلس لايتم إلا من خلال"الروح القدس" أما التأمل الثانى"المريض"يقود إلى أفكار مغلوطة،ربما هرطقات،يسميها ق.كيرلس"أفكار شيطانية"

-        يرجع تقسيم  ق..كيرلس هذا  بالأساس على عدم إحتقار (الحرف والتاريخ) ،اذ من خلالهم يقدر المفسر(القارئ)أن يتعرف على "قوة الكلمة"المكتوبة، التى تقود إلى الرؤية الروحية (الاسمى والأعلى)،نعم يُولى ق.كيرلس أهمية للحرف،ولكنه لايقف عنده،بل يعتبره نقطة بدء نحو العمق،بقيادة الروح الذى قاد الكاتب ثم يقود القارىء

-        ويؤكد ايضا ان الفهم الصحيح الذى يبدأ بالظل(العهد القديم)لايمكن  أن ينتهى إلى كماله الا بالروح القدس وعطية المسيح والله الاب(اش4:3) ،النص يُشير إلى المسيح(رؤ 19: 10).وهذا لايُقلل من قيمته،بل يُعزز من كرامته كظل ومثال ووحى بروح المسيح.فأسمى ما يطمح إليه النص لا ذاته ،بل "سر المسيح" الذى هو الهدف والغاية

[أفكار هذا المقال مستوحاه من كتاب"القديس كيرلس والكتاب المقدس"للدكتور جورج عوض]

 



[1] "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،" (2 تي 3: 16).& "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (2 بط 1: 21).