- ستظل مُشكلتنا الأساسية قائمة بالأساس على الضعف الروحى لدى البعض,وقلة الخبرة اللاهوتية لدى البعض الأخر.وهذا الضعف وهذه القِلة;نتيجة لغياب الوعى الأرثوذكسى .الآبائى عن فِكر هم,أو يُمكننا أن نقول بغيابه عن من تعلموا تحت أيديهم هؤلاء. فكانت النتيجة الحتمية لهذا النِقْص [فى الخبرة],هو الهجوم على من يِتْبع فِكر الآباء,وإتهامهم بالهرطقة,رغم إن هذا التعليم هو أرثوذكسى وآبائى [!],فاِسْتَلَّ سيف الجهل,على رقاب الفُهَماء,فكانت النُصْرة حِليفة هؤلاء,لِيس لقوة حُجِتْهِم فحسب ,بل لشِدة جهلهم.فصدق فيهم من قال:ـ "ما ناقشتً جاهلاً إلا وغلّبنى".وهُنا حديثى عن الافِكار لا الاشخاص.
- ونتيجة لتعمد هؤلاء,الفهم الخاطئ لما دونه الآب متى المسكين,أردنا توضيح المفاهيم الخاطئ لدى هؤلاء.ورغم إيماننا إنهم يعلموا الصح من الغلط,والغَثَ من السَّمِين.ولكن أردنا التوضيح فقط للبسطاء,دون أدنى نِيّة للدفاع عن القمص متى ,أو الهجوم على غيره,فالقمص متى فى مَنأى عن دِفاعِنا.
- تبدأ أُس أى مُشكلة لاهوتية من إتجاهيين أساسيين,وهُم: [الغنوصية-وهيا أساس كل الهرطقات على مر التاريخ],أو[نِسب تصرف احدى الطبيعتين –اللاهوت او الناسوت-إلى الآخرى فى طبيعة المسيح الواحدة].
- ومُسْتَهَلُّ حديثُنا سيِختْص بالنقطة الأخيرة وهيا[اللغبطة وعِدم التمييز بين الطبيعة البشرية والإلهية للسيد المسيح],فمن أكثر الأخطاء التى يسقط فيها منكروا ألوهية المسيح[بل والمؤمنين]هيا [عدم التمييز بين الآيات التى تخص اللاهوت والآيات التى تنصب على الناسوت,فمتى وجدوا الإنجيل يحدثنا عن جوع المسيح,عطشه,تعبه,حزنه,تنهده,بكائه,ألمه,دموعه..إلخ ظنوا أن المقصود بهذه الأمور اللاهوت][1].ولكى نكون مُدِققين نقول :ـ[إنهم يفتقرون لتميز أعمال الجسد الذى أخذه الكلمة له,عن الأعمال الخاصة بالكلمة الذى تجسد].
- وفى هذا الصدد يقول ق.كيرلس الكبير:ـ[إننا لا نُعلم بقسمة الطبيعتين بعد الاتحاد,ولا نقول إن طبيعة اللاهوت فى حاجة إلى الزيادة والنمو.ولكننا بالأحرى نقول إنه,بحسب تدبيرٍ خاص,جعل ما له من خواص الجسد.كأنه صار جسداً...ومن خواص الجسد-الناسوت-إنه يزداد فى القامة والحكمة,ويمكن أن أضيف"وفى النعمة والفهم"بنسبه نحو الجسم والتقدم فى السن..][2].
- إذاً فالمُشكلة بالأساس قائمة على سوء فِهم للنصوص,فالبعض يرى إن المسيح هو[إله]فقط,ويتناسى الطبيعة الأخرى له وهيا[الطبيعة البشرية],فيرفض القول إن المسيح[يتعب,يحزن..إلخ],وسبب رفضه هو إن المسيح هو الله,فكيف لله أن يتعب,ويحزن,ويكتئب[!],وفى هذاالفهم المغلوط ,نلتمس لهم العُذر.لإنهم يجهلون أو يتجاهلون إن هُناك طبيعة [بشرية]بجانب طبيعة المسيح الإلهية.وأسقطوا أنفسهم تحت حُرم القديس كيرلس الكبير إذ قال:ـ[ليكن محروماً كل من يقسم الطبيعتيين فى المسيح بعد اتحادهما,ويجعل اتحادهما ارتباطاً لا غير..][3].
- ولهذا يقول ق.غريغوريوس الكبير:ـ[لا تفرقوا لاهوته عن ناسوته لآنه بعد الاتحاد غير منفصل وغير مختلط...فإذا رأيته قد جاع أو عطش ,أو نام,أو تعب,جلد....فلا تحسب هذا للجسد وحده.وإذا رأيته يشفى المرضى ويطهر البرص ..فلا تحسب هذا للاهوته وحده..][4].
- لذا فمن يفصل بين طبيعة المسيح البشرية,والطبيعة الإلهية,فقد شطط فى إدراك سر [التدبير اللإلهى],وخالف تعاليم الآباء,التى تنص أن لا نفصل ولا ننسب بعض الأقوال للطبيعة ونستثنى الأخرى[!].فحينما قال السيد المسيح[إنه حزين][مرقس34:14],فحسب تعاليم الآباء السابق ذكرهم لا يصح أن ننسب هذا الحزن للطبيعة البشرية وحدها.
- فيقول ق كيرلس:ـ[نحن لا ننسب أقوال مخلصنا فى الأناجيل إلى أقنومين أو شخصين منفصلين,لآن المسيح الواحد لا يكون أثنين,حتى لو أدرك أنه من أثنين ومن كيانين مختلفيين اجتمعا إلى وحدة غير منقسمة...ولكن لاننا لا نفكر بطريقة صحيحة فإننا نعتقد أن الاقوال التى قالها كإنسان أو تلك التى قالها كإله هى صادرة من واحد..فحينما يقول عن نفسه كإله"من رأنى فقد رأى الآب"و"أنا والآب واحد"...فنحن نفكر فى طبيعته الإلهية التى تفوق الوصف..دون أن نقلل من شأن ملء قامته الإنسانية...لذا يجب أن تُنسب كل الأقوال التى فى الأناجيل إلى شخص واحد إلى أقنوم الكلمة الواحد المتجسد,لآن الرب يسوع المسيح هو واحد حسب الكتب][5] .
- فبحسب تعاليم الآباء غير مقبول أن نفصل الطبيعتيين,لغرض [التقسيم,التفريق][6].فلا يُمكن بعد هذا الاتحاد العجيب[7],أن نُفرق بين الطبيعتيين[الإلهية والبشرية]فى السيد المسيح.لذلك فنحن نردد فى صلواتنا قائليين:[واحد من اثنين.لاهوت قدوس بغيرفساد مساو للآب وناسوت طاهر مساو لنا كالتدبير][8].وفى هذا الصدد يضيف الإستاذ حلمى نقطة أخرى وهيا:[بعد هذا الاتحاد العجيب لا يمكن ولا يجب التفرقة بين اللاهوت والناسوت إلا بالذهن فقط][9].
- كان لابد من هذه المقدمة لتوضيح ما قاله الآب متى المسكين المسكين فى تفسيره لإنجيل القديس مرقس.إذ يقول:ـ[هى إعادة مساومة كان قد اتفق عليها فى الأزلية لما كان الابن فى حضن الآب فى ملء الطاعة الروحية,ولكن الآن وقد صار متغرباً على أرض شقاء الإنسان ولابساً ماليس له,لابساً شكل العبد,وقد أتت الساعة,فالأمر يحتاج لإعادة مساومة أو على الأقل تفهُم جديد بين الآب والابن المتجسد,فالجرعة شديدة الوطأة على أحاسيس الابن المرهفة,والموقف واضح أمامه أنه يتحتم أن يجوزه وحده وبدون أى معونة من الآب ,فإن كان كل شئ ممكن لدى الآب,فهل يمكن أن تجوز ساعة المحنة التى جاء إليها الابن خصيصاً؟!وألا فهيا ضعفى مجدنى أن أردت حتى أريد ما تريد أنت.حكم الموت الرهيب قاسه المسيح طولاً وعرضاً وجزع من رعبته لآنها عقوبة وليس مجرد موت,لعنة وليس مجرد صلب,إن كان قد جاء ليجعلها مع إخوته فى البشرية التى لبسها من أجلهم إلا أن شدة وطأة العقوبة واللعنة لم يتهياً لها الابن,وهو نازل من حضن الآب.الجسد يهون أمره ولكن ترك الآب له تركاً كاملاً ولو إلى لحظة أمر مرعب,وهوذا قد اقتربت لحظتها.والآن قاس مرارتها فارتعب,وهناك على الصليب تجرعها كأساً بيد الآب فلم يطلقها وصرخ"إلهى إلهى لماذا تركتنى!"لأنه لكى يموت الابن على الصليب يتحتم أن يتركه الآب لتكمل العقوبة بلا رحمة!!وتحل عليه اللعنة وحده بعيداً عن الآب!! المسيح يعلم أنه ليس أصلاً هو موضوع العقوبة ولعنتها، بل أخذها طوعاً واختياراً مع إخوته في البشرية التي حملها لنفسه، لذلك يحلّ له باسم ابن الإنسان أن يطلب رفعها، ولكن استحالة أن يطلب ذلك بعيداً عن إرادة الآب، فهو بعد أن نفَّس عن بشريته عاد وأخضع نفسه تماماً ونهائياً لإرادة الآب مهما كان العذاب ومرارة ترك الآب. وفي هذا نرى وكأن المسيح يروِّض نفسه على قبول عقوبة الموت مع اللعنة في حضرة الآب قبل أن يقبلها وحيداً وبعيداً عن وجهه. إنها قراءة لاهوتية في قوة ومعنى الفداء مطروحة على ضعف البشرية التي فيه لكي تتقوَّى بقوة إرادة الله وتخضع ليتم الفداء بإرادة حاضرة من خلال كأس مرارة الموت والتخلي من الآب][10].
- وقبل أن أضع تعليقى;إن كان يرى البعض فى هذا الكلام [مصطلحات]غير دقيقة.فهذا لا يعطى الحق لرمى القمص متى بتهمة[الهرطقة],فلا هرطقة لمن يستخدم مصطلحات غريبة,بل الهرطقة,وتغليط المكتوب يأتى إذا خالف تعاليم الإنجيل وقانون الإيمان.فضلاً إنه من غير اللائق بمقام كنيسة مثل كنيسة الإسكندرية,التى لها مجمع عظيم,يضُم العديد من الآباء المُباركين والفاهميين اللاهوت,فمن غيرالمقبول أن يأتى صبية الكنيسة وأطفال مدارس الأحد ويغلطون ويهرطقون الآب متى المسكين,لإن هذا التصرف لهو سُبة فى جبين الكنيسة المُباركة بمجمعها المُبارك.
- فالمُعترض بكل أسف لم يقرأ المكتوب بشكل جيد,أو هو مُجرد نقال ,فوقع وأسقط نفسه فى فِخ الجهل,فإن كان الحديث يبدأ بقول القمص متى[إعادة مساومة....]فالحديث يختص بطلب المسيح[أن يجز الآب عنه الكأس].وهذه الكلمة[مساومة]قد أفزعت المعترض.وكأنه أمر صعب وغير مقبول,والمعترض بدوره حامى الحمى عليه أن يُسجل إعتراضه,ولكنه إعتراض زائف,فالقضية قد حسمها القمص متى المسكين قبل أن يولد المعترض,فقد قال القمص متى :[ لذلك يحل له باسم ابن االانسان أن يطلب رفعها]وفى قوله إنه[إبن الإنسان]توضيح إن الحديث مُنصب ويختص ب[الإنسان]و[الطبيعة البشرية]التى أخذها أقنوم الكلمة.فحكم الموت صدر ضد الإنسان,فيجب أن يموت الإنسان,وقد جاء المسيح ليموت بصفته ابناً للإنسان,ابناً لهذا الإنسان بالذات المحكوم عليه بالموت...إنه ابن الإنسان.أو ابن البشر.بهذه الصفة ينبغى أن يتألم ويصلب ويموت ليفدينا...][11].
- وفى هذا السياق يقول الأنبا بيشوى إنه[ابن الإنسان وابن الله فى آن واحد] .ومهم جداً فى الحوار "المسيحى-غير المسيحى" أن نقول هذا المفهوم: }إننا نؤمن بإله تجسّد وصار إنساناً وليس بإنسان تألّه وصار إلهاً{.. فنحن نؤمن بالله الذى صار إنساناً حقيقياً وظهر فى الجسد.. وهو نفسه وُلِد في ملء الزمان من العذراء مريم بحسب إنسانيته .بحسب الجسد[12].
- ونفس الأمر يؤكده الأنبا غريغوريوس:[المسيح له المجد جمع بين كونه ابن الإنسان,وابن الله ,فهو ابن الانسان,لانه نزل من السماء,أتخذ صورة الإنسان....إذن مع أنه إله لكنه اتحد بالناسوت,وظهر إنساناً كاملاً مثل مثل أى انسان آخر ,فى كل ما للإنسان من صفات الإنسانية وخصائصها,وعلى هذا النحو,صار إنساناً ,وابن إنسان لأنه ابن مريم,إذ أنه ولد منها,وخرج من أحشائها إنساناً كاملاً[13].
- ومما سبق يتضح إن قول القمص متى [لذلك يحل له باسم ابناالانسان أن يطلب رفعها],هو تأكيد إن الحديث على[الجسد الذى للكلمة],ولا يُمكن لا من قريب أو من بعيد أن ننسب هذا الحديث لأقنوم الكلمة,فالحديث عن[إبن الإنسان]الذى فى [حِلٍ] أن يطلب برفع هذا الكأس عليه..
- كان لابد أن يكون الأمر واضح لمن يقرأ بإنصاف,أو من أجهد نفسه وقرأ قبل هذا بصفحتين فقط.فمن هو أمين سيكتشف إن الحديث كاملاً مُنصِب على الحديث على[الطبيعة البشرية التى أخذها الكلمة].فنجِده يقول:[إعادة مساومة....اتفق عليها فى الأزلية....ولكن الأن ...متغرباً على أرض شقاء الإنسان... ولابساً ماليس له ...لابساً شكل العبد],وهذا ما قاله القديس بولس الرسول:[ لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. أطاع حتى الموت، موت الصليب][فيلبى7:2] أخلى نفسه، فلم يسمح للاهوته بتخفيف الآلام عن ناسوته فجاع وعطش وتعب وبكى وتألم ومات[14].
- ومن الأمور الواضحة إن القمص متى يتحدث عن[الطبيعة البشرية التى أخذها الكلمة]وما يؤكد هذا قوله:[قد أتت الساعة...تفهم جديد بين الآب والابن المتجسد...أحاسيس الابن المرهفة....يجوز وحده"الصليب"...حكم الموت الرهيب...جزع من رعبته....]فهل بعد كل هذه الأدلة يقدر أن يتجرأ أحد وينسب خطأ للكلام؟
- بل إن القمص متىي يقول على حكم الموت"الصليب"إنه:ـ[كان قد جاء ليجعلها مع إخوته فى البشرية التى لبسها من أجلهم],فالأمر واضح للأعمى إن الحديث عن[الطبيعة البشرية]تلك الطبيعة التى لبسها من أجل أخوته فى البشرية,ويُكمل القمص متى قائلاً:[من أجلهم إلا أن شدة وطأة العقوبة واللعنة لم يتهياً لها الابن,وهو نازل من حضن الآب],ويظن البعض إن فى هذه الجملة إهانة أو تقليل من شان أقنوم الابن,وفى الواقع هذا نتيجة للقراءة السطحية,فمن يتعمق فى هذاالنص يكتشف إنه تكريم للاقنوم الثانى,فدعنا أولاً نُركز على جملة[وطأة العقوبة واللعنة],ونتسأل هل الابن قد تهيأ لــ[العقوبة واللعنة]؟بكل تأكيد لا فالعقوبة واللعنة بعيدة كل البعد عن طبيعة الله النقية ,فالتهيأ هو الإستعداد,فهل طبيعة أقنوم الابن مهيأة للخطية؟هل هي مُسِتعِدة للعن؟بكل تأكيد لا يقدر لا المُشِكك ولا غيره أن يقبل ذلك,ولا يملك من القدرة أن ينفى إن الابن غير مهيأ لذلك,فطبيعة الله ضد الخطية,فالقصد هو إن جوهر الله كجوهر قدوس غير مهيأ لهذا,بل طبيعته طاردة لهذه اللعنة والعقوبة.فيكون قصد القمص متى [إن الابن لم يكن متهيأ للعقوبة واللعنة.ونفس الأمر ينطبق على الجسد الذى أخذه الكلمة.فهو قدوس بلا خطية,طبيعته غير مهيأة للعقوبة ولا اللعن.فضلاً إن العقوبة تتحتم أن يكون الشخص خاطئ,واللعن كذلك[!]فهل من يقدر أن يقول إن الابن مهيأ لــ[العقوبة واللعن]؟.وما يؤكد هذاالقصد قول القمص متى :[ المسيح يعلم أنه ليس أصلاً هو موضوع العقوبة ولعنتها، بل أخذها طوعاً واختياراً مع إخوته في البشرية التي حملها لنفسه][!]فهل هُناك أكثر من ذلك توضيح؟إنه يقول[إن هذه أخذها طوعاً..مع اخوته فى البشرية],فالحديث منصب على الإنسان يسوع المسيح,ولكن من يريد التصيد ,لا يريد أن يصل للحق,لا هو ولا غيره .يكفى فقط إن القمص متى أوضح إن الحديث يختص ب (أخوته فى البشرية),تلك البشرية التى حملها لنفسه[التجسد][!].
- وبخصوص ترك الآب للابن .فقد تكلمنا عنها سابقاً وأفردنا له مقال خاص,ولسنا فى حاجة لإعادة كتابته مرة أخرى,فمن يريد المزيدعليه أن يرجع للجزء رقم خمسة,تحت عنوان[انفصال الأقانيم .أخطأ منسوبة للآب متى المسكين][15].
- بجانب ما سبق فالقمص متى يؤكد أكثر من مرة إن الحديث عن [الطبيعة البشرية التى أخذها اقنوم الكلمة],فنجده يقول:[ لذلك يحل له باسم ابن الانسان أن يطلب رفعها]فالحديث عن العقوبة,التى يحق لابن الانسان ان يطلب من اجلها.أن يرفعها عنه الله.ثم يضيف القمص متى جزء فى قمة الروعة بخصوص إخضاع إرادة الإنسان عموماًوابن الإنسان خاصة لإرادة الله ,فيقول[استحالة أن يطلب ذلك بعيداً عن إرادة الآب][16].ليتِ هؤلاء يتوقفوا عن إتهاماتهم الباطلة..
- ويُكمل القمص متى تأكيداً إن الحديث بعيد كل البعد عن[طبيعة ],و[جوهر]اقنوم الكلمة.فنجده يؤكد إن هذا الطلب ما هو إلا[تنفس عن بشريته] ,فيقول بالحرف:[فهو بعد أن نفَّس عن بشريته عاد وأخضع نفسه تماماً ونهائياً لإرادة الآب مهما كان العذاب].فمن له الجرأة أن يِنسْب لفظ[هرطقة] للقمص متى المسكين؟.
- إن كففنا وإكتفينا بهذا الحِد من التوضيح نكون قد بلغنا "المنال",ولكننا نود إضافة توضيح القمص متى المسكين .منذ أن إبتدأ الحديث عن هذه النقطة.
- فجانب ما سبق .نسرد ما قاله القمص متى فى بداية هذا الحدث.لتأكيد إنه يتكلم عن[الإنسان يسوع المسيح].فنجده يقول:[ ويعطينا ق. مرقس أول اصطلاحاته الخطيرة «وابتدأ يَدْهَش ويكتئب « وهي دخول النفس في مواجهة فظاعة المعركة أمامه!! فالمسيح الآن، والآن فقط وقف مقابل الشيطان وكل قواته وذلك في وضعه البشري مرفوعاً عنه كل قوة ومعونة من الآب، فوجه الآب قد انحجب: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟ «(مر 34:15). وقف حقا كابن آدم! الإنسان الجديد عوض آدم تماماً حيث تعيَّن أن يكون هو ابن الله بالقيامة من الأموات، مع استعادة كل مجد لاهوته إن خاض هذه المعركة باسم ابن الله وحيداً كإنسان بلا معونة. لينتقم لآدم أولاً الذي كان قد دخل في مواجهة الشيطان أعزلَ وبغواية امرأة، فلطمه الشيطان لطمة أسقطته إلى الأرض، وأخذ حكم الموت. وها هوذا الإنسان الجديد يدخل نفس المواجهة مع العدو بلا أي معونة خارجية، ولا يملك إلاَّ قداسته وبرَّه الشخصي غير ممسوك بأي خطية ولا أي مدخل للعدو، غير قابل للغواية وقد أخرس العدو في أول تجربة له على جبل التجربة. والمسيح هنا داخل وهو يعلم أن العدو يشهر عليه سلاح الموت آخر قوة يمتلكها وأقوى سلطان له إزاء كل مَنْ لبس جسداً. كذلك فالمسيح عالم أنه داخل ليتقبَّل ضربة الموت، ولكنه يعلم تماماً أنها لن تصيبه إلاَّ بموت موقوت حدَّده هو سابقاً بثلاثة أيام يحتفظ فيها بكل قواه وحياته فيه، وبعدها يقوم ومعه البشرية كلها التي فيه والتي جاء ليمثلها كرأس أمام هذا العدو. لذلك رضي بالمعركة ورضي أن يشرب كأس الموت، لا كأنه عن عقوبة لشخصه، بل لمَنْ جاء ليحمل العقوبة من أجلهم. والآن وفي جثسيماني وعلى خلفية من الصلاة أمام الله وكل قوات السماء يدخل هذه الأهوال، أهوال الموت والهاوية بكل آلامها وعارها بإرادته قبل أن تصلبه أيادي الأثمة. المسيح قَبِلَ التحدي على أساس أنه بموته سيحطِّم سلطان الموت الذي بيد الشيطان ويقوم علناً وجهاراً ليحتل أعظم مكانة في السموات عن يمين الآب، ويربط ذلك العاتي القتَّال للناس ظلماً منذ البدء. فلا يعود له هذا السلطان بعد على كل مَنْ يؤمن به إذ أن كل مَنْ سيؤمن به ينال هذا السلطان عينه!][17] .
- ومن لا يرى قوله إن المسيح[ بوضعه البشرى...وقف كأدم....الإنسان الجديد....خاض معركة كإنسان بلا معونة....هوذاالإنسان يدهل نفس المواجهة...]فمن لا يرى هذا الكلام الذى يؤكد سوء فهم وسوء القراءة من جانب المعترض.فهو لايُريد أن يقرأ,أو يفهم..
- لنُكمل ما قاله القمص متى:[ غير أن الكلمات «ابتدأ يدهش ويكتئب«كلمات لا تحمل المعنى الحقيقي للكلمات اليونانية التي تفيد الرعبة والفزع وأعلى درجة من الهول والقشعريرة - وقد رفضت أن أخوض في معانيها لأني ارتعبت!! - وهي التي تتناسب تماماً مع وقفة إنسان أمام أهوال الموت ورعبته وفزعه كحالة صراع مع صاحب سلطان الموت نفسه. وهذه أول خطوة مريعة خطاها ابن الله على طريق الفداء!! لأن ثمن الخلاص والفداء الذي وقع لا يمكن لأي إنسان أن يقيس عمقه واتساعه][18].وللمزيد حول ألام المسيح,وهول ما جازه يُمكنك الرجوع لمقالتى تحت عنوان[الرد على شبهة: المشككين حول نص وصار عرقه كقطرات دم(دراسة وتحليل(][19].
- ويقول أيضاً:[ هذا تعتبر أي محاولة لتبسيط هذه الحالة النفسية التي دخلها المسيح بإرادته إنما تسيء بحسب الحق إلى عدالة الله، التي رضي ابن الإنسان أن يتحمَّل ثقلها دفاعاً عن الخطاة بأن يحملها معهم. لأن المسيح يعلم أنه جاء ليتألَّم ويتحمَّل هذه العقوبة بالعدل، وكان كلما تتزاحم فوقه قوات الظلمة بمرعباتها كان ينسحب قليلاً ويسأل عن تلاميذه لماذا لم يسهروا معه ساعة][20].
- ومِن هذا يتضح إن من يُدِقق فى الكلام,ومن هو أمين فى قرأته هو الوحيد الذى سيصل لهذه النتيجة,ولكن من يقرأ بدون فهم,أو إدراك,وتعمد لتشوية صورة القمص متى المسكين سيخرج بأى شئ لغرضه السيئ.فتعليق الآب القمص متى المسكين عن [أجز عنى هذا الكأس]هو تكميلاً للشرح السابق فى الصفحات السابقة,وليس من الصدق أو الأمانة إقتطاع هذا الجزء عن سابقه.كما يتضح أيضاً إنه من غير المقبول أن يتم نسب [الخوف ,والحزن..إلخ ]للطبيعة الإلهية.بل هي مشاعر تنحصر فقط فى [الطبيعة البشرية التى لله الكلمة],وفى هذا السيق يقول ق.أثناسيوس:[ لذلك فهم يتأرجحون إلى أعلا وإلى أسفل.كما لو كانوا بهذا يعضدون هرطقتهم من جديد...نعم يا أعداء الله,قد كُتب عنه أنه بكى,وأنه قال إضطربت.وعلى الصليب قال"إلوى إلوى,لما شبقتنى..."وطلب أن تعبر عنه الكأس حقاً قد كُتب هذا,لكن أود أن اسألكم,لآنه من الضرورى أن أرد على كل إعتراضتكم. إن كان المتكلم هو مجرد إنسان ,فهو يبكي و يخاف الموت لكونه إنساناً ولكن إن كان هو الكلمة فى الجسد (لأنه ينبغى أن لا أمل من تكرار هذا)فممن يخاف و هو الله ؟][21].
- وأيضاً:[ ومن ثم فعندما يقال:بكى واضطرب ,لم يكن الكلمة باعتباره الكلمة هو الذى بكى واضطرب,ولكن هذه كانت من خصائص الجسد,,أيضاً عندما طلب أن تعبر عنه الكأس فلم يكن اللاهوت هو الذى ارتعد,بل أن هذا الانفعال أيضاً كان خاصاً بناسوته[22].
- ونختم هذا المقال بـسؤال هام,هل يُمكن للمسيح أن يخاف,وكيف يخاف وهو الله؟.وفى هذه النقطة سنُفسِح المجال لآباء الكنيسة العظماء ليُجيبوا على هذاالسؤال..
- فيقول القديس امبروسيوس:[ فلنفكر فى خضوعه إذ يقول "يا ابتاه إن شئت أن تعبر... ولكن لتكن لا إرادتى بل إرادتك" إن هذا الخضوع هو خضوع الطبيعة البشرية المتخذه كما نقرأ وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت". الخضوع هو خضوع الطاعة إذا، والطاعة حتى الموت"، والموت خاص بالناسوت المتخذ... وهكذا لا يوجد ضعف فى اللاهوت ولكن يوجد إخلاء][23].
- ويقول القديس أمبروسيوس أيضاً: [انذهل كإنسان، انذهلت نفسه (الإنسانية) وليس قوته أو لاهوته، انذهل لأنه اتخذ الضعف البشرى. فقد اتخذ لذاته نفساً، واتخذ أيضاً الشعور البشرى (شعور النفس) لأن الله لا يمكن أن يحزن أو يموت بإعتبار كونه الله] , وقال أيضاً[: "فى موضع آخر يقول: "الآن نفسى قد اضطربت". إنه اضطراب النفس البشرية لأن اللاهوت غير قابل للألم... فالرب ليس حزيناً (باللاهوت) لكن نفسه حزينة. الحكمة ذاتها ليس حزيناً (حسب اللاهوت) ولا الطبيعة الإلهية، بل النفس][24]
- ويقول القديس جيروم: [لنقدم الشكر أن ليسوع جسد حقيقى ونفس حقيقية، فلو أن الرب لم يأخذ الطبيعة الإنسانية بكاملها لما خلص البشرية. لو أنه أخذ جسداً فقط بلا نفس لخلص الجسد دون النفس مع أننا نحتاج إلى خلاص النفس أكثر من الجسد. لقد أخذ الجسد والنفس معا ليخلصهما، يخلص الإنسان بكامله كما خلقه][25].
- ونختم مِحفل الآباء بالقديس العظيم أثناسيوس الرسولى فى شرحه لنص[إن أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس],[الآن نفسى قد اضطربت].فيقول:[ لذلك فهم يتأرجحون إلى أعلا وإلى أسفل.كما لو كانوا بهذا يعضدون هرطقتهم من جديد...نعم يا أعداء الله,قد كُتب عنه أنه بكى,وأنه قال إضطربت.وعلى الصليب قال"إلوى إلوى,لما شبقتنى..."وطلب أن تعبر عنه الكأس حقاً قد كُتب هذا,لكن أود أن اسألكم,لآنه من الضرورى أن أرد على كل إعتراضتكم. إن كان المتكلم هو مجرد إنسان ,فهو يبكي و يخاف الموت لكونه إنساناً ولكن إن كان هو الكلمة فى الجسد (لأنه ينبغى أن لا أمل من تكرار هذا)فممن يخاف و هو الله ؟ أو لماذا يخاف الموت ؟ وهو نفسه الحياة و هو الذي حرر الأخرين من الموت ؟ أو كيف ,بينما هو يقول ( لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ) هو نفسه يخاف ؟ وكيف و هو الذي قال لابراهيم(لا تخف ظلني معك ), وشجع موسى ضد فرعون وقال لابن نون (تشدد وتشجع ) ,كيف يشعر هو نفسه بالخوف أمام هيرودس و بيلاطس ؟ و أكثر من ذلك فالذي يعين الأخرين ضد الخوف (لأن الكتاب يقول " الرب معين لي فلا أخاف ماذا يصنع بي الإنسان ", هل يخاف هو الحكام و البشر المائتين ؟ والذي جاء هو نفسه ليبيد الموت ,كيف يخاف من الموت؟ , ألا يكون أمراً غير لائق وعديم التقوى أن يقال عنه يخاف الموت أو الجحيم وهو الذي أرتعد منه بوابو الجحيم حينما رأوه ؟ ولكن أن كان حسب رأيكم أن الكلمة كان خائفا فلماذا إذن وهو قد تكلم عن مكيدة اليهود قبلها بوقت طويل لم يهرب بل حينما جاءوا للقبض عليه قال" انا هو "][26].
- ويُضيف ق.أثناسيوس قائلاً:[ لكن أعلموا يا أعداء المسيح,مثل اليهود غيرالشاكرين أن هذه الإنفعالات لم تكن من خصائص طبيعة الكلمة:بكونه الكلمة,بل كانت من خصائص الجسد الذى اتخده الكلمة....ولكن حينما "صارالكلمة جسداً وصار إنساناً"حينئذ كُتب عنه أنه قال هذا,أى قاله إنسانياً][27].
- ويُكمل كلامه لأعداء المسيح قائلاً:[ يبدوا أن اعداء المسيح لديهم وقاحة كبيرة وتجديف عظيم لانهم حينما يسمعون القول"انا والاب واحد"فانهم يشوهون المعنى بشدة ويفصلون وحدة الاب والابن وحينما يسمعون انه بكى,وعرق,وتالم لاينسبونها لجسده بل يحصونه بسببها مع الخليقة وهو الذى به خلقا الخليقة][28].
- وأيضاً [ليس من الجائز أن يقال أن الرب كان مرتعداً وهو الذى هرب من أمامه بوابو الجحيم,والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القدسين وظهروا لأهلهم. لذلك يستد فم كل هرطوقي ولا يتجاسر أن ينسب الخوف للرب ,الذي منه يهرب الموت مثل حية ,والذي منه ترتعد الشياطين ,وبه ينزعج البحر وله تنشق السموات ,وتزعزع كل القوات لأنه هوذا حينما .
- ونختم هذا المقال بتعليق القمص عبد المسيح بسيط:[اتخذ الناسوت تدبيرياً,وحمل المشاعر والأحاسيس الإنسانية تدبيرياً,وتألم..وحزن..واضطرب...حمل كل صفات وخصائص الناسوت تدبيرياً][29].ويتسأل قائلاً:[كيف حزن وهو الإله المتجسد؟ولماذا]ويُجيب قائلاً:[السيد حزن كإنسان ,فقد "أتخذ جسداً"اتخذ الطبيعة الإنسانية"جاء بشراً"له روح إنسانية..ونفس إنسانية...وجسد إنسانى..كاملاً فى ناسوته"روحاً ونفساًوجسداً"وهكذا اتخذ المشاعر والأحاسيس الإنسانية فقد كان"مثلنا فى كل شئ بلا خطية,تدبيرياً.[30]
- ومما سبق يتضح إن كل آباء الكنيسة قديماً وحديثاً, يؤكدون ما قاله الآب متى المسكين ,إن المسيح لا يُمكن أن [يتألم,ويحزن,ويخاف..إلخ] كإله,ولكن هذا الآمر طبيعى إن أختص بالطبيعة البشرية التى أخذها الكلمة ,ونختم بما قاله ق.أثناسيوس لهؤلاء:[ليستد فم كل هرطوقى-ونحن لا نصفهم بالهراطقة بل بالمعاندون فقط-]ليستد كل فهم يُشِكك فى ما قاله القمص متى المسكين وفى أرثوكسيته وسلامة تعليمه...ليستد...
النعمة معكم
مينا فوزى..
[1].أسئلة حول الوهية المسيح.مراجعة الأنبا موسى الأسقف العام .ص194-195
[2] الراهب القس أثناسيوس المقارى:قوانين المجامع
المسكونية وخلاصة قوانين المجامع المكانية.مصادر طقوس الكنيسة .ص110.
[3] الحرمان رقم(3)من حرومات القديس كيرلس الكبير الاثنا عشر ضد
نسطور.راجع قوانين المجامع المسكونية وخلاصة قوانين المجامع المكانية.مصادر طقوس
الكنيسة .ص109.
[4] شرح تجسد الإبن الوحيد ص102.
[6] راجع حرومات القديس كيرلس رقم(3)و(4) راجع قوانين المجامع
المسكونية .مرجع سابق.
[8] راجع ثيؤطوكية الأحد,المأخوذة عن ق.كيرلس الكبير
[12] الأنبا بيشوى.مطران
دمياط"شخصية المسيح الفريدة.ص9.
[15]مقال:إنفصال
الأقانيم .أخطأ منسوبة للآب متى المسكين.
http://thebreath-god.blogspot.com/p/blog-page_17.html
[21] القديس
أثناسيوس الرسولى.بطريرك الأسكندرية العشرين :ضد الآريوسيين(الشهادة لآلوهة
المسيح).الفصل التاسع والعشورن.ص278-279,مركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية .
[23] القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير:إذا كان المسيح
إلهاً فكيف تألم ومات؟.ص47.
[24] القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير:إذا كان المسيح
إلهاً فكيف تألم ومات؟.ص43.
[25] المرجع السابق.ص44.
[26] القديس
أثناسيوس الرسولى.بطريرك الأسكندرية العشرين :ضد الآريوسيين(الشهادة لآلوهة
المسيح).الفصل التاسع والعشورن.ص278-279,مركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية .
[29] القمص عبد المسيح بسيط
أبو الخير:إذا كان المسيح إلهاً فكيف تألم ومات؟.ص43.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق