2015/04/05

مفهوم الوحى ,نظرة جديدة لمفهوم الوحى.



 
مفهوم الوحى ,نظرة جديدة لمفهوم الوحى.

مينا فوزى



-محاولة التعرف على معنى الوحى فى المسيحية,أو كيف كان الله يوحى بكلماته للانبياء هو اشبه بالاقتراب من العُليقة المُشتعلة التى رأها موسى النبى ,مُشتعلة بالنار المُقدسة فنحن لا نعرف بالظبط طريقه الوحى,وكُل ما يُمكن ان اقوله هُنا او انقله من اخريين هو محاولة لا تخرج عن معنى "العجز البشرى"لفهم ما هو سماوى وروحانى..


-مهما كانت اتجاهاتنا ,وافكارنا المُختلفة حول مفهومنا لمعنى"الوحى"فى المسيحية او معنى "العصمة"فهذا امر مشروع, مفتوح فيه باب الاجتهاد المقبول,واذا تم الوصول الى المعرفة اليقينية لكلمة" الوحى"فتلك المعرفة لن تخلص الانسان,حتى لو كُنت اؤمن بكل تعاليم الكنيسة
ومؤمن بعصمة ,ومصداقية الكتب المقدسةفقبل المعرفة لابد ان يوُجد"الايمان الحى بشخص المُخلص يسوع المسيح "فهذا فقط طريقنا الى الخلاص,واساس الايمان بيسوع المسيح هو الاختبار,ولابد للمؤمن الحقيقى ان يضع هذا على قائمة اولوياته.


-مهما اختلفنا وتجادلنا حول مفهوم"الوحى "فلست اظن اننا نقدر ان نصل الى تعريف واضح ودقيق,ولكن ما يجب ان نهتم به قبل البحث عن المعنى الصحيح هو الايمان الصحيح,فان تجاهلت تلك النقطة فلا قيمة للبحث عن علوم الوحى والعصمة والعقيدة,فقد فقدت هدف الكتاب المقدس نفسه,وهو الايمان بيسوع المسيح.


-اما بعد,فكما نعجز عن فهم كيفية الاتحاد المُعجز فى شخص المسيح,ولانعرف على وجه الدقة ""طبيعة يسوع المسيح"هكذا نحن نعحز اذا
,حاولنا "ادراك"ماهية الوحى.فالكتاب المقدس اشبه بـ"طبيعة السيد المسيح"فهُناك طبيعة الاهية وطبيعة بشرية,لا تطغى اى منهم على الاخرى,بل هُناك اتحاد .بدون امتزاج ولا تغيرفكما تفضحنا طبيعتنا المحدودة على فهم وادراك"ماهية الله",فهكذا تفضحنا اذا اردنا " ادارك "ماهية الوحى".


-علينا ان نُدرك ان النص نفسه ليس هدف او غاية,فالنص فى فكر الاباء هو وسيلة تصل بنا الى السماء,وعند وصولى الى السماء فهناك شخص واحد هو ,الذى يمسك بى ويُدخلنى الى السماء فهناك فرق بين الوقوف على الباب .والدخول منه ورغم ثانوية الاهمية التى تقع على كَاهِلُ النص فهذا لا يمنعنى من الايمان بـ"العصمة"وسلامة الكتاب المقدس من اى خطأ,سواء تاريخى او جغرافى او علمى...ألخ..


-ولنا بعض القشور فى موضوع "الوحى".فعلينا ان نِعى ان هذا الموضوع يقوم على ثلاثة عناصر:ـ
1-.الله الذى يُرسل ويُعلن وهو مصدر الاعلان والرسالة
2-.الانسان الذى يتلقى المقصود من الاعلان والرسالة
.3-وبين الانسان والله فهُناك وسيط نُسميه بـ"النبى"او"الرسول"
(والوسيط يكون فى حالة الوحى فقط.)


-فهدف الاخير هو نِقل رسالة الله الى الانسان.والانسان عليه ان يطلب من الله ان يُنير عينه لكى يُدرك قصد الرسالة وهدفها,وكأننا فى دائرة ثلاثية الابعاد,كل من فيها عينه نحو الاخر,فالله ينظر الى النبى الذى سيوصل الرسالة,وعينه ايضاًعلى الانسان الذى يتلقى رسالته,فعينه
على الاول لعصمته,ومساعدته,وعينه على الاخير لكى يُنير عينه لفهم قصده وهدفه فأن كان الوحى هكذا,فحسناً تأويل كل شئ الى مصلحة الانسان بإِذعان من الله,ولست اظن ان هدف الله يخرُج عن هذا الفهم.وهذا من الناحية العقلية والمنطقية.



-واذا اردنا ان نعرف معنى الوحى من خلال النص الكتابى,فدعنا نقف امام ما كتبه بولس الرسول الى تلميذه تيموثاوس(2تيمو16:3)
[كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البرّ. لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح ]وكلمة وحى فى الكتاب المقدس تاتى بمعنى"انفاس الله",ونؤكد ايضاً على عجزنا ان حاولنا ادراك ماهية "الوحى"فانا ايضاً لا اعرف معنى"انفاس الله",فقط اعرف انها نسمة"روح وحياة"فقط.


-وتأتى كلمة "موحى به"فى اليونانى من مقطعيين"ثيؤ"و"بينيستوس",وتوجد كلمة اخر هامة فى موضوع الوحى وهيا"مسوقين من الروح القدوس"(2بط 1). ionemoref"اى مسوقيين او محموليين,وتاتى من الفعل "فيرو"
بمعنى يقود ويحمل.وهذا هو دور الروح القدوس فى"جُل الكتاب"يحمل ويقود النبى و الرسول لكى يختار اللفظ المُناسب لكى من خلاله يُصل لنا الرساله والمضمون,وهُنا لا مجال للتعبير الخاطئ او الوقوع فى خطأ تاريخى او اى نوع من الاخطأ البشرية.


-ويُمكن ان نقول ان الوحى هو قوة الله,وبرهان الروح,الذى يستخدمه النبى او الرسول,ومن خلال تلك القوة يقدر ان يُتمم كرازته
(1كو4:2),وكلمة وحى فى العبرية تاتى بمعنى"يتحدث"فالكلمة المقصودة" Naam"
وتأتى بمعنى"يتحدث"و"يكشف".وتاتى ايضاً بمعنى"النطق الألهى"او"الاعلان الألهى"من خلال النبى,واستخدمت بصفة خاصة للتعبير عن صوت الله واقواله اللألهية..


-وهناك كلمة اخرى تُستخدم للحديث عن الوحى وهيا" Galah" اى الاعلان والكشف,وتُستخدم للتعبير عن اعلان الله لذاته وارادته وغايته وكشف اسراره للانبياء واستعلان مجده.-وعندما يقول بطرس الرسول[أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص]
فعبارة(كل نبؤة الكتاب)اى الاسفار المقدسة,اى ليس عن جهد بشرى وليس من تفسير خاص ,بل بوحى من روح الله القدوس
وكان هناك جدل فى تلك الايه حسمه العالم"دانيال ولاس"ووضع حد لهذا الجدل بافضليه قراءة"كل الكتاب"عن "كل الكتب .


-ونخلص ان الوحى هو تفاعل بين الله والانسان,فالله يوحى بكلامه للانسان الذى يظل مُحتفظ بهاويته الفكريه,فيؤثر الوحى فى الانسان فيُقدم الحق الالهى,ودور الروح القدوس يسوق ويحمل الانسان,الى الفكر الالهى,لكى يقدر ان يوصل الرساله للشخص المُتلقى.


-ورغم عدم ادراكنا لمفهوم الوحى وكيفيته الا اننا نقدر ان نضع بعض التصورات ومنها ان الله يختار شخص يكتب الوحى,وهذا الشخص يتم رفعه الى مرتبة النبوة,وياخذ هذا الشخص من الله الرسالة مباشرة,ويبداء النبى بنقل تلك الرسالة الى الشعب,وهُنا لابد ان نتكلم عن"العنصر الانسانى"كعامل اساسى فى الوحى"فعلينا ان نعرف هل الانسان عنصر حر فى اختيار" الفاظه؟ام انه مقيد بالفاظ معينه؟والحقيقة انا من المؤمنين بالحرية للكاتب,ولكن تلك الحرية هيا فى يد الله ورعايته,فلا يسمح الله بوقوع الكاتب فى خطأ,كما لا يسمح ايضاً فى تقيد حرية الانسان..


-ونأتى الى معنى"الوحى اللفظى التام"اى ان الكتاب المقدس كلمات كتبها النبى بكل ارادته ولكن الله هو الذى حددها واختارها –بدون ان يُملى اى كلمة-بل ترك النبى للوصول اليها بنفسه,فالله لم يتدخل فى شخصية الكاتب ,بل تركه يكتبها بارادته,وهذا الرائ قريب الى اعتقادى.


-وللتوضيح اُعطى مثال: لنفرض ان الله اراد من موسى النبى ان يكتب عن التاريخ السابق له-قصة الخليقة-فموسى لا يأخذ الطلب الالهى وفكرة الله,ويقوم هو بالاجتهاد للوصول الى "اصل الخليقة وكيفية خلقته"بل لابد ان يكون هُناك حوار وطلب من موسى الى الله ان يُساعده للوصول الى افضل التعبيرات,وحتى لو لم يطلب موسى فهذا دور الروح القدوس ان يُساعد موسى للوصول الى حقيقة التاريخ السابق له ومساعدته فى انتقاء الفاظ سليمة تصلح للوحى.وكهكا كان
مدى صحة هذا القول من خطأئه فهذا لايمنع ان (كل الكتاب موحى به من الله),وهذا هو ما يقولون عنه"الوحى الديناميكى",فالله يتفاعل مع الانسان , فيُعطى الفكرةويترك حرية الانسان فى اختيار الصياغة بشكل كامل.



-وعندما نقول انه وحى"تام"فيكون قصدنا كل جزء فى الكتاب موحى به من الله,والمقصود ان المتنج النهائى هو"وحى الهى"فلا توجد اجزاء موثوق فيها واجزاء مشكوك فيها,واخرى مأخوذة من الاساطير واخرى مأخوذة من الاله.


-فاذا اردنا التوسع فى المعنى اكثر فنقول ان التفاعل الألهى لا يكون بينه وبين الرسول او النبى فقط,بل هو تفاعل ديناميكى مع الشخص المُتلقى الرسالة من النبى والرسول ايضاً,فلروح الله عامل كبير فى فكر وعقلية الشخص المُتلقى,فيقوده الى الفهم السليم للنص,ومضمونه,
فهناك فرق بين الحقيقة ويقنية الانسان منها,فالحقيقة هيا افكار الله التى يوحى بها الى النبى او الرسول,ويقنية الانسان من عدمه تعتمد فى الاساس على مدى طلب هذا الانسان لتدخل روح الله,ليُرشده ويوضح له ما لا يقدر ان
يفهمه وهُنا نقول لمن يدعى بان النص"يُمكن تأويله" الى اكثر من معنى,نقول له:ان كُنت مؤمن بان النص هو "الحق الالهى"والحق الالهى هو مُطلق ولا نقص فيه,فأن كان النص هو الحق,فلابد ان الحق يُظهر نفسه للذين يطلبونه,اما الذين يحيدون عن طلب الحق فلست اظن الا ان الحق يحتجب منهم,اواضعف الايمان لا يُظهر نفسه لهم.فالنص له معنى واحد فقط,والتأويل هو تزيف للحق الألهى المُعلن فى النص الكتابى,فلن اقدر ان اتوصل الى المقصود من النص الا من خلال روح الصلاة والاتضاع,
فبدون هؤلاء لن تقدر ان تصل الى النص او ما وراء النص,كما ينظر المتصوفة


-فالنص فى ذاته لا يُعطى "الحياة او الروح"بل هو يِصل بى الى صاحب "الحياة والروح"فاطلب منه الحياة,والحقيقة لابد لنا ان نعرف ان الحياة تسبق النص ولكن انا لا اعرف الحياة ولا ااخُذها الا اذا عرفت النص,فكما يقول السيد المسيح[الكلام الذى اُكلمكم به هو روح وحياة]فأن كان الكلام فى ذاته هو "روح وحياة"فكم وكم يكون صاحب هذا الكلام؟؟تعجز الكلمات ان
تصفه -واجد نفسى عاجز فى الامور الالهية-وكالمعتاد...التزم الصمت..


-وفى ضوء ما اوضحنا سابقاً,فهُناك سؤال مشروع وهو,كيف نُطبق هذا " المفهوم المسيحى السليم على"وحى نبى الله موسى "وكتابته لسفر التكوين وهل يُمكن ان يقتبس موسى من الاساطير؟.
-فى ضوء ما سبق نقول ان هُناك شخصيين عليه معامل اساسى,وهُم (موسى والله)فالاخير يوحى الى موسى بالافكار (قصة خلق ادم وسقوطه ومعاملته مع الاباء وقصة الطوفان...الخ),علماً بان موسى يعرف تلك القصة من خلال الاباء الاسلاف,فرغم ان موسى يعلم تلك الاحداث-او لا يعرف-فالله يؤكدها له,ويوضحها له,فأن كان يعلم فدور الوحى يؤكد ,وان كان يعلم معرفة خاطئة فالوحى يُصحح لهأن كان لا يعرف فالوحى يُعلن لهفى كل حال فالوحى له دور فى تدوين ما كتبه موسى.



الى هُنا اعننا الرب
مينا فوزى




المراجع المُستخدمة

1) G. K. Beale, The Erosion of Inerrancy In Evangelicalism: Responding To New Challenges To Biblical Authority, CrossWay Books 2008.
3) Young,Edward J.,My Servants the prophets,Eerdmans,1952.
4) معجم اللاهوت الكتابى للكنيسة الكاثوليكية,الطبعة السادسة,دار المشرق
5) النبؤة والانبياء فى العهد القديم الاب متى المسكين,دير القديس الانبا مقار
6) التفسير التطبيقى للكتاب المقدس
7) المرشد الى الكتاب المقدس الدكتور القس اسامة خليل,الكنيسة الانجيلية بقصر الدوبارة
8) العهد الجديد الخلفية الحضارية للكتاب المقدس –العهد الجديد-الثلاث اجزاء للدكتور كريج .س.كينر.
9) برهان جديد يتطلب قرار جزئياً لجوش ماكدويل,دار الثقافة
10) كلمة الله شهادة وخدمة وحياة,الاب متى المسكيندير القديس انبا مقار
11) تقديم الكتاب القمسد تاريخه\صحته\ترجماته الدكتور القس عبد المسيح اسطفانوس مستشار الترجمة فى دار الكتاب المقدس
12) تفسير الكتاب المقدس عند الاباء للدكتور عوض ابرؤاهيم
13) مدخل الى فهم كلمة الله الراهب سيرافيم البراموسى
14) الاعلان الالهى وكيبف كلم الله الانسان القمص عبد المسيح بسيط
15) الوحى الالهى للكتاب المقدس للدكتور ارثر بينك
16) الوحى الالهى مفهومه وصوره للقمص بطرس بطرس مراجعة الانبا بيشوى مطران دمياط
17) المدخل الى العهد القديم للدكتور القس صوئيل يوسف

هناك 4 تعليقات:

  1. موضوع رائع و شيق و أسلوب العرض بسيط و سهل
    إلى مزيد من النجاح و التوفيق
    " و كان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا " ( تك 39 : 2 )

    ردحذف
  2. اشكرك يا مريم
    ربنا يباركك

    ردحذف
  3. عرض رائع للموضوع ..

    ردحذف