مقدمة تمهيدية
- هُناك الكثير من الأمور التي حسبناها مُسلَّمَة .وكما كانت هكذا تكون.ولِسوءِ فهم البعض ,فقررنا كتابة هذاالمقال الذي سيصدِمَكَ أوْ يصطدِمْ هو مع الكثير من الموروثات التي فُهِمَتْ بصورة خاطئة على مدى التاريخ؟...
- النعمة حَسَبْ فِكْرِ آباءِ الكنيسةِ الشرقيةِ,هي قائمة بالأساس على تألِيهِ الإنسانِ ومنْ أجلِ تأليهِ الإنسانِ.إنَّها غايةُ تَجَسُّدِ الكَلِمَةِ.فالنعمة هي عطيةٌ مَجَّانيةٌ.لذا جاءت تعاليم آباء الكنيسة إن مهما عمل الإنسان من أعمالٍ وجهادٍ فلنْ يَصِلْ إلى النعمةِ منْ ذاتِهِ.
- أمَّا اللَّاهوتُ الغربِيُّ.ولأنه قائمٌ بالأساس علَى فِكْرَةِ [القانونِ و التَحَرُّرِ] مِنَ الإدانةِ-الخطيةِ-فهو يَرَىَ في النِّعْمَةِ مُسَاعَدَةً يُعطِيها اللهُ لِلْإنْسَانِ.كَمُشَجِّعٍ دَاخِلِيٍ.يَقْتَادُ الإنْسَانَ للهِ.لِذَلِكَ فَهُنَاكَ إخْتِلَافٌ في مَفْهُومِ النِّعْمَةِ بَيْنَ اللَّاهُوتِ الغَرْبِيّ و اللَّاهُوتِ الشَرْقِي.حَتَّى إن ق.أُغُسْطِينُوس في بَعْضِ كِتَابَاتِهِ كَانَ يَظُنُ إنَّ النِّعْمَةَ هِيَ الرُّوحُ القُدُسُ,وفي كِتَابَاتٍ أُخْرَى حَسَبَهَا مَوَاهِبْ الرُّوحِ القُدُسِ.وفي ظِلِّ هَذَا الإخْتِلَافِ بَيْنَ الفِكْرَيْنِ.إلَّا إنَّ الجَمِيعَ يَتَّفِقُ حَوْلَ قَضِيَةٍ مِنْ أخْطَرِ القَضَايَا التي أحْدَثَتْ صِرَاعًا كَبِيرًا في القُرُونِ الأخِيرةِ . وهي الخَلَاصُ هَلْ يَكُونُ بِالنِّعْمَةِ أَمْ بِالأعْمَالِ[!].
- ولأن فِكْر الآبَاءِ قائمٌ بالأسَاسِ علَى التألِيهِ,وهذا التألُّه يَكُونُ بِالنِّعْمَةِ.لِذَا نَقْدِرُ أنْ نَقُولَ إنَّ أعْمَالَ الإنْسَانِ الَّتِي يُتَمِّمْهَا.سَوَاء أعْمَال خّيْر.أوْ أعْمَال العِبَادَةِ.التي يُتَمِّمْهَا الإنْسَانُ هي في الأسَاسِ ثِمَار ونَتِيجَة لِعَمَلِ نِعْمَةِ اللهِ دَاخِلْنَا.
- كَمَا سَنَرَى إنَّ تَعَالِيمَ آبَاءِ الكَنِيسَةِ وتَعَالِيمَ الإنْجِيلِ تُعَلِّمْنَا إنَّ[الخَلَاصَ هُوَ بِالنِّعْمَةِ]أيْ هِبَةٌ مَجَّانِيَّة لا يَدْفَعْ فِيهَا الإنْسَانُ شيئًا.ومَا عَلَى الإنْسَانِ إلَّا أنْ يَقْبَل هَذِهِ النِّعْمَةِ بالإيمَانِ.ونَتِيجَةٌ لِلْإيمَانِ سَيَكُونُ هُنَاكَ ثِمَارُ النِّعْمَةِ.وهي الأعْمَالُ التي يَقُومُ بِهَا الإنْسَانُ.وهَذِهِ النُّقْطَةِ مِنْ أهَمِ الأُمُورِ الَّتي يَتَفِقُ فِيهَا اللَّاهُوتُ الغّرْبِيُّ والشَرْقِيُّ,حَيْثُ إتَّفَقَ كِلَاهُمَا عَلَى إنَّهُ مُسْتَحِيلٌ أنْ يَكُونَ عَمَلَ الإنْسَانِ هُوَ السَّبَب في نَوَالِ الحَيَاةِ الأبَدِيَّة.لأنَ الخَلاصَ الأبَدِيَ لا يَنْتُج عَنْ اسْتِحْقَاقِ الإنْسَانِ .بَلْ هُوَ هِبَةٌ مِنَ اللهِ لا يَسْتَطِيعُ الإنسانُ الحُصُولَ عَليْهَا بأعْمَالِهِ...
- لَيْسَ كَمَا لَوْ كَانَ الله يَقُومُ بِنِصْفِ العَمَلِ الخَلَاصِي.و نَحْنُ نُكَمِّلُ نِصْفَهُ الآخَرُ.فالله يَقُومُ بالعَمَلِ كُلِّهُ.المَسِيحُ وَحْدُهُ يُخَلِّصُنَا..الله يُخّلِّصُنَا بِنِسْبَةِ 100%.ولِكَيْ نَخْتَبِرَ هَذَا الفِدَاء عَلَيْنَا أنْ يَكُونَ على التآزرSynergyللإسْتِجَابَةِ لَهُ بِنِسْبَةِ 100%.إلا إن هُناك بعض الأباء يرى إن على الإنسان1%وهو ما يختص بالقبول.كما سنرى لاحقاً.
- حِينَمَا يَتَحَوَّلُ الإيِمَان إلى مُجَرَّدِ طُقُوسٍ تُمَارَسْ دُونَ أدْنَى وَعْي أوْ قَلِيل مِنَ الفَهْمِ.فَهَذَا أمْر خَطِير يُحَوِّلُ الإيمَانَ إلى مُجَرَّدِ عِبَادَةِ صَنَمٍ . و هَذَا يَعْصِفُ بِقَضِيَّةِ الخَلَاصِ.الَّذي وُهِبَ لَنَا مِنْ قِبَلِ الربِّ يَسُوع المَسِيح.فإنْ كُنْتُ لا أحْيَا الخَلاص في طُقُوسِي وإنْ لَمْ أفْهَمُ هَذَا الطَقْس.فبالتَبَعِيَّةِ لَنْ أحْيَا حَيَاةَ الإيمَانِ.فَيَتَحَوَّل الإيمَان مِنْ مَصْدَر البَهْجَةِ و الفَرَحِ إلَى مَصْدَرٍ للعُبُوسَةِ والشَّقَاءِ.
- وإنْ كَانَ هَذَا هُوَ نَتِيجَة لِعَدَمِ إدْرَاكِ وَفَهْمِ الإيمَانِ في أسْمَى صُوَرِهِ.فَحَتْمًا تَكُونُ النَّتِيجَة عَدَم فَهْم وإدْرَاك سِرِّ التَّدْبِيرِ الإلَهِي[!]لن نَعُد قَادِرين عَلَى فَهْمِ وحياة خلاصنا[!].ذَلِكَ الخَلَاص الَّذي هُوَ في الأسَاسِ نِعْمَةٍ إلَهِيَةٍ.نِعْمَة لا فَضْل للإنْسَانِ فِيهَا.وعَدَم فَهْم أوْ حَيَاة هَذَا الإيمَان يَقِفُ حَائلاً بَيْنَنَا و بَيْنَ النِّعْمَة المَوْهُوبَة لنا. ولَكَ أنْ تَتَخَيَلَ إنَّ هُنَاكَ مَانِع بَيْنَكَ وبَيْنَ خَلَاصِكَ
- إنْ كَانَ الرَّبُّ قَدْ نَقَضَ هَذَا الحَائِط المُسَيَّج بَيْنَنَا و بَيْنَ قُدْس الأقْدَاسِ.وجَاءَ ليُتَمِّمَ سِرَّ تَدْبِيرِهِ الخَلَاصِي.فَمَا عَلَيْنَا إلَّا أنْ نَتَقَبَّل هَذَا السِّر بِالإيمَانِ. و عَلَيْنَا أنْ نَفْهَمَ هَذَا الإيمَان.لِكي لا يَقِفْ جَهْلَنَا حَائِلاً.و إن كُنَّا لا نَفْهَم ذَلِكَ السِّرِّ تَمَامًا. فَهَذَا لا يَمْنَع فَهْم مَا أعْلَنَهُ لَنَا الرَّبُّ يّسُوع المَسِيح.
- لِذَا عَلَيْنَا أنْ نَفْهَمَ إنَّ الخَلَاصَ هُوَ نِعْمَة, ومُسْتَحِيلٌ أنْ يَكُونَ غَيْر نِعْمَةٍ. فإنْ كَانَتْ أعْمَالي هِي الَّتي تُخَلِّصني فَأًصْبَحَ الخَلَاصُ شيئًا غَيْرَ النِّعْمَةِ.أصْبَحَ أمرٌ عَلَى سَبِيلِ الدِّينِ.وهُنَاكَ مَنْ هُوَ أقَلُّ تَطَرُّفًا في فَهْمِهِ لِهَذِهِ القَضِيَّةِ فَنَسَبَ الخَلَاصَ لـ"النِّعْمَةِ والجِهَادِ", كَمَا لَوْ كَانَت مَوْهِبَةُ المَسِيحِ لَنَا هِيَ مَوْهِبَةٌ نَاقِصَةٌ تَحْتَاج إلَى جِهَادِنا لكي مَا نَقْدِرُ أنْ نُتَمِّمْهَا.
- وبِكُلِّ أسَفٍ إن غِيَابُ فِكْر آباءِ الكَنِيسَةِ.يُؤدِّي بِنَا إلى الإرْتِدَادِ إلَى أعْمَالِ النَّامُوسِ,الَّذي يُنادِي بلُزُومِ أعْمَالِ الجِهَادِ لِكَي مَا نَخْلُص,حَتَّى إنَّنَا لم نعُدْ قادِرِين عَلَى إدْرَاكِ إنَّ النَّامُوسَ كَانَ عَاجِزًا.لِذَا أرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ في شِبْهِ جَسَدِ الخَطِيَّةِ و لأجْلِ الخَطِيَّةِ ليُدِينَ الخَطِيَّةَ [راجع رومية3:8]. ويقول القِدِّيسُ يُوحَنَّا ذَهَبِي الفَم [هذا العَجْز لا يَقُوم عَلَى عَيْبٍ فِيهِ وإنَّمَا عَلَى فَسَادِنَا نَحْنُ الَّذِينَ صِرْنَا جِسْدَانِيين[1].
- ونَتَعَجَب مِمَنْ يُرِيدُ العَودَةَ لنَامُوسِ الفَرَائِضِ,مِنْ أجْلِ الحُصُولِ عَلَى الخَلَاصِ وتَحْقِيقُهُ, وسَبَبْ تَعَجُّبْنَا هُوَ إنَّ المَسِيحَ قَدْ حَرَّرْنَا مِنْ هَذِهِ الفَرَائِض عَيْنَهَا, وكَأَنَّ الإنْسَانَ حِينَمَا يَتَحَرَّرُ مِنَ العُبُودِيَّةِ يَشْتَاقُ إلَيْهَا كَمَا إشْتَاقَ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى العُبُودِّيَةِ بَعْدَمَا حَرَّرْهُمْ مُوسَى (راجع خروج16), وهَذَا الأمْر يَتَعَجَبُ لَهُ الآبُ مَتَّى المَسْكِين قائلاً [فَمِنْ الحَمَاقَةِ أنْ يَطْلُبَ المَسِيحِي الَّذي هُوَ بِلَا نَامُوس أنْ يَعُودَ ويُنْشِئ لَنَفْسِهِ نَامُوسًا مِنَ الأعْمَالِ الإجْتِهَادِيَّة ليَتَبَرَّرَ بِهَا بَعْد أنْ نَالَ بِرَّ المَسِيحِ المَجَّانِيْ لِلْغُفْرَانِ مِنْ كَافَةِ الخَطَايَا][2].
- بَلْ إنَّ فِي رَبْطِ أعْمَالِ الجِهَادِ بالخَلاصِ شيءٌ مَا مِنَ الخَطَأ. قَائِمٌ في الأساس نَتِيجَة لِعَدَمْ وُضُوحِ الرُّؤيَةِ الأُرْثُوذُكْسِيَّةِ لِلْخَلَاصِ,فَبِكُلِّ أسَفٍ قَدْ تَسَلَّلَت إلَيْنَا أفْكَارًا مُشِينَةٍ عَنْ اللهِ,و خَلَاصِهِ الثَّمِينِ,فَهَؤلاء المُنَادِينَ بِضَرُورَةِ الجِهَادِ [أعْمَالِ الجَسَدِ] مِنْ أجْلِ الخَلَاصِ,فَهُمْ بِذَلِكْ يَنْسِبُون العَجْزَ و النُّقْصَانَ لِخَلَاصِ الرَّبِّ الَّذِي أتَمَّهُ عَلَى الصَّلِيبِ.وكَأنَهُمْ يَقُولُون لِلْرَّبِّ [إنَّ خَلَاصَكَ عَاجِزٌ وَ يَحْتَاجُ إلى جِهَادِناَ],و رُبَّمَا لِسُوءِ فَهْمِ [سِرُّ الخَلَاصِ]نُخْطِئُ إلَى الرَّبِّ دُونَ أنْ نَدْرِي . أفَلَا يُحْسَب الإنْسَانُ المسِيحِي- الَّذِي آمَنَ بالمَسِيح ونَالَ البِّرَّ والغُفْرانَ المَجَّانِي و دَخَلَ مَعَ الله فِي مُصَالَحَةٍ وشَرِكَةِ حَيَاةٍ أبَدِيَّةٍ- أنَّهُ يُجَدِّفُ عَلَى الصَّلِيبِ و الغُفْرَانِ المَسِيحِي المَجَّانِي، بَلْ و يَسْتَهْزِئُ بِالإيمَانِ المَسِيحِي إنْ هُوَ ظَنَّ أنَّ بالأعْمَالِ التي يعْمَلْهَا مِثْلَ الصَّوْمِ أوْ الصَّدَقَةِ والسَّهَرِ وقَرْعِ الصَّدْرِ والسُّجُودِ والتَّوَاضُعِ والتَّذَلُّلِ حَتَّى التُّرَابِ، يَتَبَرَّرُ أمَامَ الله أوْ يَتَزَكَّى بِهَا لَدَى الله ويتقرَّبُ؟! لأنَّ الإنْسَانَ لا يَتَبَرَّرُ بأعْمَالِهِ قَطٌّ ولَكِنْ يَتَبَرَّرُ بالإيمَانِ بالمَسِيحِ، والإيمَان بالمَسِيحِ يَتَزَكَّى فَقَط أمَامَ الله[3].
- بَلْ إنَّ مَنْ يُؤمِنُ بِضَرُورَةِ الجِهَادِ مِنْ أجْل الخَلاصِ.دُونَ أنْ يَدرِي يَجْعَلُ خَلَاصَهُ نَتِيجَةً لمُقَايَضَةٍ,مُقَايَضة بَيْنَهُ وبَيْنَ الرَّبِّ,وكَأنَّ الرَّبُّ يُعْطِي الخَلَاصَ مُقَابِل جِهَادِ الإنْسان مِنْ أصْوَامٍ وصَلَوَاتٍ..إلخ,فَأيُّ عَمَلٍ يَقُومُ بِهِ الإنْسَانُ يُسَاوِي مَوْتِ ابْنَ اللهِ؟ فَالمُقَايَضَةِ هُنَا تَتَضَمَّن تَجْدِيفًا,نَجْعَلُ فِيِهِ أعْمَالَنَا الجَّسَدِيَّة مُسَاوِيَة لِدَّمِ ابن الله,وأيُّ عَمَلٍ يُسَاوِي هَذَا الدَّمِ؟.فَرُؤيَةُ الآبَاءِ لِعَمَلِ الإنْسَانِ هي[إنَّ مَا يُقَدِّمَهُ بَنُو البَشَرِ هُوَ لا شيء],لِذَلِكَ نُصَلِّي قَائِلِينَ [إنَّ كُلَّ مَا يُقَدِّمْهُ بَنُو البَشَرِ هُوَ لا شَيْء أمَامَكَ، حَتَى أنَّكَ حَسَبْتَ كُلَّ مَا يَعْمَلْهُ الإنْسَانُ كَخِرْقَةٍ نَجِسَةٍ، فَلَا تُبْطِئ أنْتَ يا سَيِّد بِمَعُونَتِكَ لأنَّ نِعْمَتِكَ تُخَلِّصُنَا مَجَانًا، ومَاء الحَيَاةِ أنْتَ تُقَدِّمْهُ لِلْعِطَاشِ إلَيْكَ بِلَا ثَمَنٍ][4].
- فَخُطُورَة هَذَا التَعْلِيم هُوَ إنَّه إعَادَة إحْيَاء لِبِدْعَةٍ قَدِيمَةٍ إبْتَدَعَهَا[بِيِلَاجْيُوسْ]الَّذِي ظَنَّ إنَّ الخَلَاصَ بِمَجْهُودِ الإنْسَانِ الخَاصِ.بَعِيدًا عَنْ النِّعْمَةِ,وأحْيَانًا مَعَ النِّعْمَةِ[5].وتَمَّتْ إدَانة هَذِه البِدْعَةِ في مَجْمَعَيْنِ مَكَانِيَيْنِ بِمَدِينَةِ قِرطَاجة سنة 411,وسنة[6]418.فقد إعْتَبَرَ الآبَاءُ أنَّ هَذِهِ البِدْعَةِ تَقْضِي بالأسَاسِ علَى [عَقِيدَةِ الخِريسْتُولُوﭽي]والنَتِيجَةِ المُتَرَتِبَة عَلَيْهَا لأنَهَا تَرْفُضُ الجَانِبَ الشِّفَائِي لِعَمَلِ المَسِيحِ الخَلَاصِي.فَالرُؤيَة الأرْثُوذُكْسِيَّة لِلْخَلَاصِ تَرَى أنَّ السَّبَبَ في تَمَتُّعِ الإنْسَانِ بالمَجْدِ ,ونَوَالِهِ الشِّفَاءِ,راجِعٌ إلَى هَذَا العَمَلِ الخَلَاصِي [7].
- وإذَا ألْقَيْنَا نَظْرَةً عَلَى الغَرْبِ بِلَاهُوتِهِ,وفِكْرِهِ الخَاصْ مُنْذُ عَصْرِ ق.أُغُسْطِينُوس,وظُهُور بِدْعَة بِيلَاجْيُوس.ونِقَاش مَسْألَة النِّعْمَةِ وحُرِّيَّةِ المَصِيرِ عَلَى أصْعِدَةٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضَ الشَيْءِ,فيَتَطَلَّعُ كَثِيرُون مِنَ اللَّذِينَ نَشَأُوا عَلَى تَقْلِيدِ أُوغُسْطِين بِبَعْضِ التَّحَفُّظِ إلَى الفِكْرَةِ الأُرْثُوذُكْسِيَّةِ حَوْلَ "التَّنَاغُمِ"أفَلَا تُعْطِ الكَثِيرَ مِنَ الأهَمِّيَةِ للإنْسَانِ والقَلِيلِ للهِ؟ لًكِنَّ التَّعْلِيمَ الأُرْثُوذُكْسِيَّ وَاضِحٌ جِدًا[هاأنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي][رؤيا20:3].يَدُقُّ اللهُ ,لَكِنَّهُ يَنْتَظِرُ الإنْسَانَ كي يَفْتَحَ البَابَ....وإذَا ما حَصُلَ عَلَى نِعْمَةِ الله وحَافَظَ عَلَيْهَا ,عَلَى "اسْتِحْقَاقٍ"ما,فَهِبَاتِ الله هى دائِمًا مَجَّانِيَّة,ولَيْسَ لِلإنْسَانِ أيُّ حَقٍ عَلَى خَالِقِهِ,ولَكِنْ في الوَقْتِ الَّذي لا يُمْكِنَّا "اسْتِحْقَاقِ"الخَلَاصِ,عَلَيْنَا أنْ نَعْمَلَ مِنْ أجْلِهِ لأنَهُ وِفْقًا لما كُتِبَ[الإيمَانُ بِدُونِ أعْمَالٍ مَيِّتٌ][يعقوب17:2][8] .
- وكَانت حُرُومَات مَجْمَعِ قرطاجة لبِدْعَةِ بِيلَاجيوس ,أجْلَى دَلِيلٍ عَلَى خُطُورَةِ هَذِهِ البِدْعَةِ.فَيَقُولُ الأب سليم باسترس :[أنَّ بيلاجيوس قَدْ عَلَّمَ أنَّ الإنسَان يَسْتَطِيعُ تَتْمِيمَ وَصَايَا الله بِقُواهِ الذَّاتِيَّةِ ولا حَاجةً لَهُ إلَى مُسَاعَدَةٍ إلَهِيَّة .ولا لإرَادَةِ الخَيْرِ ولا لِتَتْمِيمِه][9].
- وقَدْ وَرَدَ في البَنْدِ رَقَمْ ثَلَاثَة لمَجْمَعِ قرطاجة(411):[ تَقْتَصِرْ نِعْمَةِ التَّبْرِيرِ عَلَى مَغْفِرَةِ الخَطَايَا التي إرْتَكَبَها الإنْسَانُ بَلْ هي أيْضًا مُسَاعَدَةٍ لِكَيْ لا يُخْطِئ الإنْسَانُ]
- البَنْد الرابع:[إنَّ نِعْمَةِ المَسِيحِ التي تُسَاعِدْنَا عَلَى الإبْتِعَادِ عَنْ الخَطِيَّة ,لا تَمْنَحْنَا فَقَط معْرِفَةِ الخَيْرِ والشَّرِّ بَلْ تَهَبْنَا أيْضًا مَحَبَّةِ الخَيْرِ والقًدْرَةِ عَلَى تَتْمِيمِهِ]
- البَنْدُ الخَامِس:[إنَّ النِّعْمَةَ لا تَمْنَحُ فَقَطْ سُهُولَةً أكْثَرًا بَلْ بِدُونِهَا لا نَسْتَطِيعُ أنْ نُتَمِّمَ وَصَايَا الله]
- البند السادس والسابع والثامن:[ لا يَسْتَطِيعُ ايٌّ مِنَ القِدِّيسِين أنْ يَجْتَنِبَ الخَطِيئَةِ وعِنْدَمَا يَقُولُون "إغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا"يَقُولُون ذَلِكَ عَنْ حَقٍ ولَيْسَ عَنْ تَوَاضُعٍ][10] .
- مِمَّا سَبَقَ نَسْتَشِفُّ إنَّ مِنَ الخَطَرِ أنْ نَنْسِبَ خَلَاصَ الرَّبِّ يَسُوع المَسِيح,إلَى أعْمَالِنَا مَهْمَا عَظُمَتْ. بَلْ إنَّ الخَلَاصُ بأكْمَلِهِ هُوَ هِبَة ونِعْمَة.وأيُّ عَمَلٍ يَقُومُ بِهِ الإنْسَانُ هو نَتِيجَة لِعَمَلِ النِّعْمَةِ التي قَبِلَهَا بالإيمَان.لِذَا فالله هو أسَاس هذا الخَلاص,وأسَاس الإيمَان.بل وهو الأسَاس في أيُّ عَمَلٍ يَقُومُ بِهِ الإنْسَان.وهذا ما أكَّدَ عَلَيْهِ مَجْمَع أورنج 529م.و قَدْ شَدَّدَ عَلَى أمرَيْنِ وهما: إنَّ الله هوَ مَصْدَر كُلِّ إيمان وخَلاص ولا يَسْتَطِيع الإنْسَان أن يقوم بأيُّ عَمَلٍ خَلَاصِي دُونَ النِّعْمَةِ..فالنِّعْمَة تَسْبِق كُلَّ جُهْدٍ بَشَرِيْ وهي مَصْدَر ورَغْبَة صَالِحَة وكُلُّ عَمَل خَلَاصي ولا يستطيع إنسان أن يصل الى الايمان من دونها..والنعمة ضرورية للثبات فى الايمان وتتميم الوصايا والنمو فى الحياة المسيحية[11]
- وبِكُل أسَفٍ إنتَشَرت تَعَالِيم غير سَليمَة عِنْدَ البَعْض.وهذا نَتِيجَةٌ لغِيابِ فِكْرِ الآباء عنَّا.وضاع التَسْلِيمُ الرَّسُولي مِنَّا, .وإنْدَثَرَ اللَّاهُوت الشَّرْقِي الذي لكنيسة الإسكندرية .نتيجة لدخول التعليم الغربي الذي يعتمد في الأساس على ذراع الإنسان للخلاص,مُسْتمِد أفْكارَه مِن الوضع القانوني الذى دَرَسَهُ كثير مِنْ آباء الغرب,فتحوَّل اللَّاهوت الغربي إلى لاهوت قانوني. ينادي بضرورة تَوَفُّر الطُّرُق والوسائل التي تُعيد الانسجام وتضبط تلك العلاقة القانونية بين الإنسان والله...فمثلاً التوبة بحسب الفكر الغربي الذي نادَى بِهِ [العلَّامَة ترتليان] هي إن التوبة[ قيمة مدفوعة من أجْل خلاص الإنسان],مع إنَّ التوبة في اللَّاهوت الشرقي هي[عمل مستمر ومتكرر من أجل تصحيح المسيرة الإيمانية للإنسان][12].
- -وبالرغم من عدم أهمية قيمة الأعمال فى موضوع الخلاص.إلَّا إننا نُعطي أهمية لأعمال الإنسان ولكن ليس من أجل[الخلاص],بل إن أعمال الجسد من[صوم,صدقة,سهر,سجود..إلخ]هي أعمال تُساعد الإنسان لكي ما يدخل في شركة مع المسيح,فإن كان خلاص المسيح هو[نِعْمَة الله المجَّانِيَّة ]فالجهاد هو الدخول في شركة مع المسيح بعينه. فيقول الآب متى المسكين:[لا يوجد إيمان مسيحي ليس له أعمال !!فأعمال الإنسان تكشف عن صدق إيمانه وحراراته[13]... فالأعمال في الحياة المسيحية تكشف عن بر الإنسان الذي ناله بالإيمان بالمسيح وحرارة الإيمان تظهرها حرارة الأعمال[14].
- فنخلص إلى إن الخلاص الذي دبَّره الرب يسوع هو[النِّعمة]والهِبة المجَّانية,لاندفع فيه شيئًا,ولن نقدِر أن ندفع فيه ثمن,ولا يمكن أن نشتري الخلاص بأعمال الجسد,بَلْ كما يقول ق.بولس إن الخلاص هو بالنعمة[أفسس5:2],والمقصود إننا لم ندفع فيه شئ...
- إذًا الخلاص الذي دبَّره لنا المسيح هو[نعمة]وهِبَة مجانية,لا ندفع نحن فيها أيُّ ثمن,ولا نقدر أن نشترى الخلاص بأعمال الجسد.بل كمايقول ق.بولس الرسول[بالنعمةأنتم مخلصون][افسس5:2].والمقصود هُنا إننا لم ندفع شئ فى هذا الخلاص,
- [لا تمثل الصلاة والصوم والسهر وجميع الممارسات المسيحية,رغم أهميتها بحد ذاتها قط هدف حياتنا المسيحية,فليست سوى وسائل ضرورية من أجل بلوغ هذا الهدف,ذاك بأن الهدف الحقيقى للحياة المسيحية هو اكتساب الروح القُدُس,أما الصوم والسهر والصلاة والصدقات وجميع الأعمال الصالحة التى نقوم بها باسم المسيح,فليست سوَى وسائل لاكتساب الروح القُدُس,تَجْدُر الملاحظة أن الأعمال الحسنة التي تُعمَل باسم المسيح ,هي وحدها التي تجلب إلينا مواهب الروح القُدُس[سيرافيم ساروفسكى][15]
تعريف النعمة
- نقدر أن نُعرِّف النِّعمَة بحسب اللغة اليونانية للكَلِمَة.[χάριτί] تأتي بمعنى[هدية,نعمة]جلبت على الإنسان من قِبَل يسوع المسيح[16],وحسب المفهوم الأرثوذكسى فهي[هِبة وعطية إلهية],فـخلق الإنسان من العدم هو نِعمة,و[الخلود نعمة],و[تدبير الخلاص] نعمة,[مُشابَهَتنا لصورة الله نعمة],[حب الله نعمة],إذا النعمة هي عطية من الله للإنسان,عطية تسبق الزمان[17].
- فالنعمة هي إعلان حضور الثالوث القدوس في النفوس .فتحوِّل الشرير,وتُنقى الخاطئ,وتُحرِّر المُستعبَد.فيقول ق.يوحنا ذهبي الفم:[كانوا أشرارًا وتحت نير العبودية,إلَّا إنهم تحرَّروا[من العبودية]لا بمجهود شخصي.بل بالنعمة.فليس هُناك أيُّ قوَّة بشرية تقدر أن تُحررهم من الشرور,لكن شُكرًا لله الذي أراد وقدر أن يُتمم هذا العمل [18].
النعمة فى فكر الأباء
- إن الإبتعاد عن حضن الآباء يعصِف بِنَا لأمورٍ صعبةٍ.ولكن الإلتحاف بهم يضعنا على الطريق السليم.لذا فإننى أود أن نرتجل قليلاً بين كتابات آباء الكنيسة لنتعرف على الفهم الدقيق لمعنى[الخلاص بالنعمة والجهاد]وبالعودة لأبائنا,فإننا نجد إن القديس أثناسيوس الرسولى من أكثر الآباء المُتكلمين عن النعمة . ففي الجزء الثانى من كتاب "تَجَسُّد الكلمة""(فصول7ب-16)يعرض القديس أثناسيوس بتوسع تأنُّس اللُّوغوس الإلهي,أي عقيدة شخص المسيح ونجد هنا للفظة"نعمة"ارتباطين أساسيين:إنها نعمة القيامة,ونعمةالخلقة بحسب صورة الله ومثاله,والتي استعادها الكلمة المتأنِّس للإنسان,انَّ قيامة الجَسَد وإستعادة الصورة الإلهية في نفس الإنسان يُبْرِزَان المعنى الكامل لنِعْمة التأنُّس أو نعمة المسيح المخلص التي تحتضن الطبيعة البشرية [19].
- ولِعَلَّ قليل من التدقيق في صلواتنا القبطية سنكتشف إن أعمالنا لا تُخلِّص.فنصلِّى في نصف الليل قائلين: :[بأعمالى ليس لي خلاص..فأنظر إلى ضعفي يا الله]كما يؤكد ق.افرام السريانى على إن الأعمال لا تقدر أن تُخلِّص,ولا القُوَّة البشرية,ولكنَّها نعمة الله فقط,فيقول:[إن لم تُسرِع وتُشرِق عليَّ بنعمتك يا الله.فلا تقدر أعمالي ولا رجائي أن يُخلِّص][20]. ففي كلِّ ما سبق نؤكد إن أعمال الإنسان مهما عَظُم شأنها فهي لا علاقة لها بالخلاص.ورغم ذلك نحن نؤكد على أهمية الأعمال.فلا يوجد إيمان مسيحى ليس له أعمال!!فأعمال الإنسان كشف عن صدق إيمانه.
- وفى هذا الأمر يقول الآب متى المسكين[لا يوجد إيمان مسيحي ليس له أعمال!! فأعمال الإنسان تكشف عن صدق إيمانه وحرارته ولكن الأعمال مهما صدقت ومهما عظمت حتى وإلى تقطيع الجسد فهي وحدها لا تبرر الإنسان أمام الله أو تقرِّبه إليه،لأن المسيح هو الذي مات وذبح ذاته لحساب الخاطئ، وموت المسيح هو موت ابن الله من أجل الإنسان، وهذا الموت قبله الله فدية كاملة عن كل خطايا الإنسان][21].
- وهُنا نؤكد إنَّ الخلاص يعتمد على المسيح فقط وعمل النعمة.وحينما يقبل الإنسان عمل النعمة .يقبله بالإيمان,ونتيجة لهذا الإيمان سيشتعل قلبه ويبدأ أعمال الإيمان من [صلاة صوم,صدقة..إلخ].فحتى هذا الجهاد وهذه الأعمال كلها بالله معمولة(يو21:3)إذ يُفترض مسبقاً أنه سبق ونال "النعمة"اى سُكنَى الروح القُدُس في النفس لحظة المعمودية,فكل عمله الروحى معمول بالله ,في مشاركة وتناغُم الأثنين يُعبَر عنْهُ باسم"السينرجيا"أى المشاركة في العمل تدبير [22]
- ما يؤكد عليه الآباء والإنجيل المقدس هو إن الأعمال لا تُخلِّص في حد ذاتها.رغم أهميتها.فنجد ق.بولس يؤكد على هذا الأمر قائلا:[ لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه. لأن بالناموس معرفة الخطية] (رو 3: 20).فالإنسان لا يتبرر بالأعمال(غل16:2).ولكن بالإيمان بالرب يسوع المسيح.وهذا الإيمان يكون بإرادة الإنسان.فالتعليم الأرثوذكسى واضح جداً[هانذا واقف على الباب وأقرع.أن سمع أحد صوتي وفتح الباب ادخل اليه][رؤيا20:3]الله يدق,لكنَّه ينتظر الانسان كي يفتح الباب:فهو لا يحطمه .ونعمة الله تدعو الناس جميعًا لكنَّها لا ترغم أحدًا[23].
- فللإنسان حُرية القبول أو الرفض.ولكن تم أسر هذه العبودية تحت نير الفساد.وأصبح الإنسان فاقد للحُرية التي خُلِقَ عليها .فالإنسان قد خُلِقَ على صورة الله يعني في ما يعنيه ارادة حرة[24].ولكن هذه الحُرية فقدها الإنسان حينما دخل الفساد لطبيعته.وحينما يَقرَعُ الرب الباب لدخول النِّعمة التي تُخلِّصنا من هذا الفساد.لنا مُطلَق الحرية أن نقبل هذا أو نرفضه.
- فموضوع الخلاص يعكِس منظوره فيبدأ "بنعمة القيامة"التي تستعيد للإنسان حالة عدم الفساد وعدم الموت,ثم ينتقل إلى استعادة نعمة الخِلْقَة بحسب صورة الله ومثاله,وكأن الأخيرة الآن هي نتيجة الأولى[25]. فالله أراد لنفسه أبناء وليس عبيدًا.والكنيسة الأرثوذكسية ترفض كل عقيدة للنعمة تنقص من حرية الإنسان,وتستعمل الأرثوذكسية تعبيرsynergeiaأو التآزُر.للتدليل على الصِّلة بين النِّعمة الإلهية وحرية الإنسان[26]. والآب ليف جيليهFr.Lev Gilletيقول:ـ[اندماج الإنسان في المسيح واتحاده بالله يتطلبان تعاونًا بين قوتين غر متكافئتين,ولكنهما ضروريتان على حد سواء:النعمة الإلهية والإرادة البشرية][27]
- النعمة الإلهية تَقرع ,والإرادة البشرية تفتح .هل يوجد عدم مساواة أكثر من تلك التي توجد بين النعمة الإلهية والإرادة الحُرة؟إلا إن كلتيهما ضروريتان .الخلاص يتكون من 99.9%عمل الله و1.%المجهود الذى نبذله عندما نفتح الباب لنسمح له بدخول حياتنا [28] .
- إذا فنعمة الله تبدأ بمنح الإنسان نعمة الإشتراك في أمجاد القيامة.فالقيامة في حد ذاتها ليست "نعمة"بل هي إستعلان قوة.ولكن حينما توهب لنا ذات القيامة,ونشترك فيها ,فهُنا يبدأ عمل النعمة في الإنسان.فنعمة القيامة التي تُحرِّك الإنسان من الفساد إلى عدميته,وتُعيد له نعمة الصورة الإلهية والمثال.هذه النعمة synergeia,تُمنح للإنسان,وللإنسان الحرية,لذلك فهُناك تآزُر بين نعمة الله وحرية الإنسان[29].
- فالخلاص يبدأ بفعل الإرادة,حيث تُسلم الإرادة نفسها [للإرادة الإلهية,[لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض]هذه هي بدايةعمليةالخلاص[Soteria].]فقول بطرس الدمشقى[الإختيار الحُر هو بداية الخلاص..وهذا الإختيار يتمثل في تخلِّي الإنسان عن إرادته وأفكاره الخاصة ليعمل إرادة وأفكار الله][30].وفي هذا السياق يقول ق.كيرلس الأورشليمي: [الله الذى يُعطي النعمة ,,أنت تقبلها وتحرسها][31]
- هذا الأمر عينه كان هو دور المسيح.أى إبادة الفساد.وتمكين البشرية من العودة للشركة مع الثالوث,فقد جاء المخلص أولاً ليبيد "نقطة البدء"هذه أو الأصل"بالتحديد بموته الخلاصي وقيامته,ولكي يُمكِّن البشر من العودة الحرة من جديد إلى الشركة معهُ وبه مع الله الآب ,وبتعبير الرساله إلى العبرانيين فانه بموته قد اباد المسيح "الخوف من الموت" الذي شكَّل قوة الخطية والشيطان[32].
- وهُنا يقوم الفهم من جهة الخلاص.أنه يتم بالإيمان,أي أن الإيمان هو واسطة الخلاص,أو هو[الإيمان] الذي يهبنا الخلاص,ولكن هذه المعلومة اللَّاهوتية معكوسة...والصحيح هو أن الخلاص أكمله المسيح للإنسان,وقدمه هبة مجانية للخطاة,فالذي يؤمن ,أي يصدِّق,يحسب الله إيمانه له خلاصًا.فالإيمان هنا ليس هو ثمن الخلاص.لأن الخلاص تمَّ مجانًا ووُهِبَ مجاناً بلا ثمن من أي نوع[35] ..
- لا يُحسَب أي عمل يقوم به الإنسان أنه مكمِّل بل يُحسَب تجديفاً إن ظنَّ الإنسان أنه يبرِّره،وكأن موت المسيح - ابن الله - يحتاج إلى إضافة من طرف الإنسان ليكمِّل به خلاصه.[36].
- ونعمة الإيمان هبة مجانية من الله موضوعيًا وذاتيًا. ويتدخل الإنسان بقبوله أو رفضه هذه الهبة الموضوعية –النعمة-.هذا ما أبرزه أوغسطينوس من خلال مقاومته البدعة"البيلاجية"إذ كانت تعتمد على حرية الإنسان في الإيمان بدون تدخُّل النِّعمة,لذا فقد أظهر اوغسطينوس تَدَخُّل نعمة الله\حرية الإنسان,بعد أن كان-فى بداية كتاباته,قبل ظهور البدعة البيلاجيانية-يُقِر بأن مصدر الإيمان هو الإنسان(ومصدر المحبة هو الله)[37].
- فالخلاص يكمن في النعمة.ولا خلاص خارج النعمة.ومهما نعمل نحن ,فأعمالنا لا تُخلِّص-رغم أهميتها-فأعمالنا هي مُجرد نتيجة لعمل النعمة وإشتعالها في دواخلنا.لذا يقول ق.باسليوس :[في نعمة الله يكمن خلاصنا..وكل ما يصدر عنا مما هو صالح ,فهو من عمل النعمة التي تعمل في كل شئ[38],
- ورغم أهمية الإيمان في تدبير الخلاص,وربَّما نستطيع أن نقول إن من نتائجه الخلاص.فالإيمان هو أول طريق خلاصنا.ونتيجة للإيمان تعمل النعمة في الإنسان.فيقول الآب متى المسكين مُعلِّقاً على هذه النقطة قائلاً:[ إلا إن الإيمان ليس عملاً بحد ذاته حتى يكون له استحقاق,ولكنه هبة توصلنا إلى هبة ,فالله هو الذى يبرِّرنا بالإيمان.فالإيمان هو بدء الطريق الموصل إلى التبرير,والله يبرر على أساس الإيمان أو فى حضوره اعتباراً له.وهكذا الإيمان أداة البر أو كأساس يُبنى عليه ,ولكن الإيمان من ذاته لا يُنشئ البر بدون تدخل من الله.وهذا الأمر واضح فى القول"آمن إبراهيم فحُسب له براً"(رو3:4)فالبر هنا جاء محمولاً على الإيمان ... فيستحيل أن يكون الإيمان مساوياً للبر,لآن الإيمان هو من طرف الإنسان ولكن البر هو من طرف الله.ويستحيل أن ما يقدمه الإنسان يساوي ما يقدمه الله,وإلا يصبح البر حقًا للإنسان.إذ يكون الإثنان قد قدم ما يساويه[39].
- وفى قولنا إن الإيمان هو نعمة وهبة.ففى قولنا هذا ننسب لله هذا الإيمان.الإيمان الذى يطرق بابنا,ولنا حرية القبول والرفض.لذك نقدر أن نقول إن الإيمان ليس من عندياتنا,لآنه لو لم يأت المسيح ولو لم يدعنا كيف كان يمكننا أن نؤمن؟!..عمل الإيمان نفسه ليس من ذواتنا.إنه عطية الله,ليس من أعمالنا[40].
- فالله الكلي الصلاح هو الذي يُبادر ويبادئ بنعمته في دعوة الخاطئ وإنارة ذهنه وفي قيادته للتوبة والتجديد,ثم بعد ذلك تبريره بتجديده وتقديسه في الكنيسة,وكل هذا يهبه الله مجاناً على أساس ومن خلال قوة عمل الفداء الذي أكمله المخلِّص,أمَّا الإنسان- من الجانب الآخر-فهو يقبل هذه النعمة التي سبق وقُدِّمت له,فيشارك معها كليةً في عملها. من أجل خلاصه الشخصى,وذلك من خلال إيمانه وأعماله[قبول النعمة].والإيمان والأعمال في لغة ق.بولس الرسول وجهان لحقيقة واحدة"الإيمان العامل بالمحبة"(غلا6:5)حيث ينفى ق.يعقوب الرسول أيضاً إمكانية انفصال أحدهما عن الآخر"الإيمان بدون أعمال ميت"(يعقوب20:2),أى لا وجود في عالم الواقع الروحى لإيمان مجرد من الأعمال[41].
- وتأكيداً لما سبق دعنا نستمع لما قاله ق.كيرلس الكبير:[هل سمعت كيف أنه يؤكد مراراً ويقول ,بدون تحفُّظ إن النعمة التي برَّرَت إبراهيم لم تُعط عندما كان مختوناً,ولكن بالحرى عندما كان أغرلاً,أيضاً لورثة مواهب الله الذين يسيرون على خُط إيمان ابراهيم عندما كان أغرلاً....ليس جميع أبناء إسرائيل هم إسرائيليين,ولا جميع ذرية ابراهيم هم أولاد ابراهيم ولكنهم يؤمنون بنفس ايمانه (ايمانهم بالمسيح)لأن الوعد صار و أُعطيت النعمة التي برَّرَت ابراهيم حين لم يكن مختونًا بعد بل كان اغلفًا كما تعرف من الكتب.....[42].
- أما وإن كانت عطية البر بالإيمان لم تُعطَ فقط لإبراهيم ,بالرغم من أنَّ الوعد أعطيَ له ,بل أُعطيَ بعد ذلك للجميع اي الذين آمنوا ,فهذا يؤكده لنا ق.بولس[رو23:4-24].....إذن النعمة التى تبررنا هى عطية سماوية,لذا سوف يُحسب هؤلاء أنهم أبناء إبراهيم ,وليس الذين ولدوا منه حسب الجسد,بل كل الذين نالوا التشبه به بغنى وتيقنوا بأنهم إخوة ويؤمنون بربنا يسوع المسيح..[43].
- وفى هذا السياق يقول ق.أغسطينوس[44]:[ إن الإنسان لا يتبرر بمظاهر حياة القداسة وإنما بالإيمان بالرب يسوع، أي ليس بالأعمال بل بالإيمان، وليس بالأعمال الصالحة بل بالنعمة المجانية][45].حتى التوبة-رغم ضروريتها-إلا إنها لادخل لها لا من قريب أو من بعيد فى[الخلاص]كعطية.فهيا فقط تُشبه قبول النعمة,,فى هذا يقول ق.أثناسيوس إن التوبة لم تستطع أن تكفى لخلاص الإنسان,بقدر ما تضع حداً لإرتكاب الخطية,,لكنها لا تستطيع أن تُحرر التائب من الفساد والموت[46].
- فخلاص الإنسان هو هبة إلهية.نعمة حبانا الله بها دون أدنى إستحقاق منا,وأى عمل لنا وأى فضل لنا يساوي حقيقة نعمة الله؟إن نعمة الله تعطَى للإنسان دون أن تنتظر منه أي عمل أو جهاد,ولكن نحن مُلزَمين من قِبل محبتنا لله أن نجاهد ,ليس لإن فى الجهاد الخلاص,بل هو مجرد تعبير عن الحب,فالجهاد فى الصلاة هو من أجل الحب,والجهاد فى أعمال الخير هو من أجل الحب,وليس فى أى من أعمالنا ما يستحق به أن نخلص,لذا فالنعمة الإلهىة هي هبة من الله,بالمجان.
- فلايساوي موتَ ابن الله أيُّ عمل مهما كان. ولا كل أعمال كل إنسان. ولا حتى موت الإنسان، لأن الإنسان هو خاطئ، وموت الخاطئ لا يبرِّرَهُ أبدًا لأنه يُحسَب له عملاً ميتاً لإنسان محكوم عليه بالموت. ولكن عمل ابن الله بالموت الذي ماته حُسِبَ أمام الله مساوياً لحياة كل البشر المحكوم عليهم بالموت لأنه هو الحياة نفسها ومعطي الحياة[47].ولهذا يُكرر ق.يوحنا ذهبى الفم قائلا:[اى تشُكُّك إذًا في خلاصك,لإن الخلاص بالإيمان.لا بالأعمال][48].
- لذلك فالنعمة في ذاتها هى "الهبة غير المستَحَقَّة"أى مجانية,فكلما تمجدت النعمة في عطيتها زاد عدم استحقاقنا ,وكلما زاد عدم استحقاقنا صرخنا بأعلى صوت بالشكر والتبريك والتسبيح ,فالقول[لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا]هو أقصى تعبير تقديم عبادة الشكر والتسبيح بأقصى ما يمكن من الإعتراف للآب بعدم الاستحقاق,إذ هكذا تنازل الآب بهذا الإنعام المجيد المجانى [49].
- إننا مدعُوِّين لنعيش في ملء هذه النعمة التي لا تقوم على استحقاق الآخذ بل على عظمة المُعطِى وعلى غناه الذي يفوق كل حدٍ,القادر أن يبتلع ضعفاتنا وفقرنا وعدم استحقاقنا,ويزيد ويقول:[مملؤين من ثمر البر الذى بيسوع المسيح لمجد الله وحمده][في11:1]..فهو هنا لا يطلب منك ثمر البر بل يعطيه لك بلا كيل ,بلا ثمن ,كحقٍ بلا مقابل,إلا شيئاً واحداً فقط وهو أن تمجد الله الذى أعطاك وتمدحه لآنه تجاوز عن كل ضعفك وفقرك وجهالاتك[50].
- ويقول القمص أنطونيوس فهمى:[النعمة هي عطية مجانية، فالله من محبته أعطانا الخلاص والحياة مجانًا، فالمسيح مات عنا ونحن بعد خطاة أي دون أي استحقاق منَّا أي مجانًا. وهكذا حل الروح القدس علينا مجانًا، فمن كان يستحق هذا، وأي عمل عملناه به نستحق أن يحل علينا الروح القدس. كان كل ما أخذناه ليس في مقابل أعمال صالحة عملناها، ولكن أعطى الله ما أعطاه لنا من محبته. ولو كان الله قد أعطى ما أعطاه في مقابل أعمال صالحة فما هي الأعمال الصالحة التي عملها الأمم حتى يعطيهم الله الخلاص.ولكن: بعد أن ندخل الإيمان يجب أن نعمل أعمالًا صالحة حتى تستمر النعمة منسكبة علينا،أمَا مَنْ يحيا في استهتار فهو غير مستحق للنعمة[51][.
- حقيقة يجب أنْ نضعها في الإعتبار إن خلاصنا غير متوقِّف على الجهاد.خلاصنا لا يعتمد على جهادنا,الخلاص قائم ب \على[دم المسيح],الخلاص الذي فَتَّش عنه الأنبياء(1بط10:1)هو قائمٌ في الأساسِ على التلاقي بين الله والإنسان,وهذا التلاقي تمَّ في ملءِ الأزمنة,حينما تجسَّد كلمة الله ,أخذ من العذراء الطوباوية جسدًا,ولهذا نجد إن الأساس الخلاصي عند القديس أثناسيوس هو إن الخلاص يكتمل بتلاقي حقيقي بين الله والإنسان.الكلمة المتجسد كان الله حقاً.لأن الله وحده هو الذي يمكنه أن يُصالِح مع نفسه البشرية الساقطة[52].
- وأخيرًا أنوِّه كما تم آنِفًا إنَّ الأعمال لها أهمية كبيرة وعظيمة,وهي شيء ضروري في حياة الإنسان.إلَّا إنها بعيدة تمامًا عن ]تدبير الخلاص]الذي أعدَّه الله للإنسان.منذ الأزل.فقط كل ما قيل هو إن الخلاص عطِيَّة مجانية.على الإنسان أنْ يقبلها-وله حق عدم القبول-وحينما يقبلها,يُحْسَبْ هذا إيمان له,ونتيجة للإيمان يبدأ الإنسان في أعمال الحُبِّ تجاه الرب يسوع المسيح,فأي عمل نقوم به هو نتيجة لعمل النعمة في الإنسان.وأي عمل هو حُب من الإنسان للرب الذي أعطى الإنسانية أكثر مما تستحق.
النعمة معكم .آمين.
مينا فوزي
8\9\2015
[1]تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
ص152. القديس يوحنا ذهبي الفم:تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية.الجزء
الثالث,ص19.
[2]شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية.رسالة دفاع عن حق
الإنجيل.ص179-181
[3]شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل
غلاطية.رسالة دفاع عن حق الإنجيل.ص179-181 .
[5]The Oxford
Dictionary for World Religions
[6] دكتور سعيد حكيم:الأباء والعقيدة.ص197.إصدارات مركز الأباء.
[7] الأباء والعقيدة.ص199
[8]كليستوس وير:أسقف ذيوكليا.الكنيسة الأرثوذكسية إيمان وعبادة ص66-67.وايضاً تيموثى وير: الكنيسة الأرثوذكسية.إيمان وعقيدة.ص41-42.
[11]الاب
سليم باسترس: اللَّاهوت المسيحي و الانسان المعاصر-ج2.ص161.
[12] المرجع السابق ص199.
[13]شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل
غلاطية.رسالة دفاع عن حق الإنجيل.ص179-181
[17]كاليستوس وير:أسقف ذيوكليا.الكنيسة
الأرثوذكسية إيمان وعبادة.سلسلة تعرف على كنيستك.ص62-63.
[18]N.&P.Fathers1stSer,Vol.X1P.412
[20] كتاب السبع طلبات لمشاهير القدسين الكنيسة ص46 .
[22]الخلاص بحسب تعليم القديس أثناسيوس
الرسولى ص18.
[27] الآب أنتونى م.كونيارس:حرية مجد أولاد الله.ص36
[28]
الآب أنتونى م.كونيارس:حرية مجد أولاد الله.ص36
[29]تيموثى وير: الكنيسة الأرثوذكسية.إيمان وعقيدة.ص41-42
[30] الآب أنتونى م.كونيارس:حرية مجد أولاد الله,ص33.
[31]St.Cyril of Jersusalem,Lecture I,4;(PG33.376)
[33] الدفنار:دفنار اليوم التاسع عشر من شهر مسرى المبارك.حضور جسد
القديس أنبا مقار الكبير إلى برية شيهيت.
[34]ق.برصنوفيوس:بستان الرهبان .ً181.
[35]الآب متى المسكين:الخلاص والإيمان ص3
[39]الأب متى المسكين:القديس بولس الرسول
حياته,لاهوته,أعماله,ص377
[44] راجع ما قيل عن ق.أغسطينوس حول هذا الأمر,المتضارب.
[45]N.P.Frs1st.ser.Vol.5P.92
[46]ق.أثناسيوس:تجسد الكلمة الفصل السابع.
[48]NP. Frs 1st. ser.
Vol. X1 P. 378
[49]الآب متى المسكين:شرح الرسالة إلى
افسس.للقديس بولس الرسول.ص99.
الفاضل الأستاذ مينا .شكرا لهذا الكم الهائل . الكنز المدفون في بطون الكتب التي تقدم الحق الإلهي . ولو أن شكري جاء متأخرا. من فضلك المزيد . حتى لو على الخاص . القس / ممدوح ملك يوسف
ردحذفمتشكر جداجدا ارجو التواصل معى على الفيس بوك -الله يبارك حياتك
حذف