2024/07/19

اللاهوت السلبى -المدخل الى كريستولوجى القديس كليمنت الاسكندرى(ج2)

 


THE KATAPHATIC WAY

(اللاهوت السلبى )Apophatic theology


  • اللاهوت السلبى لايقصد به وجود شئ سلبى سئ أو قبيح او ضعيف فى الذ ات الالهية ، بل يقصد به   تعالى الله عن الادراك، وتساميه عن كل الأمثلة والرموز التى يعبر بها الانسان عن الله،فالله غير مانتصور.[1]

  • اذا  "اللاهوت السلبى "هو أحد أنواع التفكير اللاهوتى،بغرض التقرب من معرفة الله،وذلك عن طريق النفى،للتأكيد على أن ما تعرفه الخليقة عن الله هو قليل جداـ وذلك لأن الله فوق الادراك،ولكى ما نفهم الله علينا ان ننفى مانظنه فى الله،فهذا النوع من التفكير اللاهوتى يؤكد ان جوهر الله غير معروف ولايوصف بشئ،ويؤكد على عجز وضعف اللغة البشرية فى وصف الله[2]

  • فطريقة النفى(Apophatic) واللاهوت الوصفى موضوعها هو الله بوصفه غير قابل للمعرفة ....فلم يتعلق الامر بالمعرفة بل بالاتحاد، فاللاهوت التنزيهى هو السبيل نحو الاتحاد الصوفى بالله الذى تبقى طبيعته فوق معرفتنا [3]

  • لقد كانت قصة صعود موسى(خروج24) وقصة رؤيا حزقيال(ص1) واشعياء فى الهيكل(ص6)، هى من أكثر الأحداث الكتابية التى استخدمها اباء الكنيسة للتعبير عن "القداسة وإمكانية رؤية الله"

  • وعلى وجه الخصوص اهتم اباء الكنيسة اكثر " بقصة صعود موسى الى الجبل"كنموذج للتعبير عن لقاء الانسان بالله، ابتدءا   من  "فيلو" الى الاباء اليونان،مثل كليمنت الاسكندرى، ثم  من بعده اوريجن، ثم طورها الاباء الكبادوك،واخيرا ديونيسيوس الاريوباغى[4]

  • فلما   صعد موسى الى جبل التأمل for holy contemplation، صعد الى قمة الأمور العقلية , to the summit of intellectual objects، اذ امر شعبه ان لايرافقه،اذ يقول الكتاب"دخل موسى فى الظلام الحالك the thick darkness حيث كان الله،وهذا يعنى للفاهمين ان الله غير مرئى invisible (لايمكن إدراكه) ويتجاوز اى تعبير عنه بالكلامbeyond expression by words ا .[5]

  • هذه الفكر اقتبسها كليمنت من فيلو اليهودى، وطورها فى معرض حديثه عن "اللاهوت السلبى"واخذه فيما بعد الكثير من اباء الكنيسة مثل"العمل المنسبوب ديونسيوس الاريوباغى/القرن الرابع" فيقول:-"فى الغيمة فائقة النور نصلى ،ان نوجد (فيها)بواسطة عدم الرؤية(الحسية)وعدم المعرفة(العقلية)حتى نرى ونعرف ذاك الذى هو فوق اى رؤية وفوق كل معرفة...ونسبح ذالك(الكائن فائق الجوهر بطريقة تفوق الجوهرـوذلك من خلال انكار كل الموجودات(اى النفى)ـ مثل النحات الذى يزيل عن التمثال اى زيادة تمنع المشاهدة الواضحة للتمثال،ومن خلال هذه الازاله وحدها يظهر للعين(النور)الجمال المخفى..يجب التسبيح بتعبيرات النفى بشكل مخالف عما نفعله عند التأكيد لانه عند استخدامنا ذلك الاثبات فاننا بدأنا من (الصفات)الاولى حتى الادنى ـ واما هنا فاننا ننفى كل شئ صاعدين من(الصفات)الادنى الى(الصفات) الاولية (الاسمى)حتى نصل الى تلك اللامعرفة المخفية عن العارفين، فيمكننا ان نرى الغيمة الفائقة الجوهر "[6]

  • ويعلق ق. غريغوريوس النيصى  قائلا:- " انه جبل وعر وصعب المسالك،جبل معرفة الله اللاهوتية،...يسمع(فيه) صوت الأبواق ،..والبوق الحقيقى الذى يطرق الاذان هو كرازة الألوهية الشديدة النيرة...ومامعنى دخول موسى فى الظلام ورؤيا الله..كما لوكان يناقض بعض المناقضة نص التجلى..حيث تجلى الله فى النور بينما هنا يتجلى فى الظلمة...فالمعرفة الدينية(الأدرية) هى فى بدء أمرها نور يُقاومُ به الكفر الذى هو ظلمة,والظلمة تندحر أمام النور...(فبقدر الجهد) تصل (النفس)الى تفهم ماهى معرفة الحقائق،وتقترب أكثر فأكثر من التأمل،بمقدار ذلك ترى أن الطبيعة الإلهية غير مرئية...فبعد ان يتخلى الانسان عن جميع الظاهرات...يمضى للأمام فى الداخل الى ان يخترق(بجهدٍ من الروح) جميع الاحجبة، ويصل الى (غير المرئى وغير المدرك) فيرى الله...بأن يرى غير مرئى.لان مايطلبه يفوق كل معرفة...لهذا يقول يوحنا الملائكى الله لم يراه أحد قط"محدداً بهذا (النفى) أن معرفة الجوهر الإلهى ليست فى مُكنة  البشر وحَسبُ,بل ليست فى مُكنة أى طبيعة عقلية أيضاً, وهكذا عندما تقدم موسى فى المعرفة أعلن أنه يرى الله فى الظلام. أى انه عرفَ أن الالوهة تفوق جوهرياً كل معرفة (أدرية)"[7]

  • كانت هذه الرؤى تعبر عن سمو الله الذى لايمكن وصفه ، وعظمة الله فائقة الفهم ، فحتى لو لم نفهمها بالكامل فهذه الرؤى تحفز فينا عبادة الله المخوف عبادة الهيبة والاجلال...وتعبر عن  قرب الله وتنازله[8]

  • ولهذا نحن صلى فى القداس قائلين " مستحق بالحقيقة وعادل، أن نسبحك ونباركك ونخدمك ونسجد لك ونمجدك أيها الواحد وحده الحقيقي، الله محب البشر، الذي لا ينطق به، غير المرئي، غير المحوي غير المبتدئ الأبدي، غير الزمني، الذي لا يحد، غير المفحوص، غير المستحيل، خالق الكل، مخلص الجميع،" [9]

  • يبدأ لاهوت كليمنت وينتهى عند العجز البشرى فى ادراك مالا يمكن ادراكه،(فالله هو ذلك الشخص الذى لانعرف عنه شئ،ولانقدر ان نتكلم عنه) حتى يصل بنا كليمنت الى دور اللوغوس فى اعلان الاب للإنسان العاجز نظراً للسقوط وتشويهه بالخطية،ذلك الاعلان الذى نختبره بتجسد اللوغوس...

  • ويمكن تلخيص فكرة اللاهوت التنزيهى عند كليمنت فى قوله:- "ويبقى –لنا- ان نفهم المجهول-الله-من خلال النعمة الالهية،وذلك يتم من خلال الكلمة-اللوجوس-وحده الخارج منه،طبقا لما يرويه لوقا ان بولس قال:ايها الرحال الاثينيون اراكم من كل وجه كأنكم متدينون كثيراً لأننى بينما كنت أجتاز نظرت معبوداتكم ووجدت مذبح مكتوب عليه "للإله المجهول" فالذى تتقونه وأنتم تجهلونه هذا انا أنادى لكم به"[10]

---------------
المراجع:-
[1]للمزيد راجع
Simon Hewitt, Negative Theology and Philosophical Analysis: Only the Splendour of Light, Palgrave Frontiers in Philosophy of Religion (Cham: Palgrave Macmillan, 2020).

[2]Deirdre Carabine, The Unknown God: Negative Theology in the Platonic Tradition: Plato to Eriugena (Eugene, Oregon: Wipf & Stock Publishers, 2015), 119,

[3]فلاديمير لوسكى،اللاهوت الصوفى لكنيسة المشرق(بيروت،دير الحرف،1994)23

[4]Stephen C. Barton, Holiness: Past and Present (London: T & T Clark, 2003), - 219 220

[5]Clement , Ferguson, Stromateis.5:12:2

[6]جورج فرج،اللاهوت الباطنى لصاحب الاسم المستعار ديونيسيوس ،ط1(القاهرة،المركز الأرثوذكسى،2020)111-112

[7]غريغوريوس النيصى،حياةموسى او الكمال فى الفضيلة،أقدم النصوص المسيحية،ط1(لبنان،المكتبة البوليسية،1006)86-91

[8]د.أنجيلا راسل كريستمان،ماذا رأى حزقيال بالفعل ؟التفسير المسيحى لرؤيا حزقيال حول المركبة من إيرينيؤس إلى غريغوريوس الكبير،ط1 ترجمة د.بيتر فيليب(القاهرة،مدرسة الاسكندرية/2021)8

[9]القمص عبد المسيح صليب البرموسى المسعودى،الخولاجى المقدس،ط5(وادى النطروت،دير السيدة العذراء براموس،2015)531-532

[10]Clement, Ferguson, Stromateis.5:12:11

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق