2016/04/29

الطمث والإفخارستيا والإله الندل


  • أعرفه صديقاً منذ ما يقرُب من سبعة وعشرون عاماً, جالساً جانبى فى المدرسة مُلازماً لى فى الكُلية, معى فى النادى, فى اللُعب , التمشية, فى كُل شئ ,كان حقاً صديق العُمر, ولكن كُلما مرضتُ أو تغيبتُ عن المدرسة أو الكنيسة أو حتى الخدمة وجدته "لايتصل ليسأل عنى".فكان تصرُفه هذا أمراً غريباً بالنُسبة لى.
  • وغرابة تصرفه نابعة من عاداتُنا المُجتمعية إذ نتعلم إن الأحباء يقومون بالزيارة والإتصال والسؤال, إلا ذلك الشخص رفيقُ العُمر. فعلى مر سبعة وعشرون عاماً لم يُفكر يوماً أن يسأل عنى فى مرضى, رغم إننى دائم السؤال عنه كلُما غاب,بل دوماً ما أُعاتبه حينما لا أجده معى وحينما لا يسأل عنى, ولكنه لا يسمعُ لى[!].
  • وهُنا نتساءل ما الفرق بين صديق لايسأل عن صاحبه فى لحظات مرضه وبين إلهاً يرفض أن تتصل به إمرأة فى حالة طمثُها[1]؟ إنها الندالةٍ بعينُها, إلهاً يخلقُ خليقته بوضعٍ مُعين ثم يرفص الإتصال بها فى حالة مرضُها[!]ألا يعلمُ هذا الإله إن النساء فى هذه الفترة يكونن فى حالةٍ صعبة؟ ,ألا تستعطفه حالة النسوة فى ذلك الوقت؟أم إن قلبه قلب حجر لم يشعُر بخليقته؟. إلهاً يتخلى عن خليقته لايستحقُ أن يكون إله, أو ليكُن إلهاً للأندال أمثاله.
  • فنحنُ اليوم فى يوم الجمعة العظيمة, إذ نُكرز بإلهاً صُلب وتألم من أجل البشرية, إلهاً يُحب فبذل, إلهاً يُحب فإتحد, هذا هو الإله الذى تُكرز به الكنيسة, إلهاً يُحب, ولا تعرف الكنيسة سوى إلهاً يُحِبُها. بذل جسده ودمه لها لكى ما تكون-الكنيسة-فى حالة إتحاد دائم به,وبل أخذ هذه الكنيسة ليُكون بها أعضاء جسده كما يُعلمُنا بولس الرسول.
  • هذا هو الأساس اللاهوتى  للإفخارستيا.الإتحاد والشركة, ولهذا السبب قد أعطى الرب جسده ودمه للكنيسة لكى ما تأكل منه وتتغذى يومياً,إن الإفخارستيا غذاء المؤمنين, فكيف لله أن يمنع المؤمنين من الغذاء؟ألا يتنافى هذا مع مشاعر وصفات الأب الذى نؤمن به؟ أم إنه أبُاً ندلاُ كُل همه ذاته فقط؟
  • إن إله الإفخارستيا, إله العهد  لم يكُن يوماً ذاتى الإحساس والمشاعر, بل إنه صفته المُميزة والمعهودة منه إنه إلهاً يُقيم خارج ذاته, ولا يُفكر فيها, فساعة العشاء أكد إلهُنا على هذا الأمر, حينما بارك وشكر وكسر,فأعطانا الخُبز المُحيى الذى من السماء[2].
  • نحتاجُ أن نتعلم ما هو اللاهوت الأرثوذكسى الذى للإفخارستيا من ثم نتحدث عن تناول الحائض وتناول المُحتلم. إن التيِهة عن تعاليم الآباء [3] والتغرُب عن الأرثوذكسية[4] يقودُنا إلى أموراً بعيدة كُل البُعد عن سر التدبير الإلهى[5]. 
  • كما يُعلمنا ق.غريغوريوس النيسى إن الإنسان  دوماً فى إحتياجٍ للإفخارستيا,  لكى ما يتحول إلى طبعه الخاص(أى الخاص بالله), إذ يقول:"كما أن الذين تناولوا سُماً بمكيدة أعدائهم يبطلون مفعوله المُهلك بواسطة عقار أخر...هكذا نحن الذين أكلنا ما انحلت به طبيعتنا[6], نحتاج بالضرورة أن نتناول ما يجمع  من جديد هذه الطبيعة المنحلة بحيث أن هذا الترياق الحال فينا يبطل بقدرته الشافية الخاصة تلك الأضرار التى أصابت الجسد من ذلك السم...حينما يحل-جسد الرب- داخل جسدنا فإنه يحوله وينقله كله إلى ذاته ..حينما يحل فى الذى يتناوله فإنه يحوله بكامله إلى طبعه الخاص"[7].
  • تُرى حينما بذل الله وأعطى جسده المُحيى لنا, هل إستثنى النساء من التناول ونقل جسد المرأة إلى طبعه الخاص؟ أم إنه نقل النسوة جميعاً ولكنه سيُبعدهُم فى حالة طمثهم؟ أظن إن التقوى الأرثوذكسية لاتقبل هذا الإستبعاد والعزل.
  • وإن كان عشاء الرب مُستمر حسب تعليم ق.يوحنا فم الذهب[8], فهل نحن  نوقف العشاء من أجل المرأة؟فبمنعنا إياها نوقف العشاء,فكيف لأباً-الله- أن  يتعشى هو وصُحبته وبنته جائعة بالخارج؟فالعشاء والمائدة المُقدسة ما هى إلا شركة, ولا شركة دون وجود المرأة نصف المُجتمع ونصف الكنيسة, ولا كنيسة بدون إمرأة تُشارك رجُلها العشاء.
  • وبحسب تعبير ق.كيرلس فإن الخالق يُقدم نفسه لخليقته لتسعد به, فهل فى حالة طمث المرأة يمنع الله السعادة عن خليقته؟وبالتبعية يمنعها عن المُحتلم؟ فيقول ق.كيرلس:ـ "يالرحمة أحشاء الله إلهنا التى لا تُستقضى!الخالق يُقدم نفسه لخليقته لتسعد به الذى هو الحياة ذاتها."[9]
  • والغريب إن ق.كيرلس الكبير يدعونا أن نتمسك بجسد الرب ودمه لكى ما يُحررنا من عللنا النفسية ومن ضلال الشياطيين[10] ومكرهم[11].لنقرأ ما قاله ق.كيرلس بأكثر تفصيلاً:ـ
{لما دخل بيت بطرس, وكانت العجوز منطرحة على الفراش, مريضة بحمى شديدة فمع كونه كان قادراً أن يقول كإله:"دُعنى عنك المرض وقومى", لكن لم يفعل ذلك بل بالحرى أظهر أن جسده الخاص قادر على منح الشفاء لأنه كان جسداً لله, فأمسك بيدها[12], وللوقت كما يقول الكتاب تركتها الحمى. إذن فلنقبل نحن أيضاً يسوع لأنه حينما يدخل فينا ونقتنيه فى قلوبنا وأفكارنا فهو يطفئ منا حُمى الشهوات الرديئة ويقيمنا ويجعلنا أصحاء...إذن فلندعوه يُمسك بنا نحن أيضاً, أو نُمسك نحن به بواسطة سر الأولوجيا[13] حتى يُحررنا من عللنا النفسية ومن ضلال الشياطيين ومكرهم.}[14]
  • ليتنا نصحو ونفيق قبل أن نأخذ دينونة منع إمرأة من الإشتراك فى جسد الرب ودمه,ليتنا نتوقف عن إهانة الإله الذى أحبنا, فهو لم يكُن يوماً ندلاً. كما نُصلى أيضاً أن يُرشد الرب المجمع المقدس ليعمل على تحرير أسرى الناموس,فليتمجد الرب فى كنيسته التى هى جسده وأعضاءه من رجالٍ ونساءٍ.آمين.


النعمة معكم

مينا فوزى












[1] الدورة الشهرية, ويُقال عنها أيضاً الحيض.

[2] بتصرف من الحوار الأول فى الثالوث,للقديس كيرلس الكبير.

[3] يوجد قليل القليل من الآباء يمنع التناول ومنهُم البابا تيموثاوس الأول,والبابا ديونثيوس السكندرى, والأخير يُعطى جواباً للراهب بسيليدس ويطلب منه أن يُصححه له لكى ما يتأكد إن ما يقوله هو عادل ومقبول.أما قوانين هيبوليتُس فمشكوك فى صحة من قام بتجميعُها من الأساس.

[4] راجع المؤلف:التغرب عن الأرثوذكسية.

[5] التدبير الإلهى هو فكر الله الخلاصى منذ البدء ويُمكن أن نقول إن كل من:"التجسد والألم والصلب والموت والقيامة والصعود والجلوس عن يمين الآب "ضمن التدبير الإلهى, وحسب الفكر الأرثوذكسى إن كل ما تم قد تمً من أجلنا.

[6] المقصود بها الثمرة المُحرمة التى تناولها أدم, وكما نقول فى القداس غرساً واحداً نهيتنى أن أكل منه.

[7]NPNF.,Vol.V,P504-505

[8] راجع عظة5:82على إنجيل متى

[9]Sermon 10 on the Mystical Supper

[10] الغريب إن ق.أثناسيوس يدعونا أن نحترس من حيل الشيطان لأنه يتحايل لإزعاج البسطاء ويُحاول أن يعيق الإخوة عن الممارسات العادية,ملقياً بينهم سراً أفكاراً عن النجاسة والدنس...إلخ(راجع رسالة ق.أثناسيوس إلى الراهب أمون,كتاب الملامح الوثائقية والليتورجية لكنيسة الإسكندرية فى الثلاثة قرون الأولى, ص346.)

[11]Luke4;3510

[12] (متى15:8),(مر21:1)


[13] اى: الإفخارستيا


[14]!3 Luke4;35

2016/04/21

الانرجيا للأب أثناسيوس حنين

خواطر حول معنى التعبير (الأينيرجيا)
Η Ενεργεία
الاب اثناسيوس حنين – اليونان


  • سألنى كاهن صديق وصدوق عن معنى التعبير "الانيرجيا" ’ التى كثيرا ما ترد فى مقالات وكتابات لها علاقة بالأباء واللاهوت . وطلبات الأحبة فى الكلمة ’ أوامر . صديقى الكاهن يؤمن بما قاله قديما الفلاسفة اليونانيون " أن بداية التربية الصحيحة والثقافة الرصينة ’ هى الدراية بمعانى الالفاظ".
  • أهمية الكلمات تأتى من حقيقة أن الثقافة المسيحية برمتها هى عمارة فكرية ضخمة مؤسسة على شخص المسيح ’ اللوغوس - الكلمة. مادام الكلمة قد صار جسدا ’ فقد صار لكل كلمة جسدا تاريخيا . التاريخ كله هو امتداد لجسد الكلمة ومن هنا يأتى غنى الكلمات فى اللاهوت بلا أدنى محاولة لفصلها أو تغريبها عن أصولها الثقافية أو تيتيمها عن بيت أبيها.
  • الأصل الثقافى يصير ’عند الفاهمون ’ غنى للامتداد اللاهوتى. اللغة  عند كيرلس  هى الوعاء الحامل للروح ’ لا يوجد لغة وثنية ولغة دينية ولغة لاهوتية ! . هذا يفسر ديناميكية الكلمات ومكانة الثقافة عندنا نحن المؤمنون بالكلمة ’ وهذا يفسر أيضا لماذا لا نقدر ’ نحن اللاهوتيون المسيحيون ’ أن نقبل ثقافة التنزيل فى لاهوتنا ’ تلك الثقافة التى ضربت فى وقت ما العقلية المسيحية ’ حينما تعربت وتغربت عن جذورها اللغوية القديمة سريانية كانت او قبطية أو يونانية.ولكن الأيام أثبت خطا نظرية أن العربية قد أبت أن تتنصر.
  1. الأنيرجيا هى كلمة لاهوتية وناسوتية من الطراز الاول. لابد فى بداية رحلة التعرف على "الأنيرجيا " الكلمة قبل ان نبحث فى الانيرجيا المعنى ’ أن نعود الى القواميس الكبرى فى اللغة اليونانية ’ والباحثون المثققون يرجعون الى ثلاث قواميس اساسية فى البحث فى أصول الكلمات وعلم تأويلها الى المعانى :ـ
  1. الأول يعطينا أصول الكلمة فى بيئتها اليونانية القديمة وكما أرادها أهلها ’ أى مسقط راس الكلمة وهذا القاموس هو "ليدل –سكوت " 
  2.  ثم نتعرف على الكلمة فى اسرتها المنسيحية الاولى وهى العهد الجديد ’ أى قاموس العهد الجيد والادب اليونانى الاول.
  3.   ومن ثم نعرج على الكلمة عند الاباء وفى تاريخ اللاهوت والفكر المسيحى وتطورها وهنا نفتح قاموس (لامبى . 




 الانيرجيا فى اللغة والتراث اليونانى القديم :
Ένεργάζομαι , ένεργεία                (ليدل –سكوت صفحة428)
  • بالمنفعة ’ الانيرجيا هى من فعل (انيرجيسومى) وهو فعل مبنى للمجهول يعنى أن أقوم بعمل ما يعود على بالنفع ’ ومنه تأتى كلمة(أكشن) . الكلمة العربية يمكن أن هى الطاقة والفعل والحركة الفاعلة والطاقة الخلاقة ’ لهذا صارت فى اللغات الاوروبية الحديثة كما هى Energy

  • وبعد أن تعرفنا على مسقط رأس الكلمة وعائلتها ’ نذهب الى الفكر المسيحى لنرى كيف وظف العلماء المسيحيون الكلمة . نجد أمامنا المرجه الهام "قاموس العهد الجديد ولأدب اليونانى الأول" ’ وهوكباقى القواميس باللغتين اليونانية والانجليزية .
  • ونقرا فى باب (أنيرجيا) أن الكلمة قديمة الأيام وهى قبل سقراط وتعنى "فعل ونشاط" الاله ذيوس فى الميثولوجيا القديمة.
  •  ولقد وردت فى العهد القديم بمعنى الارواح الخيرة والشريرة الفاعلة فى التاريخ ’ ولقد وردت فى العهد الجديد بمعنى القوة الأتية من الكائنات الفوق الطبيعة ’ القوة الروحية ’ و فى الرسائل بمعنى الطاقة والفعل (أفسس 1 ’ 19 ’ كولوسى 2 ’ 12 ’ فيليبى 33 ’ 21)( 2تسالونيكى 2 ’ 9 ).
  •  واذا ما جئنا الى المعجم الابائى (لامبى ) وفتحنا باب (انيرجيا ) ’ سنجد (خير الله ) كما يقول الشوام ’ فالكلمة ومشتقاتها عند الأباء تحتل الصفحات من 470 الى 473 وكل صفحة عمودان بالبنط الصغير ’ وسوف نحاول استخراج الخلاصة اللاهوتية .
  • الأباء يرون فى التعبير "انيرجيا " كل حركة وقوة خارجة من الجوهر ’ الأنيرجيا أتية من الأوسيا . وهنا نحن فى قلب الرؤية اللاهوتية والخرستولوجية والابنفماتولوجية للكلمة . فالانيرجيا هى القوة الأتية من الجوهر ’ وهى ليست الجوهر ’ لحل المعضلة سماها الأباء ومنهم بالاماس (الطاقات الغير المخلوقة) ’ 
  • زى لهب النار هو هو النار ولكننا لا نرى الشعلة أو الفونية نفسها فهى مختبئة تحت النار ’ يمكن أن نمرر ايدينا وسط شعلة النار بسرعة بس ما نقدرش نمسك الفونية المولعة نفسها هنا نجد فعل واثر النار ومصدر وجوهر النار . زى الكهرباء اقدر امسك أو المس لامبة مولعة بس ما اقدرش احط ايدى فى مصدر التيار الكهربائى!! والتيار ومصدره واحد بس الفارق هو الفارق بين جوهر التيار وطاقه التيار .
  •  لقد استخدم الأباء التعبير (الانيرجيات الغير المخلوقة) لايجاد حل لاهوتى لمعضلة روحية كبيرة ’ وهى شركتنا فى اللاهوت ؟ ماذا نأخذ من اللاهوت ؟ حينما نقول "نحن شركاء الله " ماذا نعنى ؟ ماذا يعنى الثيؤسيس ؟ ما هو معنى النعمة ؟ هل علاقتنا بالله علاقة لفظية أو واقعية ؟ ما هو دور المسيح فى القضية ؟ ما هو معنى الاية البطرسية (شركاء الطبيعة الالهية) ؟ ما هى الافخارستيا ؟ كيف يحل فينا الروح القدس أقنوميا أو مواهباتيا أو ماذا ؟
  • (الله لم يراه أحد قط ’ الابن الوحيد الذى هو فى حضن الأب هو خبر ) ’ نعم الانسان لا يرى جوهر اللاهوت (الأوسيا) ’ ولكنه يعرف طاقات اللاهوت (الانير جيا - الكلمة ).
  •  وهنا أنبرى الأباء وسموها (الطاقات الغير المخلوقة ) أى الافعال اللاهوتية المنسكبة من اللاهوت والأتية الينا فى أشكال محسوسة ’ أفعال ملموسة تحمل طاقات الجوهر ولكن لا تكشفه ’ بل تعلن حضوره الفاعل.
  •   هنا يختبر الانسان فى صمت ’ ويذوق فى ذهول ’ ويشارك فى عمق ’ ويبشر فى ملء ويأكل الكلمات الحية ’ ويتعاطى اللاهوت حتى الثمالة (هؤلاء الناس سكارى قالوها عن تلاميذ السيد يوم حلول الانيرجيات اللاهوتية على التلاميذ )
  • شركتنا فى المسيح هى شركة فى ملء اللاهوت الذى سر أن يحل فى المسيح ’ ولكنها شركة ليست فى جوهر اللاهوت ’ بل فى اللاهوت الذى حل فى المسيح (جسديا ).
  •  أى فى الطاقات الالهية النازلة على جسد المسيح والحالة فيه بغير اختلاط ولا امتزاج..نروح بعيد ليه ؟ سؤال احنا بناكل ايه فى المناولة ؟ الاجابة على ضوء الانيرجيا تصير اكثر وضوحا ’ نحن لا نأكل جوهر اللاهوت والا صرنا الهة فى الجوهر ’ كما لا نأكل خبز حاف ’ عيش يعنى بروسفورا مختمرة.
  •  امال بناكل ايه ؟ بناكل اللاهوت ’ نعم ’ لكن اللاهوت الاوسيا فى اطلالاته وانيريجياته الناسوتية بلا افتراق ولا اختلاط ولا تغيير ولا امتزاج (خلقيدونية).
  •   هنا العقيدة وقرارات المجامع ليست ترف فكرى أو فذلكات بيزنطية أو عنادات فرعونية ’ بل هى واقع فعل لاهوتى حقيقى ومصيرى فى خلاص الناس ! 
  • بناكل لاهوت متحول طاقات لاهوت وانسانية بالروح الفاعل (هنا تحول اللاهوت لانيريجيات وليس استحالة جوهرية ولعل تعبير الاستحالة الجوهرية كان محاولة عقلانية مقبولة فى زمن غياب اللاهوت الابائى ’ لحل المعضلة لأن التعبير نفسه يحمل تناقض ’ الاستحالة الجوهرية ’ 
  • الواقع هو أن الجوهر يستحيل ان يستحيل الى جوهر ! الجوهر يصير طاقات غير مخلوقة ولكنها جوهرية نعم هذا كلام ابائى وروحى ولاهوتى وليس فلسفى وان استعمل تعبيرات الثقافة السائدة !). بناكل المسيح يسوع فى ملء لاهوته المتأنسن وناسوته المتأله . الأهم من كل هذا هو أحنا.
 
  •   أن أحنا بنتحول ’ كلنا ’ الى جسده الفاعل (الانيرجيا ) الى الكنيسة المؤلهة وبيت المتالهين العقول ’ الكنيسة جسده الممتد بفعالية فى تاريخ العالم بالشهادة والكرازة والبشارة والحب لكل انسان ايا كانت ركائبه . الكنيسة تصير انيرجيات الله فى العالم لأنها جسده من لحمه ومن عظامه ’ ومن هنا تأتى (الانيريجيا) الى اجساد القديسين ’ اى اللى اخدوا المسيح على محمل الجد وأكلوه لاهوتا متفعلن ومعلن فى الخبز والخمر.
  •  فتصير (لباساً أى رفات قديسين ) . هنا تاخذ كل الوسائل المادية قوتها الروحية واللاهوتية ’ الايقونة الخشب تصير مطرح سجود واطلالات ’ جرن الميه تصير واسطة ولادة بالروح ’ الزيت يصير ميرون حامل روح الحياة ’ الموسيقى والالحان تصير طريقنا الى الملكوت الكلمة والكتاب والكتب ’ كل الكتب ’ تصير حبنا الاول ومحجتنا وونسنا ’والمبانى والملابس والصلبان والمباخر وقيس على ذلك. 
  • تصير المادة ’ أى مادة الكون ’ افخارستيا ’ على رأى استاذنا العظيم الكسندر شميمان (التقيت به فى مصر مع الدكتورالحبيب نصحى عبد الشهيد وكان لقاأء افخارستيا بالمعنى الكونى للتعبير !!!) . كل ما نلمسه بالانيرجيا الالهية ’ يصير له معنى وجودى وليتورجى. الليتورجيا هى الانيرجيا السماوية ’ هى تنازل اللاهوت الجوهر ’ للناسوت الانيرجيا لكى ما يكمل عمله فى العالم . 
  • هنا يعود الانسان المخلوق ليصير ايقونة الله الغير المخلوق ’ ذلك بعد أن صار المسيح فى ناسوته-المولود ’ ايقونة اللاهوت الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .لسبب البسيط وهو أن ولادة يسوع هى ولادة روحية ولادة الانيرجيا – الانسان من الاوسيا – الله . .وهنا يأتى دور الروح القدس كمصدر "الانيرجيات" اللاهوتية فينا وفى العالم . 
  •  جنبا الى جنب مع معنى الكلمات ’ يسير اللاهوت فى مسيرة المجامع المسكونية والحوارات الكبيرة والطويلة عن الثالوث والعلاقة بين الاوسيا والانيرجيا والبروسبون والخاريس والخاريسما والثيؤسيس وغيرها من التعبيرات اللاهوتية التى أقلقت الانسان ’ ومزقت الكنيسة جسد السيد ’ وشغلت الأباء ’ ورسمت طريق الخلاص .
  •  ستظل هذه الكلمات والالفاظ مصدر تعب وعثرات طالما حصرناها فى مجال الجدل العقلانى والفذلكات الميتافيزيقية والتدين الفريسى وبذرناها وبددناها فى الضلال العقلانى فى الكور البعيدة مع زناة الفكر وتجار الكلمات
  • بينما ستتحول الى جنة لاهوت وبستان بركات وينبوع نعم ’ اذا ما قرأناها فقط فى وجه الانسان ومن أجل خلاصه وتقديسه وثيؤسيته ’(اى وزجه الانسان يسوع).
  •  ومنها ارتقينا الى الاله الرب فى شخص الكلمة . الكلمة صار فعلا من أجل الانسان , كان المترجم الفرنسى ملهما بالروح حينما قام بترجمة الاية (فى البدء كان الكلمة) قال
(Au commencement Etait le Verbe)
(فى البدء كان الفعل الأكشن – الانيرجيا )
  
  • هذا هو معنى الاية اليوحنائية (الكلمة صار فعلا) وهنا تلتقى الايات مع الاباء ’ يعوزنا الوقت لندرس رؤية اغريغوريوس بالاماس’ نحن نجد بعض العذر للاهوتى والمسيحى المصرى لأن التعبير (الطاقات الغير المخلوقة ) هو تعبير ظهر وتطور فى مراحل لاحقة بعد القرن الخامس .
  •  وان كان كما قلنا له جذوره فى القرون الاولى ’ ولكنه مثله مثل كافة التعابير اللاهوتية ’ ظهر لسد احتياج رعوى مُلح ولحل معضلة تتصل مباشرة بخلاص الانسان .
  •  واحيانا للرد على الهرطقات والتى بدورها تشوه خبرة الكنيسة اللاهوتية وتعرقل عملها الرسولى والكرازى وتشوه حوارها مع الثقافات السائدة . ان كل كتابات الاباء والمجامع المسكونية لها هدف واحد وهو أن يحل الله بطاقاته الغير المخلوقة فى الانسان ليقدسه وليؤلهه وليملائه بكل ملئه .
  •  هذه هى النعمة ’ هذا هوايمان الأباء ’ هذه هو شهادة المجامع .كما ستصرخ الكنيسة وترتل وتهلل وتزف الايقونات فى الاحد القادم ’ الاحد الاول من الصوم العظيم ’ احد انتصار الايمان اللاهوتى (الثيؤلوجيا) والفاعل فى التاريخ بالطاقات (الأنيرجيا) الغير المخلوقة’ أحد الايمان المستقيم ’ احد الارثوذكسية .
 
بقلم
الاب اثناسيوس حنين – اليونان
 

2016/04/17

محاضرتى فى المركز الآرثوذكسى بعنوان(كيف عاش الآباء الفكر اللاهوتي)

https://www.youtube.com/watch?v=2G0tZe6hIBk&index=7&list=PL-E3DKrG90fDVkk-JcRjTXziUgCKHpsVe

اللاهوت عند إكليمندس الرومانى






  التعريف بالقديس إكليمندُس:ـ

  • هو "تيطُس فلافيوس إكليمندس",و لد تقريباً(155م), وقد ولد فى أثينا[1].كان من أشهر مُعلمى مدرسة الإسكندرية,وأول من قام بربط الفلسفة الهيلينية [2]واللاهوت المسيحى .ويشتهر بتعليمه عن العقيدة المسيحية بأسلوب مُيسر وبسيط.ولقب "بالأسكندرى"لتميزه عن أسقف روما"إكليمندس الرومانى"[3].

  • ولد من أبويين وثنيين,و لا نعرف كيف تحول للمسيحية.وكل ما نعرفه عنه إنه شخص يُحب المعرفة,ودائم البحث عنها.وفى إحدى رحلاته التعليميه تقابل مع "ق.بنتينوس"فى إحدى محاضراته       فجذبه إسلوب بنتينوس وتتلمذ على يديه.رغم إنه تتلمذ على يدي الكثيريين ولكنه لم يجد راحته إلا  فى بنتينوس[4].

  • أصبح كليمندس مساعد "ق.بنتينوس"رئيس كلية لاهوت الأسكندرية.ثم رُسم إكليمندس كاهن.وبعد سفر بنتينوس للهند وأصبح هو رئيس كلية اللاهوت.ومن أشهر تلاميذه"العلامة أوريجانوس ,و ألكسندروس أسقف أورشليم".

    • هرب إلى فلسطين وسوريا حينما ثار إضطهاد "الامبراطور سبتيموس ساويرس"الذى إضطهد الكنيسة المصرية,وقتل وعذب الكثيريين بالاخص من يقيمون فى الأسكندرية .

  • له عدة مؤلفات أهمُها:ـ

  1. 1      نصائح لليونانيين.

  2.       المعلم.أو المرابى.(3كتب).

  3. 3     المتفرقات.وهى(8كتب)تُدعى"ستروماتا"(المجمل).

    •  والعمل الأخير قد جاء فى (8كتب)تُدعى"ستروماتا"و له عدة مؤلفات آخرى, لم تنال شهرة الكتب السابقة مثل(هل يخلص الغنى, الفصح,الصو م,الصبر,قوانين الكنيسة,المتهودين,إلى الأسكندر[5].

  •  


    اللاهوت فى فكر إكليمندُس:ـ

  • هي كلمة يونانية مكونة من مقطعين(θεος+λογια).(logia+ Theos) )فكلمةTheosأي الله أو الاله، وكلمةlogiaأي "قول"او"كلمة" ، وبالتركيبة السابقة تُعني "معرفة الله"[6],وهُنا سنتكلم عن(معرفة الله فى فكر ق.إكليمنتدس) ,من خلال ما دونه, ومن خلال ما وصل إلينا عنه خلال كتابات الآباء اللاحقين به.

  • كان إهتمام ق.إكليمندس الأساسى هو أن يقود الناس للمسيح.ففى خطابه للوثنيين.وجه نداءه إلى رفقائه الفلاسفة,ليكملوا نظراتهم للعالم,بأن يقبلوا المسيح.فما استوعبوه من معرفة بأسرار الطبيعة ما هو إلا "شرارة صغيرة يمكن أن تضطرم لتصير شعلة".هذه الشرارة هى أثار "الحكمة"

  • كان الوثنيين يرون فى الإله"زيوس"إنه صورة الصورة,وهذا عكس الإيمان المسيحى الذى يقول إن صورة الله هو"الكلمة".فوبخهم إكليمندس  لأنهم إرتضوا بنظراتهم الدينية التى صورت اللاهوت بهذه الصورة الهزيلة,مع أن نظراتهم الفلسفية فاقت بمراحل هذا التصور[7].

  • ودعاهم أن يقارنوا بين الكتاب المقدس وهوميروس: "الفلسفة عظة طويلة عن الحياة,سعى وراء الحكمة الأزلية,بينما وصية الرب مضيئة تنير العينين عن بُعد,إذن فأقبل المسيح اقبل الرؤيا,اقبل النور,حتى تعرف الله والإنسان بالحق][8].

  • يشتهر ق.إكليمندس بتعاليمه إن"المسيح هو نهاية كل فلسفة ونبوة".بمعنى إن بدخول "الكلمة"التاريخ-التجسد-قد حقق كل ما كانت تصبو إليه وتبحث عنه الفلسفات والأديان.وعقيدة المسيح الكلمة واحدة من مميزات فكر أكليمندس.فالمسيح هو "المعلم"الحقيقى الذى يعطى الناس"الكلمة"التى تقودهم إلى الحرية من الخطية,وإلى البر والخلود.فالمسيح هو فوق عالم البشر وفى عالم البشر.فهو الله نفسه وليس أقل من الله أو تابعاً له[9].

  • كان عند الفلاسفة اليونان إهتمام شديد ب"اللوغوس"الذى كانوا يقولون عليه إنه حقيقة ميتافيزيقية,وشئ غامض بعيد عن البشرية.وأبو كل شئ.ولكن حسب فلسفة ق.إكليمندس فاللوغوس هو" خالِق العالم كاشِف سِر الله", وفى العهد الجديد كان"أزلى",بل وهو الله نفسه,وكل شئ به قد كان.

  • فيرى ق.إكليمندس إن الكلمة"اللوغوس"مُعلماً أولاً وقبل كل شئ.و بدل من فكر اليونانيين إن الله"بعيد عن البشرية"يقول ق إكليمندس"إن الله يعمل معنا كما نفعل نحن بأولادنا",فهو كلمة الحق.يبنى هيكل الله فى الناس.فيآخذهم الله مسكناً له[10].

  • وعن صورة الله ومشابهتنا لله يقول ق.إكليمندس"لأن الناموس يدعو الإقتداء إتباعاً,ومثل هذا الإتباع-على قدر طاقة الإنسان-يجعل من الإنسان مماثلاً للأصل"[11].كما يؤكد إن التحول إلى المسيح سيؤدى إلى عدم الفساد والخلاص[12].وفى شرحه ل نص(1كو1:11)"تمثلوا بى كما أنا بالمسيح"يدعوا إلى التحول إلى مُشابهة الله,حتى أن الإنسان يصير باراً وقديساً"[13].

  • وينتهى ق.إكليمندس مؤكداً أن"غاية معرفة الخلاص والمغفرة والنجاة من الموت هى بالنهاية "الثيؤسيس"[14]فنجده يقول:"كلمة الله صار إنساناً.حتى يصير الإنسان مؤلهاً فيه"[15] ولحقه فيما بعد ق.كيرلس الكبير مؤكد إن الخلاص ولبس عدم الفساد يكون بالإتحاد بالمسيح المخلص.

  • فكان تعليمه عن معرفة الله والحياة معه قائمة على أساس"الصىورة".فوصفها بإنها شركة مع الله:نعيش كل حياتنا كأننا فى عيد,واذ نعرف أن الله حاضر فى كل مكان فاننا نسبح ونحن نعمل فى الحقل ونرنم ونحن نبحر فى البحر..والمسيحى العارف(الغنوسى)يعيش قريباً من الله..يسمع دائما كل أنات القلوب,يصلى كل أيام حياته مجاهد فى الصلاة لتكن له شركة مع الله[16]

  • ومن هذا المنطلق فقد علم ق.إكليمندس ان المعرفة الحقة ليست فى معرفة المعلومات والنظريات فحسب.بل إن الغنوسية [17]الحقيقية وحياة الكمال ليست مجرد معرفة نظرية لكنها دخول إلى كمال المسيح.دخول من الناموس إلى السيد المسيح مُكمل الناموس[18].


  • ويُحذر ق.إكليمندس من التفكير فى  الله بطريقة مادية جسدانية,لأنه فوق المكان والزمان.فوق كل المفهومات الزمنية.لذلك نجده يرسم طريق معرفة الله.تلك التى يبدأها بالتطهير من الخطية والأهواء(الإستمرار فى التوبة)ثم الإبتعاد عن حرفية التفكير فى الله لتأتى مرحلة الرؤيوية بالنعمة الإلهية..حيث الإتحاد مع اللوغوس المولود من الآب.الذى هو سر معرفتا اللاهوتية.الذى كان من يتجاهله يبقى الله بالنسبة له غير معروف[19]..


النعمة معكم
مينا فوزى


[1] يوجد لدينا تقليد آخر من ق4 إن مولده فى الإسكندرية وليس أثينا,ولكن غالبية علماء الآباء يرجحون  ميلاده فى أثينا.ويستدلون على ذلك من أسلوبه فى الكتابة.
[2] إحدى مدارس الفكر اليونانى, ظهرت فى الحقبة ما بين (ق4-ق3 قبل الميلاد).وهو الإسم العرفي الذي يطلق على اليونانيون.للمزيد راجع كتاب الخلفية الهيلينية والرومانية وعلاقتهما بالعهد الجديد,الكتاب الثاني .إعداد أ. رأفت شوقي.
[3] يوسابيوس القيصرى:تاريخ الكنيسة,ك5,ف11,ص218.
[4] الدراسات الفلسفية,مرجع سابق,ص223.
[5] المرجع السابق. ك6,ف13.ص261.
[6]المدخل إلى علم اللَّاهوت, ص37,36.
[7] خطاب إلى الوثنيين112:11.
[8] خطاب إلى الوثنيين113:11.
[9] جون لوديمر:تاريخ الكنيسة,من عصر الآ باء:من القرن الأول وحتى القرن السادس, ص154.
[10] اللاهوت عند ق.إكليمندس.
[11] المتفرقات9:2.
[12] المرابى5:1.
[13] المتفرقات22:2.
[14] والثيؤسيس هو الوصول إلى "الكمال النسبى" فى حياة البر والقداسة.وهو تعليم قد علم به الكثير من آباء الكنيسة مثل ق.أثناسيوس(راجع تجسد الكلمة فصل 54)وليس المقصود إننا نصير مثل الله, و لكن التعليم الأرثوذكسى يقصد أن نصل إلى الكمال النسبى فى الفضيلة فقط.
[15] خطاب إلى الوثنيين14:11.
[16] جون لوديمر:تاريخ الكنيسة,مرجع سابق,ص155.
[17] كلمة يونانى تعنى المعرفة.وقبل كليمندس كانت هذه الكلمة تشير الى الهرطقة الغنوسية.
[18] اللاهوت عند ق.إكليمندس.
[19] المرجع السابق.