- أعرفه صديقاً منذ ما يقرُب من سبعة وعشرون عاماً, جالساً جانبى فى المدرسة مُلازماً لى فى الكُلية, معى فى النادى, فى اللُعب , التمشية, فى كُل شئ ,كان حقاً صديق العُمر, ولكن كُلما مرضتُ أو تغيبتُ عن المدرسة أو الكنيسة أو حتى الخدمة وجدته "لايتصل ليسأل عنى".فكان تصرُفه هذا أمراً غريباً بالنُسبة لى.
- وغرابة تصرفه نابعة من عاداتُنا المُجتمعية إذ نتعلم إن الأحباء يقومون بالزيارة والإتصال والسؤال, إلا ذلك الشخص رفيقُ العُمر. فعلى مر سبعة وعشرون عاماً لم يُفكر يوماً أن يسأل عنى فى مرضى, رغم إننى دائم السؤال عنه كلُما غاب,بل دوماً ما أُعاتبه حينما لا أجده معى وحينما لا يسأل عنى, ولكنه لا يسمعُ لى[!].
- وهُنا نتساءل ما الفرق بين صديق لايسأل عن صاحبه فى لحظات مرضه وبين إلهاً يرفض أن تتصل به إمرأة فى حالة طمثُها[1]؟ إنها الندالةٍ بعينُها, إلهاً يخلقُ خليقته بوضعٍ مُعين ثم يرفص الإتصال بها فى حالة مرضُها[!]ألا يعلمُ هذا الإله إن النساء فى هذه الفترة يكونن فى حالةٍ صعبة؟ ,ألا تستعطفه حالة النسوة فى ذلك الوقت؟أم إن قلبه قلب حجر لم يشعُر بخليقته؟. إلهاً يتخلى عن خليقته لايستحقُ أن يكون إله, أو ليكُن إلهاً للأندال أمثاله.
- فنحنُ اليوم فى يوم الجمعة العظيمة, إذ نُكرز بإلهاً صُلب وتألم من أجل البشرية, إلهاً يُحب فبذل, إلهاً يُحب فإتحد, هذا هو الإله الذى تُكرز به الكنيسة, إلهاً يُحب, ولا تعرف الكنيسة سوى إلهاً يُحِبُها. بذل جسده ودمه لها لكى ما تكون-الكنيسة-فى حالة إتحاد دائم به,وبل أخذ هذه الكنيسة ليُكون بها أعضاء جسده كما يُعلمُنا بولس الرسول.
- هذا هو الأساس اللاهوتى للإفخارستيا.الإتحاد والشركة, ولهذا السبب قد أعطى الرب جسده ودمه للكنيسة لكى ما تأكل منه وتتغذى يومياً,إن الإفخارستيا غذاء المؤمنين, فكيف لله أن يمنع المؤمنين من الغذاء؟ألا يتنافى هذا مع مشاعر وصفات الأب الذى نؤمن به؟ أم إنه أبُاً ندلاُ كُل همه ذاته فقط؟
- إن إله الإفخارستيا, إله العهد لم يكُن يوماً ذاتى الإحساس والمشاعر, بل إنه صفته المُميزة والمعهودة منه إنه إلهاً يُقيم خارج ذاته, ولا يُفكر فيها, فساعة العشاء أكد إلهُنا على هذا الأمر, حينما بارك وشكر وكسر,فأعطانا الخُبز المُحيى الذى من السماء[2].
- نحتاجُ أن نتعلم ما هو اللاهوت الأرثوذكسى الذى للإفخارستيا من ثم نتحدث عن تناول الحائض وتناول المُحتلم. إن التيِهة عن تعاليم الآباء [3] والتغرُب عن الأرثوذكسية[4] يقودُنا إلى أموراً بعيدة كُل البُعد عن سر التدبير الإلهى[5].
- كما يُعلمنا ق.غريغوريوس النيسى إن الإنسان دوماً فى إحتياجٍ للإفخارستيا, لكى ما يتحول إلى طبعه الخاص(أى الخاص بالله), إذ يقول:"كما أن الذين تناولوا سُماً بمكيدة أعدائهم يبطلون مفعوله المُهلك بواسطة عقار أخر...هكذا نحن الذين أكلنا ما انحلت به طبيعتنا[6], نحتاج بالضرورة أن نتناول ما يجمع من جديد هذه الطبيعة المنحلة بحيث أن هذا الترياق الحال فينا يبطل بقدرته الشافية الخاصة تلك الأضرار التى أصابت الجسد من ذلك السم...حينما يحل-جسد الرب- داخل جسدنا فإنه يحوله وينقله كله إلى ذاته ..حينما يحل فى الذى يتناوله فإنه يحوله بكامله إلى طبعه الخاص"[7].
- تُرى حينما بذل الله وأعطى جسده المُحيى لنا, هل إستثنى النساء من التناول ونقل جسد المرأة إلى طبعه الخاص؟ أم إنه نقل النسوة جميعاً ولكنه سيُبعدهُم فى حالة طمثهم؟ أظن إن التقوى الأرثوذكسية لاتقبل هذا الإستبعاد والعزل.
- وإن كان عشاء الرب مُستمر حسب تعليم ق.يوحنا فم الذهب[8], فهل نحن نوقف العشاء من أجل المرأة؟فبمنعنا إياها نوقف العشاء,فكيف لأباً-الله- أن يتعشى هو وصُحبته وبنته جائعة بالخارج؟فالعشاء والمائدة المُقدسة ما هى إلا شركة, ولا شركة دون وجود المرأة نصف المُجتمع ونصف الكنيسة, ولا كنيسة بدون إمرأة تُشارك رجُلها العشاء.
- وبحسب تعبير ق.كيرلس فإن الخالق يُقدم نفسه لخليقته لتسعد به, فهل فى حالة طمث المرأة يمنع الله السعادة عن خليقته؟وبالتبعية يمنعها عن المُحتلم؟ فيقول ق.كيرلس:ـ "يالرحمة أحشاء الله إلهنا التى لا تُستقضى!الخالق يُقدم نفسه لخليقته لتسعد به الذى هو الحياة ذاتها."[9]
{لما دخل بيت بطرس, وكانت العجوز منطرحة على الفراش, مريضة بحمى شديدة فمع كونه كان قادراً أن يقول كإله:"دُعنى عنك المرض وقومى", لكن لم يفعل ذلك بل بالحرى أظهر أن جسده الخاص قادر على منح الشفاء لأنه كان جسداً لله, فأمسك بيدها[12], وللوقت كما يقول الكتاب تركتها الحمى. إذن فلنقبل نحن أيضاً يسوع لأنه حينما يدخل فينا ونقتنيه فى قلوبنا وأفكارنا فهو يطفئ منا حُمى الشهوات الرديئة ويقيمنا ويجعلنا أصحاء...إذن فلندعوه يُمسك بنا نحن أيضاً, أو نُمسك نحن به بواسطة سر الأولوجيا[13] حتى يُحررنا من عللنا النفسية ومن ضلال الشياطيين ومكرهم.}[14]
- ليتنا نصحو ونفيق قبل أن نأخذ دينونة منع إمرأة من الإشتراك فى جسد الرب ودمه,ليتنا نتوقف عن إهانة الإله الذى أحبنا, فهو لم يكُن يوماً ندلاً. كما نُصلى أيضاً أن يُرشد الرب المجمع المقدس ليعمل على تحرير أسرى الناموس,فليتمجد الرب فى كنيسته التى هى جسده وأعضاءه من رجالٍ ونساءٍ.آمين.
النعمة معكم
مينا فوزى
[1] الدورة الشهرية, ويُقال عنها أيضاً الحيض.
[2] بتصرف من الحوار الأول فى الثالوث,للقديس كيرلس
الكبير.
[3] يوجد قليل القليل من الآباء يمنع التناول ومنهُم
البابا تيموثاوس الأول,والبابا ديونثيوس السكندرى, والأخير يُعطى جواباً للراهب
بسيليدس ويطلب منه أن يُصححه له لكى ما يتأكد إن ما يقوله هو عادل ومقبول.أما
قوانين هيبوليتُس فمشكوك فى صحة من قام بتجميعُها من الأساس.
[4] راجع المؤلف:التغرب عن الأرثوذكسية.
[5] التدبير الإلهى هو فكر الله الخلاصى منذ البدء
ويُمكن أن نقول إن كل من:"التجسد والألم والصلب والموت والقيامة والصعود
والجلوس عن يمين الآب "ضمن التدبير الإلهى, وحسب الفكر الأرثوذكسى إن كل ما
تم قد تمً من أجلنا.
[6] المقصود بها الثمرة المُحرمة التى تناولها أدم,
وكما نقول فى القداس غرساً واحداً نهيتنى أن أكل منه.
[8] راجع عظة5:82على إنجيل متى
[10] الغريب إن ق.أثناسيوس يدعونا أن نحترس من حيل
الشيطان لأنه يتحايل لإزعاج البسطاء ويُحاول أن يعيق الإخوة عن الممارسات
العادية,ملقياً بينهم سراً أفكاراً عن النجاسة والدنس...إلخ(راجع رسالة ق.أثناسيوس
إلى الراهب أمون,كتاب الملامح الوثائقية والليتورجية لكنيسة الإسكندرية فى الثلاثة
قرون الأولى, ص346.)
[12] (متى15:8),(مر21:1)
[13] اى: الإفخارستيا