خواطر حول معنى التعبير (الأينيرجيا)
Η Ενεργεία
الاب اثناسيوس حنين – اليونان
Η Ενεργεία
الاب اثناسيوس حنين – اليونان
- سألنى كاهن صديق وصدوق عن معنى التعبير "الانيرجيا" ’ التى كثيرا ما ترد فى مقالات وكتابات لها علاقة بالأباء واللاهوت . وطلبات الأحبة فى الكلمة ’ أوامر . صديقى الكاهن يؤمن بما قاله قديما الفلاسفة اليونانيون " أن بداية التربية الصحيحة والثقافة الرصينة ’ هى الدراية بمعانى الالفاظ".
- أهمية الكلمات تأتى من حقيقة أن الثقافة المسيحية برمتها هى عمارة فكرية ضخمة مؤسسة على شخص المسيح ’ اللوغوس - الكلمة. مادام الكلمة قد صار جسدا ’ فقد صار لكل كلمة جسدا تاريخيا . التاريخ كله هو امتداد لجسد الكلمة ’ ومن هنا يأتى غنى الكلمات فى اللاهوت بلا أدنى محاولة لفصلها أو تغريبها عن أصولها الثقافية أو تيتيمها عن بيت أبيها.
- الأصل الثقافى يصير ’عند الفاهمون ’ غنى للامتداد اللاهوتى. اللغة عند كيرلس هى الوعاء الحامل للروح ’ لا يوجد لغة وثنية ولغة دينية ولغة لاهوتية ! . هذا يفسر ديناميكية الكلمات ومكانة الثقافة عندنا نحن المؤمنون بالكلمة ’ وهذا يفسر أيضا لماذا لا نقدر ’ نحن اللاهوتيون المسيحيون ’ أن نقبل ثقافة التنزيل فى لاهوتنا ’ تلك الثقافة التى ضربت فى وقت ما العقلية المسيحية ’ حينما تعربت وتغربت عن جذورها اللغوية القديمة سريانية كانت او قبطية أو يونانية.ولكن الأيام أثبت خطا نظرية أن العربية قد أبت أن تتنصر.
- الأنيرجيا هى كلمة لاهوتية وناسوتية من الطراز الاول. لابد فى بداية رحلة التعرف على "الأنيرجيا " الكلمة قبل ان نبحث فى الانيرجيا المعنى ’ أن نعود الى القواميس الكبرى فى اللغة اليونانية ’ والباحثون المثققون يرجعون الى ثلاث قواميس اساسية فى البحث فى أصول الكلمات وعلم تأويلها الى المعانى :ـ
- الأول يعطينا أصول الكلمة فى بيئتها اليونانية القديمة وكما أرادها أهلها ’ أى مسقط راس الكلمة وهذا القاموس هو "ليدل –سكوت "
- ثم نتعرف على الكلمة فى اسرتها المنسيحية الاولى وهى العهد الجديد ’ أى قاموس العهد الجيد والادب اليونانى الاول.
- ومن ثم نعرج على الكلمة عند الاباء وفى تاريخ اللاهوت والفكر المسيحى وتطورها وهنا نفتح قاموس (لامبى .
الانيرجيا فى اللغة والتراث اليونانى القديم :Ένεργάζομαι , ένεργεία (ليدل –سكوت صفحة428)
- بالمنفعة ’ الانيرجيا هى من فعل (انيرجيسومى) وهو فعل مبنى للمجهول يعنى أن أقوم بعمل ما يعود على بالنفع ’ ومنه تأتى كلمة(أكشن) . الكلمة العربية يمكن أن هى الطاقة والفعل والحركة الفاعلة والطاقة الخلاقة ’ لهذا صارت فى اللغات الاوروبية الحديثة كما هى Energy
- وبعد أن تعرفنا على مسقط رأس الكلمة وعائلتها ’ نذهب الى الفكر المسيحى لنرى كيف وظف العلماء المسيحيون الكلمة . نجد أمامنا المرجه الهام "قاموس العهد الجديد ولأدب اليونانى الأول" ’ وهوكباقى القواميس باللغتين اليونانية والانجليزية .
- ونقرا فى باب (أنيرجيا) أن الكلمة قديمة الأيام وهى قبل سقراط وتعنى "فعل ونشاط" الاله ذيوس فى الميثولوجيا القديمة.
- ولقد وردت فى العهد القديم بمعنى الارواح الخيرة والشريرة الفاعلة فى التاريخ ’ ولقد وردت فى العهد الجديد بمعنى القوة الأتية من الكائنات الفوق الطبيعة ’ القوة الروحية ’ و فى الرسائل بمعنى الطاقة والفعل (أفسس 1 ’ 19 ’ كولوسى 2 ’ 12 ’ فيليبى 33 ’ 21)( 2تسالونيكى 2 ’ 9 ).
- واذا ما جئنا الى المعجم الابائى (لامبى ) وفتحنا باب (انيرجيا ) ’ سنجد (خير الله ) كما يقول الشوام ’ فالكلمة ومشتقاتها عند الأباء تحتل الصفحات من 470 الى 473 وكل صفحة عمودان بالبنط الصغير ’ وسوف نحاول استخراج الخلاصة اللاهوتية .
- الأباء يرون فى التعبير "انيرجيا " كل حركة وقوة خارجة من الجوهر ’ الأنيرجيا أتية من الأوسيا . وهنا نحن فى قلب الرؤية اللاهوتية والخرستولوجية والابنفماتولوجية للكلمة . فالانيرجيا هى القوة الأتية من الجوهر ’ وهى ليست الجوهر ’ لحل المعضلة سماها الأباء ومنهم بالاماس (الطاقات الغير المخلوقة) ’
- زى لهب النار هو هو النار ولكننا لا نرى الشعلة أو الفونية نفسها فهى مختبئة تحت النار ’ يمكن أن نمرر ايدينا وسط شعلة النار بسرعة بس ما نقدرش نمسك الفونية المولعة نفسها هنا نجد فعل واثر النار ومصدر وجوهر النار . زى الكهرباء اقدر امسك أو المس لامبة مولعة بس ما اقدرش احط ايدى فى مصدر التيار الكهربائى!! والتيار ومصدره واحد بس الفارق هو الفارق بين جوهر التيار وطاقه التيار .
- لقد استخدم الأباء التعبير (الانيرجيات الغير المخلوقة) لايجاد حل لاهوتى لمعضلة روحية كبيرة ’ وهى شركتنا فى اللاهوت ؟ ماذا نأخذ من اللاهوت ؟ حينما نقول "نحن شركاء الله " ماذا نعنى ؟ ماذا يعنى الثيؤسيس ؟ ما هو معنى النعمة ؟ هل علاقتنا بالله علاقة لفظية أو واقعية ؟ ما هو دور المسيح فى القضية ؟ ما هو معنى الاية البطرسية (شركاء الطبيعة الالهية) ؟ ما هى الافخارستيا ؟ كيف يحل فينا الروح القدس أقنوميا أو مواهباتيا أو ماذا ؟
- (الله لم يراه أحد قط ’ الابن الوحيد الذى هو فى حضن الأب هو خبر ) ’ نعم الانسان لا يرى جوهر اللاهوت (الأوسيا) ’ ولكنه يعرف طاقات اللاهوت (الانير جيا - الكلمة ).
- وهنا أنبرى الأباء وسموها (الطاقات الغير المخلوقة ) أى الافعال اللاهوتية المنسكبة من اللاهوت والأتية الينا فى أشكال محسوسة ’ أفعال ملموسة تحمل طاقات الجوهر ولكن لا تكشفه ’ بل تعلن حضوره الفاعل.
- هنا يختبر الانسان فى صمت ’ ويذوق فى ذهول ’ ويشارك فى عمق ’ ويبشر فى ملء ويأكل الكلمات الحية ’ ويتعاطى اللاهوت حتى الثمالة (هؤلاء الناس سكارى قالوها عن تلاميذ السيد يوم حلول الانيرجيات اللاهوتية على التلاميذ ) .
- شركتنا فى المسيح هى شركة فى ملء اللاهوت الذى سر أن يحل فى المسيح ’ ولكنها شركة ليست فى جوهر اللاهوت ’ بل فى اللاهوت الذى حل فى المسيح (جسديا ).
- أى فى الطاقات الالهية النازلة على جسد المسيح والحالة فيه بغير اختلاط ولا امتزاج..نروح بعيد ليه ؟ سؤال احنا بناكل ايه فى المناولة ؟ الاجابة على ضوء الانيرجيا تصير اكثر وضوحا ’ نحن لا نأكل جوهر اللاهوت والا صرنا الهة فى الجوهر ’ كما لا نأكل خبز حاف ’ عيش يعنى بروسفورا مختمرة.
- امال بناكل ايه ؟ بناكل اللاهوت ’ نعم ’ لكن اللاهوت الاوسيا فى اطلالاته وانيريجياته الناسوتية بلا افتراق ولا اختلاط ولا تغيير ولا امتزاج (خلقيدونية).
- هنا العقيدة وقرارات المجامع ليست ترف فكرى أو فذلكات بيزنطية أو عنادات فرعونية ’ بل هى واقع فعل لاهوتى حقيقى ومصيرى فى خلاص الناس !
- بناكل لاهوت متحول طاقات لاهوت وانسانية بالروح الفاعل (هنا تحول اللاهوت لانيريجيات وليس استحالة جوهرية ولعل تعبير الاستحالة الجوهرية كان محاولة عقلانية مقبولة فى زمن غياب اللاهوت الابائى ’ لحل المعضلة لأن التعبير نفسه يحمل تناقض ’ الاستحالة الجوهرية ’
- الواقع هو أن الجوهر يستحيل ان يستحيل الى جوهر ! الجوهر يصير طاقات غير مخلوقة ولكنها جوهرية نعم هذا كلام ابائى وروحى ولاهوتى وليس فلسفى وان استعمل تعبيرات الثقافة السائدة !). بناكل المسيح يسوع فى ملء لاهوته المتأنسن وناسوته المتأله . الأهم من كل هذا هو أحنا.
- أن أحنا بنتحول ’ كلنا ’ الى جسده الفاعل (الانيرجيا ) الى الكنيسة المؤلهة وبيت المتالهين العقول ’ الكنيسة جسده الممتد بفعالية فى تاريخ العالم بالشهادة والكرازة والبشارة والحب لكل انسان ايا كانت ركائبه . الكنيسة تصير انيرجيات الله فى العالم لأنها جسده من لحمه ومن عظامه ’ ومن هنا تأتى (الانيريجيا) الى اجساد القديسين ’ اى اللى اخدوا المسيح على محمل الجد وأكلوه لاهوتا متفعلن ومعلن فى الخبز والخمر.
- فتصير (لباساً أى رفات قديسين ) . هنا تاخذ كل الوسائل المادية قوتها الروحية واللاهوتية ’ الايقونة الخشب تصير مطرح سجود واطلالات ’ جرن الميه تصير واسطة ولادة بالروح ’ الزيت يصير ميرون حامل روح الحياة ’ الموسيقى والالحان تصير طريقنا الى الملكوت الكلمة والكتاب والكتب ’ كل الكتب ’ تصير حبنا الاول ومحجتنا وونسنا ’والمبانى والملابس والصلبان والمباخر وقيس على ذلك.
- تصير المادة ’ أى مادة الكون ’ افخارستيا ’ على رأى استاذنا العظيم الكسندر شميمان (التقيت به فى مصر مع الدكتورالحبيب نصحى عبد الشهيد وكان لقاأء افخارستيا بالمعنى الكونى للتعبير !!!) . كل ما نلمسه بالانيرجيا الالهية ’ يصير له معنى وجودى وليتورجى. الليتورجيا هى الانيرجيا السماوية ’ هى تنازل اللاهوت الجوهر ’ للناسوت الانيرجيا لكى ما يكمل عمله فى العالم .
- هنا يعود الانسان المخلوق ليصير ايقونة الله الغير المخلوق ’ ذلك بعد أن صار المسيح فى ناسوته-المولود ’ ايقونة اللاهوت الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .لسبب البسيط وهو أن ولادة يسوع هى ولادة روحية ولادة الانيرجيا – الانسان من الاوسيا – الله . .وهنا يأتى دور الروح القدس كمصدر "الانيرجيات" اللاهوتية فينا وفى العالم .
- جنبا الى جنب مع معنى الكلمات ’ يسير اللاهوت فى مسيرة المجامع المسكونية والحوارات الكبيرة والطويلة عن الثالوث والعلاقة بين الاوسيا والانيرجيا والبروسبون والخاريس والخاريسما والثيؤسيس وغيرها من التعبيرات اللاهوتية التى أقلقت الانسان ’ ومزقت الكنيسة جسد السيد ’ وشغلت الأباء ’ ورسمت طريق الخلاص .
- ستظل هذه الكلمات والالفاظ مصدر تعب وعثرات طالما حصرناها فى مجال الجدل العقلانى والفذلكات الميتافيزيقية والتدين الفريسى وبذرناها وبددناها فى الضلال العقلانى فى الكور البعيدة مع زناة الفكر وتجار الكلمات .
- بينما ستتحول الى جنة لاهوت وبستان بركات وينبوع نعم ’ اذا ما قرأناها فقط فى وجه الانسان ومن أجل خلاصه وتقديسه وثيؤسيته ’(اى وزجه الانسان يسوع).
- ومنها ارتقينا الى الاله الرب فى شخص الكلمة . الكلمة صار فعلا من أجل الانسان , كان المترجم الفرنسى ملهما بالروح حينما قام بترجمة الاية (فى البدء كان الكلمة) قال
(Au commencement Etait le Verbe)
(فى البدء كان الفعل الأكشن – الانيرجيا )
- هذا هو معنى الاية اليوحنائية (الكلمة صار فعلا) وهنا تلتقى الايات مع الاباء ’ يعوزنا الوقت لندرس رؤية اغريغوريوس بالاماس’ نحن نجد بعض العذر للاهوتى والمسيحى المصرى لأن التعبير (الطاقات الغير المخلوقة ) هو تعبير ظهر وتطور فى مراحل لاحقة بعد القرن الخامس .
- وان كان كما قلنا له جذوره فى القرون الاولى ’ ولكنه مثله مثل كافة التعابير اللاهوتية ’ ظهر لسد احتياج رعوى مُلح ولحل معضلة تتصل مباشرة بخلاص الانسان .
- واحيانا للرد على الهرطقات والتى بدورها تشوه خبرة الكنيسة اللاهوتية وتعرقل عملها الرسولى والكرازى وتشوه حوارها مع الثقافات السائدة . ان كل كتابات الاباء والمجامع المسكونية لها هدف واحد وهو أن يحل الله بطاقاته الغير المخلوقة فى الانسان ليقدسه وليؤلهه وليملائه بكل ملئه .
- هذه هى النعمة ’ هذا هوايمان الأباء ’ هذه هو شهادة المجامع .كما ستصرخ الكنيسة وترتل وتهلل وتزف الايقونات فى الاحد القادم ’ الاحد الاول من الصوم العظيم ’ احد انتصار الايمان اللاهوتى (الثيؤلوجيا) والفاعل فى التاريخ بالطاقات (الأنيرجيا) الغير المخلوقة’ أحد الايمان المستقيم ’ احد الارثوذكسية .
بقلم
الاب اثناسيوس حنين – اليونان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق