كتاب العزيز أمجد بشارة, صديق بداية الخدمة,
وهو شخص يتميز بالمحبة والاتضاع الشديد, وكالعادة كتابه هدية ,إسم الكتاب"مدخل إلى اللاهوت
المسيحى"طرح تاريخى ولاهوتى لأهم ركائز الإيمان المسيحى وفقاً لتعاليم آباءالكنيسة,الجميل فى هذا الكتاب هو جامع لكثر من المواضيع اللاهوتية فى
300صفحة, وهو نافع لأى شخص مبتدئ فى دراسة اللاهوت.
من اكتر الفصول التى اثارت فضولى هو الفصل
التاسع وحديثه عن الاسخاتولوجى ,وهو اول فصل ابتديت بيه القراية, لان الاسخاتولوجى
موضوع جدلى كبير, ومُربك للغاية إن لم يحترث الباحث فى عرضه, وفيه يعرض الكاتب علامات
المجئ الثانى ويتحدث عن ضد المسيح كتابياً, وما هى صفاته .ثم يعرج الى الحديث عن
الملك الألفى, و كيف ان هذه الفكرة لم تكن وليدة المسيحية بل سبقتها ربما
ب200او300سنة, من خلال كتابات مابين العهدين. وهذا الفصل هو اكثر فصل لدى تحفظ شديد
عليه, لأنه أكثر الفصول لم تأخذ حقها, فقد تغاضى الكاتب ان يتحدث عن "البوست
ملينيم, والبرىملينيم, وغيرها من المدارس التى تشرح هذه القضية.لذلك هو أكثر الفصول
التى أثارت حفيظتى, بستثناء هذا فالكتاب كله جميل ورائع ويفرح اى شخص يقراءه
الفصل الأول: وفيه يتميز الكتاب انه جامع لكثير من
المواضيع بصورةمختصرة دون إخلال فى المضمون, يهتم بالكثر من كتابات اباء الكنيسة
الشرقية. يتكلم الكتاب عن مقدمة صغيرة عن تاريخ دراسة اباءالكنيسة, ولماذا ندرس
الاباء وهل هذه الدراسة لها اى اهمية فى واقعنا الكنسى اليوم؟ويقدم طرح مختصر عن
تاريخ بداية هذه الدراسات, وعن الكيفية التى ظهر بها مؤرخي الكنيسة المبكرين, ودور
هؤلاء فى دراسة علم الاباء, وكيف بدأت هذه الدراسة فى القرن السابع عشر,ويعرض اهم
المصادر التى تقدم كتابات الاباء باللغات الحية كالانجلزية والفرنسية,
يقدم تقسيم رائع لكتابات الاباء الشرقية اباء
الكنيسة الاتينية والانطاكية..ويوضحالخلفية الهيلينة التى اعتمد عليها اباء الكنيسة الشرقية مثل افلاطون
وارسطو وفيلو وافلوطين, وكيف كان للتقسيم الثلاثى للنفس له التاثير على اباء
الكنيسة مثل اوريجانوس.
ويختم هذا الجزء بمدرسة الاسكندرية وما قاله
جيروم عن كون مرقس هو من قام بتاسيسها, وما هو الدور الذى كانت تلعبه هذه المدرسة
فى تفنيد حُجج المهاجمين.
الفصل الثانى: يتحدث فيه عن الخلق والتجسد وكيف ان الخلق كان
بدافع الحب الالهى, وكيف كان الانسان قابل للموت قبل السقوط كما قال اثناسيوس
الرسولى, وكيف ان الانسان مخلوق على العدم وهذا هو السبب الذى دفع الانسان للسقوط.
كما يشرح موضوع الخطية الاولى ورؤية الاباء
اليونان لها, وهل نحن ورثنا الخطية ,ويسرد رؤية الشرق لهذه القضية, حتى يصل الى
العصور المتقدم ويعرض رؤية بن كاتب قيصر وغيره من الكتاب فى ذلك الوقت. هذا فى
مقابل رؤية الاباء اللاتين لهذه القضية اللاهوتية.
وبالتالىكان هُناك أهمية للتجسد لا لكى مايُصلح الله مشكلة بين عدله ورحمته بل
القضية اعمق من هذا بكثير, فحسب اباء الكنيسة الله شاء ان يعيد الانسان من عدم
الموت-الفناء-الى الحياة والشركة معه من خلال الاتحاد بالجسد البشرى,مما يتيح
للانسان فرصة للتأله.
الفصل الثالث:ـيتحدث فى هذا الفصل عن الثالوث وكيف ان اللغة
البشرية هى لغة عاجزة عن شرح ووصف طبيعة وجوهر الله, فالله لايُتكلم عنه, كما يقدم
شرح لمفهوم الاقنوم ومفهوم التمايز الاقنومى والاعمال التى يمكن ان ننسبها لاقنوم
كعمل متفرد لكل منهم.
كما يعرض قضية انبثاق الروح القدس ويوضح ان الانبثاق شئ
والارسال شئ اخر.وكيف ان الله واحد لاثلاثة, وهو جوهر غير قابل للتقسيم, فيه وحدة
للجوهر ووحدة للأصل ,اى الاب, ويعرض تعاليم الاباء مثل غريغوريس واثناسيوس وما هى
الصورالتى قدمها الاباء لشرح الثالوث.
الفصل الرابع, يقدم موضوع لاهوت المسيح بشكلٍ
مختصر وكيف ان هناك نصوص فى الكتاب المقدس يُساء فهمها, وكيف شرحها اباء
الكنيسة.
والفصل الخامس هو تكمله للفصل السابق,فيقدم فيه شرحتاريخى رائع عن طبيعة المسيح, منذهرطقة ابوليناريوس, مروراً بثيؤدور الطرسوسى
والموبسويستى, الى نسطور, والاحداث التى جرت فى مجمع افسس وكيف تازم الموقف بين
الطرفين,حتى ادى بنا المطاف الى مجمع خلقيدونية, واحداث ما بعد خلفدونية مثل محاول
الوحدة-الهينوتيكون.,كما يعرض نص طومس ليو فى الفصل الخامس.
الفصل السادس يقدم شرح لأسرار الكنيسة,
وكيف ان الرقم (7)المتعارف عليه قد ظهر فى القرن السابع عشر, بسبب تاثير اللاتين, وما
هو المفهوم الارثوذكسى للأسرار,ويقدم مدخل لهذه الاسرارولماذا تمنح مرة واحدة فىالشرق. ويعرض شرح مفصل لكل سر منهم على حدة.
اما فى الفصل السابع فيتحدث عن الوحى,
ونظرياته الخاطئة, وما هو المفهوم الارثوذكسى للوحى, ذلك من خلال رؤية الاباء
, ويتحدث عن كيف ان الكتاب ليس حرف بل فى فهمه, وكيف ان الوحى الالهى له وجه
بشرى, بحيث يستخدم تشبيهات بشرية لاتفقد خصائصه الطبيعية,وماهو هدف الوحى بالاساس.
والفصل الثامن يقدم عرض مشوق عن مفهوم الصلاة
كشوق وحركة دخلية نحو الله من اجل اللقاء مع وجه الابدية,ويطرح جدلية علة الصلاة
ان كان الله على معرفة فلماذا نصلى اصلا.حتى يصل بنا الى غاية اللاهوت الارثذوكسى
والحياة المسيحة عموما وهو التأله.
صار
جلياً إن كُل ما يُقال اليوم فى الساحة القبطية لايمت للعقيدة بشئ, ولا بغرض حفظ
العقيدة المُسلمة, بل من الواضح إن الأمر يتعلق "بإحراج البابا تواضروس" وإظهاره كما لو كان شخصٍ غير أمين على خدمته,
وغير مُستحق لكُرسى مارمرقس.
فلم
تكن البداية منذ أن فكر البابا فى تغير عيد الميلاد-والأمر لن يحدث وغير مُهم- بل
إن القصة تبدأ منذ أن تعين البابا تواضروس على كرسى مارمرقس, وبدأت الإتهامات إنه "فاز
بالتزوير", وهو فاز بمنصبة بالسيمونية,ثم قضية "الميرون" والهياج
الذى أحدثه بعض المتهورين.فكيف للبابا أن يُغير طريقة طبخ الميرون؟.
ثم "اتفاقيته
مع الكاثوليك" بخصوص المعمودية, ثم صدمة "رسامة اسقف من دير ابو مقار"
ليكون عضواً فى المجمع المقدس, حتى اغتالوه جسدياً, وحرموه من أبسط حقوقه, حرموه
من لقب شهيد,ولكن القتلة"أبراياء" وقطع لسان اليقول عليهم غير كدة. حتى
ينتهى مسلسل الاغتيال المعنوى للبابا بقضية"تغير وقت عيد الميلاد"
وكل
هذه القضايا تُثار بغرض إحراج البابا, لا من أجل حفظ الإيمان, فلو
كانت نوايا هؤلاء سليمة, لتركوا الأمر للمجمع المقدس وهو صاحب الأمر والقول الفصل,
ولكن هؤلاء نيتهم مُبيتة , وهو الأمر الملحوظ قبل كُل جلسة للمجمع المقدس,
فيُهيجون الناس ويصورون أكاذيبهم كما لو كانت حقائق, وهذا بغرض الهياج الشعبى,
وبالتالى إحراج البابا أمام شعبه البسيط.
والمتأمل
فى كل القضايا المُثارة يكتشف إنها كُلها قضايا غير إيمانية, وليست من الأمور
الثابتة فى العقيدة, بل كُلها تخضع للتغير والتطوير, وتطويرها وتغيرها لايمس
العقيدة, ورغم علم هؤلاء بذلك, إلا إنهم يُمارسون الضغط على البابا.إرضاء لمن
يستأجرهم.
حكىَ
لى شخصٍ عزيزإنه مُصاب بتعب فى الكُلى,
وهذا التعب يؤلمه جداً, حتى أنه غير قادر على الذهاب إلى "كنيسة ابونا
يسى"فى الصعد من أجل التبرك به, و يأخذ من "رمال ابونا" ويُذيبها
فى كوبٍ من الماء فيشربه فيُشفىَ. فإستغربتُ جداً كيف لشخص مُصاب بمرض فى الكلية يأخد
رملة ويعملها حصاوى ويشربها فيُصاب أكثر.
استغربت
لإننا دوما ما نجرى وراء الغيبيات, لا العلم, وتسألت لماذا هذا الشخص يبحث عن "رمال
صحراء", او يبحث عن "كاهن قديس" , ولايُفكر أن يذهب إلى طبيب
الكُلى. وهُنا أود أن أؤكد إنه من الوارد أن يُقيم الله مُعجزة على يد قدسيه,
مما
لاشك فيه إنه إن كُنا نؤمن بوجود إله حى, فعلينا أن نؤمن بحقيقة المُعجزة,فوجود
الله فى ذاته إثبات على وجود المُعجزة, فالله هو المصدر الوحيد للمُعجزة, فهو وحده
الوحيد القادر على إن يُعَجِزَ العقل البشرى أمام عمله المُعجزى.
ولكن
فى الأونة الأخيرة إنتشر الكثير من قصص المُعجزات التى يقوم بها القدسين, سواء لـ
"أمراة عاقر" او "شخص مشلول" ..إلخ, وفى الغالب كُل هذه
المُعجزات تشعر وكأنها قصص مُفبركة, لا صحةٍ لها , وفى الواقع كُتبت بغرضٍ الكسب
المادى.
وهُنا
علينا أن نُفرق بين قيام الله بمعجزة حقيقية, سواء من نفسه مباشرة او من خلال أحد
القديسين,فنُفرق بين هذا وبين كاتبى القصص من أجل التربح, فكتابة كُتيب عن قصص
معجزات القديس فلان أمراً مُربح للغاية, فربما يقوم الناشر بطباعة الكُتيب عدة
مرات إن نفُذت الكمية ,وكله بغرض التربح, وياحبذا لو كان صاحب هذه المعجزة قديس ذو
شعبية فى الوسط الكنسى, فقد ضمن نتيجة
مبيعات مهولة.
لذلك
علينا أن نمتحن الأرواح(1يو1:4), فلا غرابة إن ضد المسيح قادر أن يُقيم مُعجزات
يتعجب لها الإنسان, لذلك علينا أن نمتحن الأرواح, هل هذه المُعجزة تُمجد الله أم
تُمجد بشر[؟]إن كانت تُمجد الله, فهذا هو الغرض.وإن كانت (لا) فربما هى محاولة نصب
وإحتيال بإسم الدين...
لازالت صورة (أبونا) المتنيح القمص بيشوى كامل, وهو متعلق بأحدى السيارات التى اختطفت بنت من (بناته) عالقة بمخيلتي,تلك البُنَيّةٌ(شابة صغيرة) التي تركت المسيح، فما كان من أبونا بيشوى إلا وأن يركض مسرعًا ممسكًا بالسيارة متعلقًا بها غير عابئ ٍ بما سيصيبه إن أسرعت.
وقد حدث ما (لم يكن) يخشاه وأخذت السيارة بجَرِّه فى الشارع, واستمر (الأب) مُمسكًا بالسيارة, وكل هذا كى لا يترُك ابنته تضيع....ولم تَضِعْ البُنَيَّةُ بسبب ذلك الراعي الصالح!
حقًا كان مثالًا للأبوة وللراعي الصالح الذي علي صورة سيده ..
أتخيله وهو أمام عينيه مثال (الثالوث القدوس), الذي تعلم منه كيف يُحب وكيف تكون الأبوة, بل وكيف يكون الراعى راعيًّا وليس أجير.
فأرثوذكسيًا, حينما نتحدث عن شئ روحى أو عقيدى, فلا مناص من أن ننظر إلى الثالوث كمثالٍ وقدوة.
فحينما يُحب الإنسان, فهو يُمارس ما جعله الثالوث فى طبيعته مثالًا لنا, وحينما يشعُرالإنسان بالعطف والحنو, فلا مثالٍ ولا قدوة له غير الثالوث,وعندما يُصبح المرء منَّا أبٌ, فهو يأخذ من الله الآب مثالًا له...
ولكن حينما يبتعد الإنسان عن هذا المثال, وحينما يُغَيِّبُ(هو) الله عن عينيه, نجد صورةً مشوهةً لكل ما يقوم به .فحبهُ هو صورةٌ مشوهةٌ للحب, وأبوته أيضًا لا تمُتُّ لأبوة الآب بأيِّ صلةٍ بل هي في حقيقتها مَحْضُ إساءة لكل أبوة ..
لذلك تحرص الكنيسة دومًا على رسامة " آباءٍ " لا "موظفين"..." رعاةً " لا " مأجورينَ" فالأب هو راعٍ يهتم بأبناءه (أي الرعية ) كما يهتم بأبناءه بالجسد , فعنده لا فرق بين ابن بالجسد وبين ما وكَّلتْه الكنيسة عليه كأب.
أما الموظف والأجير فلا هَمٍّ له سوى: منصبه, وراتبه, فها هو الان فى الوظيفة التى كان يحُلم بها, فقد ضَمِن المُرتب الشَّهرى, وضمن منصبًا يتباهي به أمام الناس, وتَنَاسَي خدمته لكهنوت المسيح ,محولًا إيَّاها إلى كهنوته الشخصى ضاربًا بالمسيح وبالرعية التي اقتناها بدمه عرض الحائط !
بئس هذا الأب وهذه الأبوة التى إن وجدت الرَّعية " جُنَيْهًا " لأكلته !...بئس هذا الراعي الذي يدفع الرعية دفعًا إلي خارج حظيرة المسيح،بئس الكاهن الذي صار نموزجًا لقيافا ومرآةً لحنان .....
فبدلًا من نموزج أبونا بيشوى كامل وأبونا ميخائيل ابراهيم صرنا نري الآن نموذجًا ( لكاهن البيزنس) , الذى لا هَمًّ له سوى الوظيفة وراتبها (وما وراء راتبها) ,أمَّا رعية المسيح التي هو وكيلًا عليها, فلا قيمةَ لها عنده!
والأدهي والأَمَرُّ أنه يجاهد لتوريث ( وظيفته ) لابنه الذي هو علي نفس شاكلة أبيه , كما لو كانت الكنيسة عبارة عن " التركة أو العزبة " التى ورثها من أبيه...ولكن هيهات !!!.
أشدَّ ما يحزنني أنني أتخيل نفسي أشاهد (الآن) انتهاء جيل أبونا بيشوى كامل, ممن كان يذخر بهم التاريخ المجيد لكنيستنا, و إتيانَ يومٌ يصبح فيه هؤلاء العظماء مُجرد (أساطير أو حَكَايَا ) نتحاكي عنهم ونتأوه لغيابهم.
وكأننا لن نراهم أو نري مثلهم سوى فى فيلمٍ أو قصةٍ, فلا وجود لهم فى أرض الواقع, وتتحول الكنيسة بسبب كل أجير من "مشفىً للمرضى" كما يُسميها يوحنا الذهبى الفم إلى "مغارةِ لصوصٍ" كل هَمِّ من فيها (من أُجَرَاءٍ) هو التَّرَبُّحُ من منصبه والسمع والطاعة له من شعب كنيسته , وإلَّا فبكيفية إلجام الشعب المسكين! , وإن إستدعى الأمر فلا يسلم الأمر من تهديدهم (بفضيحةٍ) ,أو بالتَّعدِّى عليهم (بالضرب) و(هذا ما قد حدثَ بالفعل) !.
فأين الأبوةَ ؟!.... هل ولّى زمانها؟!,
واليوم لن نرى سوى من هم علي شاكلة ذلك الثعلب المُفسد للكروم؟! نرى كل من يُفكِّر فى ذاته , كل من يجتهد ليجعل نصيب المُشتهى برية خربة (إر10:12)؟! فويلٌ لذلك الراعى الباطل البطَّال, تاركُ الغنم, ويلٌ له, فالسيف على ذراعه وعلى عينه, وذراعه ييبس يبسًا, وعينه تكلُّ إلى التمام ( زك17:11.
ختامًا أود أن أوضح إننى لا أُدين الكنيسة, بل أُدين نماذج بعينها دخلت خُلسةُ إلى الكنيسة.
عزائي إن الكنيسة مازال بها قاماتٍ روحية تهتم بالرعية وترعاها تمام الرعاية, وعلى رأس هؤلاء قداسة البابا تواضروس الثانى, أطال الرب حياته ونفعنا بصلواته...