2025/08/19

الثالوث وبرجماتية الحداثة

 

الثالوث وبرجماتية الحداثة

 لا يتوفر وصف.

قال"إيمانويل كانط " أن عقيدة الثالوث ليس لها أي أهمية عملية على الإطلاق"

-       بكل بساطة الثالوث هو الله، نتعامل مع  كينونة الله بإعتبارها كينونة Metaphysics،فهو شئ غير مرئ،فإن كانت ثمة الطبيعة الرؤية والملاحظة،والاختبار،الا ان طبيعة الله تظل غير مرئية،لذلك نقول عليها(الماورائيات).

-       فتقوم الفلسفة   على أساس تحليل جوهر الأشياء،وتطرح اسئلتها (ماذا هنالك؟     ما صورته؟).بينما هنا -فى حديثنا عن الله-لايُمكن تحليل جوهر الله،ولايُمكن مُجرد التفكير فى ماهية كينونته،حتى بعد نعمة العهد الجديد التى نالتها الكنيسة فى التجسد،الا ان الله يظل مجهولاًـيظل"سر μυστηριον "نختبره،ونستكشفه،ولا نقدر على حصره،فاللاهوت خارج كل حد وحصرية.

-       لانقدر  حتى الحديث عن الله الا بتسبيح  والصلاة له،فلا طريق الى الله الا الاتحاد به فندركه-نسبيا-لا على مستوى الادراك الحسى او العقلى (كما يقول ديونسيسوس المنحول)بل على مستوى الروح من خلال مراحل روحية متقدمة كالدهش εκστασι

-       ذلك الكائن الذى ندعوه فى القداس بغير المفوص" الذي لا ينطق به، غير المرئي، غير المحوي، غير المبتدئ، الأبدي، غير الزمني، الذي لا يحدر، غير المفحوص، غير المستحيل، خالق الكّل"

-       فيعجز علم اللاهوت Θεολογία (علم يختص بدراسة الله) امام الفلسفة، وتعجز الفلسفة امام الله Ενυπάρχουσα Τριάδαفاى علم واى فلسفة تقدر ان تحوى فى طياتها ما لايُحتوى؟فهُنا نجد تعارض بين الله(فى جوهره)وفرع من فروع الفلسفة،ولا تعارض مع الفلسفة ككُل.

-       وببذوغ  القرن الثامن عشر ظهرت "فلسفة الذرائع" او "البرجماتية "Pragmatism،التى تقوم على ان مصدقاية العقائد والافكار يُعرف من خلال نتائجها العملية.اذا فهى فلسفة تركز بالاساس على "التجربة والعمل" كمعيار لتقييم الأفكار والمعتقدات.

-       وهنا تدخُل عقيدة الثالوث الى معترك الحداثة،او قول تُخربش الحداثة وما وراء الحداثة جسد الثالوث،محاولة أولاً تفحصه،وثانياً اختباره،والبحث عن الفائدة التى يقدر ان يستفاد منها الانسان المعاصر من تلك العقيدة(وغيرها)

-       ففي الماضي(فى بواكير الكنيسة) لم تحاول-او تفكر- الكنيسة يوماً شرح الثالوث(Immanent Trinity)من ناحية جوهره،فنرى ق.أثناسيوس-وهو لسان حال كنيسة القرن الرابع والخامس- يقول:- "التقليد(والانجيل) لايعلن لنا ماهية الله بايضاحات كلامية بل بالايمان،واستخدام العقل يلزم ان يكون بروح التقوى والوقار"

-       قديما كان يتم معالجة عقيدة الثالوث من منظور كتابى،ايمانى بحت،اذ كانت الكنيسة تسعى فى ايضاح الثالوث من الكتاب،وماذا يقول عن الثالوث،ولكن الان،فى يومنا هذاالبرجماتية Pragmatism،ينصب التركيز على تأثير عقيدة الثالوث فى الحياة المسيحية,ف5نرى اللاهوت المعاصر(الثلاث طوائف)تسعى للإجابة عن أسئلة مثل "ما التأثير المحدد-الواضح- لعقيدة الثالوث على الحياة المسيحية؟

-       ولهذا نرى"إيمانويل كانط " لايرى فى "عقيدة الثالوث" أي أهمية عملية فى حياة الانسان المسيحى،وفى المقابل نجد تفاؤل الحداثة(ومابعد الحداثة) إمكانية الحصول على الحقيقة المُطلقة. 

 

- وامام هذا النقد الكنطى الواضح ،تحركت الكنيسة(بكل طوائفها)فى اخر ثلاثين عام،نحو شرح ودراسة أدق لتلك العقيدة ،لقد جذبت (عقيدة الثالوث )انتباه اللاهوتيين مرة أخرى أكثر من أي عقيدة أخرى". وعادت عقيدة الثالوث التي تسببت في عواصف(وصراعات) لاهوتية في القرنين الرابع والخامس إلى المداولة،وجدول الأعمال. بهدف الرد على  مذهب الحداثة ونهجة البرغماتى،واصبح التوجه الغالب فى كتابات الثالوث المعاصرة،هو، وكما يقول"إريكسون"  تقديم "عقيدة الثالوث"بشكل مُعاصر،يتناسب مع عصر الحداثة ومابعده،مع التقدم التكنولوجى.والزخم الذى يُزاحم الانسان اليوم.

-        فكان الاتجاه العام فى اللاهوت المعاصر هو تذكير المؤمن ان "عقيدة الثالوث" حتى وان ك انت لاتتعارض مع العقل،الا انها تتجاوز فهمنا(وهذا منطقى )وهذا الثالوث يستحق العبادة. إن عبادتنا لله لا تستند فقط إلى ما فعله(اذ احبنا) ولكن أيضًا إلى "من هو في ذاته".

-         يخبرنا الثالوث أن هناك اختلافا في الله(تنوع) يجب أن يؤدي إلى رفض الغطرسة البشرية يلزمها التواضع و الحذر  عند الحديث عن الله. لقد كانت فكرة "السر الإلهي" للثالوث آثار هائلة على الحياة المسيحية الفردية والجماعية. فالعبادة - وهي أبرز أنشطة المسيحيين - لا تتاح إلا عندما يكون الله فوق إدراكنا بشكل غامض.

-        فعبادة ما هو في متناول العقل البشري ،اشبه بخلق "إله" صنم على صورتنا. ومع ذلك، ومن المفارقات، أنه مع بقاء هذا السر سراً، فإن الله حاضر شخصيًا معنا من خلال الروح القدس. ونتيجة هذه المسافة والقرب الإلهي هي جعل كل فعل من أفعال الحياة المسيحية عبادةً.

-        وان كنا نرى الاختلاف(والتنوع)فى الله/نتيجة لوجود ثلاث اقانيم،فأختلق "اللاهوت المعاصر"مصطلح "مجتمع الله"و"عائلة الله" كتعبير مجازى(لا حرفى)عن التعددية داخل الذات الواحدة.

-        وهنا بدا اللاهوت المعاصر،يقولب عقيدة الثالوث،ويعيد صياغتها،لتطبيقها فى المجتمع،سواء فى اطار العائلة-فى البيت-او المجتمع الكنسى،او المجتمع الخارجى(مع المسيحى وغيره)

-        فاصبح التركيز على المفهوم الاجتماعي للثالوث Social trinity،الذى فيه التعددية وايضا فيه الوحدة،فمجتمع الكنيسة اليوم،الذى يمثل شعب الله-جسد المسيح-هيكل الروح القدةس،فكما فى الثالوث تفاعل متبادل،هكذا يجب على مجتمع الكنيسة.

-        حتى فى الترتيب الكنسى من اول ابونا البطريرك،مروراً بالمطران والاسقف،حتى القمص والقس،واخير الشمامسة بدرجتهم،فهذا الترتيب،اذا جاز التعبير هو تراتبية،ولكنها تشمل فى طياتها التساوى،فالتراتبية هنا وظيفية Functional

-        فحتى ان وجد ما يُعرف بالتبعية(غير الوظيفية) فى الهرم الكنسى،يتلاشى من خلال المبدا الثالوثى الاولى(اى التساوى والمساواة)رغم الاختلاف،فتقول "كاثرين لاكوجنا" أن دعم أي نوع من أنواع التبعية - بما في ذلك الضمني في الأبوية والهرمية - يتم القضاء عليه من خلال النهج الثالوثي في علم الكنيسة واللاهوت السليم.

-        قد يكون التأثير المتسلسل لهذه الرؤية هائلاً على المجتمع المسيحي. هذا يعني أن كل من الوحدة والتنوع موضع تقدير، وهذا يعني أن الخدمة المسيحية قد تعود إلى جذورها الموجهة نحو الخدمة بدلاً من وضع قيمة أكبر على أنواع معينة من الخدمة على أدوار أخرى؛ وهذا يعني أن الله لا يفضل جنسا على آخر سواء في الخلاص أو في الخدمة.

-        كما حفزت الثالوثية الاجتماعية مجموعة متنوعة من التأملات في مختلف مجالات الكنيسة والحياة الاجتماعية. يجادل "نيل بيمبروك" بأن التحول المعاصر،نحو |البراغماتية| في دراسات "الثالوث" له آثار على العلاقات الرعوية. ويقول أنه "كما توجد الشركة الإلهية في [تعدد الأصوات أو الأصوات]، فإن العلاقات الرعوية تتطلب أيضا القدرة على إصدار نغمات "متعددة الأصوات". يخلص "بيمبروك" إلى أنه "في الخدمة الرعوية، نحتاج إلى البراعة للجمع بين الصلابة والحنان،الشدة واللين،الحكمة والبساطة،القرب والبعد.

-        هذا بخلاف اخلاقيات الضيافة(الترحيب) المسيحي ،فى مواجهة العزلة(والتقوقع)،وقبول الاختلاف،يكشف لنا(روبرت فوسلو)الحاجة إلى الانفتاح على الاخر دون التخلي عن الهوية،فتأكيدنا على هويتنا لاتتطلب منا الاقصاء او القضاء على الاخر.فنجد التنوع والتمايز فى الثالوث،هو الدافع الى قبول الاخر،ترك العزلة،قبول الاخر،والتمسك بالهوية(الشخصية)المميزة لكل اقنوم.

افكار هذا المقال مستوحاة من مقال "راى سى دبليو" عن الثالوث ومرحلة ما بعد الحداثة

-         

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق