2025/08/27

الثالوث والجمال بين الوحدة والكثرة (التعددية بين فلسفة الجمال،ووحدة اللاهوت)

 لا يتوفر وصف.

 

 

الثالوث والجمال بين الوحدة والكثرة

  التعددية بين فلسفة الجمال،ووحدة اللاهوت

 

 

-        ان الوحدة والكثرة من المفاهيم الجمالية النقية ،التى نتلامس معها يومياً فى كل شئ حولنا، فيما يخص الله او حتى الخليقة,لقد كانت رؤية   الفلاسفة اليونان  هى   أن الجمال ينبع من التوازن بين "الوحدة والكثرة"، وأن "الكثرة" لا تتنافي مع "الوحدة" بل تُظهرها، ولتاريخ الفلسفة باعِ طويل فى  ذلك، اذ ان التداخل بين "الوحدة" و"التعدد" الداخلى(بل وايضا الخارجى) يُبرز جمالها. وحسب "دولوز" ان   الجمال في الاختلاف، لا في الوحدة.

 

-        لايُمكن ان  يعتمد فنان ما على لون واحد Monochromatic Palette ، لرسم لوحته الفنية، ولايُمكن لموسيقار ان يُخرج لنا لحن جميل ومفهوم،  بصوت نغمة واحد monophonie، ممكن للرسام ان يستخدم لون واحد ولكن مُتعدد الدرجات، فالوحداوية فى اللون والنغمة يُنتج قُبح لاجمال فيه، ولايمكن ان نعتبر الجمال الا  "وحدة في التنوع" فالوحداوية ضد الجمال.بل هو قُبح. يستحيل ان نختبر الجمال وهو فى وحدة واحدة أحادية،مصمطة،فهذا لايُعد جمال بل عبث،وصنمية

 

-        وان شئنا ان نضع تعريف لماهية"الجمال" نقول انه   انسجام بين الاجزاء المختلفة(المتعددة)، وهذا الانسجام لايتحقق الا من خلال "تألف وإنسجام" العناصر(المتنوعة) فى وحدة متناغمة، تلك الوحدة ليست بسيطة(  مركبة)بل  هى نوع من التعقيد المتماسك،كثافة غير مرئية، عُمق داخلى يتجلى فى صورة واحدة،ندعوها الجمال

 

-        لقد صاغ وصك " ميخائيل باختين"الفيلسوف الروسى،مُصطلح Polyphonie ليُعببر عن الرواية المُتعدةة الأصوات (اى الرواية الحوارية) وهى عكس Monologisme،اذ كان يستقبحها باختن للغاية، وكان يميل الى الرواية المتعددة الاصوات،لأنها أكثر إيضاح واكثر تفوق  والانسب فى الرواية

-        اذ الكثرة -فى الجمال- لايُناقض الوحدة، بل الكثر –والتعدد-هنا هو الطريق نحو الظهور،وانكشاف الجمال، فالجمال لايكمُن فى الاحادية والبساطة-حتى وان كانت رؤيتا لله انه جوهر بسيط- بل يبرز الجمال فى تناغم عناصر كثيرة، فى وحدة متماسكة.

-        فحينما خلق الله (تك1)،لم يكتفى بنور واحد،او طير واحد،او حتى انسان واحد،حتى الطبيعة حين  خلقها،أوجد فيها تنوع الالوان واختلافها، خلق تنوع فى الاصوات والروائح والالوان ، تنوع جميل يكشف لنا جزء-بسيط- من طبيعة الله الواحد

-        وان كُنا نرى فى الله الخالق والفنان   الأعظم(كلمة يخلق ποιεω فى اليونانى تُعنى يبدع الشعر)فالله  أبدع فى البدء أبدع قصيدة الخلق،لوحته الأسمى والأجم ل(فكانت كلها حسنة)، فى تلك اللوحة نرى   تنوع فى الألوان،والنغماتـ تنوع الاجناس،تنوع المواد ،نرى تداخل الظلال والتكوينات، تداخل يخلق لنا نوع من "الوحدة البصرية"تنجلى وتكشف لنا نوع من الجمال (هو حسن وحسن جدا)

-        وان كُنا نحسب الله(شاعرا)وأعظم شاعر، فهو يُبدع الشعر، كما يُبدع الخلق والنشأة والتكوين(فى الترجمة السبعينية يقال سفر الأصول وبداية النشأة)ـلذلك  يقول (الاب خوان ارياس)يقول "     إلهى يبقى شعـرًا أبديـًا, لأنه يبقى كلامـًا صائتـًا أو صامتـًا, إنه يبقى, فى قلوب البشر, منشد التاريخ الأعظم... إلهى يبقى شاعـرًا, لأنه لا وجـود فى إلهى إلا للجمال, والإحساس, والحنان, والذكاء, والنبوءة, والشغـف بكل ما فى الوجـود...

-        التنوع فى الجمال أوجد فرع من فروع الفلسفة يُدعى " فلسفة الجمال Aesthetics"وهى فلسفة متعلقة بالمحسوسات،وتعريفه   عند"بول فاليري" هو   العلم القائم على الحساسية" فأصبحت "الاستاطيقا"فرع مختص  بالحس والوجدان، إذا الجمال  يُدرك بالحواس، حينما نُدرك التنوع –والكثرة-فى الوحدة، وتعدد الألوان فى اللوحة الواحدة

-        وحسب "هربرت ريد"  الجمال هو وحدة العلاقات بين العناصر-الاشياء- التى نُدركها بحواسنا" لذلك نجد الاتجاه العام فى فلسفة الجمال  يقوم على الحواس البشرية،لهذا نقول ان الجمال  ""هو الإدراك والتذوق للفن"( جون ديوي)

-        اما فى مرحلة "ما بعد الحداثة"، أصبحت الرؤية العامة ،هى  ان الجمال لايُمكن أن يُفهم الا ان خلال العلاقة بين "الواحد والكثير"، بين "الانسجام والتنوع"،فالجمال فى قائم فى الاختلاف(والتعدد)  لا فى الوحدة

-        فإن كنا نتلامس مع الجمال المخلوق   فى التعددية ،فهذه التعددية حتماً ولابُد انها تقول   شئ عن "الجمال الفائق" الغير مخلوق، اى: الله الواحد ،تقول لنا شئ عن طبيعة   الاله الواحد،المتمايز فى دواخله (الاقانيم) ، الواحد فى ذاته(الجوهر)، هذالتمايز وهذه الوحدة ،هى حياة الله الداخلية immanent trinity ،التى نُعبر عنها بمصطلح"الثالوث"..فالله هو الجمال،هو السر المطلق μυστήριος ،لذا فالجمال والسر "صنوان" لا يُفهمان حتى بعد الاعلان(كارل رانر)،سر نختبر جماله، ولاننتهى منه

-        واخيرا|ً نخلُص الى ان الكثرة الكونية هى تجلى للوحدة الالهية، الله هو مصدر الجمال المطلق، لأنه يجمع فى ذاته كل الصفات(الكثيرة) في كمال واحد(شخصه).  فالكثرة تُفسِر(وتوضح) الوحدة، وتُفسَر (وتُعرف)من خلال الوحدة، فالتعددية فى الذات الالهية هو نوع من تجلى الاله الواحد...آمين

 

 

 

2025/08/19

الثالوث وبرجماتية الحداثة

 

الثالوث وبرجماتية الحداثة

 لا يتوفر وصف.

قال"إيمانويل كانط " أن عقيدة الثالوث ليس لها أي أهمية عملية على الإطلاق"

-       بكل بساطة الثالوث هو الله، نتعامل مع  كينونة الله بإعتبارها كينونة Metaphysics،فهو شئ غير مرئ،فإن كانت ثمة الطبيعة الرؤية والملاحظة،والاختبار،الا ان طبيعة الله تظل غير مرئية،لذلك نقول عليها(الماورائيات).

-       فتقوم الفلسفة   على أساس تحليل جوهر الأشياء،وتطرح اسئلتها (ماذا هنالك؟     ما صورته؟).بينما هنا -فى حديثنا عن الله-لايُمكن تحليل جوهر الله،ولايُمكن مُجرد التفكير فى ماهية كينونته،حتى بعد نعمة العهد الجديد التى نالتها الكنيسة فى التجسد،الا ان الله يظل مجهولاًـيظل"سر μυστηριον "نختبره،ونستكشفه،ولا نقدر على حصره،فاللاهوت خارج كل حد وحصرية.

-       لانقدر  حتى الحديث عن الله الا بتسبيح  والصلاة له،فلا طريق الى الله الا الاتحاد به فندركه-نسبيا-لا على مستوى الادراك الحسى او العقلى (كما يقول ديونسيسوس المنحول)بل على مستوى الروح من خلال مراحل روحية متقدمة كالدهش εκστασι

-       ذلك الكائن الذى ندعوه فى القداس بغير المفوص" الذي لا ينطق به، غير المرئي، غير المحوي، غير المبتدئ، الأبدي، غير الزمني، الذي لا يحدر، غير المفحوص، غير المستحيل، خالق الكّل"

-       فيعجز علم اللاهوت Θεολογία (علم يختص بدراسة الله) امام الفلسفة، وتعجز الفلسفة امام الله Ενυπάρχουσα Τριάδαفاى علم واى فلسفة تقدر ان تحوى فى طياتها ما لايُحتوى؟فهُنا نجد تعارض بين الله(فى جوهره)وفرع من فروع الفلسفة،ولا تعارض مع الفلسفة ككُل.

-       وببذوغ  القرن الثامن عشر ظهرت "فلسفة الذرائع" او "البرجماتية "Pragmatism،التى تقوم على ان مصدقاية العقائد والافكار يُعرف من خلال نتائجها العملية.اذا فهى فلسفة تركز بالاساس على "التجربة والعمل" كمعيار لتقييم الأفكار والمعتقدات.

-       وهنا تدخُل عقيدة الثالوث الى معترك الحداثة،او قول تُخربش الحداثة وما وراء الحداثة جسد الثالوث،محاولة أولاً تفحصه،وثانياً اختباره،والبحث عن الفائدة التى يقدر ان يستفاد منها الانسان المعاصر من تلك العقيدة(وغيرها)

-       ففي الماضي(فى بواكير الكنيسة) لم تحاول-او تفكر- الكنيسة يوماً شرح الثالوث(Immanent Trinity)من ناحية جوهره،فنرى ق.أثناسيوس-وهو لسان حال كنيسة القرن الرابع والخامس- يقول:- "التقليد(والانجيل) لايعلن لنا ماهية الله بايضاحات كلامية بل بالايمان،واستخدام العقل يلزم ان يكون بروح التقوى والوقار"

-       قديما كان يتم معالجة عقيدة الثالوث من منظور كتابى،ايمانى بحت،اذ كانت الكنيسة تسعى فى ايضاح الثالوث من الكتاب،وماذا يقول عن الثالوث،ولكن الان،فى يومنا هذاالبرجماتية Pragmatism،ينصب التركيز على تأثير عقيدة الثالوث فى الحياة المسيحية,ف5نرى اللاهوت المعاصر(الثلاث طوائف)تسعى للإجابة عن أسئلة مثل "ما التأثير المحدد-الواضح- لعقيدة الثالوث على الحياة المسيحية؟

-       ولهذا نرى"إيمانويل كانط " لايرى فى "عقيدة الثالوث" أي أهمية عملية فى حياة الانسان المسيحى،وفى المقابل نجد تفاؤل الحداثة(ومابعد الحداثة) إمكانية الحصول على الحقيقة المُطلقة. 

 

- وامام هذا النقد الكنطى الواضح ،تحركت الكنيسة(بكل طوائفها)فى اخر ثلاثين عام،نحو شرح ودراسة أدق لتلك العقيدة ،لقد جذبت (عقيدة الثالوث )انتباه اللاهوتيين مرة أخرى أكثر من أي عقيدة أخرى". وعادت عقيدة الثالوث التي تسببت في عواصف(وصراعات) لاهوتية في القرنين الرابع والخامس إلى المداولة،وجدول الأعمال. بهدف الرد على  مذهب الحداثة ونهجة البرغماتى،واصبح التوجه الغالب فى كتابات الثالوث المعاصرة،هو، وكما يقول"إريكسون"  تقديم "عقيدة الثالوث"بشكل مُعاصر،يتناسب مع عصر الحداثة ومابعده،مع التقدم التكنولوجى.والزخم الذى يُزاحم الانسان اليوم.

-        فكان الاتجاه العام فى اللاهوت المعاصر هو تذكير المؤمن ان "عقيدة الثالوث" حتى وان ك انت لاتتعارض مع العقل،الا انها تتجاوز فهمنا(وهذا منطقى )وهذا الثالوث يستحق العبادة. إن عبادتنا لله لا تستند فقط إلى ما فعله(اذ احبنا) ولكن أيضًا إلى "من هو في ذاته".

-         يخبرنا الثالوث أن هناك اختلافا في الله(تنوع) يجب أن يؤدي إلى رفض الغطرسة البشرية يلزمها التواضع و الحذر  عند الحديث عن الله. لقد كانت فكرة "السر الإلهي" للثالوث آثار هائلة على الحياة المسيحية الفردية والجماعية. فالعبادة - وهي أبرز أنشطة المسيحيين - لا تتاح إلا عندما يكون الله فوق إدراكنا بشكل غامض.

-        فعبادة ما هو في متناول العقل البشري ،اشبه بخلق "إله" صنم على صورتنا. ومع ذلك، ومن المفارقات، أنه مع بقاء هذا السر سراً، فإن الله حاضر شخصيًا معنا من خلال الروح القدس. ونتيجة هذه المسافة والقرب الإلهي هي جعل كل فعل من أفعال الحياة المسيحية عبادةً.

-        وان كنا نرى الاختلاف(والتنوع)فى الله/نتيجة لوجود ثلاث اقانيم،فأختلق "اللاهوت المعاصر"مصطلح "مجتمع الله"و"عائلة الله" كتعبير مجازى(لا حرفى)عن التعددية داخل الذات الواحدة.

-        وهنا بدا اللاهوت المعاصر،يقولب عقيدة الثالوث،ويعيد صياغتها،لتطبيقها فى المجتمع،سواء فى اطار العائلة-فى البيت-او المجتمع الكنسى،او المجتمع الخارجى(مع المسيحى وغيره)

-        فاصبح التركيز على المفهوم الاجتماعي للثالوث Social trinity،الذى فيه التعددية وايضا فيه الوحدة،فمجتمع الكنيسة اليوم،الذى يمثل شعب الله-جسد المسيح-هيكل الروح القدةس،فكما فى الثالوث تفاعل متبادل،هكذا يجب على مجتمع الكنيسة.

-        حتى فى الترتيب الكنسى من اول ابونا البطريرك،مروراً بالمطران والاسقف،حتى القمص والقس،واخير الشمامسة بدرجتهم،فهذا الترتيب،اذا جاز التعبير هو تراتبية،ولكنها تشمل فى طياتها التساوى،فالتراتبية هنا وظيفية Functional

-        فحتى ان وجد ما يُعرف بالتبعية(غير الوظيفية) فى الهرم الكنسى،يتلاشى من خلال المبدا الثالوثى الاولى(اى التساوى والمساواة)رغم الاختلاف،فتقول "كاثرين لاكوجنا" أن دعم أي نوع من أنواع التبعية - بما في ذلك الضمني في الأبوية والهرمية - يتم القضاء عليه من خلال النهج الثالوثي في علم الكنيسة واللاهوت السليم.

-        قد يكون التأثير المتسلسل لهذه الرؤية هائلاً على المجتمع المسيحي. هذا يعني أن كل من الوحدة والتنوع موضع تقدير، وهذا يعني أن الخدمة المسيحية قد تعود إلى جذورها الموجهة نحو الخدمة بدلاً من وضع قيمة أكبر على أنواع معينة من الخدمة على أدوار أخرى؛ وهذا يعني أن الله لا يفضل جنسا على آخر سواء في الخلاص أو في الخدمة.

-        كما حفزت الثالوثية الاجتماعية مجموعة متنوعة من التأملات في مختلف مجالات الكنيسة والحياة الاجتماعية. يجادل "نيل بيمبروك" بأن التحول المعاصر،نحو |البراغماتية| في دراسات "الثالوث" له آثار على العلاقات الرعوية. ويقول أنه "كما توجد الشركة الإلهية في [تعدد الأصوات أو الأصوات]، فإن العلاقات الرعوية تتطلب أيضا القدرة على إصدار نغمات "متعددة الأصوات". يخلص "بيمبروك" إلى أنه "في الخدمة الرعوية، نحتاج إلى البراعة للجمع بين الصلابة والحنان،الشدة واللين،الحكمة والبساطة،القرب والبعد.

-        هذا بخلاف اخلاقيات الضيافة(الترحيب) المسيحي ،فى مواجهة العزلة(والتقوقع)،وقبول الاختلاف،يكشف لنا(روبرت فوسلو)الحاجة إلى الانفتاح على الاخر دون التخلي عن الهوية،فتأكيدنا على هويتنا لاتتطلب منا الاقصاء او القضاء على الاخر.فنجد التنوع والتمايز فى الثالوث،هو الدافع الى قبول الاخر،ترك العزلة،قبول الاخر،والتمسك بالهوية(الشخصية)المميزة لكل اقنوم.

افكار هذا المقال مستوحاة من مقال "راى سى دبليو" عن الثالوث ومرحلة ما بعد الحداثة

-