من كتاب " الكنوز فى الثالوث"المقالة السابعة والعشرون عن
:"أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيُّ وَحْدَكَ، وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ" (يو ١٧: ٣)
1- اعتراض من جانب الهراطقة
ها هم يقولون إن الابن هو نفسه يعترف بأن الأب هو الإله الحقيقي، والآب نفسه يقول: "أنا الأول وأنا الآخر، ولا إله غيري" (أش ٤٤: ٦). كيف إذن تقدمون الابن مع الإله الحقيقي الأول والوحيد، وتقولون إنه إله بحسب الطبيعة؟
٢- الرد
يجب أولاً أن يعرفوا أن الآب لم يقل هذه الأقوال لكي يلغي الابن.
ثانياً يجب أن يعرفوا لماذا، أو ما الذي حدث، فدفع بالآب ليصل إلى مثل هذه الاقوال...لو كان الابن - كإنسان - تعارك مع ذاك الذي ولده - مثل داود عندما حاربه أولاده[1] - لكنا نقول ربما عندهم حق في قولهم لهذه الأسطورة [2]، لكن إن كانت الطبيعة، الالهية لا تعرف أن تثور ضد نفسها، بل على النقيض يظهر الابن دائما ناسياً المجد للآب فای سب يدفع الأب لمثل هذه الأقوال ؟ هكذا يظهر إن هذه الأقوال، إنما قبلت بالحرى لكى تعيروا بها الآلهة الكاذبة لأن المخلص بعد أن قال: "أن يعرفوك أنت الآله الحقيقي وحدك" أضاف مباشرة ذاته قائلاً: "ويسوع المسيح الذى أرسله" و لأنه غير مجتزاً عن جوهر الأب فيما يخص الإلوهية، بل يُدرك على أية حال مع الآب[3]
2- رد آخر
بما أن الابن هو كلمة الأب بالفعل، يُعد مجافياً للمنطق والعقل كل من يعتقد أن الأب قال عن نفسه إنه الإله الحقيقي لكي يلغي الابن الذي بواسطته يفعل كل شيء وفضلاً عما في هذه الآراء من سخف وعدم معقولية، يتجلى معنى هذه الآية وأهميتها في أنها ضد الآلة الكاذبة، حتى لو لم يُرِد ذلك محاربو المسيح.
3- رد بحسب الافتراض
إذا افترضنا أن أناساً حرموا من الحكمة الحقيقية، عائشين في ضلال، أقاموا تمثالاً على شكل إنسان أو حيوان، ودعوه نوراً معتقدين أنه حقاً يلد النور، ولكن الشمس تدخلت وتكلمت قائلة أيها الناس لا تضلوا، أنا فقط النور، لا يوجد نور آخر سواي، فهل يعنى هذا الكلام أن الشمس تلغي شعاعها، أم أنها تلغي النور الكاذب [4] علينا ألا تفكر مثلما يفكر الهراطقة/فعتدما يقول الاب: "أنا هو الإله الحقيقي ولا يوجد أخر سواى" فهو لا يخرج الكلمة الذي أتى منه خارج الالوهية؛ لأنه يوجد معه ويُعترف به ويُمجد مع الأب في الوهيته.
4- رد آخر يبرهن على أنه عندما يقال عن الأب إنه الإله الوحيد، فإن هذا القول يتضمن الابن على أية حال.
قال الله لأحد الأنبياء: "أنا الرب صانع كُلِّ شَيْءٍ، ناشر السَّمَاوَاتِ وحدي، باسط الأرض من معي؟" (إش ٢٤:٤٤)، لكن الله نفسه يقول: "أنا الذي نشرت السموات وحدي (أر ۱۲:۱۰)، وفي موضع آخر يقول بوضوح عن الابن: بكلمة الرب صنعت السماوات" (مز ۳۳ :٦) إذن، فبينما يقول الله الآب إنه خلق السماء وحده، نرى أن الابن قد خلق السماء، إذن من الواضح أنه عندما يقال إن الأب هو الإله الحقيقي وحده، فإن ذلك - على أية حال - يعني أن الابن الذي بواسطته خلق الآب كل شيء، متضمن معه؛ لأنه يوجد حقاً فيه بطريقة طبيعية مثلما يوجد الشعاع في النور [5]
[1] أنظر ٢ صم ١:١٥ - ١٩، ١ مل ١: ٥ - .... الخ.
[2] يقصد أن الخلفية الإيمانية هي التي تحكم عملية تفسير النص، فمتى كانت الخلفية سليمة وصحيحة يكون التفسير صحيحاً، لذلك كان على الهراطقة أن يؤمنوا أولاً بأن الآب ليس منافساً للابن ولا الابن منافساً للآب و كذلك أن الآب في الابن والابن في الآب بسبب وحدة الجوهر. والأمر الثاني الهام هو معرفة ما سبب قول هذه الأقوال ويقول القديس أثناسيوس في نفس السياق سبب قول الله "ليس إله معي" (تت ٣٩:٣٢) الآتي: "إن كان الأبن هو كلمة الآب فمن يكون بهذه الدرجة من الحماقة - عدا أولئك الذين يحاربون المسيح - حتى يظن أن الله قد تكلم هكذا لكي يطعن في كلمته ويذكره؟ فحاشا أن يكون تفكير المسيحيين هكذا لأن هذه الآيات لم تكتب ضد الابن، بل لكي تستبعد الآلهة الكاذبة التي اخترعتها البشر. والدليل على ذلك يكمن في معنى هذه الآيات". ضد الأربوسيين المرجع السابق، المقالة الثالثة ،، فقرة ٧ ص ٢٢
[3] ) يعطي القديس كيرلس توضيحاً رائعاً بخصوص قوله: ويسوع المسيح الذي أرسلته"، قائلاً: "فمن الصواب تماماً، أن يتحدث أولاً عن الله أنه واحد وواحد فقط، ثم يذكر بعد ذلك مجده الذاتي بقوله "ويسوع المسيح الذي أرسلته لأنه لا يستطيع أحد، بأية حال، أن يبلغ إلى المعرفة الكاملة للآب إن لم يمسك - بالارتباط اللصيق -لمعرفة وليده أي الابن. لأنه من يعرف الآب لأبد أن يعرف الابن أيضاً. شرح إنجيل يوحنا، المرجع السابق الجزء التاسع الفصل الخامس ص ١٥٥
[4] نفس المثل أورده القديس أثناسيوس في المرجع السابق: ضد الأريوسيين، المقالة الثالثة، فقرة ٨ ص ٢٢ - ٢٣.
[5] نفس الشرح نجده عند القديس أثناسيوس، إذ يقول: "حينما يقول الله: "أنا وحدي باسط السماء" (إشى ٤٤: ٢٤) يصير واضحاً للجميع أن لفظة (وحده) تشير أيضاً إلى الكلمة الخاص بالوحيد، الذي به حلقت كل الأشياء وبغيره لم يخلق شيء. لذلك إن كانت كل الأشياء قد خلقت بالكلمة، ومع ذلك يقول "أنا وحدي" فإنه يعني أن الابن الذي به خلقت السموات، هو مع ذلك الوحيد. هكذا إن قيل "إله واحد"، "أنا وحدي"، "أنا الأول" فهذا يعني أن الكلمة كائن في نفس الوقت في ذلك الواحد والوحيد والأول مثل وجود الشعاع في النور، وهذا لا يمكن أن يفهم عن أي كائن آخر سوى الكلمة وحده، لأن كل الأشياء الأخرى خلقت من العدم بواسطة الابن، وهي تختلف اختلافاً كبيراً جداً فيما بينها من جهة الطبيعة، أما الابن نفسه فهو مولود حقيقي وطبيعي من الآب". ضد الأريوسيين، المرجع السابق، المقالة الثالثة، فقرة ٩ ص ٢٥.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق