2023/11/28

ماذا كان يرى المسيحيين الأوائل في يسوع؟(ج2) هل يسوع إله في متى ومرقس ولوقا؟

هل يسوع إله في متى ومرقس ولوقا؟

 سيمون ج. جاثركول

ترجمة مينا فوزى


ويجيب إيرمان  "نعم" ولكن في نفس الوقت  من المهم أن ندرك ما يعنيه  في متى ومرقس ولوقا، اذ يحتل يسوع موقع معين في التسلسل الهرمي أو الهرم الإلهي، لكنه بالتأكيد ليس في القمة. هوإله، ولكن ليس بمعنى أنه يشارك في هوية إله إسرائيل الواحد

 في هذا القسم سأوضح:-

 أولاً :- عدة طرق أوضح بها يسوع واشار بها في هذه الأناجيل الثلاثة الى هويته الإلهية. divine identity 

 ثانيًا، سأناقش بإيجاز  لماذا لا يمكن رؤية هذه "الهوية الإلهية" على أنها "هوية إلهية منخفضة الدرجة"  بسبب التمييز المطلق بين الله والرب. الخلق مفترض في البيئة الدينية للتلاميذ الأوائل.


هناك عددة نقط يبدو فيها يسوع في (متى ومرقس ولوقا) وكأنه يتمتع بامتيازات يهوه أي الله نفسه  -وبإيجاز -. نرى أن يسوع يقول ويفعل أشياء لا تتداخل فقط مع ما يقوله ويفعله الله في العهد القديم. ولكن يقول يسوع ويفعل أشياء هي امتيازات فريدة لإله إسرائيل. عندما يتحدث يسوع ويتصرف بهذه الطريقة، فإن رد الفعل  يتضمن العبادة من ناحية واتهامات التجديف من ناحية أخرى.

أبرزهم   سلطة يسوع لمغفرة الخطايا، و  تظهر مرة واحدة في متى ومرقس ومرتين في لوقا (مرقس 1:2-10 )، ( لوقا 49:7). ويستحيل نرى هذا على أنه مجرد شيء يمكن أن يفعله يسوع كإله في مرتبة ثانية في الترتيب الإلهي لأنه شيء[كما فهم الكتبة في (مرقس 2)]  وهذا امتياز يتفرد به اللإله الحقيقي وحده. وغير ممكن لأي (ملاك، أو نبي، أو حتى المسيح غير الإلهي، أو أي شخصية أخرى) سلطة القيام به.

من الحقائق المعروفة عن يسوع  أنه اختار اثني عشر تلميذا، ويعتبر العلماء هذا أنه يشكل نواة لشعب الله المتجدد، حيث يمثل التلاميذ الاثني عشر أسباط إسرائيل الاثني عشر (مرقس 3: 13؛ لوقا 6 :13)يبدو هذا كما لو أن يسوع يحتل مكانة الله في العهد القديم، وهذا يوضح أن يسوع لديه القدرة على اختيار الناس ليخلصواويظهر ذلك في قول يسوع الشهير في (متى ولوقا)، حيث يقول : "ليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له" (متى 11: 27)،(لوقا 22:10): يسوع يختار من يستطيع أن يعرف الآب. ويمكن  أن يُطلق على شعب الله في مرقس اسم "مختاريه [أي يسوع]" (مرقس 27:13/متى 31:24): شعب الله ينتمي إلى يسوع  في نفس الآية، أحد مؤلفي هذا الكتاب، كريج إيفانز، لفت الانتباه إلى مدى غرابة أن يسوع يشير إلى ملائكة تابعة له أيضًا ( متى 13: 41)،(متى 25: 31). 

  هناك سمات الأخرى ليسوع فى(متى ومرقس ولوقا) مثل معجزات البحر، وإرساله   للأنبياء، وممارسته للمعرفة الفائقة للطبيعة، وانتمائه إلى الثالوث الإلهي الآب والابن والروح (متى 28: 19)، كلها تشير إلى أن يسوع يشترك في هوية الإله الحقيقي الوحيد لإسرائيل.

  وتنعكس هذه الهوية في الرد  على يسوع في (متى ومرقس ولوقا) لقد سبق أن ذكرنا اتهامات الكتبة: "لماذا يتكلم بهذه الطريقة؟"، "إنه يجدف"، "ومن يستطيع أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟" (مرقس 2: 7). ويظهرهذا الاتهام في نهاية إنجيل مرقس، عندما ادعى يسوع أنه يشارك في "سلطان الله في السماء". يقول رئيس الكهنة: "أية شهود آخرين نحتاجها؟ لقد سمعتم التجديف!" (14:63 – 64).

  على الجانب الاخر، هناك أنواع مختلفة من التبجيل المقدم ليسوع في متى ومرقس ولوقا. وبعضها يتجاوز حدود التقدير بالنسبة إلى كونه مجرد إنسان،   لا يمكن اعتبار هذا التبجيل مجرد عبادة لإله من الدرجة الثانية. وهذا واضح  في لوقا، لأنه يرى أنه من غير المناسب تقديم "السجود التبجيل" لمجرد انسان. (قد يستخدم مؤلفون آخرون هذا المصطلح بشكل أكثر حرية من لوقا.) الكلمة اليونانية لهذا السجود التبجيلي هي proskynēsis، وهو مصطلح تقني. كان هذا النوع من التبجيل قد فرضه الإسكندر الأكبر ( 327 ق.م) على اليونانيين ، ولكن البعض رفض، وأعتبروه لا يرقى إلى مستوى العبادة الرسمية كإله. يروي لوقا مشهدًا في سفر الأعمال يكاد يكون مطابق لذلك، حيث سجد كرنيليوس لبطرس (prosekynēsen)، وبعد ذلك قال بطرس: "قف قم لأني أنا أيضًا إنسان" (أع 10: 25 – 26). لذلك عندما قدم التلاميذ السجود ليسوع في نهاية إنجيل لوقا، فمن الواضح أن هذه عبادة مستحقة حصريًا لله (لوقا 24: 52).


يمكننا أن نستكشف نوع "الهوية الإلهية" التي تشير إليها الأحداث في "متى ومرقس ولوقا" حول يسوع. يؤكد إيرمان كثيرا على الحاجة إلى السؤال "ليس فقط عما إذا كان يسوع يُنظر إليه على أنه إله أم لا"، ولكن أيضًا "بأي معنى هو إلهي". يؤكد الفصل الأول من كتابه بحق على أن الألوهية في الإمبراطورية الرومانية الأوسع كانت أمرًا مرنًا إلى حد ما، وأنه في حالات قليلة (بالرغم أنني أعتقد أن ف2 من كيف أصبح يسوع إلهًا مبالغًا فيه) يمكن أن تتمتع بعض النصوص اليهودية بدرجة من المرونة أيضًا . ومع ذلك، يشير متى ومرقس ولوقا إلى أن الوسط اليهودي  الذي عاش فيه يسوع، كان يوجد فيه تقسيم واضح بين الله والخليقة. على سبيل المثال، لا يعتقد الكتبة في (مرقس 2) أن غفران يسوع للخطايا كان تجربة  ممتعة للانسان في  مشاركته  في الطبيعة الإلهية، لكنهم اتهموا يسوع بالتجديف، لأنه يتجاوزحدوده (كمخلوق)،ويتعدى على  الامتيازات الإلهية؛ ونفس الأمرفي (مرقس 14.)

كثيراً ما يشير كتبة لفو العهد الجديد إلى هذه الحدود باعتبارها مهمة. يؤكد سفر الرؤيا على ذلك، حينما ينبهر يوحنا بمجد الملائكة ، و سجد لهم. وقاموا بتوبيخه فوراً، لأنهم مجرد عبيد زملاء للإله الحقيقي، الذي هو وحده يستحق العبادة (رؤيا 19: 10؛ 22: 8-9). ترسم (عبرانيين 1) خط واضح بين الملائكة من ناحية، والله ويسوع من ناحية أخرى. هناك نقطة مهمة وهي أنه في أربعة مواضع منفصلة في العهد الجديد، نجد عبارات شبه رسمية مفادها أنه بيسوع خلق كل شيء (يوحنا 1: 3)؛ (1 كو 8: 6)؛( كولوسي 1: 16)؛ (عب 1: 2). . هناك خط واضح بين الخالق والمخلوق، ويسوع يقف إلى جانب الخالق على هذا الخط.

وهناك شاهد رئيسي يجب أن نستدل به وهوان( بولس  ليس بولس الرسول، بل شاول الفريسي). من الجدير بالملاحظة أنه في كتابات بولس توجد حدود صارمة وغير مرنة تمامًا بين الله الخالق والكون المخلوق، وهو تقسيم أساسي في لاهوته ، يقارن بولس بين الله والخليقة ويؤكد أن "منه وبه وله كل الأشياء" (رومية 11: 36). لكن العبارة المحورية وقت إدانته لعبادة الأوثان في رسالة (رومية 1). ما هو الخطأ في عبادة الأوثان؟ الجواب هو أنها عبادة الخليقة وليس خالقها: "استبدلوا حق الله بالكذب، واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد" (رومية 1: 25).


  لماذا نتبر بولس شاهدا رئيسيا؟ الجواب هو أنه كان نشيطًا كشخص يهودى  فريسي،وذلك  في وقت قريب من خدمة يسوع وفي أعقابها مباشرة، اى في بداية "فترة النفق" حيث رأى إيرمان الكثير من التطور الحاسم. يتفق العلماء عمومًا(وأعتقد محقين )، على أن التمييز الأساسي بين الخالق والخليقة لم يكن فكرة جديدة جذريًا بالنسبة لبولس عند تحوله. إن أفكاره حول عبادة الأوثان وأساسها الواردة في (رومية 1: 25) هي بالتأكيد وجهات نظر كان يعتنقها سابقًا. تنعكس وجهة نظر البيئة التي كان ظهر فيها يسوع والتلاميذ الأوائل  بعد عيد الفصح الأول.   في رد الكتبة ورئيس الكهنة على يسوع في إنجيل مرقس، وكذلك في رأي شاول الطرسوسي.

إن الآثار المترتبة على ذلك مهمة بالنسبة الى الكيفية التى ننظر بها إلى "هوية يسوع الإلهية" وهذا يعني أنه عندما يقول يسوع ويفعل في (متى ومرقس ولوقا) أشياء تعتبر في العهد القديم من الامتيازات الإلهية، فإن ذلك لا يمكن أن يكون إلا أنه يشارك في هوية إله إسرائيل.

ملخص 

إن حجة إيرمان بأن يسوع الذي ذكر(متى ومرقس ولوقا)  مختلف جوهريًا عن "يسوع الإلهي" الموجود مسبقًا في اقرارات الايمان ،هى حجة معيوبة. لأن الوجود المسبق متجذر في الأناجيل بشكل أعمق مما يعترف به إيرمان . والأهم من ذلك أن الهوية الإلهية التى تنسب ليسوع في الأناجيل، ليست مجرد هوية إلهية يشوبها التراتبية. اذ تعكس لنا الأناجيل - كما هو الحال في( أعمال الرسل )10، و(رومية )1، و(العبرانيين )1، و(رؤيا) - بيئة يهودية صارمة التقسيم  بين الله والبشر، بين الخالق والخليقة، أكثر  من الاتصال بين المجالين الإلهي والبشري. .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق