2015/10/24

هل يأمر الرب بكشف العورات فى العهد القديم(اش18:3)


هل يأمر الرب بكشف العورات فى العهد القديم(اش18:3)
 [يُصلّع الرب هامة بنات صهيون ويعري الرب عورتهن]

  • بكل تأكيد هذا الأمر غير صحيح وهو كذبٍ وإفتراء على الكتاب المقدس.وهذا الإدعاء يدُل على جهلٍ تامٍ  بالكتاب المقدس,وعادات وتقاليد اليهود.وقبل الرد على هذه الفرية,نود أولاً: تأكيد إن العورة فى الكتاب المقدس أمرٍ مُحرم النظر إليه.فنجد الرب يتحدث فى(لاويين6:18-18).على إحترام العورات,وعدم كشف عورة الغير.فنجده يقول:
  • [ لاَ يَقْتَرِبْ إِنْسَانٌ إِلَى قَرِيبِ جَسَدِهِ لِيَكْشِفَ الْعَوْرَةَ. أَنَا الرَّبُّ. 7عَوْرَةَ أَبِيكَ وَعَوْرَةَ أُمِّكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا أُمُّكَ لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. 8عَوْرَةَ امْرَأَةِ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا عَوْرَةُ أَبِيكَ. 9عَوْرَةَ أُخْتِكَ بِنْتِ أَبِيكَ أَوْ بِنْتِ أُمِّكَ الْمَوْلُودَةِ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْمَوْلُودَةِ خَارِجاً لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. 10عَوْرَةَ ابْنَةِ ابْنِكَ أَوِ ابْنَةِ ابْنَتِكَ لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. إِنَّهَا عَوْرَتُكَ. 11عَوْرَةَ ابْنَةِ امْرَأَةِ أَبِيكَ الْمَوْلُودَةِ مِنْ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا إِنَّهَا أُخْتُكَ. 12عَوْرَةَ أُخْتِ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا قَرِيبَةُ أَبِيكَ. 13عَوْرَةَ أُخْتِ أُمِّكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا قَرِيبَةُ أُمِّكَ. 14عَوْرَةَ أَخِي أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِلَى امْرَأَتِهِ لاَ تَقْتَرِبْ. إِنَّهَا عَمَّتُكَ. 15عَوْرَةَ كَنَّتِكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا امْرَأَةُ ابْنِكَ. لاَ تَكْشِفْ عَوْرَتَهَا. 16عَوْرَةَ امْرَأَةِ أَخِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهَا عَوْرَةُ أَخِيكَ. 17عَوْرَةَ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا لاَ تَكْشِفْ. وَلاَ تَأْخُذِ ابْنَةَ ابْنِهَا أَوِ ابْنَةَ ابْنَتِهَا لِتَكْشِفَ عَوْرَتَهَا. إِنَّهُمَا قَرِيبَتَاهَا. إِنَّهُ رَذِيلَةٌ. 18وَلاَ تَأْخُذِ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا لِلضِّرِّ لِتَكْشِفَ عَوْرَتَهَا مَعَهَا فِي حَيَاتِهَا].
  • ونجد هُنا تشريع الرب الفائق الروعة والدقة.فالرب يرسم الحياة المُقدسة ليعيش بها شعبه,فيتقدوس وتتقدس بهم الأرض.فإله الكتاب المقدس حريض كُل الحرص على إحترام عورة الأخر.من أبٍ وأمٍ وأخٍ وأختٍ,وزوجة الأب,وزوجة الأخ..إلخ.فهل بعد ذلك يأتى قائل إن الرب يُريد كشف العورات؟فإلهنا ليس ذلك الإله الذى لا يحترم خصوصيات الأخر و ليس هو الإله الذى يسمح للنساء بكشف عوراتهن للغريب,ليُصبح مِحرم للبيت[!].
  • والكلمة المُستخدمة فى النصوص السابقة(سفر اللاويين) هى עֶרְוָה وتُلفظ عبرياً (عورة), وأيضاً تاتى بمعنى(العرى,الغير محصنة,العرى,الفواحش) [1].كما إنها تأتى بمعنى سوأة,,عَورة,وفى الأرامية تأتى مبعنى"خزى"[2].وهى غير الكلمة المُستخدمة فى سفر إشعياء(17:3) [يُصلّع الرب هامة بنات صهيون ويعري الرب عورتهن],فالكلمة المُستخدمة هى פָּתְהֵ֥ן والتى تُعنى [الجبه][3].وهذه الكلمة وردت مرتين فقط فى العهد القديم,الأولى ف(1صم50:7)[ . وَالْوُصَلَ لِمَصَارِيعِ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيِّ  ][4].
  • ولذلك بعض الترجمات الإنجلزية ترجمتها(فروة الرأس),(رأس صلعاء),(صلع صهيون),(جباههم عارية)[5].وهذا ما يتطابق مع   السياق العام,الذى يتكلم على مِدينة وليس إمرأة أو رجل[!].فالنص يتحدث عن"أورشليم"(إش1:3)وعن "صهيون"(16:3),وشعبُها الساكن فيها.وبالتالى ما يُريد أن يتوهمه المُشكك إن هذا الحديث عن عورات حقيقية لهو أمراً كذب وإفتراء.وعدم أمانة.
  • فالحديث بالأساس عن بنات صهيون ويصفهم الكتاب بإنهم(يتشامخن,يمشين ممدودات الاعناق,غامزات بعيونهن..الخ].لقد سيطر عليهم الكبرياء,يمشين ممدودات الأعناق بعد ما كانت مُنكسة رؤسهن تحت نير العبودية فى مصر.لقد تناسين الرب إلههم وتكبرن.وغمز العيون والخلاعة  فى المشى تُشير إلى الزنا الذى وقع فيه هذا الشعب.
  • وحينما يتكلم الرب إن شعبه تركه وزنا .فيكون المقصود به هو عبادة الأوثان.الزنا الروحى.وبعد هذا الترك والزنا وراء أله آخرى.يقول الرب : "يُصلّع الرب هامة بنات صهيون ويعري الرب(جباههن).وحينما يقول الرب إنه سيُعرى رأس إبنه صهيون.فهذا الأمر فى شريعة موسى يُعرف ب"شريعة الغيرة"(عدد29:5).فالرجل الذى يُصيبه روح الغيرة تجاه زوجته,يأتى بها للكاهن,ويوقف الكاهن المرأة أما الرب ,ويكشف رأسُها(راجع هذه الشريعة فى سفرالعدد 5) .
  • وزنا الزوجة (صهيون)هُنا واضح من تصرفاتها(اش16:3).والرب يقول إنه"أنتصب للمخاصمة"(اش13:3),والدينونة الشعوب(اش13:3)هذه هي الدينونة والمُحاكمة, أن تكشف الزانية عن رأسها.وفى كشف الرأس إتهام صريح بالزنا.وهذا ما يُسمى ب"التحكيم الإلهى"وفيه يُعلن الكاهن اللعنىة الواقعة على الزوجة الخائنة.ويكتب اللعنة بالحبر,ثم يغسل الحبر فى وعاء به ماء طاهر وتراب مأخوذ من أرض خيمة الإجتماع,وتقر المرأة باللعنة عن طريق تقدمة الإثم بين يديها والإقسام بعهد, ويقدم الكاهن التقدمة,ويسقى المرأة من الماء(16-26)[6].
  • وكأن الرب يقول لصهيون إنها زانية,ويدعوها لكشف رأسها للدينونة وللمخاصمة.وهذا الأسلوب إستخدمه الرب فى عدة شواهد آخرى فى الكتاب المقدس , و بنفس المعنى الذى شرحناه.ولكن المُشكك غير أمين,وفسر الأمر كما يشاء دون توخى الدقة والأمانة العلمية فيما يقول.
  • والشرح السابق مؤكد من القرينة الكتابية ففى سفر أرميا يقول: مَاذَا تَقُولِينَ حِينَ يُعَاقِبُكِ وَقَدْ عَلَّمْتِهِمْ عَلَى نَفْسِكِ قُوَّاداً لِلرِّيَاسَةِ؟ أَمَا تَأْخُذُكِ الأَوْجَاعُ كَامْرَأَةٍ مَاخِضٍ؟ وَإِنْ قُلْتِ فِي قَلْبِكِ: لِمَاذَا أَصَابَتْنِي هَذِهِ؟ لأَجْلِ عَظَمَةِ إِثْمِكِ هُتِكَ ذَيْلاَكِ وَانْكَشَفَ عُنْفاً عَقِبَاكِ.(ار22:13),والحديث أيضاً عن التاج الذى يُغطى الرأس(ار18:13),وأيضاً(نا5:3) هَئَنَذَا عَلَيْكِ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ فَأَكْشِفُ أَذْيَالَكِ إِلَى فَوْقِ وَجْهِكِ وَأُرِي الأُمَمَ عَوْرَتَكِ وَالْمَمَالِكَ خِزْيَكِ.

النعمة معكم
مينا فوزى



Strong's Hebrew .Number,6172.[1]
[2] القس عاطف المرفوض: قاموس العبر ية الكتابية المُصغر, ,ص97.
[3]Strong's Hebrew .Number .6596.
4NAS: gold; and the hinges both for the doors
[5] New Living Translation, New American Standard Bible, Holman Christian Standard Bible, NET Bible, GOD'S WORD® Translation, New American Standard 1977, Douay-Rheims Bible, World English Bible, New International Version
[6] دون فليمنج:التفسير المعاصر للكتاب المقدس.ص92.

2015/10/14

الإفخارستيا سِر الإتحاد بالرب.(حسب فكر الأباء).



  • لقد حان الوقت الذى ننتبه فيه لأهمية الإفخارستيا فى نُصرتنا على الموت,الموت بشقيه الجسدى والروحى, فقديماً جِلِبَ داود الموت  والهلاك لشعبه حينما تفاخر بتعداد شعبه فضربهم الرب بالوباء.فتم القضاء على الكثير منهم.حتى قِدمَ داود ذبيحة للرب, لِيكُف الوباء والموت عن الشعب.فكانت النُصرة على الوباء,بل إنها النُصرة على الموت(راجع 2صم24).
  • فإن كُنا نِعيش فى الفساد والإضمحلال الذى سببته لنا الخطية,إذا نحنُ مائتين لان الخطية هي إنفصال عن الله مصدر الحياة,فكُنا فى حاجة لذبيحة تُنهى الموت الذى تملك علينا .أو يتم الإتصال بالرب ليمِدُنا  بالحياة التى تقضى على الموت.
  • لذا كان لابُد أن يتم الإتصال بالرب لكى ما تنتهى فترة موتنا و إنفصالُنا,لهذا توجب على الله,أو قول تفِضَّل الله علينا وتِجِسدَ ,لكى ما يُعيد الإتصال-الإتحاد-مرة أخرى.لذلك .فنحن بهذا الاتحاد بـ| فى الإفخارستيا ننال الغلبة على الموت,إذ إنه فى كل مرة نتناول من جسد الرب ودمه نموت عن خطاينا ونتخلص من الفساد[1]
  • ولهذا يقول ق.كيرلس الكبير:إن الرب قد ابتكر طريقة لتتم بها هذه الوحدة فإنه بواسطة  جسده .ومن خلال سر الإفخارستيا.بارك أولئك الذين يؤمنون به وجعلهم من الجسد نفسه.معه[2] .
  • وهُنا فى العهد الجديد لابُد أن نُشير إلى أهمية الذبيحة التى قدمها الرب لنا.لتحقيق نُصِرتنا على الموت.لقد قدم الرب جسده ودمه لنا,قدمهم من أجل الثبات فيه والإتحاد به,وبحسب تعليم ق.كيرلس الكبير فهذا هو سِر الخلاص,وبه تحِققت البشرية من خلاصُها عن طريق الإتحاد بالرب[3]. وفى سياقٍ مُتصل قال ق.أثناسيوس:[ لأننا حينما نتناول نحن جميعاً منه,  نصير جميعاً جسداً واحداً.إذ يكون الرب الواحد فينا ونحن نتأله ليس بأشتراكنا فى جسد إنسانِ ما. بل بتناولنا من جسد الكلمة نفسه][4].
  • وعليه فإن كُنا نتحد[5] بالرب ,مصدر الحياة ومُعطيها,فإننا نأخذ منه,و يِسْكِب فينا روحه القدس التى تُنمينا فى الإيمان والمحبة.وتُجدد النفس والروح.إنها مُشاركة السعادة الأبدية,وكما نقول فى القداس الإلهى"مشاركة سعادة الحياة الأبدية,وعدم الفسادة وغفراناً للخطايا" [6].
  • فإنسكاب الروح فينا تم بواسطة السيدالمسيح نفسه حينما تِجِسدَ,بل إن هذا السكيب هو نتيجة للإتحاد بالرب, لقد صار السر الذى فى المسيح بداية,وطريق نشترك بواستطه فى الروح القدوس والاتحاد مع بعضنا البعض...فالابن الوحيد بحكمته الذاتية وبمشورة الآب قد ابتكر طريقة لتتم بها هذه الوحدة بواسطة الجسدٍ الواحد.الذى هو جسده ومن خلاله يُبارك أوللئك الذين يؤمنون به ويجعلنا من الجسد نفسه.معه ومع بعضنا البعض.فمن يستطيع أن يُقِسْم أولئك الذين ارتبطوا معاً بواسطة جسده.فإننا نصير كلنا جسداً واحداً لآن المسيح لا يمكن أن ينقسم[7].

  • لذلك فالإفخارستيا هي الخروج من هذا الجسد,ومن هذا العالم.من أجل الدخول والخوض فى أسرار السماء.لهذا تأخذ الإفخارستيا الكنيسة فى رحلة لعالمٍ أخر.عالمٍ أشبه بالسر,سر المسيح[!].بل إن الإفخارستيا هى العالم الأخر الذى يدخل فى الكنيسة وتدخل فيه الكنيسة.فالإفخارستيا هى سر المسيح,وفى شخص المسيح تنحصر الأسختولوجيا كلها.فلقيامَّتِه سَّمة المجئ الثانى.بل هو نفسه الملكوت السماوى.لهذا كل من هو فى المسيح هو فى السماوات[8].
  • ولهذا فإيمان الكنيسة قائم بالأساس على الإفخارستيا والشركة فيه.فالكنيسة فى جسد المسيح تعيش مُبِررة والمفديون بدمه صاروا أعضاء فى جسده الذى و ُلدوا منه وله بالمعمودية,وبالافخارستيا صاروا معه وفيه دائماً على الأرض كما فى السماء"أقامنا معه وأجلسنا معه فى السماويات"(أف6:2)[9].
  • وفى ضوء ما سبق نقدر أن نفهم ما قيل فى القداس الكيرلسى:ـ"لكى يكون لنا نحن المتناولين منهما,إيماناً ..ومحبة..صبراً كاملاً,ورجاء ثابتاً"[10].فالإيمان قد تِحقق بإتحادنا [التناول من]وتحديقُنا فى رئيس الإيمان ومُكمله(عب2:12),وبهذا الإتحاد نمتلئ بالمحبة التى هى الله.وفى هذا الملئ ,نمتلئ بالرجاء والصبر,لإن الإفخارستيا كما يقول الآب الكسندر شميمن :إنها دخول الكنيسة إلى فرح سيدها.إنها دعوة الكنيسةالأساسيةللدخول إلى هذا الفرح[11].فكيف نكون فى محضر الملك المسيح[القداس]ولا نمتلئ بالرجاء؟.

 إهداء إلى روح أبونا يعقوب جبرة-ذكرة الأربعين
بقلم:مينا فوزى




[1] الإفخارستيا سر الحياة. وتأليف الدكتور مارك شنودة,و مراجعة الأنبا رافائيل, ص349
[2] شرح انجيل يوحنا .للقديس كيرلس عمود الدين,مؤسسة انطونيوس, ص407 .
 [3] راجع تفسير إنجيل يوحنا. ق.كيرلس السكندرى.ك11.فصل12.

[4] ضد الأريوسيين22:3 .
 [5] فحسب فِكر الأباء فال خلاص يتم عن طريق الإتحاد بالرب,وهذا ما قاله ق.كيرلس ,بينما ق.أثناسيو فكان غاية وهدف التجسد هو التأله للخلاص.
 [6] القداس الكيرلسى,إعداد القس أمونيوس ميخائيل,ومراجعة الأنبا أرسانيوس.ص25
 [7] شرح انجيل يوحنا .للقديس كيرلس عمود الدين,مؤسسة انطونيوس, ص407 .

[8] بتصريف من كتاب اللاهوت المسيحى والانسان المعاصر,للأب سليم باسترس, جـ3,ص200.
 [9] الأفخارستيا عشاء الرب,للأب متى المسكين.ص189.

[10] القداس الكيرلسى,إعداد القس أمونيوس ميخائيل,ومراجعة الأنبا أرسانيوس.ص25.


[11] الإفخارستيا رحلة إلى الملكوت,الآب الكسندر شميمن.ترجمة الدكتور جرجس كامل.ص9.


2015/10/04

ما بَيْنَ اللَّاهوت والغُنُوسِيَّة,(مقالات في اللَّاهوت.ج.3).

ما بَيْنَ اللَّاهوت والغُنُوسِيَّة,مقالات في اللَّاهوت.
  •         دائمًا وأبدًا ما يندفع الإنسان من ذاته,أو تدفعه هيَ لخوض رحلة بحثٍ عن الله.ولهذه الرحلة سماتُها التى تُميِّزها عن دونِها.فدائمًا ما تَتَّسِم بالشَوْقِ والإثارة,النابعة من شئٍ ما مجهولٍ,  يجهله الإنسان,وما يجهله الإنسان هو المُسَبِّب الأساسى لمشاعره السابقة من شوقٍ وإثارة.
  •  فالإنسان يبحث وكُلَّمَا تَوَصَّل ,ويَظُنُّ  إنه قد أدرَكَ [!]فيكتشف إنه لم يُدرِكْ شيئًا . ومازال ما أدركَهُ هو المجهول بعينه.و.في هذه اللحظة يزداد إتضاعًا,وفي إتضاعِهِ تلتهب أشواقه,وتتزايد إثارته.بل إنَّ الإنسان كُلَّما إتَّضَعَ يكتشف إنه مازال مغرورًا,وفي غروره المُتَّضِع يندفع دفْعًا لكي ما يروي أشواقه.يرويها من خلال التفتيش والتنقيب في بَوَاطِن وأسرار الله .فلا يهدأ حتَّى يُدرِكَ هذه الأسرار,ولنْ يستريح حتَّى ينبِشَ جميعَ السرائِرِ.
  • فيظل يُفتش ويِنبُش ولنْ يهدأ له بالٌ فللأسرار صفةٍ إلهية.والألوهة غير محدودة.وهُنا يتقابل الإنسان,أو يصطدم مع إمكانياته ومُعطياته المحدودة.والصِّدام هُنا بين المحدود الذي يُريد إمتلاك الغير محدود,و هُنا محور الشوقِ والإثارةِ.بل ولوعتها.
  •  فمن يِجتاز هذه الرحلة عليه أن يعلمَ إنه سينتهى إلى اللاشَيْء.سينتهى إلى المجهول,فإن كان الله غير محدودٍ فهو ذاك اللاشيء الذي سينتهى إليه الإنسان.وبحسب لغة البشر فهذا يُعَدُّ تقليل من قيمة الله,ولكن بحَسَبِ الفَهْم اللَّاهُوتي فحقًا لا يوجد وصف أدَقٌّ من هذا,فالله ليس بشيءٍ,ولا يُشبهه شيءٌ .فحينما نقول إن هذه الرحلة تنتهى إلى اللاشيء فهذا لا يُعني إن لهذه الرحلة نهاية.وهذا ما دفع ق. غريغوريوس النزينزي أن يقول:ـ[مَن يسلك هذا الطريق ويخال في وقت ما إنه قد عرف الله يكون ذهنه فاسدًا][1].
  •  وكُلُّ ما يجهله الإنسان هو كُلُّ ما غاب عن ذهنه,وغياب هذا الأمر هو في حدِّ ذاتِهِ الظلمة.وحالُنا ليس أفضل من حال مو سى النبى الذى وصْفِه  ق.غريغوريوس قائلاً:[ لأن مَنْ يطلبه يفوق كل معرفة,تحجبه لا إمكانية إدراكه من كل جهةٍ كما لو كان في ظلام][2]. فإن صعدنا نحن جبال المعرفة فسنواجه هذه الحقيقة.أو قول يصطدم غرورنا بهذا الواقع الذى نحاول تجاهله.
  • وفي وصف حال ق.يوحنا الحبيب حينما حاول الدخول إلى هذا المجهول المُظلم,يقول ق.غريغوريوس:ـ[ولهذا يقول يوحنا الملائكي الذي دخل في تلك الظلمة النيِّرة"الله لم يراه أحد قط"محددًا بهذا النفي أنَّ معرفة الجوهر الإلهي ليست في مُكنَةِ البشر وحَسبُ,بل ليست فى مُكنَةِ أيِّ طبيعةٍ عقليَةٍ أيضًا,وهكذا عندما تَقَدَّمَ موسى في المعرفة أعلن أنَّهُ يرى الله في الظلام.أي انَّه عَرَفَ أن الألوهة تفوق جوهريًا كلَّ معرفة (أدرية)[3].
  • لذلك فنحن في حاجة إلى مُصطلح"الظُلمات الإلهية",لكي ما نقدر أن نُدرِكَ و نتدارَكَ عجزنا[!]ويبدو إنَّ هذا المُصطلح مُخالف لما تعلمناه في الإنجيل إن الله هو [نور],ولكي لا يخطئ القارئ الظن بي فأود أن أوضح إنني لم|ولن أقصد أن أقول إن الله فيه ظُلمة او ما شابه ذلك.بل كل ما أقصده هو جهلُنا بهذا الإله العظيم,فعظمته في كونه مجهول.غير مُدرك من قبلنا.وكما ذكرنا فهذا هو مصدر الشوق والإثارة بالنسبة لنا. فالظلمة التي أتكلم عنها ما هيَ إلَّا ظُلمة جِهلنا.
  •  لذلك فأي معرفة عن هذا المجهول|الله.لاتكون من خلالِنا نحن ,بل تكون من قِبَلِ الله.لهذا فحَسَبْ اللَّاهوت الشرقي نقول إنَّ هذه المعرفة ما هي إلا نعمة من الله.فيقول فلادمير لوسكى:ـ[الله المجهول لا نقتنيه اَّلا بالنعمة..هذا الوعي هو إذًا خبرة بقاء ولقاء مع الله ..الإعلان الشخصي وبفعل النعمة تحقَّقَ موسى وبولس من إستحالةِ معرفة الله. الاول عندما ولج ظلمات تعذُّرِ البلوغ الى الله والتاني عندما سمع الكلمات التي تعبِّر عن عدم قابليته للوصف][4] .
  • وإن كان هذا المُصِطلح يبدو صعبًا على مسامع البعض,فكيف يكون نور العالم موجود في الظُلمات؟حقًا إنَّه إعتراض على قدرٍ من الصواب,ولكن علينا أن نعلم إن الظلمة عند الرب ليست هيَ ظُلمة,فكما يقول المُرنم؟؟[ حَتَّى الظُّلمَةُ لَيسَت ظُلمَةً عِندَكَ واللَّيلُ يُضيءُ كالنَّهار. [[مز12:139].
  •  فإن كانت الظُلمة لها معنى سيء لَدَى البعض-وهذا غير موجود عند الرب- فعليْنا أن نُصيغ هذا السيء  في قالبٍ من الجمال,فالظلمة هي غياب النور,فهذا مفهوم أهل هذاالعالم,وعلى المسيحي أن يتجرد من مفاهيم هذا العالم ,بل ويصنع معنى جديدًا لما تعلمه في هذا العالم, وكما يقول(الآب فرانسوا فاريون اليسوعي):ـ" فالمسيحي هو القادر على إضفاء معنى ثانٍ,أعمق بكثير,على ما كان له معنى,القادر على إضفاء معنى على ما لا معنى له"[5],والمعنى الذي ينبغى أن يُضفَى هُنا هو ما قاله المُرنم[الظُلمة ليست ظُلمة][مز139: 12].
  •  وهُنا نقدر أن نصيغ الظُلمة ونُضفي عليْها جمالاً نتخذه من جمالِ إلهِنا,فالظُلمة المقصودة هُنا هي عدم القدرة على الإلمام بالرؤية . التي من خلالها نرى الرب.وهُنا,- وهُنا فقط - نكون قد صِغْنا هذه الكلمة بمعنى يكشف لنا ونكتشف معه جمال إلهنا الذي لم ولن نقدر البلوغ إليه,أو بمعنى أدق لانقدر أن   نبلغ المنتهى فيه,إنها الأبدية.ولا مُنتهى لها,الأبدية التي نحياها فيما بعد,أو قُل نحيَا فيها الأن وتمتد حياتنا فيها حتى بعد خروج الروح من جسدنا.
  • إنْ كان هذا هو القصد,فحسنًا [!]بل وحسنًا جدًا.فقد بلغنا إلى معنى مختلف تمامًا,فنحن الآن على أعتاب الحديث عن[الظُلمة النيرة],من ظلمة الجهل إلى ظلمة المعرفة,وهذا هو التصوُّر المُسيطر عليَّ .فكُلَّما إكتشفنا الظُلمة,كُلَّما تزايد صراخُنا(صلاوتُنا),وكُلَّما تزايد صِراخُنا(صلواتُنا),كُلَّما إنتهت الظُلمة(الجهل)من حياتِنا. ولهذا فالصلاة هيَ إنفتاح على المجهول,الولوج في الظُلمة النيرة,ولهذا فنحن نقول إن الصلاة هيَ باب المعرفة,أو قُل هي المدخل إلى الغُنُوسية.
  • ولعل هذا يقودنا إلَى نقطة أخطر وأعمق خلال إقترابُنا من العُليقة المُشتعلة[!]وهيَ علاقة اللَّاهوت بالغُنُوسية. فإن كانت الغنوسية Gnosticismهي "حُبُّ المعرفة"[6],فهذا الحُبُّ من أين يبدأ؟وإلى أيْنَ ينتهي؟
  •  لعَلَّ ما دوَّنه القديس يوحنا الحبيب في[يوحنا17]هوَ أفضل معنى للغُنُوسية المسيحية-إن صَحَّ هذا التعبير الذي يرفضه البعض-فيقول[هذه هيَ الحياة الأبدية,أن يعرفوكَ...]وكلمة معرفةهنا هي γινώσκωσιν,فالغنوسية الحقيقيةوليست الزائفة هيَ التي تهدف إلى الوصول بنا إلى معرفة الله .حق معرفةٍ.
  •  ومن أغرب المعاني التي نقدر أن نتعرف عليها في معنَى الغنوسية ,إن الغنوسية هى unaware [عدم الإدراك][7],وأظن إن هذا المعنى هو الأقرب لِى من أي معنى أخر..ويكون قصد القديس يوحنا هو إن الحياة الأبدية هيَ حياة عدم الإدراك,والحديث هُنا عن الإدراك الكُلى,وهذا ما لايُمكن أن يحدث,فنحن حاليًا نعيش في الإدراك الجُزئي,وبعد الموت سيظل إدراكُنا جزئي.
  • وهذا الإدراك الذي نسعى إليه هو قائم بالأساس على المُعاملة والتبادُل بيننا وبين الثالوث القدوس.وهذا التعامُل وهذا التبادُل هُما نوعاً من الخبرة ,الخبرة التي يكتسبها الإنسان,ولهذا فنحن نقول:[ ليس هُناك لاهوت خارج نطاق الخبرة,فعلينا أن نتغير لنصير إنساناً جديداً لكي نعرف الله,علينا أن نقترب منه ,ولسنا لاهوتيين إن لم نَسِرْ على طريق الإتحاد بالله,وسبيل المعرفة هو بالضرورة سبيل[التألُّه]. فهذا هو المصطلح المميَّز الذي استُخدم في الفكر اللَّاهوتي الآبائي المدوَّن باليونانية للتعبير عن إعطاء الله ذاتَهُ للجنس البشرى بالمسيح وفي الروح القُدُسِ....[8].
  • وفي هذه الحالة نقدر أنْ نقول إنه لا مكان ليسوع على منابر الوعظ,ولا ذِكر له في أفواه الواعظين.فسيكون الجميع مُتمسِّكاً بالمفهوم الصحيح لشخص الثالوث المُبارَك,وهو [الحياة]ستُسد أفواه الوعاظ.ستتحول عِظاتُنَا إلى حياة نحياها.وما الحياة سوى الرب يسوع,
  • سيتحول الثالوث من موضوع العظة –مع إن الله ليس موضوع ولا قضية ولا نظرية- سيتحول هذا إلى عظة نحياها قبل أن نذهب لكنيسة لنستمع إليها, وتتحول حياتُنا إلى عظة دائمة.غير محصورة في جدران الكنيسة ويومٍ في الأسبوع.
  •  فإذا تيقَّنَّا مما سبق فلن نعود نطرح الله[كقضية]وموضوع لأن الأمر لا يتعلق بالمعرفة في حد ذاتها.بل في الإتحاد الصوفى بالله الذي تبقى طبيعته فوق معرفتنا[9].


النعمة معكم
مينا فوزي...


[1] فلاديمير لوسكى:بحث في اللَّاهوت الصوفي لكنيسة الشرق.ص32.
[2]ق.غريغوريوس النيصي: أقدم النصوص المسيحية,حياة موسى النبي أو الكمال في مجال الفضيلة.ص90.
 [3]المرجع السابق.ً90.
[4]فلاديمير لوسكى:بحث في اللَّاهوتِ الصوفي لكنيسةِ الشَّرقِ.ص29
[5]الآب فرانسوا فاريون اليسوعي [فرح الإيمان بهجة الحياة ]محاضرات في أهم القضايا الإيمان المسيحي ص7.
 [6]ولا أقصد تلك الطائفة التي حاربتها الكنيسة في القديم بل أقصد حب المعرفة الإلهية في ذاته,لقد إستخدم القديس يوحنا الحبيب لفظة[غنوسية]في شرحه لمعنى الحياة الأبدية[راجع يوحنا17].
[7]قاموس Strong'  تحت ترقيم1097.
 [8]الإيمان بالثالوث الفكر اللاهوتي الكتابي للكنيسة الجامعه في القرون الأولى توماس ف تورانس ص205 .
 [9]بحث في اللَّاهوت الصوفي لكنيسة الشرق,فلادمير لوسكى.ص32.