2015/05/30

الاهوت بين قلب مُشتاق وعقل جِامح(خواطر لاهوتية)




 سِر الشركة مع الثالوث يبداء من هُنا,عندما اقف امام الكيان الالهى,واُصاب بِحيرة من انت يا الهى؟وماهى ذاتك؟,فسر الشركة يبداء بالحيرة ولا ينتهى الى يقينية تامة,فبداية الشركة مع الثالوث هيا بداية لا نهاية لها,,فاذا وصلت الى اليقينية فانت قد ادركت وحِصرت الثالوث بفكرك ,وهذا ما لا يُمكن ان يحدُث,ولكنها حيرة شيقة,لانها عُمق الشركة الإلهية,فأنت تتحير,وتتذكر الوعد الالهى”اطلبو تجدو”فتطلب من الله الفهم والإدراك,وهو يُعطى بسخاء,ورغم هذا العطاء السخى,فأنت لا تقدر أن تحوى الله,وتستمر فى طلب المعونة وهو يستمر فى إرسال الإعلانات,وتظل هكذا حياتنا حتى الإنتقال من تلك الحياة,وبعد تلك الحياة,نراه بشكل أفضل ومختلف عما كنا نراه فى جسدنا.

-وأيضا نستمر فى الطلب وهو يستمر فى العطاء,وهذه العلاقة المتبادلة من طلب وعطاء, فى ذاتها هيا صلاة,فمن خلال الصلاة أبداء فى إكتشاف السر الالهى(فكلمة سر فى اليونانية –مستيريون-اى الشى المخفى او المستور,اى الشى الذى لا يمكن للانسان ان يُدركه من ذاته وحده,فعندما يستامن الله قديسيه بيعرفهم ويعلن لهم اسراره,يظل هذا الاعلان اعلانا قلبياً داخلياً يحسه القلب [1].

-وهكذا يبداء الإنسان رحلة البحث عن السر الإلهى فى صلاته,ويبداء الله مع تلك الرحلة الأعلانات للمُصلى,فالإعلان الإلهى يبداء من المخدع لا من الكُتب,فالسبب الأساسى لمُشكلتنا العِصرية الحالية هو القراءه ثم القراءة(إن وُجِدت)ونذهب لشرح هذا المقروء فى خدمتنا,دون وعى وفهم لما نشرحه,فأصبحت علاقتنا بالله ورقٍ,وماذا إن نظرنا الى هذا الورق كغيره يبلى,وينتهى وقته؟!آتنتهى معاه علاقتنا بالله؟للاسف ..
ِ
-فالدروس الكنسية أصابها العِث,فأصبحت قائمة على التلقين ولكن الأساس الروحى الداخلى يخلو من أى علاقة إلهية,وبالتالى يِخرُج جيل من تحت أيدينا بلا معرفة حقيقية مع الله ولا شركة أو خبرة حياتيه مع الثالوث!!

-ولى سؤال هام هل هُناك صلاة تكون بلا توبة(صُلح)؟كلا فكل صلاة تحتاج الى توبة,فكيف اتحدث مع شخص وانا مُتخاصم معاه؟فعندما اتحدث عن الإعلانات الإلهية للشخص الذى يطلب,فأنا اتحدث عن الصلاة وعندما اتحدث عن الصلاة فانا اتحدث عن التوبة,وعندما اتحدث عن التوبة فانا اتحدث عن الطوبى,فالتوبة تؤدى الى الطوبى[2]
[اتكلم عن الانجيل بحسب القديس( متى8:5 )اذ يقول طوبى لانقياء القلب لانهم يُعاينون[3] الله],فالصلاة هيا توبة,والتوبة ستحقق الطوبى,والتطويب يكون له أجر وهو مُعاينه الله(بصورة نسبيه لأن الله لا يُدرك ولا يُرى)ولكن بحسب مدى نقاوة قلبك فى الصلاة يكون اعلان الثالوث لك.
-لِيتنا بدلاً من أن نبحث عن كُتب تشرح الثالوث نبحث عن الثالوث ليشرح لنا الكُتب,صدقونى إن أفضل الكُتاب,وأقوى اللاهوتيين,وأكثر تلاميذ المسيح تبجيلاً لم ولن يقدر أى منهم أن يِصل إلى هذا الغير مُحوىِ,وإذا قرئت له لن تصل الى اى معلومة,سوى القشور. فالثالوث سِر لا يُدرك ولكن يُمكننا أن نتذوقه وندخل فى شركة معاه,فتشبع نفوسنا,بل اقول لن تشبع نفوسنا لإننا سنكون فى حالة من الجوع والعطش الدائم لمعرفة الثالوث أو قول فى حالة من إنفتاح الشهية على الالهيات (اتكلم كسِر الهى غير مِحوى),فنحن نقول فى القداس الذى لا ينطق به غير المرئى غير المحوى[4]ولأنه غير محوى فكُلما اكلت منه ازداد شوقى ,لانى مشتاق الى الغير محدود.



-إن سر الثالوث لم ولن يشبع منه أحد,فكلما نتشرب منه نتزايد عطش,ليس لانه لا يروى!كلا فهو يروى وهو ينبوع مياه الحياة كما يقول السيد المسيح:ـ“من يشرب من الماء الذى اعطيه انا فلن يعطش الى الابد”(يو4),[ولكن القصد ان الإنسان الروحانى يكون فى حالة طمع فى الإمور الروحيه,فكلما اكل تتفتح شهيته اكثر فاكثر,فيطلب المزيد]لعل هذا السبب جِعل الرب يقول عن نفسه” من اكلنى عاد الى جائعاً ومن شربنى عاد ظامئاَ”(يشوع ابن سيراخ29:24)
- ليتنا نًدرك أن سر الثالوث لا يُمكن ان نفهمه من خلال مُجلدت الشُراح,ولكن من خلال المخدع,فلكى تفهم شىء يخص الكيان الالهى,لا يتوجب علينا ان نُجيد القراءة فحسب,ولا يتطلب من مكتبات فاخرة لأعظم اللاهوتيين-بل لكى نُدرك السر الالهى يتوجب علينا ان نُجيد الصلاة ,فكما يقول احد الاباء[إذا كنت لاهوتياً فأنت تصلي بالحق، وإذا كنت تصلي بالحق فأنت لاهوتي.][5]فالصلاة يا اخوتى هيا المُفتاح الى خزائن الله.وهيا انفتاح على ذات الله الغير مُدرِك.
- ولكن ما هيا الصلاة؟؟الصلاة يا اخوتى نُعرفها بانها“نداء الهى واستجابة بشرية”[6]!!حقا إنه أغرب شرح لمعنى الصلاة –ولكنى لم أجد سواه أصدق تعبير لفهم الصلاة-فالله يُنادى “تعالو الى أيها الراغبون فى واشبعوا من ثمارى…”(يشوع ابن سيراخ26:24)نعم فالصلاة ما هيا الا دعوة من الله يقول فيها“تعالو لان كل شىء قد اُعد”(لوقا17:14)دعوة للعشاء,فكما يقول الله:ـهنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي”(رؤ20:3)ولكن تُقابلنا مُشكلة وهيا إنى لا أعرف كيف اُصلى؟؟!حقاً انه سؤال هام ورائع كيف اُصلى,والجواب [عليك ان تُصلى لكى تعرف كيف تُصلى],حقاً إنه أمر مُحير لا أعرف كيف اصلى وعليا أن اصلى لكى اعرف ان أصلى؟؟!نعم فالتلاميذ فعلو هذا إذا قالو لرب المجد”يا رب علمنا ان نُصلى”(لو1:11)اليست الصلاة تضرع الى الله وطلبات شخصية له؟فهُنا التلاميذ قد طبقو تلك القاعدة الرائعة[صلى لكى تعرف كيف تُصلى]فطلبوا من الرب,والرب لم يبخل عليهم,انها المحبة والحب الالهى.
 
[فالمُلخص يا اخوتى هو إن السر الإلهى لا يُمكن أن نُدركه بعقولنا,ولكن نقدر أن نطلب الإدراك من الله,فيعطينا سؤال قلبنا,ولكن بعد العطاء لن نُدرك,فنظل نطلب,وهو يظل يعُطى…الخ,فنبداء من بداية إلى بدايات لا نهاية لها,إنها الابدية,التى تستمر مدى الحياة على الأرض وبقية حياتنا فى السماء,نعيش الأبدية التى هيا إدراك الله,ولن نشبع من هذا الجمال,اقول لك,ولن تنتهى الأبدية-أقصد ولن تشبع]
(صلاة للقديس مارافرام السريانى)
“من يستطيع ان يشبع منك اذا احبك بحق؟
وعطش الى نورك؟ فيتقد فيه لهيب محبتك كالنار
فى الغابة,ليأكل الافكار الخبيثة ايها القابل فلسى
الارملة اقبل طلبة عبدك,امنحنى سؤال قلبى,لاصير
هيكلا لنعمتك,فلتسكن فى وتعلمننى كيف ارضيك”
________________________
[1]راجع معجم المصطلحات الكنسية الجزء الثانى ص602) [2]فى اليونانية “مكاريوس”وتُعنى –مبارك-مطوب سعيد,وفى العهد الجديد اصبحت اكثر ارتباط بالغبطة المرتبطة بالسلوك النقى-راجع كتاب تحليل لغة الانجيل للقديس متى فى اصولها اليونانية-الاستاذ موريس تاوضروس ص122
[3]وكلمة يعاين فى اليونانى اخذت تصريف المستقبل المبنى للمتوسط الصرف مع ضمير الغائب الجمع,بعنى”يرى,يعاين,يلمح”المرجع السابق ص131
[4]انتظر القداس الالهى الزء الثانى للراهب اثناسيوس المقارى ص692,فمستحق وعادل فى الترجمات القديمة للقداس تقراء “مستحق ومستوجب”وهيا لا تعنى الاستحقاق لله بل الى الشكر نفسه,فيكون المعنى انه امر واجب ولائق ان نشكرك
[5]الكتابات الارثوذكسية المسكونية,علم اباء الكنيسة,مدخل الى الفكر التاملى(1)
[6]حياة الصلاة الارثوذكسية ص24