2015/07/29

البدعة السابيلية.أخطاء منسوب للآب متى المسكين.ج4.




هل كان القمص متى المسكين يتبع البدعة السابيلية؟
 

-عجبتُ من شخص يتدعى إن الآب متى المسكين يُعلم بالبدعة السابيلية,ومايُزيد تعجُبنا هو إن هذا الشخص بعينه يتدعى إن الآب متى المسكين هو شخص يتبع الفكر الهندوسى,ويؤمن بالنِرفانا وهو يُعلم بتعاليم البروتستانتية[الكُفار حسب وجه نظره]ويُعلم بفكر نسطور وأخيراً يُعلم بهرطقة سابليوس[الشرير].


-وسبب تعِجُبى هو كيف لمجمع مُقدس لكنيسة عريقة مثل كنيستنا ,المفروض يحوى أباء لهم غيرة على العقيدة,يتركون شخص يحمل فى داخله هذا الكم من الهرطقات؟دون مُحاكمة؟؟هل هو مجمع ضعيف؟لايوجد فيه شخص واحد قادر أن يكشف هذه الهرطقات؟أم هو مجمع يتبع كل هذه الهرطقات وبالتالى لا يرى فيها أى عوار؟أم إن الآب متى المسكين رجل أرثوذكسى غير مُهرطق لذلك لم يُفكر المجمع أن يُحاكمه؟أسئلة كثيرة تجول بخُلدى ولا جوابٍ لها.


-على كُل حال كما تعودنا فى هذه السلسلة أن نُوضح فِكر الآب متى المسكين,ولا نُدافع عنه,لانه لا يحتاج للدفاع,أو يُمكننا أن نقول إن كل ما طُرح على الساحة من تشكيك وترِهات لا تحتاج لشخص يُدافع ويِرُد,لذلك هدفنا هو توضيح فكر الآب متى المسكين فقط لا غير...



ما هيا البدعة السابلية.

-وبإختصار نقول إنها بدعة قد نادى بها شخص يُدعى سابيليوس وقد نادى بإن الثلاثة أقانيم هُم أقنوم واحد مثلث الأسماء,ظهر تارة كآب وتارة  كابن ,وأُخرى كروح قُدس بتغير الصورة والشكل[1].ويُرجع البعض هذه البدعة إلى تعاليم [نوفاتوس][2].وشخص أخر يُدعى[براكسياس],وقام بالرد عليها البابا ديونيسيوس الكبير(248-265)[3],ويقول الأنبا بيشوى:[ اعتقد سابليوس بأن الله هو أقنوم واحد وليس ثلاثة أقانيم، أي أقنوم واحد بثلاثة أسماء. وأن هذا الأقنوم حينما خلقنا فهو الآب، وحينما خلّصنا فهو الابن، وحينما قدسنا فهو الروح القدس..].[4]


-إذاً لكى يقدر شخص أن يقول على الآب متى المسكين إنه يتبع هرطقة سابيليوس,لابُد أن يِحضر من كتاباته ما ينص على[إن الثلاثة أقانيم هُم إقنوم واحد بأسم واحد]وإن لم يجد[وهذا هو الواقع]فيبطُل الإدعاء,والأن نُطالب بالبينة على من يتدعى.


-والأن لننظر لما قاله الآب متى المسكين :[ولقب إبن الإنسان بالنسبة للاهوت المسيحى سواء فى الأناجيل الثلاثة أو فى رسائل بولس الرسول أو فى إنجيل يوحنا يحمل عقيدة لاهوتية مضمونها أن المسيح  والمؤمنين يكونان جسداً واحداً إنساناً واحداً][5].


-بعيد على إن الهرطقة قائمة بالأساس على  فهم خاطئ فى جوهر الله,وليس لها أى علاقة بعلاقتنا بالمسيح.فيبطل الإدعاء الأساس,ورغم ذلك  لم نجد أى شُبهة لتعاليم سابيليوس قط.ولم نجد فى كلام الآب متى أى إدعاء إن شخص المسيح وشخص المؤمن يُصبحان شخصاً واحداً,فهذا حقاً ضد العقل لذلك لم يتدعيه الآب متى المسكين,فكيف يتدعى إن المؤمن والمسيح يُصبحان شخصاً واحداً[!]فهذا تعاليم ضد حُرية الإنسان,أو ضد حُرية الله,فلكى نقول إن هُناك شخصين فى شخص واحد ولم تطغى شخصية أحدهم على الأخر؟فأين هرطقة سابيلويس فى هذا الكلام؟.


-فالآب متى فقط قال:[أن المسيح والمؤمنين يكونان جسداً واحداً إنساناً واحداًلعل هذا هو ما يُنادى به الإنجيل المُقدس عن سر الزيجة بين الله والمؤمن.فإن كان الزواج الأرضى بين الرجل والمرأة يكونان فيه الأثنين جسداً واحداً(متى5:19),فكم يبلغ مدى الزيجة بين الله والإنسان؟.


-إن كان تعاليم السيد المسيح نفسها تقول إن هُناك شخصان يُصبحان جسداً واحداً,فهل كان المسيح هو منبع الهرطقات لأنه يستحيل أن يكون شخصين فى إنسان واحد حسب فكر هؤلاء أتكلم؟إم إن هُناك معنى أبعد وأرقى من فكر هؤلاء المُتدعيين؟فقصد السيد المسيح هو إن يكون الإثنين جسداً واحداً ليس بعد أثنين.فالوحدة بين الزوجين تكون وحدة[الفكر,والرغبة,والهدف,والإرادة..إلخ].ولكن لكل منهما شخصيته المُنفردة والمُستقلة عن الأخر.وهذا ما علم به القديس كيرلس الكبير,كما سنرى لاحقاً..


-وهذا هو الحادث بييننا نحن المؤمنين[الكنيسة]وبين السيد المسيح[رأس الكنيسة][اف22:1-23]فنحن والسيد المسيح واحد.وهذا ما كان يُريده السيد فى صلاته الوداعية إذ قال[فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَلْيكونوا هُم أَيضاً فينا لِيُؤمِنَ العالَمُ بِأَنَّكَ أَنتَ][يوحنا17].فنحن والمسيح واحد,ولكن لكُل منا شخصيته المُستقلة.وهذه الإستقلالية هيا التى تدفعنا أن نُخطئ وأن نُصيب[6].


 -والشرح السابق يجد دِعماً من ق.كيرلس الكبير إذ يقول:[نحن لنا نوع من الوحدة الطبيعية بعضنا مع بعض.رغم أننا متميزون بأن لنا أجسام مُتعددة,وكل واحد منا له حالته الشخصية وفرديته,فبطرس لا يمكن أن يكون بولس,رغم أنهما فى الواقع واحداً من جهة إتحادهما معاً فى المسيح][7].


-ومن روائع ق.كيرلس فى شرحه لإنجيل يوحنا يقول[فإن بواسطة جسد واحد,الذى هو جسده,يبارك من خلال سر الإفخارستيا أولئك الذين يؤمنون به,ويجعلنا من الجسد نفسه.معه ومع بعضنا البعض فمن يستطيع أن يقسم أو يفصل أولئك الذين ارتبطوا معاً بواسطة جسده المقدس,فان كنا نشترك جميعاً فى الخبر الواحد(انظر1كو17:10).فإننا نصير كلنا جسداً واحداً,لأن المسيح لا يمكن أن ينقسم,لذلك أيضاً فالكنيسة صارت جسد المسيح,ونحن أيضاً جميعاً أعضاؤه..][8].



- بحسب تعاليم هؤلاء تُصبح الكنيسة كيان مائت,لا حياة فيه,فإن كان ق.بولس يقول[إن المسيح هو رأس الكنيسة[[اف22:1-23]ففصل الرأس[المسيح]عن الجسد[الكنيسة والمؤمنين]يؤدى حتماً إلى الموت والهلاك,فهل هؤلاء يتبعون فكرة هلاك الكنيسة؟.

-فلو لم يكن هرطقة الأخر  منهجنا  الأخر لرميناهم بحسب تعاليمهم بالهرطقة الدوناتية التى تفصل الرأس عن الجسد[!]فيُحاجج ق.أغسطينوس أصحاب هذه البدعة قائلاً:ـ[ما الذى إقترفته الكنيسة.حتى إنكم تجعلوها بلا رأس؟لماذا ترغبون فى سرقة رأسها وفصله عن الجسد؟فباطلة هيا ممارساتك الخدمية والعبادية,إذا فصلت  الرأس عن الجسد,ففى الفصل إصابة وجرح للأثنين[الرأس,الجسد][9].


-فإن كُنا نؤمن إن المؤمنين والسيد هُم جسداً واحداً ,لكل منهم شخصيته المُستقلة,ولا يوجد ضياع لأى من الشخصيتين فى هذا الجسد[راجع شرحنا لموضوع الزواج أنفاً],فيبطل إدعائهم على اللآب متى ,لإن حُرية المؤمن التى تدفع الكنيسة إلى الزيادة والنقصان ,فالمؤمن بحسب تعليم ق.بولس هو[عضو فى جسد المسيح][1كو12],وهذا العضو له مُطلق الحُرية أن يثبُت فى جسد المسيح أو لا .لذلك فنجد أعضاء ينقطعون عن الجسد بحريتهم,وأعضاء ينضمون بإرادتهم...


-وفى مكان أخر يقول الآب متى:[وهُنا تظهر الكلية أو الشمولية التى يعنيها المسيح من لقبه المختار ابن الإنسان,فهو يحمل البشرية المفدية ويمثلها أما الآب .فابن الإنسان نزل من السماء ليجمع فى شخصه وفى جسده البشرية المختارة ,ويصعد إلى السماء بهم ليرثوا ميراثه وينظروا مجده ويكونوا معه حيث يكون][10].


-وفى هذا القول صدق التعاليم الإنجيلية ,بل قد بلغت الأرثوذكسية القمة فيه.فالإنجيل يقول إننا حقا فى المسيح يسوع[(فيلبى1:1),(2كو20:12),(رو1:8)]وكثير من النصوص الإنجيلية تؤكد ذلك.فالوجود فى المسيح هو وجود المسيح الواحد,والجماعه الكثيرة[الكنيسة]وهذا ما قاله ق.بولس [نحن الكثيريين(الكنيسة)جسد واحد فى المسيح ][رو5:12].


-ومن الغريب على العقل ,قبول إن يكون للسيد المسيح أكثر من جسد.جسد قدمه فى العشاء المقدس,وأخر يُقدم على المذبح اليوم وكل يوم,,أخر هو جسد الكنيسة,فمن قدم ذاته على الصليب,مُقدماً لنا جسده ودمه هو هو نفسه من قال إننا واحد معاه[يوحنا17],هو هو من قال إننا جسد المسيح وأعضاء فيه[1كو27:12].



-وفى موضع أخر يقول الآب متى[  وهى على الأرض,فأصبحت بمؤمنيها هى التجسد,هى المسيح المُستعلن فى أبناء الله والمحمولة لالروح لتسير فوق الزمن][11].ولم يسلم هذا النص من الإتهامات,فأخذت علامة التعجُب تُصيب المُتدعيين,وتعِجُبهم قائم على قول الآب متى[فالكنيسة تحمل المسيح وتسير به,مستوطنة فى السماء]مُتسائليين[كيف نقول أن الكنيسة مستوطنة فى السماء,والكنيسة لازالت تجاهد على الأرض وتسمى الكنيسة المجاهدة؟لماذا تجاهد  إن كانت فى السماء؟وكيف يمكن أن يسقط أبناء الكنيسة فى الخطية وهم فى السماء]


-وكُل هذه الإدعائات فى ذاتها فكر غير سليم,فللكنيسة رأس وهو السيد المسيح,وهذا الرأس فى السماء.تُرى هل الرأس منفصل عن الكنيسة؟[بلا نُعزى؟]أم إن الكنيسة قائمة على الأرض مُمتدة للسماء؟وهذا الإمتداد واضح من خلال أعضاء الجسد[الكنيسة]القائميين فى السماء,مثل القدسيين والشهداء,فضلاً عن الرأس ذاته[!].أم إن هؤلاء يُنكرون[شفاعة القدسين ]وعلاقتهم بنا,وهُم فى السماء؟


-ويقول ق.كيرلس الكبير[بإعتبار أن المسيح هو الرأس فان الكنيسة تُدعى بقية الجسد,مكونة من  أعضاء مسيحيين مرتبطين معاً وهذا ما يؤكده الرسول بولس (أف5:3-6)فإن كُنا جميعاً من نفس الجسد بعضنامع بعض فى المسيح,وليس فقط بعضنا مع بعض,بل بالطبع أيضاً معه هو الكائن فينا من خلال جسده,ألا نكون إذاً جميعاً واحداً بعضنا مع بعض ومع المسيح؟فالمسيح هو رباط الاتحاد ,لكون إله وإنسان معاً فى نفس الوقت][12].


-ونختم بتوضيح إن الكنيسة أصبحت جسد المسيح لها أعضاء كثيرة فى السيد المسيح,نتيجة للتجسد.ومن أهم نتائج التجسد بحسب تعليم ق.كيرلس هيا أن نتحد بالكلمة المُتجسد,ولنا فى هذا الأمر بحث بعنوان[الصرع الخريستولوجى والإتحاد بالله]سننشره قريباً...


تم بنعمة الله
مينا فوزى





[1] الآب أثناسيوس المقارى,قوانين المجامع المسكونية وخلاصة قوانين المجامع المكانية.ص87.

[2] وهو نوفتيان.قس من كنيسة روما,له مؤلف هام ومتكامل عن الثالوث,وتفاصيل حياته مجهولة تماماً.

[3]يوسابيوس القيصرى,تاريخ الكنيسة,ص349.

[4] الأنبا بيشوي. المجامع المسكونية والهرطقات -  مجمع القسطنطينية: مقدمة عن بدعة سابيليوس,ص34

[5] الآب متى المسكين.المدخل لشرح إنجيل ق.يوحنا دراسة,وتحليل,ص200.
 [6] ويتسخدم ق.كيرلس تشبيه العريس والعروس ليفسر اتحاد المسيح بالكنيسة أكثر من اتحاد النفس بالله,راجع تفسيره لإنجيل ق.يوحنا29:3.

[7] القديس كيرلس الكبير.شرح إنجيل يوحنا.إصدار مركز الآباء.ج2ص406.

[8] المرجع السابق .ص407.

[9] عظة138.نهر1797

[10] الآب متى المسكين.المدخل لشرح إنجيل ق.يوحنا دراسة,وتحليل,ص199.


[11] الآب متى المسكين.المدخل لشرح إنجيل ق.يوحنا دراسة,وتحليل,ص415.

 [12] القديس كيرلس الكبير.شرح إنجيل يوحنا.إصدار مركز الآباء.ج2ص408.