2019/08/28

الصراع الاغسطيني-البيلاجي من منظور أرثوذكسي

الصراع الاغسطيني-البيلاجي من منظور أرثوذكسي 
بقلم اشرف بشير 

  • حاليًا فيه كتير بيصوَّروا الخلاف بين بيلاجيوس واغسطينوس علي إنه كان خلاف هل فيه خطية أصلية ولا لأ, بتسطيح مُخلّ، وبيصوروا ان إدانة الهرطقة البيلاجية من الأرثوذكسية معناها بالضرورة اثبات للفكرة الهيتيرودوكسية عن "وراثة ذنب خطية آدم" وما ترتب عليه من إلزام تنفيذ عقوبة 
  •  في الحقيقة الصورة ديه في تصوير الخلاف الاغسطيني-البيلاجي صورة غير سليمة وغير أمينة للتعبير عن حقيقة الخلاف، فعشان نفهم الصورة صح، لو مهتم تعرف الخلاف بصورة سليمة، المقال هنا بيشرحه باستفاضة وبتبسيط، وبأعتذر مقدما على طوله، حاولت اختصره قدر المستطاع، كل اختزال بدوره بيجرح الحقيقة الكاملة، لكنه اختزال لابد منه عشان أقدر أجمعلك الموضوع كله في مقال واحد! المقال ده لا هو رد على حد، ولا يهدف لتخطئة حد، إهانة كبيرة للأرثوذكسية نحوّلها وسيلة تنازع، المقال مجرد توضيح للمنظور الأرثوذكسي للمهتمين بالمعرفة، فأرجوك متستخدمهوش في نزاعات تهين اللاهوت!
  • تعالوا نرجع للقصة ابتدت ازاي؟ القصة كلها ابتدت ان اغسطينوس في واحدة من صلواته قال عبارة: " امنح ما أمرت، وأمر بما تريد" [١] بيلاجيوس شاف في العبارة مشكلة كبيرة، انها بتلغي تخيير الانسان، هنا بقا الكل معتمد على المنح الإلهي، وحسب ما الارادة الإلهية تشاء، يعني لو الارادة ممنحتش النعمة يبقى الانسان مجبر علي الهلاك، ولو قررت انها تعطي النعمة يبقى الانسان هيخلص، كده بحسب عبارة اغسطينوس الانسان مُصيّر ومجبر علي مصيره
  •  بيلاجيوس اعترض علي فكرة اغسطينوس، ورفض إن الموضوع الخلاصي يكون متوقف علي عطية النعمة، ولكن أيد إنه بيقوم علي المجهود البشري، لإن عشان الانسان يكون "مستحق" لأي مصير لازم يكون له ارادة حرة، ومن هنا رفض إن الارادة الإنسانية وطبيعة الإنسان تكون تشوهت بالسقوط لأنها لو اتشوهت يبقى معدوم الارادة وغير مسئول عن أفعاله.
  •  واعتبر ان أي طفل مولود ملهوش أي علاقة بخطية جدية (طبيعة فاسدة) بل مولود بطبيعة صالحة غير فاسدة، فبيقول: "نحن لا ندافع عن صلاح الطبيعة إلى حد أن ندعي أنها لا تقوم بالشر، لإنه بدون شك نعلن أنها قادرة على الصلاح أو الشر، ولكننا نحاول أن نحميها من الاتهام غير العادل [انها فاسدة]، حتى لا نبدو كمجبرين على فعل الشر بواسطة خطأ/خلل (fault) في طبيعتنا" [٢] 
  • ولكن في تعليمه الإنسان بيولد في حالة آدم ما قبل السقوط، وبكده يبقي الخلاص معتمد علي اقتناء الفضائل والأعمال الصالحة. عند بيلاجيوس خطية آدم مجرد أسست "مثال سيء" اتبعه فيها بقية البشر، فنلاقيه بيقول: "خطية آدم وضعت مجرد مثال مُعتل، الذي اتبعه الانسان فيما بعد سريعًا " [٣] 
  •  وعشان كده رفض ال Vicarious Atonement اللي بتشترط توجه قضاءي عدلي عقابي ومنها نبع "الإبدال العقابي" الهيتيرودوكسي، لأنه شاف إن مفيش منطق إن حد يتعاقب علي خطية حد تاني، وكان بيعتبر إن الخطية مجرد توجه مجتمعي لأننا بنولد في مجتمع مُدرك للخطية بتوارث فعلها وميال ليها
  • علي الجانب التاني، اغسطينوس شاف إن كلام بيلاجيوس غلط، وكان شايف إن الخطية الجدية (اللي في الفكر اللاتيني مشهورة بالخطية الأصلية) خلِّت الإنسان في حالة مش ممكن فيها ميغلطش، اغسطينوس اعتبر ان تشويه الإنسان تم علي مستوى الإرادة كمان، وان الخطية افقدته حرية ارادته،
  •  عشان كده مكنش فيه أي حل تاني غير تدخل النعمة عشان تنقذ الإنسان، وابتدا يدافع في كتبه عن ده بأن سبب معمودية الأطفال هو الخطية الأصلية (أو الجدية بحسب اللفظ المحبب أرثوذكسيًا)، ومنه اتنقل فكريًا لفكرة "توارث الذنب الأصلي" [٤] وما تبعها من وراثة عقوبة وإبدال عقابي. وابتدت سلسلة حوارات بين الطرفين.
  •  مثلا رد علي بيلاجيوس اللي قال في كتاباته ان "الخطية مجرد ناتجة عن الولادة في مجتمع مريض لكن افراده مولودين صالحين بدون فساد" وقال له: "كيف يمكن للمجتمع أن يكون شريرًا حين يكون مُكوَّن من بشر غير ساقطين؟ لأن المجتمع لن يكون شريرًا بل صالحاً إن كان البشر مولودين صالحين!" [٥]
  • وبعد مجادلات كتير انتهت المجادلات بالحكم علي بيلاجيوس بالهرطقة لو بتتساءل اغسطينوس ليه فكر في كده؟ إيه المنهجية اللي بنى عليها فكره اللاهوتي؟ اغسطينوس كان شايف ان فيه أربع حالات من علاقة الانسان بالخطية ممكن "نستنتجهم" من الكتاب المقدس [٦]:
1. posse peccare, posse non peccare:
 يقدر يخطيء ويقدر ميخطيئش

2. non posse non peccare:
 ميقدرش ميخطيئش

3. posse non peccare:
  قادر انه ميخطيئش

4. non posse peccare: 
ميقدرش يخطيء
 
  • اغسطينوس صنّف الحالات ديه زمنيًا، إن الحالة الاولي هي حالة الانسان قبل السقوط، والحالة التانية هي حالته بعد السقوط، والحالة التالتة هي حالته بعد التجديد، والحالة الرابعة والأخيرة هي المجد الأبدي اللي هيناله
  • المشكلة كلها في نظريته في توصيف فعل "يقدر" لانه مربوط بالرغبة الإلهية بحسب ما سبق وقال في عبارته الصلوية اللي قامت عليها الخلاف ان العطية بارادة الله، فهنا المتحكم في قدرة الإنسان أو عجزه هو الله ذاته مش حرية ارادة الانسان؟
  • أى قارىء متأني للخلاف اللاهوتي، هيعرف من التفاصيل السابقة إن الخلاف مكنش عن الخطية الأصلية، الخلاف ببساطة عن الخلاص، هل بيتم بالنعمة المجردة، أم بالعمل الانساني المجرد، الخلاف عن جدلية النعمة-الارادةالحرة. تحويل الخلاف عن الخطية الأصلية تحويل غير أمين. الخلاف والتعارض علي قصة تانية خالص! 
  • بيلاجيوس اتبع النظرة السقراطية ان التعليم هو أساس الصلاح وان الشر ممكن ازالته بالتهذيب وعشان كده جه المسيح يعلم ويفتح عيون البشر فيهذبهم بإنه يكون "قدوة يتبعوها"، في حين ان اغسطينوس كان بيدافع ان الشر ملهوش علاقة بالتهذيب والتعليم بدليل ان فيه ناس متعلمة اشرار، اغسطينوس كان بيشوف ان سبب الشر مش في نقص معرفى ولكن في نقص الارادة الخيرة، اغسطينوس كان بيؤمن ان النعمة فقط هي المخلصة "sola gratia" [٧]، خلافهم جوهره النعمة وحرية الارادة؟ الهبة المجانية ولا التعليم العملي؟ خلاف بين مدرسة لاتينية قانونية ومدرسة سقراطية تهذيبية! خلاف اغسطينوس مع بيلاجيوس كان عن مكانة الارادة الانسانية في الخلاص.
  • نيجي لنقطة مهمة، إيه موقف الكنيسة الأرثوذكسية من بيلاجيوس؟ الكنيسة الأرثوذكسية بتعبتر بيلاجيوس مهرطق، بس هل يا ترى لنفس الأسباب اللي أوردها اغسطينوس؟ لأ! اللاهوت الغربي متخيِّل إن بين بيلاجيوس واغسطينوس مفيش طريق تالت، بين النعمة وحرية الارادة مفيش طريق تالت، وده مش صحيح! المنهج الأرثوذكسي منهج كاسياني (نسبة إلي يوحنا كاسيان).
  •  كاسيان أكد على مفهوم السينيرجيا (وهو مفهوم أرثوذكسي مستقيم) إن الخلاص معتمد علي تضافر وتعاضد جانبين، النعمة الالهية والعمل الانساني، كاسيان قال إن بعد السقوط ادم وذريته بقى عندهم إدراك للخطأ ونزعة للميل له، ولكنهم مبقوش عاجزين اراديا، مفقدوش حرية ارادتهم، الحرية الانسانية (في الصورة الالهية) مرضت ولكنها لم تفقد.
  •   وأكد بعكس اغسطينوس ان وجود الإرادة شىء ضروري والا ازاي الناس يحق لها ترفض الله بقناعتها التامة؟ ولو كان الموضوع زاي ما اغسطينوس بيقول مجرد نعمة وطالما الموضوع بحسب اغسطينوس مبني علي الارادة الالهية منفردة لوهب النعمة، فليه الاله ميهبش الخلاص للكل وساعتها محدش هيهلك؟
  •  وعلي الجانب التاني عارضت الأرثوذكسية الفكر اللي تبناه بيلاجيوس وأكدت علي ضرورة النعمة للخلاص في سينيرجيا بين النعمة الالهية والارادة الانسانية. 
  • لاهوتيي الغرب حاليا بيتهموا الفكر اللي بيتبع الفكر الكاسياني (زاي الأرثوذكس الشرقيين) بأنه نصف-بيلاجي لانهم بيعتبروه عارض الرد الاغسطيني، وده هأشرحه في المقال بالتفصيل. 
  • "بيلاجييوس يعد مهرطق في الشرق وبالمثل في الغرب، فقد رفع الارادة البشرية علي حساب النعمة الالهية. ولكن بحيادية، التوجه الارثوذوكسي يعبر عنه يوحنا كاسيان الذي ينظر اليه عادة كـ semi-pelagian في الغرب. القضية ان في المنظور الارثوذوكسي كلا من بيلاجيوس واغسطينوس وضعوا تقسيمات مبالغ فيها، أما بحرية ارادة ولا يُترَك شىء لله، أو علي الجانب الآخر سيادة إلهية ولا يُترَك شىء للارادة الانسانية .بينما الآباء على النقيض كان نقاشهم علي السينيرجيا، سر النعمة الالهية المعطاة بتعاضد عملي مع قلب الانسان" [٨] .الكنيسة الأرثوذكسية صحيح ضد بيلاجيوس بس مش عشان دفاع اغسطينوس ان الموضوع بالنعمة فقط، لان محاولة اغسطينوس الرد علي فكرة بيلاجيوس خلته يتطرف ويروح لفكرة توارث الذنب المرفوضة أرثوذكسيًا، ولان كتابات اغسطينوس ان الله بيعطي النعمة لمن يريد والنعمة هي الوسيلة الوحيدة للخلاص منبع للتعليم الهيتيرودوكسي عن "سبق التعيين"، ان الله اختار بارادته الحرة ناس اداهم النعمة هم دول اللي هيخلصوا، وده يفتح مشكلة عظيمة من التصيير. 
  • الشرق الأرثوذكسي بيشوف الخلاص من منظور علاجي، الطبيعة الانسانية بقت مريضة، وديه اللي بتورث للطفل المولود، مش عشان هو مذنب بخطية آدم، ولكن لانه مريض بعدوى، وحتي بعض الاباء الغربيين أكد ده، الفكر الأرثوذوكسي بيتبني المفهوم المرضي-العلاجي، فمثلا نلاقي ق. كبريانوس بيقول: "« الطِّفْلُ الْمَوْلُودُ حَديثًا لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةَ، إلا أَنّهُ بِوِلَاَدَتِهِ مِنَ الْجَسَدِ الَّذِي بِحَسَبِ آدَمِ، فَإِنّهُ قَدْ أَصِيبَ بِالْمَرَضِ الْمَعِدَِيِّ الَّذِي لِلْمَوْتِ الْقَدِيمِ » [٩].
  • الكنيسة الأرثوذكسية بتلوم على اغسطينوس مفهومه عن توارث ذنب الخطية في دفاعه ضد بيلاجيوس، متبعة في ده تعليم ق. كيرلس الكبير:  
"ما علاقة ذنب آدم بنا؟! ولماذا نصير مسئولين عن خطيته في حين إننا لم نكن قد ولدنا بعد حين اقترفها؟! ألم يقل الله: لا يموت الآباء عن الأبناء، ولا الأبناء عن الآباء، النفس التي تخطىء هى تموت (تث ٢٤: ١٦)، فنحن صرنا خطاة بسبب تمرد آدم على المنوال التالي... بعد سقوط آدم في الخطية واستسلامه للفساد، غزت الأهواء غير النقية طبيعة جسده، وفي ذات الوقت وُلِدَ ناموس شر أعضاءنا. لأن طبيعتنا تعاقدت مع مرض الخطية بتمرد الإنسان الواحد، أى آدم، وبهذا صار كثيرون خطاة. ليس لأنهم أخطأوا مع آدم، إذ لم يكونوا موجودين وقتها، ولكن لأن لهم نفس الطبيعة التي لآدم التي سقطت تحت ناموس الخطية. ولهذا فبمثل ما حصلت الطبيعة البشرية على ضعف الفساد في آدم بسبب التمرد واحتلتها أهواء الشر، فإن ذات الطبيعة حُرِرَت فيما بعد بالمسيح، الذي أطاع الله الآب ولم يقترف خطية“ [١٠]

  • الكنيسة الأرثوذوكسية كمان بتلوم علي اغسطينوس اقراره لعدم حرية الارادة الانسانية liberium arbitrium لما قال: "بدون الروح [القدس] الارادة الإنسانية غير حرة" [١١] وفي عبارة تانية: "حين هُزِمَت الارادة الانسانية من الرذيلة التي سقط فيها الانسان، فقدت الطبيعة البشرية حريتها" [١٢]، لان في الأرثوذكسية لو مفيش حرية ارادة زاي ما اغسطينوس بيقول يبقى مفيش سينيرجيا، يبقى الخلاص قرار إلهي فقط، يبقى فيه سبق تعيين للمخلصين، 
  • شايف التشابه في الاعتراض علي اغسطينوس بين الأرثوذكسية وبين بيلاجيوس! متشابه جدا! تقريبا هو نفس الرد لو شلنا جزء السينيرجيا، ولكن الاختلاف ان بيلاجيوس قال ان الحل يكون معاه ارادة حرة بدون تدخل النعمة لخلاصه، في حين الأرثوذكسية قالت لبيلاجيوس ان هو كمان غلط لان الحل تعاضد وتضافر بين النعمة والارادة الانسانية في السينريجيا، عشان كده بيعتبر اللاهوتيين الكاثوليك حاليًا ان الأرثوذكس اللي بيردوا نفس رد بيلاجيوس بمبرر مختلف انصاف بيلاجيين (semi-pelagian). وخلاف الشرق والغرب عن النقطة ديه متوقفش، لان الموضوع في الخلاف الاغسطيني-البيلاجي متوقفش عند فكر اغسطينوس فقط لكن تناقله عنه توما الاكويني [١٣] ولوثر [١٤] وكالفن [١٥] بامتدادات فكرية لاهوتية، وبقَى فيه كتابات بتؤكد نتيجة للتعليم ده سبق التعيين وال sola fide وال sola gratia وغيرها من التطورات العقيدية للمدارس السكولاستية،
  •  كمان مهم تفهم إن اللاهوت الغربي المعاصر لما بيستخدم توصيف "البيلاجية" مش بالضرورة بيشير لتعليم بيلاجيوس ذاته في الصراع، لكنه بيشير للأفكار اللي اتكلم عنها اغسطينوس زاى الخطية الأصلية وغيرها في الرد على بيلاجيوس، البيلاجية بالـterminology المعاصر غير فكر بيلاجيوس ( ونفس الأمر بالمناسبة عن أوريجانوس والاوريجانية! بس ده هيكون له بحث منفصل )
  • السينيرجيا هي اساس الطريق للخلاص الانساني في المفهوم الشرقي، لا بانعدام ارادة، ولا بانعدام نعمة، فنلاقي اللاهوتي الأرثوذكسي العظيم لوسكي بيقول: "مفهوم الاستحقاق غريب عن التقليد الارثوذكسي... فلا فصل أبدا بين هذين العنصرين: النعمة والحرية الانسانية، فكلاهما يُستَعلَن في ذات الوقت ولا يُدرَك منفصلًا عن الآخر... النعمة ليست مكافئة لاستحقاقات الارادة الانسانية كما هو الحال في البلاجية... لأن السؤال ليس عن الاستحقاقات بل عن التعاضد، السينيرجيا بين الارادتين، الإنساني والإلهي، التناغم الذي تأتي فيه النعمة بثمار أكثر فأكثر" [١٦].
  •  وده مش كلام نيو بتريستيك ولا حاجة زاي ما النغمة حاليا شغالة بقلة معرفة، ولكنه صدى لتعليم ق. يوحنا كاسيان لما قال: "في عملية الخلاص، كلا من نعمة الله وحرية ارادتنا يتشاركان. أحيانًا يتمني الإنسان الفضائل بذاته (بعمله الذاتي) ولكن ليحققها هناك دائمًا احتياج للمعونة الالهية" [١٧] . 
  • وبرغم من كده الأرثوذكسية بتؤكد ان السنيرجيا ديه متقللش دور النعمة، لأن اللي بنقدمه كبشر مهما تعاظم ميقارنش بالنعمة المعطاة لينا، بحسب شرح اللاهوتي الأرثوذكسي تيموثي وير: "لوصف العلاقة بين نعمة الله وحرية الانسان، تستخدم الارثوذكسية مصطلح التعاضد او السينيرجيا، بحسب عبارة بولس: "فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ synergoi مَعَ اللهِ" (١ كو ٣: ٩) فلكى نصل إلي ملازمة كاملة مع الله، لا يمكننا هذا سوى بمعونة الله، ولكن يجب أن نقوم بددورنا الخاص، نحن البشر وبالمثل الله، يجب أن نقوم بمشاركة في العمل المشترك، وبرغم هذا فما يقوم به الله أكثر أهمية بما لا يُقاس عما نقوم به" [١٨]
  • من المنظور الشرقي، الخلاف بين اغسطينوس وبيلاجيوس كان سبب في ان الاتنين يخطئوا، لانهم هم الاتنين اعتمدوا علي المنطق البشري، في حين ان التوجُّه الشرقي في اللاهوت توجُّه مستيكي، مبيعتمدش علي المنطق في تحليل الحقائق الإلهية، اللاهوت المستيكي لاهوت اختباري، بيقوم علي علاقة تأليهية في الانسان، من خلالها تستعلن الحقائق، مش علي تأمل عقلي وتجميع نصوص (مثلا، بسبب ترجمة خاطئة لرومية ٥: ١٢، اغسطينوس استدل مخطئا على توارث ذنب الخطية) المنهج الاستنتاجي عقليًا أو كتابيًا نتج عنه مدارس فكرية مسيحية كتير زاي مجموعة المدارس اللاهوتية للمنهج السكولاستي المنتشر في الغرب،
  • الأرثوذكسية بترفض العقائد لو كانت مستنتجة منطقيًا مش استعلانيًا، "كلا من بيلاجيوس واغسطينوس كانا يجادلان بالمنطق البشري علي المستوي العقلاني، بينما الحقيقة السليمة عن تلك القضية موجودة في مستوي روحاني اعلي، فمن المنظور الانساني يقتضي المنطق الاختيار بين الإيمان أو الأعمال ولكن علي المستوي المستيكي الروحاني الحقيقة العجيبة في كليهما" [١٩]، 
  • المنهج الأرثوذكسي بيعلو من قيمة حرية الانسان بعكس الفكر الاغسطيني وبيعتبره مشارك فعال من دونه الخلاص ميتمش في الانسان، لانه مبيشوفش الخلاص حدث الصلب، ولكنه بيشوفه رحلة تأله، بالنسبة له الخلاص مش عملية نوال استحقاقات أفعال، ولكن رحلة طويلة بتبتدي من خلق الانسان لغاية لما يبلغ الحضن الابوي متألها! بيقول ق. غريغوريوس النزينزي "الذين يؤمنون أن الروح [القدس] إله، هم إلهيون ... فالروح القدس يُؤَلِه ولا يُؤلَه ... فسبيلنا نحن أن نرتفع إليه، ثم يصير هكذا الاتصال بين الله وبين البشر: بامتزاج الرتبتين. فإنه إن ثبت كل واحد فيما يخصه: أحدهما في شرفه والآخر في ذلته، فالجود [الله] حينئذٍ يكون مُمْسَك عن أن يخالطه البشر، فلا ينالوه، ولا يبقي فيهم، ولا يصير سبيل للمشاركة فيه، ويكون قد حصل بينهما هوة عظيمة لا سبيل إلي عبورها." [٢٠]
  •  الخلاصة، لاحظ ان في معارضة الكنيسة الأرثوذكسية للبدعة البيلاجية، متفقتش أبدًا مع الرد الاغسطيني، وديه نقطة تانية مهمة، مش شرط ان لو اتنين اتفقوا علي إن شخص غلط، يكون تبريرهم لخطأه هو ذاته متفق عليه بينهم، اتفاقهم علي خطأه لا يتعدى كونه تأكيد الطرفين ان الطرف مخطىء مش تأكيد لكونهم متفقين في فهم خطأه، الشرق والغرب شاف بيلاجيوس مخطىء، الغرب اتبني نظرية وراثة الذنب في صورة خطية أصلية اللي حط بذرتها اغسطينوس في رده علي بلاجيوس، والشرق كان شايفه مخطىء مش عشان وراثة ذنب الخطية الأصلية ولكن عشان رفضه للسينيرجيا، اتفاقهم علي خطأه لا يعني علي اتفاقهم علي الرد علي خطأه، 
  •  فلما تلاقي حد بيقولك ان الكنيسة الأرثوذوكسية بتعارض بيلاجيوس، وبيلاجيوس رد عليه اغسطينوس، واغسطينوس اتكلم عن توارث ذنب الخطية الأصلية يبقي انت لازم تؤمن بتوارث الخطية الأصلية، اعرف ان ده كلام مش مدروس، كلام ينفع يتقال في اجتماعات مدارس أحد لأطفال صغيرة بسيطة مش كتابات لاهوتية أكاديمية بتدرس الأمور بأمانة دراسية بحثية، 
  • الخلاف مكنش عن الخطية الأصلية وتوارثها من عدمه ولكن علي دور النعمة وحرية الارادة في الساتريولوجي، والرد الأرثوذكسي مكنش علي الخطية الأصلية وتوارثها ولكن علي السينيرجيا بين النعمة الإلهية وحرية الإرادة الإنسانية. أما لو عايز تعرف أكتر عن موقف الكنيسة الأثوذكسية من الخطية الجدية (اللي هو مختلف عن مفهوم الخطية الأصلية اللاتيني) فتقدر تتابع سلسلة كنت سبق ونشرتها بعنوان "الفرق بين الخطية الجدية الأرثوذكسية وبين الخطية الأصلية الهيتيرودوكسية" [٢١]
ـــــــــــــــــــــــــــ
الصورة المُرفَقة من مخطوطة من القرن ال١٣، بيصور فيها كاتب المخطوطة (أو الرسّام المرافق) محاربة اغسطينوس للهراطقة بحسب تصورات العصر الوسيط المشوّهة عن مفهوم الخلافات اللاهوتية، ويُرجّح أن الصورة لبيلاجيوس (وفي رأى آخر لأحد معلمي المانوية) وبيظهر فيها عارٍ صغير الحجم للتقليل من مكانته، لإن تعرية وضرب المخطىء أمام العوام انتشرت لفترة طويلة كوسيلة عقابية تهدف للألم البدني والنفسي معًا في العصر الوسيط.
المراجع والهوامش:
1. Archimandrite Vassilios Papavassiliou, Original sin: Orthodox doctrine or heresy?
2. Rees, B. R., The Letters of Pelagius and his Followers, The Boydell Press, p43
3. Charles R. Briggs, Pelagianism in the formation and reformation of the christian faith, p4
4. James Wetzel, Augustine: A Guide for the Perplexed, p83
5. Charles R. Briggs, Pelagisanim in the formation nd reformation of the christian faith, p4
6. Dr. Martyn Lloyd-Jones, R C Sproul, Human Nature in Its Fourfold State, an article, published online on Monorgism portal
7. Augustine, on the predestination of the saints 7
8. ِRev. Antony Hughes, Ancestral sin versus original sin, and overview with implications for psychotherapy, St. Mary Antiochian Orthodox Church , Cambridge, Massachusetts, p.8
9. ق. كبريانوس، عن المعمودية، الرسالة 64 : 5
10. ق. كيرلس الكبير، تفسير رومية ٥: ١٨، باترولوجيا كورسوس كومبليتوس، السلسلة اليونانية، مجلد ٧٤، ص ٧٨٨، ٧٨٩، كتاب اللاهوت الدوغمائي الأرثوذكسي، حواشي كريستنسن
11. Augustine, Letters cxlv 2
12. Augustine, On Man's Perfection in Righteousness iv 9
13. Thomas Aquinas, Summa Theologica, Christian Classics; English Dominican Province Translation edition (June 1, 1981)
14. Luther, The Bondage of the Will, Published December 21st 2006 by Fleming H. Revell Company
15. Calvin, Institutes of the Christian Religion, 1536 Edition, Wm. B. Eerdmans Publishing Company; Revised Edition edition (August 9, 1995)
16. V. Lossky, The Mystical Theology of the Eastern Church, p 197-198
17. St. John Cassian, Conf. 13, 9 SC 54, 160, Препооный Йоанн Кассиан Римянин, Писания, Свято–Троицкая Сергиева авра, 1993, 408.
18. The Orthodox Church: An Introduction to Eastern Christianity
19. Richard A. Goetsch, The Elephant in The Room of Orthodoxy: Key Themes in Orthodox Theology and Spirituality, a paper, T-943 ST 7501 – Dr. Joel Scandrett Trinity, Evangelical Divinity School Deerfield, Illinois, May 2012, p14
20. غريغوريوس النزينزي، الميمر العاشر عن العنصرة
21.