2019/12/22

الأرثوذكسية بين الأصالة والأصولية[أزمة الأنبا سيرابيون مع الأصوليين]

الأرثوذكسية بين الأصالة والأصولية[أزمة الأنبا سيرابيون مع الأصوليين]
على الإناث أن لايتحممن قبل الساعة العاشرة, أما الذكور فلايحق لهم حلق الذقن
·       هذه ليست مُزحة[!]بل إنه أمراً رسولياً, وقانوناً فى الديسقولية(ق3-4), ينُص إنه غير مسموح للرجال بحلق اللحية, أما النساء فلايتحممن قبل الساعة العاشرة, ومن لايحفظ هذه الأمور فليتبوأ مقعدة فى الجحيم للأبد.
·       يرفُض العقل الأصولي أى تغيرٍ يحدُث, سواء فى الطقس,او مُمارسته,او اى شئ, فاى تغيرا يحدُث يراه تهاون فى الثوابت, وهى غير ذك, فتمسكه المُستميت بأموراً وعادات قديمة,يجعله يعيش خارج الزمان, فقد ربط زهنه فى زمانٍ بعينه,ويأبى الخروج منه, فمُتعته الوحيدة فقط فى قوقعته فى أيام الجاهلية.
·       وقضيتُنا اليوم,هى تمسُك تلك العقلية بتاريخاً بعينه, ورفض أى تغير فيه, فعيد الميلاد يجب أن يكون يوم(29كيهك),وترتكنُ أصوليته على الديسقولية(ب18&ب29), فنحن لدينا نص, وكفانا به-أصولية- نعمة, وبنفس المنطق فهُناك قوانين فى الديسقولية تُلزم الرجال والنساء بامورا وجب إتِباعِها ,فلماذا نأخذ هذا ونترُك ذاك؟
·       لعل السبب الذى يدفع الديسقولية لمثل هذه الأمور,ليس بالأمر الهين, لعلنا نحسبه تافهاً فى زمنُنا هذا, لكن إن عرِفنا السبب والغرض, فلن نُسفه منه, فالأمر الذى للرجال كان لعدم التشبه بشواذ ذلك الزمان, اما النساء كان لخلو الحمامات-العامة- من الذكور العاملين فى أشغالهم. وهى اليوم أموراً غير مُلزِمة.
·       ونفس الأمر فيما يخُص عيد الميلاد, فإهمالُ الكنيسة الإحتفال أول ثلاثة قرون,وعدولها عن ذلك فى وقتٍ بعينه, يدفعُنا للتفكير فى السبب, وإن فتشنا لوجدنا إن السبب هوانتشار الفرق الغنوصية بصورة فجة, فكان رد الكنيسة هو الإحتفال بعيد الميلادالذى يرفضه الغنوصيين. للتأكيد على حقيقة التجسد.
·       لم تكُن الأرثوذكسية يوماً مُتصلبة ومُتغابية بهذا الشكل . كفانا نوستالجيا, وقوقعة فى الماضى, فالربط بين ما هو ثابت وما هو مُتغير, هو أبشع صور الأصولية الدينية, و مُقارنة الأمور الأساسية بالفرعية مُصيبة كُبرى, تواجه كنيستُنا اليوم,
·    يوماً لم تكن هكذا الأرثوذكسية[!] فالأصالة الأرثوذكسية بكُل بهائُها, تتجلى حينما نُدرك إنها تحيا فينا بتُراثِها وهويتها وقالبها الأبائى, اما نحن فلانعيش فيهمَ[ّ!] نعم نحن لانعيش فى قوالب تاريخية جامدة تعود لعصورةٍ سحيقة. فما التراث وما التقليد سوى حاجبى-جوانب- ضفتى نهر, يُلزمَنا ألا ننحرفُ,و بين ضفَفُها مساحةٍ من الُحرية, تُثري الأرثوذكسية وتقويها.

2019/08/28

الصراع الاغسطيني-البيلاجي من منظور أرثوذكسي

الصراع الاغسطيني-البيلاجي من منظور أرثوذكسي 
بقلم اشرف بشير 

  • حاليًا فيه كتير بيصوَّروا الخلاف بين بيلاجيوس واغسطينوس علي إنه كان خلاف هل فيه خطية أصلية ولا لأ, بتسطيح مُخلّ، وبيصوروا ان إدانة الهرطقة البيلاجية من الأرثوذكسية معناها بالضرورة اثبات للفكرة الهيتيرودوكسية عن "وراثة ذنب خطية آدم" وما ترتب عليه من إلزام تنفيذ عقوبة 
  •  في الحقيقة الصورة ديه في تصوير الخلاف الاغسطيني-البيلاجي صورة غير سليمة وغير أمينة للتعبير عن حقيقة الخلاف، فعشان نفهم الصورة صح، لو مهتم تعرف الخلاف بصورة سليمة، المقال هنا بيشرحه باستفاضة وبتبسيط، وبأعتذر مقدما على طوله، حاولت اختصره قدر المستطاع، كل اختزال بدوره بيجرح الحقيقة الكاملة، لكنه اختزال لابد منه عشان أقدر أجمعلك الموضوع كله في مقال واحد! المقال ده لا هو رد على حد، ولا يهدف لتخطئة حد، إهانة كبيرة للأرثوذكسية نحوّلها وسيلة تنازع، المقال مجرد توضيح للمنظور الأرثوذكسي للمهتمين بالمعرفة، فأرجوك متستخدمهوش في نزاعات تهين اللاهوت!
  • تعالوا نرجع للقصة ابتدت ازاي؟ القصة كلها ابتدت ان اغسطينوس في واحدة من صلواته قال عبارة: " امنح ما أمرت، وأمر بما تريد" [١] بيلاجيوس شاف في العبارة مشكلة كبيرة، انها بتلغي تخيير الانسان، هنا بقا الكل معتمد على المنح الإلهي، وحسب ما الارادة الإلهية تشاء، يعني لو الارادة ممنحتش النعمة يبقى الانسان مجبر علي الهلاك، ولو قررت انها تعطي النعمة يبقى الانسان هيخلص، كده بحسب عبارة اغسطينوس الانسان مُصيّر ومجبر علي مصيره
  •  بيلاجيوس اعترض علي فكرة اغسطينوس، ورفض إن الموضوع الخلاصي يكون متوقف علي عطية النعمة، ولكن أيد إنه بيقوم علي المجهود البشري، لإن عشان الانسان يكون "مستحق" لأي مصير لازم يكون له ارادة حرة، ومن هنا رفض إن الارادة الإنسانية وطبيعة الإنسان تكون تشوهت بالسقوط لأنها لو اتشوهت يبقى معدوم الارادة وغير مسئول عن أفعاله.
  •  واعتبر ان أي طفل مولود ملهوش أي علاقة بخطية جدية (طبيعة فاسدة) بل مولود بطبيعة صالحة غير فاسدة، فبيقول: "نحن لا ندافع عن صلاح الطبيعة إلى حد أن ندعي أنها لا تقوم بالشر، لإنه بدون شك نعلن أنها قادرة على الصلاح أو الشر، ولكننا نحاول أن نحميها من الاتهام غير العادل [انها فاسدة]، حتى لا نبدو كمجبرين على فعل الشر بواسطة خطأ/خلل (fault) في طبيعتنا" [٢] 
  • ولكن في تعليمه الإنسان بيولد في حالة آدم ما قبل السقوط، وبكده يبقي الخلاص معتمد علي اقتناء الفضائل والأعمال الصالحة. عند بيلاجيوس خطية آدم مجرد أسست "مثال سيء" اتبعه فيها بقية البشر، فنلاقيه بيقول: "خطية آدم وضعت مجرد مثال مُعتل، الذي اتبعه الانسان فيما بعد سريعًا " [٣] 
  •  وعشان كده رفض ال Vicarious Atonement اللي بتشترط توجه قضاءي عدلي عقابي ومنها نبع "الإبدال العقابي" الهيتيرودوكسي، لأنه شاف إن مفيش منطق إن حد يتعاقب علي خطية حد تاني، وكان بيعتبر إن الخطية مجرد توجه مجتمعي لأننا بنولد في مجتمع مُدرك للخطية بتوارث فعلها وميال ليها
  • علي الجانب التاني، اغسطينوس شاف إن كلام بيلاجيوس غلط، وكان شايف إن الخطية الجدية (اللي في الفكر اللاتيني مشهورة بالخطية الأصلية) خلِّت الإنسان في حالة مش ممكن فيها ميغلطش، اغسطينوس اعتبر ان تشويه الإنسان تم علي مستوى الإرادة كمان، وان الخطية افقدته حرية ارادته،
  •  عشان كده مكنش فيه أي حل تاني غير تدخل النعمة عشان تنقذ الإنسان، وابتدا يدافع في كتبه عن ده بأن سبب معمودية الأطفال هو الخطية الأصلية (أو الجدية بحسب اللفظ المحبب أرثوذكسيًا)، ومنه اتنقل فكريًا لفكرة "توارث الذنب الأصلي" [٤] وما تبعها من وراثة عقوبة وإبدال عقابي. وابتدت سلسلة حوارات بين الطرفين.
  •  مثلا رد علي بيلاجيوس اللي قال في كتاباته ان "الخطية مجرد ناتجة عن الولادة في مجتمع مريض لكن افراده مولودين صالحين بدون فساد" وقال له: "كيف يمكن للمجتمع أن يكون شريرًا حين يكون مُكوَّن من بشر غير ساقطين؟ لأن المجتمع لن يكون شريرًا بل صالحاً إن كان البشر مولودين صالحين!" [٥]
  • وبعد مجادلات كتير انتهت المجادلات بالحكم علي بيلاجيوس بالهرطقة لو بتتساءل اغسطينوس ليه فكر في كده؟ إيه المنهجية اللي بنى عليها فكره اللاهوتي؟ اغسطينوس كان شايف ان فيه أربع حالات من علاقة الانسان بالخطية ممكن "نستنتجهم" من الكتاب المقدس [٦]:
1. posse peccare, posse non peccare:
 يقدر يخطيء ويقدر ميخطيئش

2. non posse non peccare:
 ميقدرش ميخطيئش

3. posse non peccare:
  قادر انه ميخطيئش

4. non posse peccare: 
ميقدرش يخطيء
 
  • اغسطينوس صنّف الحالات ديه زمنيًا، إن الحالة الاولي هي حالة الانسان قبل السقوط، والحالة التانية هي حالته بعد السقوط، والحالة التالتة هي حالته بعد التجديد، والحالة الرابعة والأخيرة هي المجد الأبدي اللي هيناله
  • المشكلة كلها في نظريته في توصيف فعل "يقدر" لانه مربوط بالرغبة الإلهية بحسب ما سبق وقال في عبارته الصلوية اللي قامت عليها الخلاف ان العطية بارادة الله، فهنا المتحكم في قدرة الإنسان أو عجزه هو الله ذاته مش حرية ارادة الانسان؟
  • أى قارىء متأني للخلاف اللاهوتي، هيعرف من التفاصيل السابقة إن الخلاف مكنش عن الخطية الأصلية، الخلاف ببساطة عن الخلاص، هل بيتم بالنعمة المجردة، أم بالعمل الانساني المجرد، الخلاف عن جدلية النعمة-الارادةالحرة. تحويل الخلاف عن الخطية الأصلية تحويل غير أمين. الخلاف والتعارض علي قصة تانية خالص! 
  • بيلاجيوس اتبع النظرة السقراطية ان التعليم هو أساس الصلاح وان الشر ممكن ازالته بالتهذيب وعشان كده جه المسيح يعلم ويفتح عيون البشر فيهذبهم بإنه يكون "قدوة يتبعوها"، في حين ان اغسطينوس كان بيدافع ان الشر ملهوش علاقة بالتهذيب والتعليم بدليل ان فيه ناس متعلمة اشرار، اغسطينوس كان بيشوف ان سبب الشر مش في نقص معرفى ولكن في نقص الارادة الخيرة، اغسطينوس كان بيؤمن ان النعمة فقط هي المخلصة "sola gratia" [٧]، خلافهم جوهره النعمة وحرية الارادة؟ الهبة المجانية ولا التعليم العملي؟ خلاف بين مدرسة لاتينية قانونية ومدرسة سقراطية تهذيبية! خلاف اغسطينوس مع بيلاجيوس كان عن مكانة الارادة الانسانية في الخلاص.
  • نيجي لنقطة مهمة، إيه موقف الكنيسة الأرثوذكسية من بيلاجيوس؟ الكنيسة الأرثوذكسية بتعبتر بيلاجيوس مهرطق، بس هل يا ترى لنفس الأسباب اللي أوردها اغسطينوس؟ لأ! اللاهوت الغربي متخيِّل إن بين بيلاجيوس واغسطينوس مفيش طريق تالت، بين النعمة وحرية الارادة مفيش طريق تالت، وده مش صحيح! المنهج الأرثوذكسي منهج كاسياني (نسبة إلي يوحنا كاسيان).
  •  كاسيان أكد على مفهوم السينيرجيا (وهو مفهوم أرثوذكسي مستقيم) إن الخلاص معتمد علي تضافر وتعاضد جانبين، النعمة الالهية والعمل الانساني، كاسيان قال إن بعد السقوط ادم وذريته بقى عندهم إدراك للخطأ ونزعة للميل له، ولكنهم مبقوش عاجزين اراديا، مفقدوش حرية ارادتهم، الحرية الانسانية (في الصورة الالهية) مرضت ولكنها لم تفقد.
  •   وأكد بعكس اغسطينوس ان وجود الإرادة شىء ضروري والا ازاي الناس يحق لها ترفض الله بقناعتها التامة؟ ولو كان الموضوع زاي ما اغسطينوس بيقول مجرد نعمة وطالما الموضوع بحسب اغسطينوس مبني علي الارادة الالهية منفردة لوهب النعمة، فليه الاله ميهبش الخلاص للكل وساعتها محدش هيهلك؟
  •  وعلي الجانب التاني عارضت الأرثوذكسية الفكر اللي تبناه بيلاجيوس وأكدت علي ضرورة النعمة للخلاص في سينيرجيا بين النعمة الالهية والارادة الانسانية. 
  • لاهوتيي الغرب حاليا بيتهموا الفكر اللي بيتبع الفكر الكاسياني (زاي الأرثوذكس الشرقيين) بأنه نصف-بيلاجي لانهم بيعتبروه عارض الرد الاغسطيني، وده هأشرحه في المقال بالتفصيل. 
  • "بيلاجييوس يعد مهرطق في الشرق وبالمثل في الغرب، فقد رفع الارادة البشرية علي حساب النعمة الالهية. ولكن بحيادية، التوجه الارثوذوكسي يعبر عنه يوحنا كاسيان الذي ينظر اليه عادة كـ semi-pelagian في الغرب. القضية ان في المنظور الارثوذوكسي كلا من بيلاجيوس واغسطينوس وضعوا تقسيمات مبالغ فيها، أما بحرية ارادة ولا يُترَك شىء لله، أو علي الجانب الآخر سيادة إلهية ولا يُترَك شىء للارادة الانسانية .بينما الآباء على النقيض كان نقاشهم علي السينيرجيا، سر النعمة الالهية المعطاة بتعاضد عملي مع قلب الانسان" [٨] .الكنيسة الأرثوذكسية صحيح ضد بيلاجيوس بس مش عشان دفاع اغسطينوس ان الموضوع بالنعمة فقط، لان محاولة اغسطينوس الرد علي فكرة بيلاجيوس خلته يتطرف ويروح لفكرة توارث الذنب المرفوضة أرثوذكسيًا، ولان كتابات اغسطينوس ان الله بيعطي النعمة لمن يريد والنعمة هي الوسيلة الوحيدة للخلاص منبع للتعليم الهيتيرودوكسي عن "سبق التعيين"، ان الله اختار بارادته الحرة ناس اداهم النعمة هم دول اللي هيخلصوا، وده يفتح مشكلة عظيمة من التصيير. 
  • الشرق الأرثوذكسي بيشوف الخلاص من منظور علاجي، الطبيعة الانسانية بقت مريضة، وديه اللي بتورث للطفل المولود، مش عشان هو مذنب بخطية آدم، ولكن لانه مريض بعدوى، وحتي بعض الاباء الغربيين أكد ده، الفكر الأرثوذوكسي بيتبني المفهوم المرضي-العلاجي، فمثلا نلاقي ق. كبريانوس بيقول: "« الطِّفْلُ الْمَوْلُودُ حَديثًا لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةَ، إلا أَنّهُ بِوِلَاَدَتِهِ مِنَ الْجَسَدِ الَّذِي بِحَسَبِ آدَمِ، فَإِنّهُ قَدْ أَصِيبَ بِالْمَرَضِ الْمَعِدَِيِّ الَّذِي لِلْمَوْتِ الْقَدِيمِ » [٩].
  • الكنيسة الأرثوذكسية بتلوم على اغسطينوس مفهومه عن توارث ذنب الخطية في دفاعه ضد بيلاجيوس، متبعة في ده تعليم ق. كيرلس الكبير:  
"ما علاقة ذنب آدم بنا؟! ولماذا نصير مسئولين عن خطيته في حين إننا لم نكن قد ولدنا بعد حين اقترفها؟! ألم يقل الله: لا يموت الآباء عن الأبناء، ولا الأبناء عن الآباء، النفس التي تخطىء هى تموت (تث ٢٤: ١٦)، فنحن صرنا خطاة بسبب تمرد آدم على المنوال التالي... بعد سقوط آدم في الخطية واستسلامه للفساد، غزت الأهواء غير النقية طبيعة جسده، وفي ذات الوقت وُلِدَ ناموس شر أعضاءنا. لأن طبيعتنا تعاقدت مع مرض الخطية بتمرد الإنسان الواحد، أى آدم، وبهذا صار كثيرون خطاة. ليس لأنهم أخطأوا مع آدم، إذ لم يكونوا موجودين وقتها، ولكن لأن لهم نفس الطبيعة التي لآدم التي سقطت تحت ناموس الخطية. ولهذا فبمثل ما حصلت الطبيعة البشرية على ضعف الفساد في آدم بسبب التمرد واحتلتها أهواء الشر، فإن ذات الطبيعة حُرِرَت فيما بعد بالمسيح، الذي أطاع الله الآب ولم يقترف خطية“ [١٠]

  • الكنيسة الأرثوذوكسية كمان بتلوم علي اغسطينوس اقراره لعدم حرية الارادة الانسانية liberium arbitrium لما قال: "بدون الروح [القدس] الارادة الإنسانية غير حرة" [١١] وفي عبارة تانية: "حين هُزِمَت الارادة الانسانية من الرذيلة التي سقط فيها الانسان، فقدت الطبيعة البشرية حريتها" [١٢]، لان في الأرثوذكسية لو مفيش حرية ارادة زاي ما اغسطينوس بيقول يبقى مفيش سينيرجيا، يبقى الخلاص قرار إلهي فقط، يبقى فيه سبق تعيين للمخلصين، 
  • شايف التشابه في الاعتراض علي اغسطينوس بين الأرثوذكسية وبين بيلاجيوس! متشابه جدا! تقريبا هو نفس الرد لو شلنا جزء السينيرجيا، ولكن الاختلاف ان بيلاجيوس قال ان الحل يكون معاه ارادة حرة بدون تدخل النعمة لخلاصه، في حين الأرثوذكسية قالت لبيلاجيوس ان هو كمان غلط لان الحل تعاضد وتضافر بين النعمة والارادة الانسانية في السينريجيا، عشان كده بيعتبر اللاهوتيين الكاثوليك حاليًا ان الأرثوذكس اللي بيردوا نفس رد بيلاجيوس بمبرر مختلف انصاف بيلاجيين (semi-pelagian). وخلاف الشرق والغرب عن النقطة ديه متوقفش، لان الموضوع في الخلاف الاغسطيني-البيلاجي متوقفش عند فكر اغسطينوس فقط لكن تناقله عنه توما الاكويني [١٣] ولوثر [١٤] وكالفن [١٥] بامتدادات فكرية لاهوتية، وبقَى فيه كتابات بتؤكد نتيجة للتعليم ده سبق التعيين وال sola fide وال sola gratia وغيرها من التطورات العقيدية للمدارس السكولاستية،
  •  كمان مهم تفهم إن اللاهوت الغربي المعاصر لما بيستخدم توصيف "البيلاجية" مش بالضرورة بيشير لتعليم بيلاجيوس ذاته في الصراع، لكنه بيشير للأفكار اللي اتكلم عنها اغسطينوس زاى الخطية الأصلية وغيرها في الرد على بيلاجيوس، البيلاجية بالـterminology المعاصر غير فكر بيلاجيوس ( ونفس الأمر بالمناسبة عن أوريجانوس والاوريجانية! بس ده هيكون له بحث منفصل )
  • السينيرجيا هي اساس الطريق للخلاص الانساني في المفهوم الشرقي، لا بانعدام ارادة، ولا بانعدام نعمة، فنلاقي اللاهوتي الأرثوذكسي العظيم لوسكي بيقول: "مفهوم الاستحقاق غريب عن التقليد الارثوذكسي... فلا فصل أبدا بين هذين العنصرين: النعمة والحرية الانسانية، فكلاهما يُستَعلَن في ذات الوقت ولا يُدرَك منفصلًا عن الآخر... النعمة ليست مكافئة لاستحقاقات الارادة الانسانية كما هو الحال في البلاجية... لأن السؤال ليس عن الاستحقاقات بل عن التعاضد، السينيرجيا بين الارادتين، الإنساني والإلهي، التناغم الذي تأتي فيه النعمة بثمار أكثر فأكثر" [١٦].
  •  وده مش كلام نيو بتريستيك ولا حاجة زاي ما النغمة حاليا شغالة بقلة معرفة، ولكنه صدى لتعليم ق. يوحنا كاسيان لما قال: "في عملية الخلاص، كلا من نعمة الله وحرية ارادتنا يتشاركان. أحيانًا يتمني الإنسان الفضائل بذاته (بعمله الذاتي) ولكن ليحققها هناك دائمًا احتياج للمعونة الالهية" [١٧] . 
  • وبرغم من كده الأرثوذكسية بتؤكد ان السنيرجيا ديه متقللش دور النعمة، لأن اللي بنقدمه كبشر مهما تعاظم ميقارنش بالنعمة المعطاة لينا، بحسب شرح اللاهوتي الأرثوذكسي تيموثي وير: "لوصف العلاقة بين نعمة الله وحرية الانسان، تستخدم الارثوذكسية مصطلح التعاضد او السينيرجيا، بحسب عبارة بولس: "فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ synergoi مَعَ اللهِ" (١ كو ٣: ٩) فلكى نصل إلي ملازمة كاملة مع الله، لا يمكننا هذا سوى بمعونة الله، ولكن يجب أن نقوم بددورنا الخاص، نحن البشر وبالمثل الله، يجب أن نقوم بمشاركة في العمل المشترك، وبرغم هذا فما يقوم به الله أكثر أهمية بما لا يُقاس عما نقوم به" [١٨]
  • من المنظور الشرقي، الخلاف بين اغسطينوس وبيلاجيوس كان سبب في ان الاتنين يخطئوا، لانهم هم الاتنين اعتمدوا علي المنطق البشري، في حين ان التوجُّه الشرقي في اللاهوت توجُّه مستيكي، مبيعتمدش علي المنطق في تحليل الحقائق الإلهية، اللاهوت المستيكي لاهوت اختباري، بيقوم علي علاقة تأليهية في الانسان، من خلالها تستعلن الحقائق، مش علي تأمل عقلي وتجميع نصوص (مثلا، بسبب ترجمة خاطئة لرومية ٥: ١٢، اغسطينوس استدل مخطئا على توارث ذنب الخطية) المنهج الاستنتاجي عقليًا أو كتابيًا نتج عنه مدارس فكرية مسيحية كتير زاي مجموعة المدارس اللاهوتية للمنهج السكولاستي المنتشر في الغرب،
  • الأرثوذكسية بترفض العقائد لو كانت مستنتجة منطقيًا مش استعلانيًا، "كلا من بيلاجيوس واغسطينوس كانا يجادلان بالمنطق البشري علي المستوي العقلاني، بينما الحقيقة السليمة عن تلك القضية موجودة في مستوي روحاني اعلي، فمن المنظور الانساني يقتضي المنطق الاختيار بين الإيمان أو الأعمال ولكن علي المستوي المستيكي الروحاني الحقيقة العجيبة في كليهما" [١٩]، 
  • المنهج الأرثوذكسي بيعلو من قيمة حرية الانسان بعكس الفكر الاغسطيني وبيعتبره مشارك فعال من دونه الخلاص ميتمش في الانسان، لانه مبيشوفش الخلاص حدث الصلب، ولكنه بيشوفه رحلة تأله، بالنسبة له الخلاص مش عملية نوال استحقاقات أفعال، ولكن رحلة طويلة بتبتدي من خلق الانسان لغاية لما يبلغ الحضن الابوي متألها! بيقول ق. غريغوريوس النزينزي "الذين يؤمنون أن الروح [القدس] إله، هم إلهيون ... فالروح القدس يُؤَلِه ولا يُؤلَه ... فسبيلنا نحن أن نرتفع إليه، ثم يصير هكذا الاتصال بين الله وبين البشر: بامتزاج الرتبتين. فإنه إن ثبت كل واحد فيما يخصه: أحدهما في شرفه والآخر في ذلته، فالجود [الله] حينئذٍ يكون مُمْسَك عن أن يخالطه البشر، فلا ينالوه، ولا يبقي فيهم، ولا يصير سبيل للمشاركة فيه، ويكون قد حصل بينهما هوة عظيمة لا سبيل إلي عبورها." [٢٠]
  •  الخلاصة، لاحظ ان في معارضة الكنيسة الأرثوذكسية للبدعة البيلاجية، متفقتش أبدًا مع الرد الاغسطيني، وديه نقطة تانية مهمة، مش شرط ان لو اتنين اتفقوا علي إن شخص غلط، يكون تبريرهم لخطأه هو ذاته متفق عليه بينهم، اتفاقهم علي خطأه لا يتعدى كونه تأكيد الطرفين ان الطرف مخطىء مش تأكيد لكونهم متفقين في فهم خطأه، الشرق والغرب شاف بيلاجيوس مخطىء، الغرب اتبني نظرية وراثة الذنب في صورة خطية أصلية اللي حط بذرتها اغسطينوس في رده علي بلاجيوس، والشرق كان شايفه مخطىء مش عشان وراثة ذنب الخطية الأصلية ولكن عشان رفضه للسينيرجيا، اتفاقهم علي خطأه لا يعني علي اتفاقهم علي الرد علي خطأه، 
  •  فلما تلاقي حد بيقولك ان الكنيسة الأرثوذوكسية بتعارض بيلاجيوس، وبيلاجيوس رد عليه اغسطينوس، واغسطينوس اتكلم عن توارث ذنب الخطية الأصلية يبقي انت لازم تؤمن بتوارث الخطية الأصلية، اعرف ان ده كلام مش مدروس، كلام ينفع يتقال في اجتماعات مدارس أحد لأطفال صغيرة بسيطة مش كتابات لاهوتية أكاديمية بتدرس الأمور بأمانة دراسية بحثية، 
  • الخلاف مكنش عن الخطية الأصلية وتوارثها من عدمه ولكن علي دور النعمة وحرية الارادة في الساتريولوجي، والرد الأرثوذكسي مكنش علي الخطية الأصلية وتوارثها ولكن علي السينيرجيا بين النعمة الإلهية وحرية الإرادة الإنسانية. أما لو عايز تعرف أكتر عن موقف الكنيسة الأثوذكسية من الخطية الجدية (اللي هو مختلف عن مفهوم الخطية الأصلية اللاتيني) فتقدر تتابع سلسلة كنت سبق ونشرتها بعنوان "الفرق بين الخطية الجدية الأرثوذكسية وبين الخطية الأصلية الهيتيرودوكسية" [٢١]
ـــــــــــــــــــــــــــ
الصورة المُرفَقة من مخطوطة من القرن ال١٣، بيصور فيها كاتب المخطوطة (أو الرسّام المرافق) محاربة اغسطينوس للهراطقة بحسب تصورات العصر الوسيط المشوّهة عن مفهوم الخلافات اللاهوتية، ويُرجّح أن الصورة لبيلاجيوس (وفي رأى آخر لأحد معلمي المانوية) وبيظهر فيها عارٍ صغير الحجم للتقليل من مكانته، لإن تعرية وضرب المخطىء أمام العوام انتشرت لفترة طويلة كوسيلة عقابية تهدف للألم البدني والنفسي معًا في العصر الوسيط.
المراجع والهوامش:
1. Archimandrite Vassilios Papavassiliou, Original sin: Orthodox doctrine or heresy?
2. Rees, B. R., The Letters of Pelagius and his Followers, The Boydell Press, p43
3. Charles R. Briggs, Pelagianism in the formation and reformation of the christian faith, p4
4. James Wetzel, Augustine: A Guide for the Perplexed, p83
5. Charles R. Briggs, Pelagisanim in the formation nd reformation of the christian faith, p4
6. Dr. Martyn Lloyd-Jones, R C Sproul, Human Nature in Its Fourfold State, an article, published online on Monorgism portal
7. Augustine, on the predestination of the saints 7
8. ِRev. Antony Hughes, Ancestral sin versus original sin, and overview with implications for psychotherapy, St. Mary Antiochian Orthodox Church , Cambridge, Massachusetts, p.8
9. ق. كبريانوس، عن المعمودية، الرسالة 64 : 5
10. ق. كيرلس الكبير، تفسير رومية ٥: ١٨، باترولوجيا كورسوس كومبليتوس، السلسلة اليونانية، مجلد ٧٤، ص ٧٨٨، ٧٨٩، كتاب اللاهوت الدوغمائي الأرثوذكسي، حواشي كريستنسن
11. Augustine, Letters cxlv 2
12. Augustine, On Man's Perfection in Righteousness iv 9
13. Thomas Aquinas, Summa Theologica, Christian Classics; English Dominican Province Translation edition (June 1, 1981)
14. Luther, The Bondage of the Will, Published December 21st 2006 by Fleming H. Revell Company
15. Calvin, Institutes of the Christian Religion, 1536 Edition, Wm. B. Eerdmans Publishing Company; Revised Edition edition (August 9, 1995)
16. V. Lossky, The Mystical Theology of the Eastern Church, p 197-198
17. St. John Cassian, Conf. 13, 9 SC 54, 160, Препооный Йоанн Кассиан Римянин, Писания, Свято–Троицкая Сергиева авра, 1993, 408.
18. The Orthodox Church: An Introduction to Eastern Christianity
19. Richard A. Goetsch, The Elephant in The Room of Orthodoxy: Key Themes in Orthodox Theology and Spirituality, a paper, T-943 ST 7501 – Dr. Joel Scandrett Trinity, Evangelical Divinity School Deerfield, Illinois, May 2012, p14
20. غريغوريوس النزينزي، الميمر العاشر عن العنصرة
21.

2019/07/10

نحن واليهود ولعازر



لعازر، صديق المسيح، الذي من بيت عنيا، قام...

كُثُراً كان الشهود. وقد أقامه يسوع بعد مرور أربعة أيام على رقاده. كان يُفترض به أن يكون قد أنتن. ثمّ قبل الفصح بستّة أيام، وفق ما ورد في النصّ الإنجيلي اليوحنّائي، عملياً قبل تسليم يسوع بقليل، أتى الربّ إلى بيت عنيا فصنعوا له عشاء وكان لعازر أحد المتّكئين معه (يو 12). "فعلم جمع كثير من اليهود أنّه هناك فجاءوا ليس لأجل يسوع فقط بل لينظروا أيضاً لعازر الذي أقامه من الأموات" (الآية 9). بلغ الخبر رؤساء الكهنة، لا سيما من خلال عملائهم، فتشاوروا فيما بينهم ليقتلوا لعازر أيضاً "لأنّ كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع" (الآية 11).

لم يشأ رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة أن يؤمنوا، رغم كثرة البيِّنات والشهادات، لذلك قرروا أن يقتلوا يسوع ولعازر معاً. لم يكن همّهم الشهادة للحقّ ولا أن يعلِّموا ويرعوا الشعب على معرفة الله وطاعته. كان همّهم أن تبقى لهم السيادة على الناس. الإيمان بيسوع كان يعني تحوُّل الشعب عنهم. لذلك الإيمان بيسوع، في وجدانهم، لم يكن وارداً كإمكانية ولا في حال من الأحوال، لا بعجائب ولا من دون عجائب. يسوع كان منافساً لهم. هذا دلّ على أنّهم لم يشاؤوا أن يفهموا بقلوبهم (مت 13: 15) ما سبق أن قاله موسى والأنبياء في شأن تدابير الله ومسيح الربّ. لذا انطبق عليهم القول الوارد في مَثَل لعازر والغني "إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء [أي إن كانوا لا يطيعون موسى والأنبياء] ولا إن قام واحد من الأموات يصدِّقون" (لو 16: 19 – 31).

السيناريو نفسه تكرّر بين اليهود الرافضين في أكثر من مناسبة. تحقيقات اليهود في شأن الذي وُلد أعمى كيف فتح يسوع عينيه، في إنجيل يوحنّا، الإصحاح التاسع، انطوت على تصلّب ورفض كلّي للإقرار بالمعجزة والاعتراف بما صنعه الربّ يسوع. أيضاً وأيضاً، الرؤساء والشيوخ والكتبة، إثر شفاء بطرس ويوحنّا أعرجَ من بطن أمّه باسم يسوع، اجتمعوا وقالوا: "ماذا نفعل بهذَين الرجلَين لأنّه ظاهر لجميع سكان أورشليم أنّ آية معلومة قد جرت بأيديهما ولا نقدر أن ننكر" (أع 4: 16). وبعد التداول قرّروا، لئلا يشيع الخبر أكثر في الشعب، أن يهدّدوهما تهديداً أن لا يكلِّما أحداً من الناس فيما بعد بهذا الإسم (الآية 17). ليست المعلومات ما كان ينقصهم ليؤمنوا بيسوع بل النيّة والتسليم بما هو حقّ. فِكْرُ قلبهم كان نجساً شرّيراً.

هذه مشكلة اليهود ومشكلة كل المتهوّدين بالنيّة والعزم في كل زمان ومكان من ذلك الحين. ليست معرفة ما جاء في الكتب ولا الأحداث هي ما يأتي بالناس إلى معرفة الله والحقّ بل استقامة القلب أولاً. كيف تقرأ لا ماذا تقرأ فقط. المعارف والعلوم مهما كانت راقية ومهما كانت متقدّمة إن هي سوى سفينة محمّلة بالبضائع تديرها دفة صغيرة، هي نيّة القلب، في الاتّجاه الذي يشاؤه مديرها.

لذلك العلم، في ذاته، لا ينفع شيئاً فيما خصّ معرفة الله. ولا اللاهوت النظري، استطراداً، يفيدك في شيء، إن لم تكن، في العمق، على تُقى. بالعكس كلّما كان عِلمُك غزيراً، وكانت نيّتك غير سليمة، كلّما كانت معرفتك أداة خبث بالأكثر، لأنّك، إذ ذاك، تكون قادراً، بطريقة لبقة ذكيّة مُحكَمة، على إقناع الآخرين بوجهة نظرك وتالياً على إفسادهم. تسوق بضاعتك، أي براهينك ومعطياتك، وفقاً لقواعد المنطق الشكلي، لتقود الكثيرين إلى حيث تشاء مقاصدك الملوّثة. العِلم من غير استقامة قلب مجموعة أدوات ضلال وتضليل بامتياز. لست بحاجة إلى غزارة العِلم الكتبي كشرط للمعرفة الإلهية. طبعاً ثمّة قدرٌ من العِلم بما في الكتب ونوعيةٌ لازمة، أثناء المسير، لتعرف ما ينبغي أن تسلك فيه لجهة خبرة الله، ولجهة أصول الحياة الروحيّة. أما هاجس التبحّر بما هو وارد في الكتب وتقديم العِلم النظري كأساس لمعرفة أكمل بالله والمسيح فلا يفضي، في الحقيقة، إلاّ إلى نظريات أكثر وإلى تكهنات أوسع نطاقاً وإلى شكوك أرسخ في ما لله لا إلى معرفة شخصية أعمق به. ما تحتاج إليه، بدءاً، هو قدر يسير نسبياً من المعرفة الكتبيّة المختارة، قراءةً أو سماعاً، والكثير من الخوض العملي في أصول الحياة الروحيّة والسلوك في حياة الفضيلة والأسرار الكنسيّة. إثر ذلك تبدأ تصير من العارفين. يتنقّى داخلك بنعمة الله. تأخذ في معرفة الله كما هو والنعمة ترشدك. قراءة الكتب، خارج نطاق الصوم والصلاة، تنفخ وتؤذي. في ضوء ذلك يصير بإمكانك، إذا ما أقبلت، بشغف، على الكتب، وكان لك الباع، أن تقرأها على حقيقتها، في السياق الموافق لها، وأن تعرفها على نحو نافع سليم. لا تعود تقرأها كأفكار ونظريات بل كحقائق معيشة وكسيرة إلهيّة عمليّة. موقفك منها في العمق يتغيّر. العصا للجاهل أداة للضرب والأذية والتخريب. فقط إذا ما كنتَ من العارفين المتقدّسين، إذا ما اعتملتْ فيك محبّة الله، تكون العصا لديك للمنفعة ومساعدة الآخرين. هكذا كثرة الكتب، لمَن يجهلون الله، وكثرةُ العِلم، تملأ صاحبها غروراً وتشوِّش الناس وتفسدهم. الذين يتّقون الله ويسلكون في تواضع القلب واستقامته هؤلاء هم الذين ينفعون أنفسهم وسواهم في ما يعلِّمونهم إياه وفي ما يقرأونه عليهم ويكتبونه لهم لأنّهم يثبِّتونهم، بالأكثر، في محبّة الله وسيرة التقوى، إذ يوردون لهم سِيَر الآباء وتعليمهم ويبثّونهم السبل التي سار عليها القدامى وما انتجته خبرتهم ومعرفتهم الشخصية بالله ومسيحه ليتشدّدوا.

العقل والعِلم في ذاتهما، عندنا، إذاً، وكذا منتجاتهما، لا ينفعان شيئاً في سبل معرفة الله الحقّانية.

"الجسد لا ينفع شيئاً. الروح هو الذي يحيي" (يو 6: 63). المقصود بالجسد الإنسان كلّه. كل ما للإنسان تراب ورماد، بما في ذلك العقل. العقل لا ينفع شيئاً إذا لم يكن القلب مستنيراً. العقل أداة خطرة. الله لا يُعرَف بالعقل. الله يُعرَف بروح الله. الموضوع هو أن نقتني روح الله بحفظ الوصيّة حتى نأتي إلى معرفة الله كما هو. العقل من دون نيّة قويمة وقلب مستنير أداةٌ نفسانيّة شيطانية مخرّبة في الكنيسة.

أقول ذلك ونُصْب أعيننا، في مطلع الأسبوع العظيم، اليهود الذين كان أئمّتهم علماء ادّعوا أنّهم تلاميذ موسى والأنبياء وأنّ أباهم إبراهيم. لكن أشعياء، كما نقرأ، "رأى مجد [يسوع] وتكلّم عنه" (يو 12: 41). وإبراهيم تهلّل بأن يرى يومه "فرأى وفرح" (يو 8: 56). وموسى قال يسوع لليهود في شأنه: "لو كنتم تصدّقون موسى لكنتم تصدّقونني لأنّه هو كتب عني. فإن كنتم لستم تصدِّقون كُتُبَ ذاك فكيف تصدِّقون كلامي" (يو 5: 46 – 47)؟ ومع ذلك، بالرغم من كل ذلك، لم يشأ اليهود أن يؤمنوا. علماء الشريعة صاروا أبرياء من الشريعة، غرباء عن معانيها. لذلك تقول فيهم ترنيمة الساعة التاسعة من الجمعة العظيمة: "عندما سمّرك الأبرياء من الشريعة على الصليب يا ربّ المجد هتفتَ نحوهم. بماذا أحزنتكم؟ وبماذا أغضبتكم؟ مَن الذي نجّاكم قبلي من الحزن؟ والآن بماذا كافأتموني؟ بدل الخير شرّاً. بدل عمود النار سمّرتموني على الصليب. عوض الغمام احتفرتم لي لحداً. بدل المنّ قدّمتم لي مرارة. وعوض الماء سقيتموني خلاً..." (أيذيوميلا باللحن السابع).

كل ذلك لم يكن القيِّمون على الشريعة واعين له لأنّ حسدهم أعماهم ولأنّ سعيهم للتسيّد، بحسب هذا الدهر، صمّ آذانهم، وعُجْبَهم بأنفسهم أسكرهم. الإنسان الممتلئ من نفسه لا يعود يسمع ولا يعود يحسّ.

أقول ذلك ويرتحل ذهني إلى علماء الشريعة الجدد، إلى الذين حوّلوا ويحوّلون اللاهوت إلى مسعى فكري نظري، كاليهود، وإلى تجارة كلام، ولا تقوى فيهم ولا حسّ الإلهيات. مدارس اللاهوت التي لا تخرِّج قدّيسين تخرِّج مخرّبين. هؤلاء يصدحون بكلام موسى والأنبياء والآباء ولا يعملون عملهم ولا يبالون لا بصوم ولا بصلاة ولا بتقوى وهم متراخون في حفظ الوصيّة. هؤلاء هم المتهوِّدون الجدد الذين يتظاهرون بمعرفة الله فيما يطعنون يسوع بإنجيله إذ يفسِّرونه على هواهم، ويصلبونه بقدّيسيه وتعليمهم إذ يحوِّرون ما قالوه، ويحوّلون الخلاص إلى مماحكات كلام. يؤمنون بعقولهم ولا يؤمنون بيسوع. وفي النتيجة ينحرون السيّد ويقتلون تلاميذه، نظير اليهود، ولكنْ بالروح، وهم يدّعون أنّهم يقدّمون عبادةً لله (يو 16: 2) وحداثة.

لا نحسبنّ أنّ الذين أسلموا يسوع إلى الصّلب قد ولَّوا. هؤلاء لا زالوا قائمين فيما بيننا. يسوع صُلب مرّة بالجسد لكنّه بالنيّة يُصلب، في بعض خاصته، في كل عصر. رغم ذلك نقول ونردّد: "ليقم الله ويتبدّد جميع أعدائه ويهرب مبغضوه من أمام وجهه" موقنين أنّ قيامة يسوع مستمرة في الذين هم له إلى الدهر.

فـ "قمْ يا الله واحكم في الأرض لأنّك ترث جميع الأمم"!

الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما

2019/06/29

الإنجماع الكُلى فى المسيح.حسب تعاليم أباء الكنيسة



  • يُحِقِق الإنسان شخصيته من خلال"سر الشركة",ذلك السِر الذى باتَ كحقيقة قائمة بين الإنسان وبين الله,وهذه الحقيقة تحققت فى"ملئ الأزمنة.حينما أرسل الله إبنه مولوداً من امرأة(غلاطية4:4).
  • ففى ملئ الزمان ينتهى زمان ويبدأ زمن آخر,فقد إنتهى زمن العبودية وإنتهت مَعَه إنسانيتنا العتيقة(2كو17:5),إنه زمن التجديد... الإنجماع.إنه بالحقيقة زمن الشركة,شِركتنا فى الله وشركة الله فينا. .إنه ملئ الخليقة الجديدة(2كو17:5)وكلمة الخليقة هُنا قد جائت بصيغة مؤنث,وفى هذه الحالة بحسب قواعد اللغة ,يكون المقصود هو"التحرك والعمل والإنتاج "[1]فيكون المقصود إن هذا الزمان هو زمن الخليقة الجديدة,التى يجب أن تنمو وتتحرك نحو الله لكى ما تقدر أن تُحِقق كينونتها.
  • لعل الرسول يقصد هنا بالسرّ الذي يعلنه للمؤمنين هو على وجه الخصوص تحقيق خطة الله في ملء الأزمنة، حيث يعمل بكمال سلطانه وملئها لخِلق جماعة مسكونية من المؤمنين في المسيح، مقدسة فيه[2].وربما ملء الزمان يعني انتهاء زمان الإنسان، زمان الخطية والشقاء واللعنة، ومجيء أيام الله: » أيام ابن الإنسان «(لو 26:17)، » أنا اليوم ولدتك «(عب 5:1)، التي ليست من هذا الزمان بعد، وهي أيام الخلاص والبر والمصالحة والحياة الجديدة التي لا تمتُّ إلى هذا الزمان. فهي بمثابة إنفتاح السماء على الإنسان لتلقِّي روح حياة جديدة ليست من هذا الزمان ولا من هذا العالم. حيث اليوم فيها بألف سنة زمان، وحيث لا يولد الإنسان بعد ليدب على الأرض كحيوان الخلقة الأٌولى، بل يولد من فوق ليعيش لفوق[3].
  • إنه زمن الدعوة..الدعوة إلى التحقق والتحقيق  من "كينونة الإنسان".زمن إكتمال إقنومية الإنسان,تكلم عنه ق.بولس فقال: [تَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ][أف10:1].ولم يِقِصِد ق.بولس إجتماع المؤمنين عند المسيح فحسب[!].بل إن لهذه الأية معنى أعمق بكثير من ذلك.
  • فالكلمة المُستخدمة هنا هيا[ἀνακεφαλαιώσασθα]أى[ليجمع كل شئ فى المسيح], [Recapitulation],وهيا تُعنى عند اليونان [مجموعة من الآرقام],ولكن إستخدمها آباء الكنيسة  بمعنى بلاغى أعمق ,للتدليل على مجموعة أخبار أو مواضيع,يوضع لها عنوان تدليلى يجمعها..فيكون المقصود هو[يجمع تحت رأس] بهذا المعنى تماماً يستخدم ق.بولس هذه الكلمة التى تُرجمت"يجمع كل شئ"فى شرح خطة الله الأزلية التى قصدها منذ الدهور,لتكمُل زمان الخلاص بالنسبة للخليقة كلها حينما يجمعهاً معاً فى المسيح,وهو تعبير جيد إذ يعطى فى النهاية إجابة عن معنى وسبب وموقع كل مخلوق أو خليقة من الله بواسطة المسيح والكل فى خضوع إلهى وانسجام فائق[4].
  • وهذا يعنى أن المسيح سيُصالح كل أجزاء الخليقة,الواحد بالآخر,ثم الله ,بعد الذى صنعته الخطية فى الخليقة من تفتت وإنقسام وعداوة شديدة أبعدت الكل عن أنفسهم وعن الله ,لذلك لزِم التوحيد العام بالرأس الواحد المسيح فى وحدة مكتملة ناضجة مثمرة كما يقول ق.بولس فى الرسالة إلى رومية[لآنه منه وبه كل الأشياء..][رو36:11][5].
  • وعلى هذا الآمر  تقوم تعاليم ق. إيرينيئوس اللاهوتية فيقول:ـ[فإن المسيح كما قلنا قد وحد الإنسان مع الله..لقد كان لائقاً أن الوسيط بين الله والناس,بحق قرابته الخاصة مع كل منهما,يعيد الألفة والتوافق بينهما,ويقدم الإنسان إلى الله ويُظهر الله للإنسان..لإنه من أجل ذلك قد جاء مجتازً فى جميع الأعمار[مراحل نمو المسيح]لكى يعيد للجميع الشركة مع الله][6]
  •   فكان لتجسد إقنوم الإبن أثره البالغ على الطبيعة البشرية-التى أخذ منها جسده-فتلك الطبيعة الفاسدة أصبحت سُكنى وقُدس لله ,أى إنها تقدست وتحول فسادها إلى لا شئ,نعم فـ[حينما صار الكلمة جسداً][يو14:1]فإنه[سكن فينا],هكذا يُعبر ق.يوحنا عن هذا الحد قائلاً[ἐσκήνωσεν ἐν ἡμῖν]وهيا تُعنى بالتحديد[جِعلنا مسكناً طقسياً][7].
  • وحينما نقول إنه جعلنا [مسكناً طقسياً]فإننا نُشير إلى الكلمة اليونانىἐσκήνή,وهيا تُعنى عضواً عن قُدس الأقداس,الذى كان يسكُن فيه فى العهد القديم,فلم يعُد الرب فى العهد الجديد يسكُن فى خيمة موسى فى البرية ولا هيكل سُليمان فى أورشليم بل قد صار يسكُن فينا نحن,فى لحمنا ودمنا اللذين أخذهما منا ليتمكن بهما أن يحل ويسكُن داخلنا,فصرنا[بيته نحن][عب6:3] [8].
  • فلسُكنى الله فى خيمتنا[ أى جسدنا],وحينما نُصبح نحن قُدس أقداسه [هيكله المُقدس]فلكُل هذا أثره البالغ على شخصية الإنسان,الإنسان الذى فقد شخصيته وشوه أيقونته الإلهية التى طُبعت فيه حينما خُلق[تكوين26:1ُ],وهذا الأثر يظهر بوضوح حينما يُحقق الإنسان إقنوميته,أو يُمكننا أن نقول إن الله هو من حقق إقنومية الإنسان بتجسده.
  • فإن كان السيد الرب فى صلاته الوداعية يُردد قائلاً:[لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا][يو21:17],ففى هذه الصلاة تتجلى أمامنا عظمة [سر الإتحاد بالله],ولهذا السبب كانت الكنيسة على مر العصور تُصلى من أجل هذا الإتحاد وتدعوا الجميع له,وأخيراً نُصلى نحن ب[صلاة قسمة]من أروع ما كُتب عن [إتحادنا بالله][عند أصعاد الذبيحة على مذبحك تضمحل الخطية من أعضائنا بنعمتك، عند نزول مجدك على أسرارك ترفع عقولنا لمشاهدة جلالك، عند إستحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك وتتحد نفوسنا بألوهيتك ][9] .
  • ففى صلاة المسيح قائلاً:[لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا][يو21:17].هو بالحرى يِكشِف لنا حقيقة وهدف [التدبير الإلهى]إلا وهو [الإنجماع],إنجماع كُل الخليقة تحت رأس واحد وهو المسيح.كما إن  فى هذه الصلاة ينتقل المسيح فى سؤاله من أجل وحدة الكنيسة فى ذاتها ,إلى الوحدة"فينا"أى فى المسيح والآب,واضح هُناك أن بلوغ الكنيسة حالة الوحدة فى ذاتها هو الذى يؤهلها للاتحاد بالمسيح والآب,وهذا ظاهر من تسلسل الإرتقاء بمفهوم الوحدة"ليكون الجميع واحداً ,ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا"[10].
  •   فلا يُمكننا أن نقول على أى إنسان إنه"شخص"( persona-(ύπόστασςإلا إذا وُجد شخص أخر معه[11],وهذا الآخر هو من يُبادل الإنسان مشاعره وحُبه فى حركة دائمة,وفى أثناء هذا التبادل يتحقق إقنومية الشخصيين معاً.ولكن فى حالة التجسد فالأمر يِختلف لإن إقنوم الكلمة قد حقق إقنوميته[فى الأزل] من خلال إقنومى الآب والروح القدوس.لذا نحن نقول عن كل من [الآب والإبن والروح القدوس]إنهم أقانيم.
  • فلو لم يحدُث التجسد ويتم الإتحاد,لأصبح الإنسان مُجرد"فرد"[atomos]لا يكتمل ولا يتحقق وجوده الإنسانى[12] .فهذا الوجود الإنسانى لا يتم إلا من خلال آخر-بالنسبة للإنسان والإنسانية-وهذا اللآخر وجده الإنسان,أو قول هو وجدنا,ووحدنا فى جسد بشريته.
  • لذا فالحديث عن[الإنجماع الكُلى]كان شِبه مُستحيل إذا لم يجد الإنسان[شخص أخر],أو بمعنى أخر كان مُستحيل أن يحدث إذا لم يحدث [التجسد],لإن [الإنجماع الكُلى]هو نتيجة للتجسد,لذا يقول ق.غريغوريوس النزينزى عن هذا السر [إن غاية هذ السر الأعظم من نحونا هو أن أرث معه وأصير ابناً لله,بل وأصيرالله نفسه][13].[وليس بكل تأكيد أن أحل مكان الله,بل المقصود أن أصير فى وحدة مع الله.
  • فهذه العقيدة [إنجماع الخليقة تحت رأس واحد وهو المسيح],هيا العقيدة المُكملة لعقيدة[التأليه],إن لم يكون الإثنان واحداً.فلا نقدر أن نُميز بين الإتحاد والتأله والإنجماع,كحقيقة وأمر واقع.لإن الثلاث مُصطلحات تُعبر بالحرى عن هدف وغاية الله .
  • ومِن روائع ق.كيرلس الكبير فى هذا النَّسَقُ قوله[إن قوة الله الآب المُحيية هى اللوغس..هذا قد أرسله لنا الآب مُخلصاً وفادياً..وقتنى لنفسه ذلك الجسد المأخوذ منها[من العذراء]وذلك لكى يغرس نفسه فينا باتحاد غير مفتقر...فحينما نأكل جسد المسيح مخلصنا كلنا,ونشرب دمه الكريم,فإننا نقتنى الحياة داخلنا ونصير بنوعٍ ما واحداً معه] [14].
  • وتحقيق الوجود الإنسانى وإكتماله[الإنجماع] ليس هو-مُجرد-حالة وصول[إكتمال].فالله وحده هو الذى وصل,وحده هو الكامل بهذا المعنى,ويتم الكمال الإنسانى فى النمو المُستمر نحو الكمال[الله]فى رحلة مُستمرة من صورة الله إلى شبه الله,تحول مُستمر [15].
  • فحينما تجسد الله الكلمة,كانت هذه إشارة منه لبدء رحلة يُسميها الآباء"الشركة",فالتجسد كان حقاً دعوة لبداية"أبدية"يتم تأكيدها فى جُرن المعمودية,ولا تنتهى,إنها رحلة قد بدئها الكلمة المُتجسد,وإستكملها الإنسان ولن يُنهيها أى منهم[الله والإنسان],حتى عندأى المجى التانى( (parousia.
  • رحلة نحو اللانهاية,رحلة جعلتنا نحن مسكن و[بيت الله]فصدق بولس القول حينما قال[أما المسيح فكابن على بيته,وبيته نحن إن تمسكنا بثقة الرجاء][عب6:3]فأصبح الإنسان هو بيت الله الذى يستريح فيه,ويجد راحته,ولهذا يدعوه داود إلى هذا البيت قائلاً:[ قم يا رب إلى راحتك][مزمور131] فأكثر موضع يستريح فيه الرب هو قلب الإنسان.
  • وللأب متى المسكين تعليق هائل جدا حول تِلك النقطة فيقول:ـ[انظر أيها القارئ العزيز,ما أصغر هذه الجملة,ولكن بقدر صغرها بقدر ما حوت من حوادث وأهوال يشيب من هولها الولدان,فعلى هُداها احرق الهيكل وأفرغت المدينة من هيئتها وسُكانها وصارت عاراً على أصحابها,هذا كله لكى يحول الله بيته القديم إسرائيل فى معناه الأول كخيمة شهادة أو خيمة أجتماع مع الله ثم هيكل الله العظيم فى أورشليم إلى "بيته نحن"أى الكنيسة حيث انتهت عصور وجاءت عصور ,ووقف الصليب بدمه يحجز بين الصفين...و"بيته"بمعناه الأقصى سراً هو جسده,حيث فيه هو رأس البيت ورئيس الكهنة,وبيته أيضاً هو عروسه ,ومدينة مقدسة مزينة فى السماء,هكذا صار وهكذا هو كائن الآن. أن بيته لم يعد هم اليهود ولا بنو إسرائيل بل"نحن"[16].
  • إنه"سِر"تحقيق إقنومية الإنسان,الذى تحقق من خلال المُصالحة التى تمت بين السمائيين والآرضيين.لهذا السبب نحتفل كُل يوم بهذا السر العظيم,فنحتفل اليوم وكُل يوم بسر الإتحاد والمُصالحة الذى تم بين اللاهوت والناسوت,بين الله والإنسان اليوم إنفتح الطريق للإنسان نحو الله,وطريق الله إنفتح نحو النفس البشرية...لقد ظل أدم وحده ولو لم تتحد به المرأة التى حُبلت منه لما انتجت نسلاً,وهكذا النفس أيضاً,إن لم تتحد بالمسيح وتدخل فى شركه معه لا تستطيع[النفس] أن تثمر ثمار الروح.[17]


النعمة معكم.

مينا فوزى...

 


[1] القمص تادرس يعقوب ملطى:تفسيرا وتأملات الآباء الاولين.رسالة كورنثوس الثانية,ص166.

[2] القمص تادرس يعقوب ملطى من تفسير وتأملات الآباء الاوليىن . رساله بولس الرسول الى اهل افسس ص34-35

[3] الاب متى المسكين شرح رسالة القديس بولس الرسول الى اهل غلاطية, ص264-

 [4] فقد وردت هذه الكلمة مرتين فى العهد الجديد مرة فى رسالة أفسس,,مرة أخرى فى (رومية90:13),وقد وردت بمعنى الإنجماع تحت رأس.راجع قاموس سترونج تحت ترقيم346.

 [5]  الآب متى المسكين شرح الرسالة إلى أفسس للقديس بولس الرسول ص113-116

[6] ضد الهرطقات7:18:3

[7] راجع قاموس سترونج تحت ترقيم4637.

[8] التجسد والميلاد فى تعليم آباء الكنيسة ص10

[9] ولكى لا يدعى البعض إن هذه القسمة غير سليمة وبها الكثير من الأخطاء,نقول إن هذه الصلاة موجودة فى الخولاجى المقدس.ص410.إصدار كنيسة ق.أنبا أنطونيوس-أبو ظبى,وقد حصل على موافقة اللجنة الطقسيةفى المجمع المقدس .حسب جلسة1-5-2003.

 [10] الآب متى المسكين:الإنجيل بحسب ق.يوحنا دراسة.شرح.تفسير,ج2,ص1074

[11] د.مارك شنودة .الإفخارستيا سر حياة, ,مراجعة نيافة الحبر الجليل الأنبا رافائيل.ص232

[12] المرجع السابق

[13] عظة23:7

[14] ق.كيرلس الكبير:عشاء الرب(تأسيس سر الإخارستيا),العظة رقم142.

[15] الآب أنتونى م,كونيارس.تحقيق طاقتك الكامنة فى المسيح.ص34.

 [16] الآب متى المسكين شرح ودراسة الرسالة إلى العبرانيين,دير ق.الآنبا مقار.ص291.

 [17] عظة القديس مقاريوس عن الميلاد مجلة مرقس عدد يناير 1971.