2023/04/17

شفاء الذهن(النوس)كنتيجة لقيامة الرب يسوع

 

شفاء  الذهن(النوس)كنتيجة لقيامة الرب يسوع

نحو العمق فى الفكر الأرثوذكسى(عامة)و السكندرى(خاصة)

 

مقدمة

-       نقراء فى انجيل ق.لوقا عن تلميذى عمواس " فتح ذهنهم ليفهموا الكتب."." He opened their minds to understand لقد وردت هذه الكلمة اكثر من مرة فى العهد الجديد ،ولغويا فالكلمة(νοῦν))   تعنى "التعقل او الفهم" فهناك اختلاف-بسيط- فى استخدام الكلمة بين الانجليين  وبين الاستخدام الكنسى لاباء الكنيسة فالكلمة تعنى"الذهن"[1]،بينما استخدمها اباء الكنيسة بمعنى"الادراك"،و كان الاستخدام الغالب هو "عين النفس" او"العين صاحبة الثيؤريا"(منيف حمصى-8)

-      فالثيؤريا Θεωρία هو مصطلح يعنى بالاساس التأمل، و حتى القرن السادس كان يشير الى حالة من التصوف يدخل اليها الانسان من خلال التأمل-والنظر الى الله، فكان ينظر الى الثيؤريا باعتبارها "عين الحب" التى تنظر الى الحق الالهى [2]

-      اما فى الادب البوكريفى نجد صدى لتعريف "النوس" اذ يُسال الرب عن النوس "يارب عندما يقابلك شخص فى لحظة الرؤيا،هل يرى ذلك بالروح القدس ام من خلال النفس؟ فيقول-المعلم- الرب:-ليس بالنفس ولا بالروح بل "النوس" الذى هو بين الاثنين-الروح الالهية والبشرية- هو من يقدر ان يرى الرؤيا[3]

-      وملخص قولنا هو إنه حينما خلق الله الانسان على صورته، كان الإنسان فى حالة نوسية نقية، قابلة للتقدم فى المعرفة والرؤيا، وقد وضع فيه بذرة الكلمة -بذرة المعرفة الالهية- [4]وزرع فيه جذر الإدراك –الفهم- لكى مايكون عاقلاً، فى حالة إعلان لشركته فى طبيعته،فيرسل للعقل وميض نوره وبهائه غير المحدود بصورة يعرفها هو وحده[5]


النوس بعد البداية

-      ولكن بسبب السقوط إبتعد الإنسان عن الله، وصارت هناك غيمة على عينه، وأصبح رؤية الله عسيرة جدا، بل ومرهقة للنفس التى إعتادت الظلام. وابتعد الانسان وبدأ يتأمل نفسه،وأيقظ شهوات جسده وتعرى لا من الملبسس وحسب بل ايضا من التأمل فى الالهيات،اذ تحول فكره عن الله،وأصبح محور ذهنه هو الذات-الانا-وخرج الله من مركزية ذهنه وأحجب الانسان الله بتلك الفعلة،فالانسان هو سبب إحتجاب الله ،

-      يقول ق.أثناسيوس : "عندما ابتعد الانسان عن التفكير فى الله، وبدأ يتأمل نفسه،وقتها سقط فى شهوات الجسد..ولم يشعر انه عارى من ملبسه ، بل كان شعور التعرى من التأمل فى الله،وتحويل فكرهم الى ما هو غير ذلك،فابتعدا عن معرفة الله (ضد الوثنين 3:3)

-      لقد خلق مخلصنا الانسان واعطاه القدرة على رؤية الله ...ويعيش فى حياة الخلود الكاملة...اذ يتأمل فى العناية الالهية...مرتفعاً عن الامور الجسدية-والحسية- فى حالة اتصال بقوة عقله بالامور اللاهوتية والاشياء التى يمكنه ادراكها بعقله.واذ يمكنه رؤية الكلمة،فهو يمكنه ايضا رؤية اب الكلمة فى حالة تلذذ بالتأمل فيه (ضد الوثنين2:2-4)  ،ولكن نتيجة لما وصل إليه الانسان من فساد فى كيانه وتشويه صورته الالهية ، اصبحت البوصلة"النوس" التى توجه الانسان الى الله عاجزة وفاشلة ان توجهه نحو الهدف والصواب، وأستحال فى تلك الحالة معاينة الله

-      فحسب ايرينيؤس فادم لانه فقد طبيعته الاولى وفقد ذهنه النقى الذى يشبه الاطفال،وجاء الى المعرفة-الخير والشر- فقد ربط نفسه وامرأته برباط العفة مقاوما شهوة الجسد،خائفاً من الله منتظر مجيئه[6],وابتعد عن الله ، وأصبحت ذاته هى مركز "النوس"عنده .

-      لقد فقد الانسان حالة  المعرفة الالهية...اذ رفض البشر الله،وأظلمت نفوسهم فيقول ق.أثناسيوس:-خلق الانسان بقصد ان لايفسد، ولكن البشر احتقروا التفكير فى الله، وفكروا فى الشر ...ومنذ ذلك الوقت لم يبقوا كما كانوا- وقت الخلق- بل قادتهم أفكارهم الى الفساد وملك الموت عليهم[7]

-      وحسب ق.أثناسيوس "فعند تشويه الذهن النقى لم يعد الانسان قادر ان يفهم أقوال القديسين-الكتاب المقدس-فاذا اراد انسان ان يرى نور الشمس عليه ان يمسح عينيهـ لكى تتنقى نسبيا،ووقتها تستنير العين ويمكنها ان ترى نور الشمس[8]

 

 

ه-      لذلك يرى ق.ايرينيؤس ان سبب التجسد ان يعود الانسان قادر ان يرى الله كان "ان كان الله لايمكن ادراكه من جهة عظمته ومجده غير المنطوق،ولكن من اجل محبته وعطفه،فقد اعطى  الانسان تلك الامكانية-رؤية الله- فكما ان الذين فى النور يشتركون فى لمعانه،هكذا الذين يرون الله يشتركون فى ضيائه...ولأجل ذلك فغير المحوى وغير المدرك وغير المرئ ترأى-للانسان-و ادركه نسبيا- وجعل نفسه محوى ..وذلك لكى مايحيى الذين يحتوونه-الانسان-وينظرون له بالايمان[9]

-      ق.ايرينيؤس:-"ولان الله صالح جعل نفسه منظوراً لكى مايبعث الحياة فى من يرونه،فمستحيل ان يحيا الانسان بدون الحياة،وجوهر الحياة كائن فى شركة الثالوث، والشركة مع الله هى رؤية الله وتذوق صلاحه،فالانسان يرى الله ويحيى بتلك الرؤية ويصيرغير مائت او منفصل عن الله[10]


-      وحسب ق.كيرلس فالعقل يصير الهياً بما يتأمله،فما نقصده (صيرورته الهياً)عندما نقول ان شخص ما تحدث مع الله وقضى وقتا فى رؤيا اى تمجد، فالمعنى المجازى لتمجيد وجه موسى هو ان عقله كان إلهى- يشبه الله- وبهذا المعنى قال الرسول:اننا جميعا نرى مجد الله كما بوجه مكشوف نتحول الى تلك الصورة عينها[11]

-      يشدد أوريجانوس على أهمية الجمع بين العقل والفضيلة (الثيوريا والتطبيق) في تدريباتنا الروحية ، مستوحى من صورة موسى وهارون حينما كان يقودان بني إسرائيل في البرية ، ويصف اتحادنا مع الله على أنه زواج أرواحنا بالمسيح الشعارات ، باستخدام صور الزفاف من نشيد الأنشاد. [12]

-      كما يرى اوريجن ايضاً ان القوة التى نزلت - اتحدت- بالطبيعة البشرية، وفى وسط بؤس البشرـ قد اخذت-هذه القوة- نفس وجسد بشرى، فهذا ساهم بجانب طبيعتها الالهية،فى خلاص المؤمنين،فمن خلاله بدأ الاتجاد الالهى بالطبيعة البشرية لكى ماينهض الانسان بالاتحاد مع الله ليكون الهياً،فدخل-البشرية- فى حياة يسوع وصداقته وشركته مع الله[13]

-      فعندما فتح الرب ذهن تلميذى عامواس ، كان ذلك شفاء "النوس" هو مجرد عربون الفداء  الذى  نالته البشرية بقيامة مخلصنا الصالح.



[1] James Strong, The New Strong’s Exhaustive Concordance of the Bible: With Main Concordance, Appendix to the Main Concordance, Topical Index to the Bible, Dictionary of the Hebrew Bible, Dictionary of the Greek Testament (Nashville: T. Nelson Publishers, 1990), 3563

[2] Robin Amis, A Different Christianity: Early Christian Esotericism and Modern Thought, SUNY Series in Western Esoteric Traditions (Albany: State University of New York Press, 1995),24.

[3] Marvin W. Meyer و Esther de Boer, The Gospels of Mary: The Secret Tradition of Mary Magdalene, the Companion of Jesus, First HarperCollins paperback edition (San Francisco, CA: HarperSanFrancisco, 2006), 10,.

[4] يعتبر يوستينوس الشهيد اول من استخدم  مصطلح بذرة(الحكمة) اللوغوسspermatikos logos حيث كان يرى ان كل انسان بداخله بذرة اللوجوس/هذه البذرة هى النبتة الخيرة داخل الانسان وتدفعه لعمل الخير"يقول يوستينوس"كل واحد من هؤلاء  الرجال بأشتراكه فى بذرة اللوغوس الالهى قد تكلم بصورة جيدة" انظر:-

Justin و Thomas B. Falls, Saint Justin Martyr: The First Apology, the Second Apology, Dialogue with Trypho, Exhortation to the Greeks, Discourse to the Greeks, the Monarchy, or the Rule of God, Fathers of the Church (Washington: Catholic University in association with Consortium Books, 1948).2:13

[5] Lois M. Farag, St. Cyril of Alexandria, A New Testament Exegete: His Commentary on the Gospel of John (Gorgias Press, 2014),1:9

[6] W. A. Jurgens, The Faith of the Early Fathers (Bangalore: Theological Publications in India, 2005).93

[7] Athanasius, The Incarnation of the Word of God: Being the Treatise of St. Athanasius, De Incarnatione Verbi Dei, Penelope Lawson (New York: Macmillan, 1946).4;4

[8] Athanasius ,The Incarnation of the Word of God:.57

[9] Irenaeus, Against the Heresies, Dominic J. Unger, Ancient Christian Writers (New York, N.Y.: Newman Press, 2012).4:20

[10] Irenaeus. Against the Heresies4:20:5-6

[11] Farag, St. Cyril of Alexandria, A New Testament Exegete.

[12] Amis, A Different Christianity. A Different Christianity: Early Christian Esotericism and Modern Thought,25-30

[13] Origen, Against Celsus = Contra Celsum: The Complete English Translation from the Fourth Volume of the Ante-Nicene Fathers, A. Cleveland Coxe, Frederick Crombie, New edition with introduction and notes revised (United States: Ex Fontibus Co., 2013).2:28