2015/12/24

(المولود من الآب),المُصطلحات اللاهوتية والفلسفة الهلينية.ج1.


المقدمة

  • إن الرغبة فى الخوض فى سرائر الله.أشبه بمُغامرة.شيقة,ولكنها أيضاً خطيرة.فالخوض فى ذات الله, ٍيقودنا إلى "اللاشئ",فمهما عرفنا عن الله,فهذه المعرفة هى فى ذاتها "اللاشئ"[!],فمن يقدر أن يقول إنه عرف شئ عن الله؟إن كُل ما نعرفه عن الله هو "اللاشئ".فالله هو"ٍسر".

  • ولا ينبغى لنا أن نعرف عن الله إلا كونه"سراً" وكلمة سر , تُعنى حسب الكلمة اليونانية μυστήριοو تُعنى الشئ المخفى أو المستور.أى:الشئ الذى لايُمكن للإنسان أن يدركه من ذاته وحده[1].وحسب هذاالتعريف ,فالإنسان لايعرف الله من تلقاء ذاته.لأنه لايقدر على ذلك.فالإنسان بالطبيعة "عاجز"فكيف يعرف الله؟.

  • وهُنا يأتى دور الله فى الإعلان للإنسان.لذلك نقول إن كُل ما كُتب عن"الثالو ث القدوس"سواء فى الكتاب المقدس أوكتابات الآباء, ما هى إلا إشراقة نور ونعمة,ينعم بها الرب علينا. لذلك لم يُكتب أو يُقال كل شيء عن الثالوث بوضوح شديد وشامل, من جهة أعماق طبيعته، أي من جهة كيانه الخاص ، أو من جهة ذاته في مُطلق معرفتها، لأنه ستظل معرفتنا محدودة للغاية.

  • فمن المُهم أن نعلم إن"العقل"لايقدر أن يعرف الله.بل معرفة الله تأتى من الله نفسه للإنسان. حينما يستأمن الله قديسيه[2] ليُعرفهم ويُعلن لهم أسراره,يظل هذا الإعلان إعلاناً قلبياً داخلياً يحسه القلب.وبالكاد يستوعبه العقل,استيعاباً جزئياً غير كُلى[3].

  • فمهما كانت المُصطلحات التى نستخدمُها عن الله, أو حتى ما إستخدمها كُتاب الإنجيل.فلاتقدر أن تصف الله,فالله شخصاً لايُمكن وصفه.فهو غير المفحوص, فكُل ما نكتبه أو كُتب عن"الثالوث"ما هو إلا تعبير عن عجز اللغة فى وصف إلهُنا.

  • فحينما نصف العلاقة بين الآب والابن, فنحن نستخدم لُغتُنا البشرية,وهذه اللغة نتاج وصناعة الإنسان المحدود الذى يعجز عن "وصف"الله.او الكلام عنه بأموراً تليق به.فما كان من هذا الإنسان سوى إستخدام "عجزه البشرى"لكى ما يشرح معتقده فى الله.ويصيغ قانوناً لإيمانه.

إستخدام المُصطلحات الهلينية
  • فحينما وصف الوحى علاقة الله الآب بالابن,إستخدم لغة يعرفُها الإنسان وهى علاقة الأب بإبنه الذى أنجبه.فلايوجد فى قاموس البشرية أفضل من هذا التعبير, مع فارق التشبيه . فأقنوم الابن لم يأتى من اقنوم الآب بعلاقة تناسُلية أو من خلال زوجة.

  • لقد دون الإنجيل باللغة اليونانية,وعبَّرت الكنيسة الأولى بشكل كبير عن عبادتها وتعاليمُها بأنماط الفكر اليونانى,...فقد قام الفكر المسيحى اللاهوتى بتغيررأشكال-الثقافة اليونانية-بصورة جذرية وجعلُها أدوات لنقل عقائد وأفكار كانت غريبة تماماً عن الهللينية[4] اليونانية.

  • ففى القرون الثلاثة الأولى,حينما صاغ آباء الكنيسة العقيدة المسيحية الأرثوذكسية[5],كان للثقافة الهللينية تأثير  ملحوظاً على كتابات هذه الفترة من تاريخ الكنيسة,والتأثير الذى نقصده هو من خلال إستخدام بعض المُصطلحات الهيلينة فحسب.وليس التأثير بمُعتقدات فلسفية وثنية.فيقول أدولف هارنك:"إنه  فى القرون الأولى من تاريخ الكنيسة المسيحية دخلت الهللينية إلى المسيحية بقوة وبشكل جذرى,و إن الفضل يرجع بدرجة كبيرة إلى ق.أثناسيوس فى منع "تهلُن المسيحية."[6]

  • ولان الفلسفة اليونانية تتميز بالأساس بالبحث عن الأمور المادية والمحسوسة.فحينما بحث الفكر اليونانى عن الألوهة.بحث عنها من خلال الطبيعة,باحثاً عن القوة المبدعة الخالقة للإنسان والكون[7].فقد كان من أهم مُميزات الثقافة الهللينية إنها كانت تُعطى لحاسة البصر أهمية أولى على بقية الحواس.

  • وبالتالى فكرة وجود إله,ووجود إبناً للإله,كانت مُنتشرة كثيراً فى الثقافات الهللينية[8].فكما قولنا إن المسيحية لم تتأثر بالفكر اليونانى بل بالعكس,قامت المسيحية ب"تمسحُن"الهللينية[9].

  • فأخذت المسيحية الفكر الهلينيى,الذى هو بالأصل مُقتبس من شريعة موسى, وبدأت تصيغه بمفهوم "مسيحى"سليم, فقالت إن الله له إبن,و لكن ليس مثل أبناء الألهة الوثنيين.حيث كان للأب وجود قبل وجود الابن.وحيث الولادة الجسدية,ولزوم وجود زوجة.

  • فالمسيحية لم تُعلم بمثل هذه الأمور,فلم يوجد وقت كان فيه الآب بدون إبن.كما  إن هذه العلاقة قائمة لا على "التناسل"بل قائمة على وحدانية الجوهر.لذلك يقول ق.أثناسيوس:ـ"لو كان الابن منفصلاً عن الآب,أو  لو أن الكلمة لم يكن كائناً منذ الأزل فى الله,لكان جوهر الله صامتاً تماماً.مثل نور لايشع .أرض جرداء بلا خصوبة.ينبوع جاف."[10]

  • فنجد ق.أثناسيوس الذى, منع"تهلُن المسيحية"يشرح هذا الأمر قائلاً:ـ"إن كان يُقال عن الله(الآب)أنه ينبوع حكمة وحياة...وهذا يتضمن أن الحياة والحكمة لم يكونا غريبيين عن جوهر الينبوع,بل هُما خاصة له,و لم يكونا أبداً غير موجودين,بل كانا دائماً موجودين..كيف إذا لا يكون كافراً[11] من يقول(كان هُناك وقت كان فيه الينبوع جافاًخالياً من الحياة ومن الحكمة)ولكن مثل هذا الينبوع لايكون ينبوعاً,لأن الذى يلد من ذاته لايكون ينبوعاً.[12]

  • وبجانب التشبيه السابق فقد إستخدم القديس أثناسيوس وآباء نيقية.مثال(الشعاع والنور) ليُساعدهم فى شرح علاقة المسيح كابن الله الآب,وكلمته .مما أدى إلى تفادى تطبيق المفهوم البشرى أو الجسدى لكلمات مثل"آب","ابن","مولود","ولادة"[13].

  • فحينما شاء الله أن يُقيم علاقة مع الإنسان ويتحدث إليه, لم يستخدم لغة لم يفهمها الإنسان, بل إستخدم لُغته التى يفهمُها , للتواصل معه.فإستخدم  اللغة العاجزة ليُقرب للإنسان صورة هى الأقرب للذهن البشرى عن "جوهر الله".

  • حقيقة أن الله قد عرف ذاته لنا باسم"الآب والابن"..إنما تُعنى أننا لا نستطيع ولا يجوز لنا أن نسعى لمعرفة الله أو التعبير عن هذه المعرفة بطريقة تتجاهل تسميته لذاته[14].

  • وقد كان الأمر الذى تعين على آباء نيقية استجلاؤه هو كيف يمكن للصور"المخلوقة"والكامنة فى فكرنا عن مصطلحى الأبوة والبنوة-وبالتأكيد كما هو الحال فى كل المُصطلحات والمفاهيم البشرية المُستخدمة فى الكتاب المقدس,أن تنطبق على الله.

  • فلإستخدام الفلسفة ضرورة يُحتمها التجسد نفسه.فتجسد كلمة الله فى تاريخ البشرية,فى ثقافة إنسانية مُحددة,فى عقلية فلسفية مُعينة فى حضارة بشرية خاصة..فالوحى موجه إلى البشر بكلمات بشرية تختلف من عصر إلى عصر,من بيئة إلى بيئة, من فلسفة إلى فلسفة..فيجب عصرنة الإنجيل ليفهمه البشر بنو عصرهم.وهذا ما فعله آباء نيقية عندما استخدموا الفلسفة  السائدة فى أيامهم[15]....فعلوه بدون اجترار أو تقليد أعمى, بل بروح ابتكارية وإبداعية,وكذلك بروح وفية لوديعة الإيمان.فإنهم "جددوا قراءة"الكتاب المقدس بحسب مُتطلبات عصرهم وبروح عصرهم , وفى الوقت نفسه بأمانة تامة للإيمان المسيحى الذى لا يتغير[16].

  • فإستخدم أباء نيقية المُصطلحات السائدة فى  عصرهم, لشرح ما يُمكن شرحه عن"جوهر الله"وعن حقيقة الثالوث,بقدر ما إستُعلن لهم فى الكتاب المقدس, ومن المُصطلحات السائدة آنذاك,تعبير(الآب والابن)لذلك إستخدم الفكر المسيحى واللاهوتى هذه المُصطلحات.دون التأثر بما تُعنية هذه المُطلحات فى ثقافة هذا العصر.

  • فيستخدم الفكر اللاهوتى المسيحى مُصطلح"آب"و "ابن"إستخداماً مناسباً.فى الحديث عن الله كما هو فى ذاته.عندما يسمح لهذين المصطلحين أن يشيرا وبطريقة لاتصوير فيها إلى العلاقة الأزلية فى جوهر الله .هذه العلاقات التى بوضعها المتعالى غير المخلوق تُشكل الأساس الذى يرشدنا-على قدر ما يسمح به مستوانا,لفهم علاقات كل من الأبوة والبنوة فى البشر[17].    

  • ولا مفر من إٍستخدام التشبيهات والأمثلة البشرية,للتعبير عن فهمهم لعلاقة الابن بالآب,لأن هذا الأسلوب هو الكيفية التى تم بها نقل الإعلان الإلهى لنا,من خلال لغة البشر,مع أن هذه الأمثلة والتشبيهات فى حد ذاتها لا تفى بالغرض .حتى إنه لاينبغى التمادى فيها. 

المولود من الآب:ـ
  •   إن كان الإنسان عاجزاَ عن إدراك ذاته.فشئ أساسى سيعجز على إدراك"جوهر الله", وسيعجز على إدراك.مفهوم العلاقة بين الآب والابن.لذلك إستخدم الآباء مفاهيم بشرية مثل"المولود من الآب قبل كل الدهور"للتعبير عن هذه العلاقة بين الأقنومين.
  •  ولايجب فهم هذه الولادة , بالمعنى المُتعارف عليه من تزاوج وتناسل , فهذا المفهوم لاينطبق على علاقة الأقنومين بعضهم البعض.فالولادة المقصودة هُنا هى كما قال ق.أثناسيوس إن هذا الميلاد أشبه بخروج الشعاع من النور[18].وأيضاً إستخدم تشبيه"الينبوع" فيقول:"إن كان يُقال عن الله(الآب)أنه ينبوع حكمة وحياة...وهذا يتضمن أن الحياة والحكمة لم يكونا غريبيين عن جوهر الينبوع,بل هُما خاصة له,و لم يكونا أبداً غير موجودين,بل كانا دائماً موجودين..كيف إذا لا يكون كافراً من يقول(كان هُناك وقت كان فيه الينبوع جافاًخالياً من الحياة ومن الحكمة)ولكن مثل هذا الينبوع لايكون ينبوعاً,لأن الذى يلد من ذاته لايكون ينبوعاً.[19]

  •  ويُضيف ق.كيرلس الكبير مثالاً أخر قائلاً:ـ"نأخذ مثالاً وليكن طبيعة الشمس و الشعاع الذى يخرج منها,ولايُمكن أن نطبق آلام الولادة والتمزق(الانفصال)وخلافه على خروج الشعاع من الشمس,وهو(الشعاع)كائن فيها رغم إشعاعه,وهكذا فالشمس تمتلك فى طبيعتُها الخاصة شعاع النور الذى لا ينفصل عنها,و لكنه يبدو بعد خروجه منها أن له فرادة خاصة به,و أحياناً يفكر البعض فى الشمس نفسها ولكنهم لا يستطيعون أن يتخيلوا جوهرها(الملتهب ناراً)ففى هذا الجوهر يوجد الشعاع,ومن الجوهر يخرج الشعاع دون أن ينفصل الشعاع عن الجوهر,إلا أنه يتميز عنه,إذا أن الشعاع يخرج من الشمس إلى خارجها, و لهذا فمن العبث والضحك أن نتصور أن الشمس أقدم من الشعاع,وكأن الشعاع الخارج منها يجئ متأخراً..فهذا التصور معناه أن الشمس غير موجودة بسبب أنها لا تمتلك النور موجوداً معها."[20]

  • إذا ما علينا فهمه جيداً فى كون الابن مولود,هو إن هذا الإبن مساوى تماماً فى الأزلية للآب.ولم يكون هُناك وقت لم يكون فيه الآب بدون ابن. وكونه مولود لايُعنى إن هُناك تزاوج أو تناسل فى الموضوع.ومن يرفض هذا المُصطلح   لسبب الثقافة المُعاصرة,سيرفض كثيراً من التشبيهات الأبائية والكتابية من أجل إرضاء الثقافة,التى بالأساس تُكفره سواء إستخدم هذا التشبيه أو رفضه.فضلاً إن مُصطلح أو لفظ"آب"و"ابن"لايُمكن للثقافة المعاصرة أن تفهمها إلا من خلال "الزواج والتناسل"فهل نقدر أن نرفض هذه المُصطلحات من أجل المجتمع والثقافة[!؟].

  • ويتبين مما شرحه آباء الكنيسة ولخصه الآنبا إبرام: "مولود غير مخلوق"هذه العبارة تُعنى أن الابن إذا كان قد أخذ جسداً بشرياً من العذراء فى ملء الزمان إلا أن لاهوته غير مخلوق ,فالابن بلاهوته مولود من الآب بولادة تفوق الإدراك والعقل.هى ولادة روحية  كما يولد الفكر من العقل ,وكما يولد شعاع النور من الشمس,وهنا يُعطى قانون الإيمان الفهم الصحيح عن ولادة المسيح الابن (الكلمة)من الآب ضد تعليم الأريوسيين[21].
  • فضلاً إن هذه العلاقة سُميت"ولادة"أو سُميت"خروج"كما يُسميها ق.إيرينيؤس, فلا مُشكلة لدينا,فلسنا عُباد للحروف, بقدر إهتمامُنا بالمعنى,فالمعنى أهم من المُصطلح.فيقول إيرينيؤس:" أى  تسمية أخرى يمكن أن نصف بها هذه الولادة, لأنها فى الحقيقة بالاجمال غير قابلة للوصف.[22]

  • وفى تعليق أخير يقو ل     C  .S .Lewis شرحاً لمعنى مولود قائلاً:ـ[إننا لا نستخدم كثيراًالكلمة مولود فى اللغة الإنجليزية الحديثة,ومع ذلك فكل واحد منا يعرف معنى الكلمة,أن تلد ,فهذا يعنى أنك تصير أباً لمن تلده, أما أنك تخلق فهى تعنى أن تصنع,والفرق واضح,فعندما تلد, إنك تنجب شخصاً من نفس نوعك, فمثلا الإنسان يلد أطفالاً بشريين,الأسد يلد أشبالاً صغيرة,أما عندنا تصنع شيئاً, فإنك تعمل شيئاً مختلفاً عن نفسك,فالأسد مثلاً يصنع عريناً,والإنسان يعمل شبكة لاسلكية...هذا هو أول شئ يلزم إيضاحه, إن ما يلده الله هو إله تماماً مثلما يلد الإنسان إنساناً, وما يصنعه الله ليس إلهاً مثل أن ما يصنعه الإنسان ليس إنساناً,هذا هو السبب فى أن البشر ليسوا أبناء لله بالمعنى الذى يتضمنه المسيح(من جهة علاقته بأبيه)......                                                                      فإن يسوع هو ابن الله الفريد الوحيد إنه مولود من الآب قبل كل الدهور..إنه مولود من الآب منذ الأزل,وبتعبير آخر,فإن ما يلده الله الآب هو إله,إنه من نفس النوع مثله [23]..
 المولود من الآب فى فكر الآباء
  حينما نتكلم عن فكر الآباء,فإننا بالتبعية نعود إلى تاريخ الكنيسة, الذى يُعد "تاريخ مُمارسة العقيدة"[24].فبالعودة لتاريخ الكنيسة فإننا نجد إن هُناك آباء كثيرون إستخدموا تشبيه"المولود"لوصف علاقة الإب والابن.سواء آباء ما قبل نيقية أو ما بعد نيقية.و سنجد التوزيع الجغرافى لهؤلاء الآباء,مُختلف, فنجد آباء من إسكندرية وإنطاكية, القسطنطينية وروما يستخدمون هذا التشبيه,فهذا الإنتشار وهذا التوزيع المُتباين يُوضح إن هذا الأمر مُتفق عليه من  الكنيسة الأولى, و يُعد تسليم صحيح.
  • وفى هذا السياق يقول ق.أثناسيوس:ـ"دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة الجامعة وتعليمها وإيمانها,الذى هو من البداية والذى أعطاه الرب وكرز به الرسل وحفظه الآباء,وعلى هذا الأساس تأسست الكنيسة,و من يسقط منه فلن يكون مسيحياً ولا ينبغى أن يُدعى كذلك فيما بعد."[25]
  • وسمة الكنيسة الأولى إنها تُسلم ما تسلمته من قبل الآباء السابقيين, للآباء اللاحقيين لها,فيقول ق.أثناسيوس:ـ"بحسب الإيمان الرسولى المُسلم لنا بالتقليد من الآباء, فإنى قد سلمت بدون ابتداع أى شئ خارجاً عنه فما تعلمته فذلك قد رسمته مطابقاً للكتب المقدسة."[26]
  • فنجد هذا التعليم مُثبت عند ق.إيرينيؤس,ولد سنة115-125وتنيح سنة197م,وكان تلميذ للقديس بوليكاربوس[27].إذا يقول:ـ"الابن يُعلن عن الآب الذى ولده"[28].فكون وجود هذا التعليم فى هذاالوقت المُبكر جداً من تاريخ الكنيسة فهذا يُعطى مصداقية للتعليم.فضلاً إن إيرينيؤس كان تلميذ للقديس بوليكاربوس تليمذ ليوحنا الحبيب.
  • ويقول ق.إيرينيؤس أيضاً:ـ "لذلك أى من يسألنا عن كيفية ولادة الابن من الآب ,نُجيبه أنه لا أحد يُدرك هذا الخروج أو هذه الولادة أو هذه الدعوة أو هذه الرؤيا أو أى  تسمية أخرى يمكن أن نصف بها هذه الولادة, لأنها فى الحقيقة بالإجمال غير قابلة للوصف."[29]
ويسبق ق.يوستينوس الشهيد القديس إيرينيؤس ب25سنة تقريباً. وُلدسنة100وتنيح سنة165م.فنجده يقول:ـ"نحن نؤكد أن كلمة الله قد وُلد بطريقة خاصة تختلف تماماً عن الولادة العادية"[30].
  • ومن آباء القرن الثانى.أثيناغوراس الفيلسوف.فيقول:ـ"لنا إله واحد و الكلمة, أى  الابن مولود منه ونحن نعى أن الابن غير مُنفصل عن الآب."[31]
  • وفى تعليق العلامة أوريجانوس عن و جود الابن الأزلى المساوى فى الأزلية للآب, يقول:ـ"الآب يلد الابن غير المخلوق ويأتى  بالروح القدس, ليس كما لو كان الابن لم يكن له وجود سابق, فالاب هو الأصل والمصدر للأبن وللروح أيضاً."[32] 
  • وثبت هذا الشرح العلامة أوريجانوس فى قانون الإيمان الخاص به:"نؤمن بإله واحد, الذى خلق وأوجد كل شئ .الذى فى آخر الأيام أرسل ربنا يسوع المسيح مولوداً من الآب قبل كل الخليقة.
  • كما أكده لوكيانوس الأنطاكى300م فى قانون الإيمان الخاص به:"نؤمن بإله واحد الآب ضابط الكل.خالق كل شئ والمعتنى بكل شئ, و برب واحد  يسوع المسيح ابنه المولود من الآب قبل كل الدهور,إله من إله,الحكمة ,الحياة,النور.
  • ويوسابيوس القيصرى-325:" نؤمن بإله واحد الآب ضابط الكل.خالق كل ما يرى وما لا يرى, و برب واحد  يسوع المسيح كلمة الله .,إله من إله,نور من نور, حياة من حياة,الابن الوحيد, بكر كل الخليقة,مولود من الآب قبل كل الدهور, به كان كل شئ."[33].
  • "مولود غير مخلوق"هذه العبارة تُعنى أن الابن إذا كان قد أخذ جسداً بشرياً من العذراء فى ملء الزمان إلا أن لاهوته غير مخلوق ,فالابن بلاهوته مولود من الآب بولادة تفوق الإدراك والعقل.هى ولادة روحية  كما يولد الفكر من العقل ,وكما يو لد شعاع النور من الشمس,وهنا يُعطى قانون الإيمان الفهم الصحيح عن ولادة المسيح الابن الكلمة من الآب ضد تعليم الأريوسيين[34] بل فى أقدم صلوات للكنيسة نقول:ـ"ياربى يسوع المسيح المولد من الآب قبل كل الدهور."[35]
  • وبالعودة إلى(مزمور110)فإننا نجده يقول:" قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ». يُرْسِلُ الرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ. 3شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ مِنْ رَحِمِ الْفَجْرِ. لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ." [ترجمة فاندايك].
  • والترجمة هُنا لم توضح المعنى الدقيق للمزمور, الذى فيه يتحدث الله الآب لله الابن,فنجد الترجمة الكاثو ليكية توضحها بشكلٍ أفضل فتقول:ـ[لَكَ الرِّئاسَةُ يَومَ وُلدتَ في بَهاءِ القَداسةِ مِنَ الرَّحِمِ, منَ الفَجرِ وَلَدتُكَ. [الترجمة الكاثوليكية]].
  • فالله الاب يخاطب الابن.ويقول له,أنت رئيس يوم ولادتك.هذه الولادة كانت فى الفجر, أى قبل  الخلقة, وبداية أيام الخليقة.
والجزء الأخير من الآية تترجمه السبعينية "من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك"  هنا يتكلم عن ميلاد المسيح الأزلي من الآب "نور من نور" ... والابن يولد من بطن الآب فهذا يعني مساواته له في الجوهر وهذه تساوى تماما قول المسيح ،"الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" (يو1: 18) وتمييزاً للإبن الوحيد عن الكنيسة التي تبناها الله. وقال أحد الأباء أن قوله من البطن يشير لولادته من العذراء بالجسد. وقوله قبل كوكب الصبح يشير لولادته أزلياً من الآب. والمعنى واحد في السبعينية وترجمة بيروت، فكوكب الصبح يظهر قبل الفجر مباشرة، وهذا يناظر ترجمة بيروت مِنْ رَحِمِ الْفَجْرِ أي قبل ظهور الشمس في الفجر. وقوله رحم يناظر القول ولدتك في السبعينية[36].
  •  فالله الآب فى المسيحية هو الأقنوم الأول لله الواحد فى الثالوث, والله الآب هو نبع اللاهوت أو  المصدر أو العلة,وهو رابطة الواحدة بين الثلاثة أقانيم,كما يقول ق.غريغوريوس اللاهوتى :"إن الوحدة هى الآب الذى منه وإليه يسير مجرى نظام الأقانيم",أو كما يقول كاليستوس وير"هناك إله واحد لآن هناك آباً واحداً(أنت ابنى انا اليوم ولدتك)(مز)7:2(من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك)(مز3:110)حسبالترجمة السبعينية[37]


 


النعمة معكم
مينا فوزى



[1] القمص أثناسيوس المقارى:معجم المصطلحات الكنسية,ج2,ص602.
[2] ليس المقصود بالقديسيين هُنا,الآباء القديسيين فقط.بل القداسة هُنا تشمل كُل المؤمنين بالرب يسوع, وربما نتطرف فى الوصف,فنقول إن القديسيين هُنا, كل شخص يُحب الرب من قلبه,حتى لو لم يكُن مسيحيى , فالرب يُعلن له,و يشتغل روح الله على قلبه,فيتعرف على الرب يسوع,ويُصبح مؤمن,وتبدأ  الإعلانات تتزايد له.
[3] معجم المصطلحات الكنسية,مرجع سابق,ص602.
[4] أى الفكر اليونانى التابعة للحضارة الهللينية, وظهرت فى الحقبة ما بين (ق4 قبل الميلاد)حتى القرن الثالث قبل الميلاد.وهو الإسم العرفي الذي يطلق على اليونانيون.للمزيد راجع كتاب الخلفية الهيلينية والرومانية وعلاقتهما بالعهد الجديد,الكتاب الثاني .إعداد أ. رأفت شوقي.
[5] ليس المقصود هُنا طائفة الأرثو ذكس بعينها, بل المقصود بها الإيمان السليم,وكلمة أرثوذكسى كانت تُستخدم فى أول المسيحية,للتميز بين المسيحيين وبين الوثنيين,ثم بعد ظهور الهرطقات بدأت تُستخدم للتفرقة بين المسيحيين,وبين الهراطقة مثل الأريوس وغيرها.
[6] توماس ف.تورانس:الإيمان بالثالوث-الفكر اللاهوتى الكتابى للكنيسة الجامعة فى القرون الأولى,ص96.
[7] د مصطفى النشار:تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقى,المجلد الأول,  ص71.
[8] وهذه الفكرة الموجودة فى الحضارات اليونانية والوثنية, مصدرها الشريعة التى كان يُعلم بها موسى النبى, فحينما بدأت البشرية فى الإبتعاد عن الله.أخذت تضيف وتؤلف عن المعتقد السليم,حتى ظهرت الوثنية.التى تؤمن بتعدد الألهة,وأبناء للألهة.رغم إن شريعة موسى تُعلم بإله واحد,وتُعلم بظهورات أقنوم الابن(راجع مقال المسيح هو الميتاترون, المؤلف).
[9] الإيمان بالثالوث:مرجع سابق,ص96.
[10] المرجع السابق,ً198.
[11] إستخدم ق.أثناسيوس كلمة مُلحد,اى غير مؤمن بوجود الله,وليس معنى كلمة كافر هُنا مثل ما هو مُتعارف عليه فى المجتمع العربى الحالى.
[12]  ق.أ ثناسيوس الر سو لى :الشهادة لألوهية المسيح,ص41-42.
[13وماس.ف.تورانس.ص178.
[14] الإيمان بالثالوث,مرجع سابق.ص99.
[15] أى:مُصطلحات لغوية مُعينة كانت سائدة فى هذا العصر.
[16] الأب فاضل سيداروس:يسوع  فى تقليد الكنيسة,54.
[17] الإيمان بالثالوث, ص100.
[13وماس.ف.تورانس.ص178.
[19]  ق.أثناسيو س الر سو لى :الشهادة لألوهية المسيح,ص41-42.
[20] ق.كيرلس الإسكندرى:حوار حول الثالوث,ص104.
[21] الأنبا إبرام:شرح قانون الإيمان\دراسات عقائدية, ص18.
[22] لاهوت المسيح عند آباء ماقبل نيقية,ص21.
[23] الآب أنتونى م.كونيارس:الأر ثوذكسية قانون إيمان لكل العصور,ص110-111.
[24] هُناك علم إسمه تاريخ العقيدة,وهو يهتم بتطور المصطلحات اللاهوتية,وكيف مارست الكنيسة هذه العقيدة.
[25] الروح القدس,الرسالة الأولى, فقرة28.
[26] المرجع السابق, فقرة33.
[27]The History of the Primitive Church, Vol 2. p. 539 - 564.
ANF,Vol.I,P.469. [28]
[29] لاهوت المسيح عند آباء ماقبل نيقية,ص21.
[30] المرجع السابق ص22.
[31] المرجع السابق
[32] القس يوسف وديع:مولود غير مخلوق.ص67.
[33] راجع قوانين الإيمان المسيحية.
[34] الأنبا إبرام:شرح قانون الإيمان\دراسات عقائدية, ص18.
[35] الخولاجى, ص93 .
[36] القمص تادرس يعقوب ملطى: تفسير سفر المزامير.مز110.
[37] إيبوذياكون سينوت دلوار شنودة:قانون إيماننا المسيحى,مجلى مدارس الأحد,السنة62, الععدد السابع, ص42, 43.