2015/12/17

الحلول المُتبادل.(المعنى والإصطلاح لغوياً)الجزء الأول



الحلول المُتبادل\الاحتواء المتبادل

Perichoresis\ περιχώρησις

  •    هو مُصطلح لم يأتى فى الكتاب المُقدس إطلاقاً,ولكن نجده بوفرةٍ فى كتاباتٍ عدة لآباء الكنيسة,ورغم إنه لم يأتى فى الإنجيل,إلا إننا نجد لهذا المفهوم صدى فى كتابات ق.يوحنا اللاهوتى,فنجده يُشير إلى هذا المُصطلح . حينما  قال الرب:ـ{ أنا في الآب والآب في }(يو14: 10).وأيضاً {لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِداً، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي}.(يو21:!7). و{آمنوا بالأعمال، لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه} (يو10: 37، 38).
  • هذه العلاقة بين الثلاثة أقانيم,وصَفها الآباء كونها"حلولٍ مُتبادل"فالآب فى الابن والابن فى الآب,والروح القدس شريكاً فى هذا الحلول,ولأن الثلاثة أقانيم مُتساوية.فهذا الحلول بالتبعية يكون مُتبادل.فالتبادل يأتى نتيجة لهذا التساوى,
  •   Perichoresis) )هو مصطلح يونانى الآصل ,تم إستخدامه لوصف العلاقة بين الثالوث ,ويمكن تعريفه بعدة معانى مثل[السكنى,المشاركة,الملازمة,التداخل,التبادل][1].
  •     وهو مُصطلح مكون من مقطعين[(περιويُعنى حول),( χωρέω ويُعنى إفساح طريق[2])]وإضافةperiإلى كلمةchoresisيدُل على الحركة,فيكون المعنى حركة ملفوفة,أو رقصة دائرية[3].
  • وتم إستخدام هذا المُصطلح من قِبل آباء الكنيسة,لوصف العلاقة القائمة بين الثلاثة أقانيم,لتدُل على الحلول الأبدى,والإحتواء المُتبادل,والسُكنى المُتبادلة للثلاثة أشخاص , فيما بينهم البعض,مع وحدة الجوهر الإلهى [4].
  •    كما يُشير  إلى علاقة مُتساوية بين كل من الثلاثة شخوص فى جوهر الله ,فلايُمكن بأى شكلٍ من الأشكال أن نفهم كما فهِم الأريوسيين,ونقول إن هُناك أفضلية أو تميز بين أقنوم على الأخر,وإن شئنا التميز فيكون من خلال"التوظيف الأقنومى"فقط.
  •    وحينما نقول إن هُناك تساوى بين الأقانيم ,فهذا نتيجة لكون المُصطلح يأتى للتعبير عن "الزمالة المُتساوية"كما يُعبر عن الحُب والوئام والتساوى وحميمية العلاقة.التى يصعُب على- الإنسان- فهمُها.وهذا الوئام يصف العلاقة القائمة بين الأقانيم الثلاثة فى الجوهر الإلهى.ومؤخراً تم إستخدام مُصطلح circuminsession)) متأخراً للتعبير عن نفس الدلالة لكلمة.[5] Perichoresis
  • فإن قولنا إن هُناك شركة بين الأقانيم,وهى شركة قائمة على الحُب والتناغم, فإعطاء الذات بشكلٍ كامل(الحلول)هو شركة.فكل إقنوم يحل فى الآخر حلولاً بشكلٍ مُتبادل,وهذه الشركة يُعبر عنها اللاهوت الأرثوذكسى بكلمةperichoresi.وهذا المُصطلح يُمكن ترجمه بمعنى"الإستيعاب المُتبادل[6].
  •    ويُمكننا إستخدام هذا المُصطلح "كفعل وإٍسم"فحسب اللغة اليونانية يُعنى"رقصة", و لكن حديثاً تطور هذا المعنى ,وإستخدمه الآباء,بمعنى"الحلول والإحتواء"والأفضل لاهوتياً إستخدامه بمعنى"حلول"لآنه يُعبر بطريقة أو بأخرى عما قاله المسيح فى علاقته بالآب{أنا فى  الآب ,والآب فى}(يو10:14),( يو21:17-23).
  •    فيحتوى كل شخص الأخر,ويظل كل شخصٍ منهُم له ذات الجوهر الذى للآخر(homoousios).فلم يعُد الأمر مُجرد حضور مُتبادل بين طرفى العلاقة,بل بين طرفين لهُما نفس ذات الجوهر, كُل منهم هو"هوموأوسيوس"بالنسبة للآخر. وكان لهذا المُصطلح دوراً كبيراً فى صراع ق.أثناسيوس مع الأريوسيين,وقبل أثناسيوس إستخدمه العلامة أوريجانوس فى القرن الثانى [7].
  •   بدأ أول إستخدام لهذا المُصطلح فى كتابات ق.غريغوريوس النزينزى[8]. وكان للقديس يوحنا الدمشقى دورٍ مؤثر فى تطوير عقيدةperichoresis.للتعبير عن الزمالة[التوافق]ف [جوهر]الله,بين الآب والابن,فليس فقط إحتضان بعضهم[الاقانيم]بعض,بل تُفيد التداخل بين بعضهم البعض,والسكنى,وتعبير عن الحب المتبادل,تُعنى إن بعضهم يتنفس الآخر....فمِلِكات ووظائف الاقانيم الثلاثة منفصلة[9].لكل شخص فى الثالوث[10]. 
  • ووجود الابن فى الاب,والاب فى الابن يجب ان يُدرك كالاتى:الابن ياتى من جوهر الاب بدون ان ياتى مثل المخلوقات من العدم,ووجوده ليس من الخارج لكنه هو ذاته مولود من جوهر الاب مثلما يخرج الشعاع من النور او النهر من نبع ماء,ولذلك يستطيع اولئك الذين يرون الابن ان يروا الآب ايضا .ويدركوا منه الملمح الخاص لذاك الذى ولده ,بمعنى انه بسبب ان كيان الابن بالكامل ياتى من جوهر الآب ,هكذا هو كائن فى الاب والعكس ايضا الاب كائن فى الابن ,لان الابن هو ابن بحسب الطبيعة.  وهو الله الكلمة الذى اتى من الآب .بمعنى ان الآب يوجد فى الابن مثل الشمس فى الشعاع الاتى منها, والعقل فى الكلمة ,والنبع فى النهر الذى يتدفق منه, فلأن الملمح الخاص  لجوهر الاب وهيئة الالوجية  توجد فى الابن,لذا يظهره  للكل فى ذاته لكن يجب ان ننتبه , ونعرف ان المخلص قال هذه الاقوال عن عمد شديد لانه قال"انا والاب واحد",مريداُ ان يظهر تطابق طبيعة الآب وطبيعة ذاك الذى ولده. حتى لا يظن أحد ان الابن والاب يتميزان فقط بالاسماء دون ان يكون كيانين-اقنومين-شارحاً بالضرورة هذا الذى قاله, جاعلاً إياه فيه ولكى يظهر  تطابق الالوهية ووحدة الجوهر وبإن الواحد كائن فى الاخر,ولا يعنى انه واحد فى العدد يدعى احياناً آب ,واحياناً يدعى ابن, بل أظهر بأكثر وضوحاً إن الآب كائن حقاً وكذلك الابن أيضا[11].
  •     ويقول ق.غريغوريوس :[كل ما يُرى فى الآب يُرى فى الابن,وكل ما هو للابن هو للآب,لان الابن بجملته يسكن فى الآب . وهو(الابن)فيه الآب بجملته وعلى ذلك فإن أقنوم ὑπόστᾰσις)) الابن كما لو كان هو هيئة ووجه( και πσωπν  μορφῇ) معرفة الاب, كما ان اقنوم الاب يُعرف فى هيئة الابن ولكن الخواص المميزة لكل منهما انما ترجع الى التمايز الواضح الذى لاقنوميهما ὑπόστᾰσις))[12].
  • وحينما تسأل الآريوسيين وإستخداموا نص(يو10:14)فى إثبات هرطقاتهم ,رد عليهم ق.أثناسيوس بقوة.إذ يقول:ـ "عندما يقول [ أنا في الآب والآب في ] فهذا لا يعني كما يظن هؤلاء أن الواحد  يفرغ ذاته في الاخر ليملأ الواحد منهما الآخر .كما يحدث فى الآوانى الفارغة,حتى أن الابن يملأ فراغ الآب ، والآب فراغ الابن ، وكأن كلاً منهما ليس تاماً ولا كاملاً في ذاته.فهذه هى خاصية الأجساد,لأن مجرد ذكر مثل هذا القول.هو أكثر من الكفر.لان الرب  هو تام وكامل.والابن كذلك هو ملئ اللاهوت.وما يحدث مع القديسين عندما يحل الله فيهم.ويقويهم,هذا لا يحدث فى حالة الابن,إذ هو قوة الآب وحكمته.فالمخلوقات باشتراكها فى الابن .تتقد فى الروح.أما الابن نفسه فهو ليس ابناً بالمشاركة.بل هو المولود الذاتى للآب[13]."
  •     بالنسبة للفكر اللاهوتى النيقى فإن العلاقة المتبادلة فى المعرفة والوجود بين الآب والرب يسوع المسيح تُشكل الأساس الكيانى لمعرفتنا نحن لله,لآنه فى هذه العلاقة ومن خلالها تصير معرفتنا لله الآب  متأصله,بشكل موضوعى,قد أعطينا الوصول الى معرفة الله وفقا لما هو فى ذاته وبالاضافة الى ذلك فاننا على نفس الأساس نعرف ان الروح القدوس الذى ياتينا من الاب بواسطة الابن كروح الاب وروح الابن. هو فى ذات جوهر الله الواحد لانه توجد علاقة متبادلة فى المعرفة والوجود بين الروح القدوس والاب وبين الروح القدوس والابن كما هى بين الابن والآب[14].




النعمة معكم
مينا فوزى



[1] McGrath, Christian Theology:An Introduction, 3rd ed. (Blackwell, 2001), p. 325.
[2] ومن ضمن المعنى الخاصة به "التناوب"أو"الإلتفاف"
[3] Fr. John Hardon's Modern Catholic Dictionary, Eternal Life. Used with permission.
[4] Ibid
[5] Cross, F.L.; Livingstone, E.A., eds. (1974). "Circumincession". The Oxford Dictionary of the Christian Church (2 ed.). Oxford: Oxford University Press.
[6] من رسائل الأب صفرونيوس: حركة المحبة فى الثالوث.ص33.
[7] AGAINST PRAXEAS ,PG XIV : 1308
[8] Prestige, G.L. God in Patristic Thought SPCK (1964) p. 291
[9] إنفصال الوظائف المقصود به التمايز الأقنومى لكل منهم عن الآخر,مثل التمايز بالآبوة والبنوة والانبثاق.راجع ما سجله ق.باسليوس عن علاقة الابن بالاب.
[10] Catechism of the Catholic Church (CCC) IV. THE DIVINE WORKS AND THE TRINITARIAN MISSIONS
[11] القديس كيرلس الاسكندرى:الكنوز فى الثالوث. مؤسسة القديس أنطونيوس,مراجعة وتقديم وتعليقات دكتور جورج عوض ابراهيم ص168,
[12] الآب جورج الأنطونى:مسأئل لاهوتيه.الفصل ال11,للقديس غريغوريوس ص209,وراجع أيضاً الإيمان بالثالوث.
[13] المرجع السابق.ص210.
  [14]Athanasius,Ad Ser.,1.17;Ad Jov.,4,etc.;Basil.De Sp.St.18.47;Gregory Naz.,Or.,6.13;25.17