2019/05/05

أباءٌ بلا أبوةٍ


  •  لازالت صورة (أبونا) المتنيح القمص بيشوى كامل, وهو متعلق بأحدى السيارات التى اختطفت بنت من (بناته) عالقة بمخيلتي,تلك البُنَيّةٌ(شابة صغيرة) التي تركت المسيح، فما كان من أبونا بيشوى إلا وأن يركض مسرعًا ممسكًا بالسيارة متعلقًا بها غير عابئ ٍ بما سيصيبه إن أسرعت.
  •  وقد حدث ما (لم يكن) يخشاه وأخذت السيارة بجَرِّه فى الشارع, واستمر (الأب) مُمسكًا بالسيارة, وكل هذا كى لا يترُك ابنته تضيع....ولم تَضِعْ البُنَيَّةُ بسبب ذلك الراعي الصالح! حقًا كان مثالًا للأبوة وللراعي الصالح الذي علي صورة سيده .. 
  •  أتخيله وهو أمام عينيه مثال (الثالوث القدوس), الذي تعلم منه كيف يُحب وكيف تكون الأبوة, بل وكيف يكون الراعى راعيًّا وليس أجير. فأرثوذكسيًا, حينما نتحدث عن شئ روحى أو عقيدى, فلا مناص من أن ننظر إلى الثالوث كمثالٍ وقدوة. 
  • فحينما يُحب الإنسان, فهو يُمارس ما جعله الثالوث فى طبيعته مثالًا لنا, وحينما يشعُرالإنسان بالعطف والحنو, فلا مثالٍ ولا قدوة له غير الثالوث, وعندما يُصبح المرء منَّا أبٌ, فهو يأخذ من الله الآب مثالًا له... 
  • ولكن حينما يبتعد الإنسان عن هذا المثال, وحينما يُغَيِّبُ(هو) الله عن عينيه, نجد صورةً مشوهةً لكل ما يقوم به .فحبهُ هو صورةٌ مشوهةٌ للحب, وأبوته أيضًا لا تمُتُّ لأبوة الآب بأيِّ صلةٍ بل هي في حقيقتها مَحْضُ إساءة لكل أبوة ..  
  • لذلك تحرص الكنيسة دومًا على رسامة " آباءٍ " لا "موظفين"..." رعاةً " لا " مأجورينَ" فالأب هو راعٍ يهتم بأبناءه (أي الرعية ) كما يهتم بأبناءه بالجسد , فعنده لا فرق بين ابن بالجسد وبين ما وكَّلتْه الكنيسة عليه كأب. 
  • أما الموظف والأجير فلا هَمٍّ له سوى: منصبه, وراتبه, فها هو الان فى الوظيفة التى كان يحُلم بها, فقد ضَمِن المُرتب الشَّهرى, وضمن منصبًا يتباهي به أمام الناس, وتَنَاسَي خدمته لكهنوت المسيح ,محولًا إيَّاها إلى كهنوته الشخصى ضاربًا بالمسيح وبالرعية التي اقتناها بدمه عرض الحائط ! 
  •  بئس هذا الأب وهذه الأبوة التى إن وجدت الرَّعية " جُنَيْهًا " لأكلته !...بئس هذا الراعي الذي يدفع الرعية دفعًا إلي خارج حظيرة المسيح، بئس الكاهن الذي صار نموزجًا لقيافا ومرآةً لحنان ..... 
  • فبدلًا من نموزج أبونا بيشوى كامل وأبونا ميخائيل ابراهيم صرنا نري الآن نموذجًا ( لكاهن البيزنس) , الذى لا هَمًّ له سوى الوظيفة وراتبها (وما وراء راتبها) , أمَّا رعية المسيح التي هو وكيلًا عليها, فلا قيمةَ لها عنده!
  •  والأدهي والأَمَرُّ أنه يجاهد لتوريث ( وظيفته ) لابنه الذي هو علي نفس شاكلة أبيه , كما لو كانت الكنيسة عبارة عن " التركة أو العزبة " التى ورثها من أبيه...ولكن هيهات !!!. 
  • أشدَّ ما يحزنني أنني أتخيل نفسي أشاهد (الآن) انتهاء جيل أبونا بيشوى كامل, ممن كان يذخر بهم التاريخ المجيد لكنيستنا, و إتيانَ يومٌ يصبح فيه هؤلاء العظماء مُجرد (أساطير أو حَكَايَا ) نتحاكي عنهم ونتأوه لغيابهم.
  •  وكأننا لن نراهم أو نري مثلهم سوى فى فيلمٍ أو قصةٍ, فلا وجود لهم فى أرض الواقع, وتتحول الكنيسة بسبب كل أجير من "مشفىً للمرضى" كما يُسميها يوحنا الذهبى الفم إلى "مغارةِ لصوصٍ" كل هَمِّ من فيها (من أُجَرَاءٍ) هو التَّرَبُّحُ من منصبه والسمع والطاعة له من شعب كنيسته , وإلَّا فبكيفية إلجام الشعب المسكين! , وإن إستدعى الأمر فلا يسلم الأمر من تهديدهم (بفضيحةٍ) ,أو بالتَّعدِّى عليهم (بالضرب) و(هذا ما قد حدثَ بالفعل) !. فأين الأبوةَ ؟!.... هل ولّى زمانها؟!, 
  • واليوم لن نرى سوى من هم علي شاكلة ذلك الثعلب المُفسد للكروم؟! نرى كل من يُفكِّر فى ذاته , كل من يجتهد ليجعل نصيب المُشتهى برية خربة (إر10:12)؟! فويلٌ لذلك الراعى الباطل البطَّال, تاركُ الغنم, ويلٌ له, فالسيف على ذراعه وعلى عينه, وذراعه ييبس يبسًا, وعينه تكلُّ إلى التمام ( زك17:11. 
  • ختامًا أود أن أوضح إننى لا أُدين الكنيسة, بل أُدين نماذج بعينها دخلت خُلسةُ إلى الكنيسة. عزائي إن الكنيسة مازال بها قاماتٍ روحية تهتم بالرعية وترعاها تمام الرعاية, وعلى رأس هؤلاء قداسة البابا تواضروس الثانى, أطال الرب حياته ونفعنا بصلواته...
 يتبع....