2016/07/08

الإستحقاق وتناول المرأة الحائض,الجزء الثانى





  • لقد خلق الله الإنسان ومعه بقية الخليقة ورأىء خليقته إنها حسنة ,اما فى الإنسان فراىء إنه حسن جداً, وليس هذا مدح من الرب لصنعة يده بقدر إعجابه وحُبه بالإنسان مثلما تقول الأم لإبنها أنت جميل جداً, فهذا حُب وفرح من الأم بإبنها,وهكذا كان سرورالله وفرحه بخليقته الجميلة.
  • فبعد ما كانت الخليقة طاهرة والإنسان إبناً لله, فقد الإنسان كل هذا بالخطية التى دخلت إلى طبيعته, وهُنا لم تعُد الخليقة الجميلة والجميلة جداً كما خلقها الله,بل لم تعُد جميلة, فقدت نقاوتها ولم تعُد مُستحقة أن تكون ضمن رعية وبنوة الله[1]
  • فقدت الخلقية عذراويتها وفسدت, لقد رجعت الخليقة إلى الفساد كما يقول ق.أثناسيوس[2],لقد دخل الموت بواسطة الخطية فى الإنسان الأول الذى خُلق كبداية للجنس البشرى, وبعد ذلك انتشر الموت منه(الإنسان الاول)إلى كل الجنس البشرى[3].
  • وسقطت مُستحقات الخليقة التى كانت لها أحقية فيها, ولم يعُد لها عين تُطالب بأى مُستحقات, وإجتاح الموت كيان الإنسانية[4] فلم تعُد النقية نقية, ولم تُعد الجميلة جميلةً بعد,يصفُها الكتاب قائلاً" ها إِنَّ القَمَرَ نَفْسَه غَيرُ مُنيرٍ في عَينَيه والكَواكبَ لا نَقاءَ لَها  فكَيفَ إِذًا الإِنسانُ الدُّودة وابنُ آدَمَ اليَرَقانة؟"(ايوب5:25-6). وأيضاً "السَّمَواتِ غَيرُ طاهِرَة في عَينَيه."[5] (أيوب15:15)
  • ولم يجتاح الفساد الإنسان وحده, بل إن الخليقة لها أيضاً نصيب فى هذا الفساد, فقد لعن الرب الأرض(تكوين17:3)" فمَلْعونةٌ الأَرضُ بِسَبَبِكَ"والسبب كان الإنسان.وبسبب هذه اللعنة فالخليقة تَئِنُّ إِلى اليَومِ مِن آلامِ المَخاض,لذلك يقول ق.بولس الرسول:" هي أَيضاً ستُحَرَّرُ مِن عُبودِيَّةِ الفَسادِ لِتُشاركَ أَبناءَ اللهِ في حُرِّيَّتِهم ومَجْدِهم"(رومية21:8-22)[6]
  • فمَن مِن الخليقة مُستحق؟ فحينما يقول بولس الرسول: إن من يأكل ويشرب بدون إستحقاق يكون مُجرماً, فدونية وعدمية الإستحقاق تسيرُ فى سياق الخطية والفساد وليس الحديث أو الكلام عن إفرازات الرجل أو المرأة, وإلا أصبح الرب هو السبب فى عدم الإستحقاق.وحاشا لله أن يكون هكذا.
  • إنما حديث بولس هُنا ليس عن من يستحق أو من لايستحق التناول من جسد الرب ودمه, لأن من يستحق أن يتناول من الأساس؟, ولكن بولس يتكلم عن من يتقدم للتناول بإستخفاف وإستهانة.فالكلمة اليونانية المُستخدمة فى قول بولس ἀναξίως وهى تُعنى:[شكل مُهين, بطريقة لا تليق][7]
  • ولم يكُن الحديث عن طهارة جسدية بل كُل الحديث عن الإستهانة بجسد الرب ودمه, والإستهانة والإستخفاف لا تكون إلا من خلال التقدم للسر وفى القلب خطية لم نُقدم توبة عنها, وللإستهانة أوجه كثيرة منها كما ذكرنا الخطية, وبالعودة إلى الخلفية الحضارية لما قاله بولس نكتشفُ إن هُنا نوعاً أخر من الإستهانة قام به بنو كورنثوس آنذاك.
  •  لقد كان أغنياء كورنثوس يُميزون أنفسهم عن الفقراء, داخل الكنيسة,وبعد ما كان عشاء الأغابى يتم من خلال الشركة والشراكة, أصبح كل واحد له عشاءه الخاص(عدد21), فكان توبيخ ق.بولس لهم:" أَفلَيسَ لَكم بُيوتٌ تَأكُلونَ فيها وتَشرَبون، أَم إِنَّكُم تَزدَرونَ كَنيسةَ الله وتُهينونَ الَّذينَ لا شَيءَ عِندَهُم؟ فماذا أَقولُ لَكم؟ أَأُثْني علَيكُم؟ لا، لَستُ أُثْني عَلَيكُم بذلك.".
  • وفى ضوء عادات أهل كورنثوس السيئة يقول د كريج.س.كينر: "يأكل ويشرب بدون استحقاق هُنا يُشير إلى الأكل بالضمير الطبقى الذى يقسم الكنيسة...وهم يرفضون أعضاء آخرين من جسد المسيح "الكنيسة" فإنهم يرفضون النعمة المخلصة التى مصدرها جسده المتمثل فى الخبز(24:11)[8]
  • وبالرجوع إلى التاريخ نكتشفُ إن الكنيسة كانت تُقيم وليمة الأغابى قبل الإفخارستيا,ولسببٍ ما تم إستبدال أسبقية الإغابى بالإفخارستيا, فأصبحت هى الأولى[9],وما يؤكد ذلك ما قاله ق.بولس:" وصَنَعَ مِثلَ ذلكَ على الكَأسِ بَعدَ العَشاء(حسب ترجمة الفاندايك بعد ماتعشوا)وقال: «هذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي. كُلُّمَا شَرِبتُم فاصنَعوه لِذِكْري"(1كو25:11)[10],
  • ففى قوله"بعد ماتعشوا"تُشير إلى الطقس اليهودى فى تناول عشاء الفصح القديم,الذى كان رمزاً للفصح الجديد..قدم لهم دمه للعهد الجديد, حيث ختم العهد مع البشرية لابدم حيونات بل بدمه[11]
  • وما يؤكد إن الإفخارستيا كانت تُقام بعد الأغابى هو إن الليتورجية قديماً,وبالتحديد فى مصر,كان يبدأ بقول الكاهن"الرب مع جميعكم"ثم"أرفعوا قلوبككم"ثم"فلنشكر الرب", وهُنا تبدأ صلاة الإفخارستيا بالشكر[12] أو بصلاة الشكر, وهذا يُشير إلى أنه قبل ذلك كانت وليمة الأغابى,التى لما انتهت بدأ الأسقف بصلاة الإفخارستيا(على الكأس) [13].
  •  إذا حينما يقول ق.بولس"إِذاً أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِماً فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ."(حسب ترجمة فاندايك), فحينما يقول ذلك يكون القصد ولائم المحبة التى كانت تُقام وكان الأثرياء يجتمعون لا من أجل الأغابى والمحبة بل من أجل التفاخر,والتحزب,وبناء على تكتُلات أثرياء كورنثوس فيكون هُناك فى الكنيسة جياع وعطاش وأخرون سكيرون(راجع عدد21إذ يقول فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ)..وكان الأغنياء يأكلون الكثير والفقراء يظلون جائعيين[14]
  • وبناء على الخلفية الحضارية لحديث ق.بولس, فعدم الأستحقاق الذى يقصده  هُنا هو التقدم للإفخارستيا بإهتمام بالغ للذات وعدم وجود محبة فى قلوب الأغنياء تجاه الفقراء الجياع والعطاش,
  • لنا أن نتخيل وضع كنيسة كورنثوس المؤسف,إذا كانت كنيسة مُنقسمة وبها أحزاب,حزب الفقراء الذين لا قوتٍ لهم,وحزب الأغنياء الذين يأكلون ويشربون,ولايتوقفون حينما يصلون للكفاف , بل يستمرون فى الأكل والشرب حتى الثمالة,لذلك وصفهم بولس إنهم"يشربون حتى السُكر "
  •      ومَن مِنا إذا فحص نفسه لايجد فى قلبه عدم محبة؟مَن مِن يرى فى نفسه الإستحقاق من التناول من جسد الرب ودمه؟فحينما يقول ق.بولس الرسول: " وَلَكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ."فنتيجة لهذا الإمتحان الذى نقوم به قبل التناول,تكون نتيجته إننا غير مُستحقيين أن ندنوا من هذه المائدة.ولا نحنُ ولا حتى أعظم قديسى الكنيسة.

  • فوليمة الأغابى هى المسيح,والمسيح هو قُدس الأقداس, ومن يقدر أن يدخُل قدس الأقداس, فحينما يقول دانيال: " ومَسْحَ قُدُّوسِ القُدُّوسين""(دانيال24:9)كان يقصدُ"قُدس الأقداس", فلا فرق بين المُصطلحين فى اللغة العبرية, لافرق بين "قدوس القدسين" وبين"قُدس الأقداس". קֹ֥דֶשׁ קָֽדָשִֽׁים[15]

  • ومن الغريب إن قُدس الأقداس, لايدخله إلا "رئيس الكهنة"ولايدخُله إلا مرةٍ واحدة فى السنة,وإن كان المسيح هو الكاهن الأعظم ورئيس الكهنة(عبرانيين1:8)[16],فهو الشخص الوحيد الذى له القدرة أن يقترب ويدخل قُدس الأقداس, لأنه هو الشخص الوحيد الذى أصبح خادماً للأقداس والمسكن الحقيقى(عبرانين1:8).

  • وهُنا نقدر أن نقول إننا جميعاً ممنوعين من الأقتراب من جسد الرب ودمه(قدس الأقداس), وأصبح المسكن الحقيقى(خيمة السماء, وقدس  الأقداس الحقيقى)أمراً مُحرماً علياً, فمن يستحق[؟]ولكننا فى المسيح يسوع أصبح لنا الأحقية من التناول,وأن ندنوا من قُدس الأقداس, ومن دخول السماء.

  • وحسب المفهوم الأرثوذكسى فسر الفداء لايُمكن أن يتوقف عند صلب وموت الرب, إنما موت الرب محطةٍ واحدة فى طريق التدبير الإلهى,الذى يبدأ بالتجسد ويكتملُ بصعوده للسماء لذلك يقول ق.بولس: " دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً"(عبرانين9:12).

  • فحينما إجتاز المسيح هذه المحطات كُنا نحنُ فيه, وحينما دخل الأقداس كُنا فيه, لذلك يقول ق. أثناسيوس الرسولى: "لكى نرتفع نحن فيه وندخل أبواب السماء التى افتتحها هو أيضاً من أجلنا[17] فى هذا السياق يقول ق.كيرلس الكبير: " اننا فيه ندخل السماءايضا نظهر امام الرب"[18]

  • لذلك فأحقيتنا لاتكون من ذواتنا بل من خلال الرب يسوع الذى نحنُ فيه, ومن خلال ذلك نقدر أن نُصلى قائليين :"أنت يارب تعرف إنى غير مُستحق ولامُستعد ولامستوجب لهذه الخدمة المقدسة التى لك,وليس لى وجه أن أقترب وأفتح فاى أما مجدك المقدس, بل ككثرة رأفاتك إغفر لى أنا الخاطئ,وإمنحنى أن أجد نعمة ورحمة فى هذه الساعة"[19]

  • ففى المسيح يسوع أصبح لنا القدرة أن نقترب من قُدسه, وأصبح عدم إستحقاقُنا مُستحقاً, لقد بدل المسيح بفداءه وخلاصة الخليقة الفاسدة والمائتة واعادها إلى سابق عهدُها, كما لو كانت مخلوقةٍ حالاً أيام آدم وحواء, طاهرة ونقية, لافسادٍ فيها ولا دنس,
  •   خليقة جديدة أتمها الرب فى المعمودية, ورأىء الإنسان مرةٍ أخرى إنه حسن جداً, فالمعمودية هى إعادة صياغة نص الخلقة المذكور فى سفر التكوين, لذلك بالمعمودية نعود إلى ما كان عليه أدم من حالة نقاوةوطهارة, وربما حالةٍ أفضل من حالة آدم
  • لذلك بعد المعمودية, وبعد الثبات فى المسيح يسوع وبعد الخليقة الجديدة لايُمكن أن نتعامل مع الطامث كما لو كانت تحت ناموس الخطية,ونحسبُها نجسة ,فالخليقة الجديدة هى خليقةٍ تُشبه خلقة الله الأولى[20] ,شبيها لحالة أدم وحواء قبل السقوط,وقبل السقوط لم يكُن هُناك نجاسة أو دناسة. لذلك حسب المفهوم الأرثوذكسى معيبُ ومُهين أن نتعامل مع المرأة (الخليقة الجديدة) كما لو كانت لم تتعمد(تُخلق من جديد)بل علينا أن نُعاملها كأنها مخلوقة وليس به خطية,
  • وبناء على ما قُدم فقد ثبُت إن إستخدام البعض لأيات ق.بولس عن التناول بدون إستحقاق, فهو إستخدام غير دقيق بالمرة, وعلينا أن نعلم إننا الخليقة الجديدة..




النعمة معكم
مينا فوزى

[1] إرتبطت البنوة فى العهد القديم بالخلقة.
[2] فإن البشر الذين رجعوا إلى الفساد بالمعصية يعيدهم إلى عدم الفساد ويحييهم من الموت بالجسد، الذي جعله جسده الخاص، وبنعمة القيامة يبيد الموت منهم كما تُبيد النار القش.(راجع ق.أثناسيوس:تجسد الكلمة4:8)
[3] تفسير ق.كيرلس الكبير لنص(رومية12:5)
[4] راجع نص رومية5:12
[5] جميع النصوص مقتبسة من الترجمة الكاثوليكية.
[6] وفى هذا الصدد يقول ق.يوحنا ذهبى الفم: " الآن ما هي هذه الخليقة؟ إنها لا تعنيك أنت وحدك، وإنما معك أيضًا الخليقة الأدنى، التي لا تشترك معك في العقل أو الحس، هذه تشاركك بركاتك...ستعتق من عبودية الفساد، بمعنى أنها لا تعود تصير فاسدة، وإنما تتمشى جنبًا إلي جنب مع الجمال الذي يُوهب لجسدك. فكما أنه عندما صار جسدك فاسدًا فسدت هي أيضًا، هكذا الآن إذ صار جسدك غير فاسد تتبعه هي أيضًا. وإذ يعلن الرسول هذا يبلغ إلي النتيجة: "إلى حرية مجد أولاد الله"، فتتحقق حريتها."(راجا القمص تادرس يعقوب ملطى: تفسير  رسالة ق.بول إلى أهل رومية, ص167)
 Strong dictionary definition, Num;371.[7 ]
[8]كريج.س.كينر الخلفية الحضارية للكتاب المقدس ,العهد الجديد,ج2,ص164
J.Jeremias,Euch.W.of Jes.,p.116[ [9
[10] لقد كان ق.بولس يعتمد على إنجيل ق.مرقس المرافق له,معتبراً أن تسليم ق.مرقس من الرب يكون هو هو تسليم بولس من الرب(راجع الآب متى المسكين:الإنجيل بحسب القديس مرقس, دراسة وتفسير وشرح,أول وأقدم الأناجيل,ص553-554).
[11] القمص تادرس يعقوب ملطى: رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس, ص380
[12] فبعد خروج الموعوظين كان الشمامسة يعلنون مرة أُخرى"الأبواب الأبواب", فيقوم حارسوا الأبواب بغلقها,ويمنعون أى دخول,ولو كان على الباب مؤمناً,ثم تبدأ صلاة الشكر أى الإفخارستيا...ويبدأ القداس بالتحية الليتورجية المتبادلة بين الكاهن والكنيسة(راجع الراهب أثناسيوس المقارى.القداس الإلهى سر ملكوت الله,ج1,ص172.
[13] الآب متى المسكين: الأفخارستيا عشاء الرب,بحث فى الأصول الأولى لليتورجيا,ومدخل لشرح القداس وتطوره من القرن الأول حتى عصرنا الحالى, ص299-302.
[14] الكتاب المقدس الدراسى,ص2770.
[15] القس عاطف المرفوض: قاموس العبرية الكتابية المُصغر,ص112-114.
[16] فحينما يقول بولس"لنا رئيس كهنة مثل هذا إنما يقصد أن يقول أنظروا فهذا هو رئيس الكهنة وقد ملك حقاً(راجع الآب متى المسكين: الرسالة إلى العبرانيين,شرح ودراسة ,أغنى الرسائل فى التعرف على شخص المسيح, ص489
Against the Arians Disce.1.41[ 17]
[18] الكنز فى الثالوث,مقالة20.
[19] صلاة الصُلح,يتلوهاالكاهن سراً.
[20] وتؤكد الديسقولية على ذلك اذ تقول"إنك تهدمين بافكارك معمودية الله الكاملة التى محت تماما خطاياك"وفى موضع اخر نقرأ" فإن كنت أيتها المرأة المقيمة فى الدم سبعة أيام (تفتكرين) أنك مقفرة من الروح القدس لهذا السبب ,فإنك إذامت بغتة، تذهبين و قد صرت غريبة من الروح القدس، و تعوزك الدالة و الرجاء الكائن لنا عند الله.  و لكن الروح ساكن فيك، بغير افتراق لأنه ليس بمحصور فى مكان واحد. فيجب عليكى أن تصلى كل حين و تنالى من الشكر (الإفخارستيا) و تغتنمى حلول الروح القدس عليك"(راجع دسقولية الرسل، صفحة 416-417 )