2016/01/12

الأرثوبراكسية




من الأرثوذُكسية إلى الأرثوبراكسية
(لنخرُج من هذا المفهوم الضيق إلى آفاقٍ واسعة )


  • قديمًا استخدم آباء الكنيسة, مُصطلح أرثوذُكسية للتفرقة والتمييز بينهم وبين الوثنيين, وإستُخدمت أيضًا من أجل توضيح ووصف مُعتقداتهم.كلمة أرثوذُكسيةOrthodox تُعنى"صلاة مُستقيمة"أو"تسبحة مُستقيمة", فكلمةdoxa بالأساس تُعنى تمجيد, لذلك دوماً ما نقول (ذوكسا) للثالوث القدوس.
  • الأرثوذُكسية هي" تمجيد,صلاة, تسبيح ",ولكن بشكلٍ مُستقيم,أي إننا نُصلِّي لله الآب,بالابن في الروح القدس,هذه هي الأرثوذُكسية, صلاة مُستقيمة, أي إنها صلاة تخلو من أي بُغضة وكراهية تجاه الآخر, فعلى المسيحي أن تكون حياتُه كُلَّها"ذوكسا",فأساس حياتِه يجب أن تكون مُستقيمة,وهُنا نصل إلى مفهوم أوسع وأدق للأرثوذُكسية, وهي الحياة المُستقيمة.فكُل مسيحي هو أرثوذُكسي,ولكن ليس كُل أرثوذُكسي هومسيحي..

  • وكيف يسلُك من يُدينُ أخاه,ويسُبُّهُ؟ كيف يسلُك هذا في الأرثوذُكسية؟أين حياة الإستقامة في"سُبابِه, وإداناته"[!],إنه التحوُّل عن الأرثوذُكسية,وأضحت الأرثوذُكسية في الكنيسة,وفي الكُتُب, أمَّا الحياة ذاتِها فلا أرثوذُكسية فيها, إنها خارج نطاق الأرثوذُكسية.
  • إنَّها تقوى زائفة, تُظهر عكس ما تبطُن[!]فلم تعود الكنيسة ذلك المكان  الذي يجتمع فيه أعضاء الجسد الواحد مع الرأس المسيح,بل تحولت إلى مسرحًا,كلٌ في دوره,والجميع مُمثلون,وتحولت الأرثوذُكسية من الحياة المُستقيمة إلى الحياة الزائفة, وأضحَى التاجر يُزيف بضاعته,فأصبحت الأرثوذُكسية هي الأخرى مُزيفة.إنها أرثوذُكسية مُزيفة.تلك الأرثوذُكسية التي يُنادون بها.
  • فبين أرثوذُكسية الآباء وبين أرثوذُكسيتهم هوةٌ سحيقةٌ.وللأسف تشرَّبْنا نحن من أرثوذُكسية هؤلاء,وتناسينا الأرثوذُكسية الأصيلة,لذلك علينا الآن أن ننسلخ من هذه الأرثوذُكسية,علينا أن نُفكر جديًا في"الأرثوبراكسية", أي علينا أن نُمارس الأستقامة,لا أن نُمثلُها.[ فكلمة "أرثو"تُعنى إستقامة,وكلمة "براكسية" تُعني عمل أو تطبيق].
  • فما المنفعة من التفاخر على الآخر إننا كنيسة آبائية,وإننا كنيسة مُستقيمة في الرأى والفكر..إلخ. من تلك الشعارات الرنانة,هذه هي الأرثوذُكسية المُزيفة التي يجب أن نتخلَّى عنها[!]فبدل التفاخر علينا أن نجتهد أن نسير على طريق الآباء,فى خُلقِهم وحياتهم,وتقواهم.علينا أن نعمل ونتعب من أجل مجد الله.مجد الله الغائب.لنعمل من أجل أن نُمجِّد الله في تعبِنا سواء في الخدمة أو الدراسة الدينية أو العامة.
  • لنترُك ميراثًا لأحفادِنا, لعلهم يتفاخرون به, كما نتفاخر نحن بتُراث الأجداد. فالكنيسة اليوم تمُرُّ بمرحلةٍ من أصعب ما يكون, فقديماً كانت تواجه العالم الوثنِي,فوَصَفَتْ نفسها بالأرثوذُكسية لتُفرِّق بينها وبين الوثنيين والهراطقة, ولكن اليوم الكنيسة تواجه نفسَها,لإنها اضحت في إحتياج لمُصطلح يصف حالتَها,ويصفُ ما ترجوه.لذلك فأفضل تعبير عن إحتياجُنا لم يعُد هو"الأرثوذُكسية" بل هو "الأرثوبراكسية" علينا أن نُعيد المُمارسة مرة أخرى للأرثوذكسية فى الكنيسة , فنُمارِس ما نعتقده,ونعتقد ونُصلِّي بما نُمارسه. هذا هو مجد الكنيسة الذي نحتاج أن نُعيدَهُ.
  • لنتخيل إن الكنيسة لايوجد بها سوى عقيدة واحدة, وهي المحبة , وهذه الكنيسة تُمارس الحُبَّ,وتُصلِّي به,وإن كانت مُفتقدة للحُبِّ عليها أن تُصلِّي لكي ما تنال هذه النعمة,فالحُبُّ نعمة,وحينما تترسخ المحبة في وجدان الكنيسة,فكُلُّ خلافتِها ستزول , بل ستُصبح كنيسة أشبه بكنيسة السمائيين,فكما يقول البابا شنودة " كُلُّ قلبٍ عاشَ في الحُبِّ سَمَاك". فما المنفعة من عقيدة مُستقيمة لا تُمارَس,ولايستفيد منها من يؤمن بها؟ لا منفعة,بل هو الضرَرُ بعينِه,والطامةُ الكُبرَى.
  • طامتُنا الكُبرَى إن كُنَّا نتغنى بالحُبِّ والمحبة ولا نُمارِس هذه المحبة,نتصنع الحُبَّ تجاه الآخرين , المُخالفين والمُختلِفين,ونحنُ أبعد ما يكون عن الحُب, ولم نعرف عن المحبة شيئًا ,فالقلب يبطُن ما تخفيه الوجوه, فكيف لنا أن نُحب الله؟ونحنُ لم نُحب بعضُنا البعض؟
  • لقد تحولت عقيدتُنا في الحُبِّ إلى زيف وخداع . نخدعُ به الناس,ونخدعُ به الله, فاحص الكُلَى, نخدعه في مخادعُنا ونقول له إننا نُحبُّه , ونحن لم نُحبُّه بعد! فلا حُب مِنَّا لله إن لم نُحب بعضنا البعض. علينا أن نخرج من قوقعة الزيف والخداع باسم الأرثوذُكسية إلى مرحلة المُمارسة الفعلية للعقيدة الأرثوذكسية.
  • وأخشى أن نصل إلى مرحلة من المرض,ونُصبح مرضى الأرثوذُكسية,وتُصبح أجمل ما فى حياتُنا هو مصدر هلاك لنا, ونبكي على الأطلال "أهلكتنا أهلكتنا,والجانى نحنُ".
  • فإن كان السَّكِّين يُمكن أن يُستخدَم في قتل نفس فهو أيضاً يُستخدَم في إعدادالطعام لشخصٍ جائعٍ, فتحوَّل السَّكِّين من أداةِ قتلٍ وسفكِ دمٍ إلى أداةٍ نقدرُ  بها أن نُحيي نفسًا.
  • هكذا الأرثوذُكسية يُمكن بها أن نقتُل المُخالِف لنا ويُمكن بها أن نُحْيي نفسًا,فأي أرثوذُكسية ننتهجُ نحنُ؟ أرثوذُكسية القتل وسفك الدماء,أم أرثوذُكسية الحياة وحقِّ الجميع في الحياة؟
  • فنقاشاتُنا وحواراتُنا تحتاج لا لأسلوب ومُفردات,بل تحتاج إلى حياة الحُب نعيشُها ,ولا حياة خارج المحبة, لا في نقاشاتِناالدينية فحسْب,بل في مُعاملاتِنا اليومية مع الجميع , مع الله ومع البشر, مع الحيوانات,و مع النباتات ,وكل شئٍ حولُنا,علينا أن نترفق ونُحبه.
  • علينا أن نتعلم أن نُحِبَّ حينما نختلف,ونُحِبَّ حينما نتناقش. فالخلاف شئ واقع في حياتِنا كبشر, لنجعل  أسمى خلافُنا على أخلاقِنا وحُبنا بعضنا البعض.
                              لنُمارس الأرثوذُكسية...لنحيا الحُبَّ.

النعمة معكم
مينا فوزى