2020/10/16

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس (الجزء 4) أهمية الذبيحة وشمولها، تابع لمحة تاريخية سريعة (ب) الحقبة الموسوية


دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12

تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة
تابع ثالثاً: أهمية الذبيحة وشمولها – لمحة تاريخية سريعة
للرجوع للجزء الثالث أضغط هُنــــــــــــــــــا


(ب) الحقبة الموسوية
  • (1) ذبيحة العهد: أولاً يلزمنا أن نعرف ما معنى كلمة عهد، فكلمة عهد في العبرية בְּרית– ب ر ي ت أو بريث: معاهدة، اتفاقية، تحالف، ميثاق؛ أما في اليونانية διαθήκηdiatheke، عهد، وصية، وتُشير إلى قرار يتعذر تغييره، لا يمكن ويستحيل تبديله أو إلغاؤه ...
  • ونلاحظ أن في اتفاقية العهد يوجد شريكان يقبلان عهود إلزامية، وهناك مادة التوثيق التي تحفظ لقراءتها وتنفيذ بنودها، وفيها شهود على بنود هذا العهد، ومن المستحيل العهد ينحل تحت أي سبب أو بند، فالعهد قانوني مُلزِم، ومن خالفه يموت، وذلك ما نراه في البركات واللعنات بالنسبة لحفظ العهد أو كسره...
  • عموماً كانت خدمة موسى النبي الأساسية هي إقامة العهد بين إسرائيل والله, وقد تم هذا عند جبل سيناء. وأساس هذا العهد هو الطاعة. وقد جاءت الشرائع تؤيد هذا، وتعلن أنه لا قيمة لتقديم الذبائح بدون طاعة – كما سنشرح فيما بعد ( أنظر 1صم 15: 22 )، لذلك يقول الرب لهم على فم أرميا النبي: " لأني لم أكلم آباءكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل إنما أوصيتهم بهذا الأمر قائلاً: أسمعوا صوتي فأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً " ( إر7: 21 – 22 ) وبالطبع هنا واضح شرط أن يكون الله إله إسرائيل وأن يكونون له شعب، وهو الطاعة !!!
  • وهذا هو البند الرئيسي في المعاهدة أو العهد الذي أقامة الله مع إسرائيل، فهذا ما نراه حدث، فقد " جاء موسى وأخبر الشعب بجميع كلام الرب ( يهوه ) وأحكامه "، ووافق عليها جميع الشعب " فأجاب جميع الشعب بصوتٍ واحد: " كل ما تكلم به الرب ( يهوه ) نعمل به "، فكتب موسى جميع الأقوال ( كلام الرب يهوه ): " فبكر في الصباح وبنى مذبحاً في أسفل الجبل، ورفع أثنى عشر عموداً بعدد أسباط بني إسرائيل، وأرسل فتيان ( شبان ) بني إسرائيل فاصعدوا محرقات ( للدلالة على الطاعة ) وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران. فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس، ونصف الدم رشه على المذبح. وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب. فقالوا: كل ما تكلم به الرب نفعل ( نعمله ) ونسمع لهُ. وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال: هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال " ( خروج 24: 3 – 8 )
  • وواضح جداً من هذه الفقرة معنى العهد وإلزام الطاعة الذي التزم به الشعب كله، وقد أُقيم هذا العهد على دم توثيقاً له كختم لا ينحل، فالدم يحمل قوة الحياة، فالدم كالحياة يخص الله وحده. لذلك فقد حرم الله بشدة سفك دم الإنسان ( أنظر لاويين 3: 17 ، 7: 26 ، 17: 10 و11 .. الخ )، حتى دم الذبائح فكان يُرش على المذبح، كما كان محرماً شرب الدم أو أكل ذبائح مخنوقة ودمها فيها " لحماً بحياته دمه لا تأكلوه، واطلب أنا دمكم لأنفسكم فقط... سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه، لأن الله على صورته عمل الإنسان " ( تك9: 4 – 6 ). نربط بين هذا وبين قرار مجمع أورشليم للرسل الذين أرسلوه للمؤمنين من الأمم بأن: " يمتنعوا عن نجاسات الأصنام، والزنى، والمخنوق، والدم " ( أعمال 15: 20 ).
  • أما بالنسبة لاستخدام الدم في توثيق عهد، فلم يوجد في أي موضع آخر في العهد القديم سوى هذا الموضوع، ثم في العهد الجديد في قول الرب يسوع المسيح ليلة العشاء الأخير، وهو يُقدم الكأس لتلاميذه قائلاً لهم: " أشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا " ( مت26:ذ   27و28 )
  • عموماً رش الدم الحامل قوة الحياة، القصد منه توثيق وتكريس وتقديس العلاقة بين طرفي العهد. فمن خلال مشاركة الله مع إسرائيل في رش الدم الذي يُمثل الحياة، على كل من طرفي العهد ( المذبح لله، وعلى الشعب ) يتم الارتباط السري بينهما وترتفع حياة الإنسان نحو بُعدٍ جديد من العلاقة الوثيقة مع الله، لأنهم مربوطين برباط دم الصلح وإقامة عهد مقدس جداً مع الرب إلههم ...
  • ونجد أن بعد إبرام العهد والموافقة عليه بالطاعة وتوثيقه بالدم تراءى الرب يهوه بمجده أمام الجماعة المختارة – حسب الأمر الذي أعطاه لموسى في خر 24: 1 ( ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل – خر24: 9 )، " فرأوا الله، وأكلوا وشربوا " ( خر 24: 11 )، وهذه هي وليمة إبرام العهد، لأن ذبائح السلامة قُدمت مع ذبيحة العهد، وذبائح السلامة تستلزم الاشتراك في الأكل منها بفرح وابتهاج أمام الرب، وذلك حسب ما أوصى الله موسى في التثنية: " وتذبح ذبائح سلامة، وتأكل هناك وتفرح أمام الرب إلهك " ( تث27: 7 )، لأن ذبيحة السلامة تُقدم لأجل الشكر على إحسانات الرب التي لا تُحصى ( لا7: 11و12 )، وأهمها الصلح والسلام الذي صنعه الرب مع شعبه بقبوله الدم المسفوك عن خطاياهم ورضاه بأن يرتبط معهم بعهد مقدس، ويصير لهم إلهاً وهم يصيرون له شعباً.
  • (2) الذبائح في خيمة الشهادة: أمر الرب موسى بإقامة خيمة الشهادة في البرية لتكون مركز العبادة لكل الشعب لتكون هي المقدس ومكان سكنى الله ومقرّ لقاؤه، أي مكان حلول الرب ليتجلى وسط إسرائيل ليقيم علاقة مع شعبه الذي أفرزه من كل الشعوب وصنع معه عهداً لا ينحل أو ينفك أبد الدهر، إلا لو تخلوا هم عنه بالعصيان ( كما سبق ورأينا في ذبيحة العهد ) فخيمة الشهادة هي البيت، بيت الرب: " فيصنعون لي مَقْدِساً ( مسكناً مقدساً ) لأسكن في وسطهم " ( خروج 25 : 8 )...
  • وكانت قيمة وعظمة وسرّ خيمة الشهادة ( أي مسكن أو بيت يهوه ) في: مجد حضور الله المهوب المخوف والمملوء مجداً، وسبب تقديس الأمة كلها، لأن بسبب مجد حضور الرب وسط الجماعة، صارت هي الأمة المقدسة: " والآن إن سمعتم كلامي وحفظتم عهدي، فأنكم تكونون شعبي الخاص بين جميع الشعوب... وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمه مقدسة " ( الترجمة العبرية - خروج 19: 5 و 6 )
  • عموماً نجد بعد أن أعطى الله مواصفات الخيمة في ( خروج من الإصحاح 25 إلى الإصحاح 39 ) وطريقة تصنيعها لموسى، أُقيمت الخيمة في اليوم الأول من الشهر الأول من السنة الثانية لخروج بني إسرائيل من مصر، حسب كل ما أمر به الرب ( يهوه ) موسى مما أدى مباشرة إلى سكناه هناك في شكل سحابة مجد عظيمة: " وضع مذبح المحرقة عند باب خيمة الاجتماع وأصعد عليه المحرقة والتقدمة، كما أمر الرب موسى... ثم غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء ( مجد ) الرب ( يهوه ) المسكن " ( أنظر خروج 40: 29 – 34 )
  • وحضور الله بشكل مرئي بهذا المجد العظيم في النهار وبشكل نار في المساء ( أنظر خروج 40: 34 – 38 ؛ لاويين9: 22 – 24 ؛ 16: 2 ؛ عدد9: 15 – 23 )، يتطلب قداسة الشعب وطهارته ورفع الخطية ومحو الشر من قلوبهم ووسطهم، لكي يؤهلوا لحلوله الخاص وحضوره الدائم وسطهم ويقدروا على الاقتراب منه والشركة معه، لذلك ينبغي أن يحافظوا على طهارتهم ويكونوا قديسين: " إني أنا الرب ( يهوه ) إلهكم فتتقدسون و تكونون قديسين ( فتقدسوا وكونوا قديسين )لأني أنا قدوس ولا تنجسوا أنفسكم... إني أنا الرب الذي أصعدكم من أرض مصر ليكون لكم إلها ( لأكون إلهاً لكم ) فتكونون قديسين لأني أنا قدوس " (لا 11 : 44 - 45)
  • ومن أجل ذلك " دعا الرب (يهوه) موسى وكلمه من خيمة الاجتماع " ( لاويين 1: 1 ) وأعطاه تعليمات مفصلة ودقيقة بخصوص الذبائح المختلفة التي يجب تقديمها للرب في الخيمة وكانت للتكفير عن نفوسهم " لأن نفس الجسد هي في الدم ، فأنا أعطيتكم إياه ( جعلته لكم ) على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لأن الدم يُكفَّر به عن النفس " ( لاويين 17 : 11 )
  • والذبائح الرئيسية التي أمر بها الرب موسى هي بحسب ترتيبها الإلهي، تبدأ بما يختص بمجد الله ومتطلباته الخاصة من الشعب من جهة الطاعة ليستمر لهم إلهاً، وتنتهي بحاجة الإنسان من التقديس والطهارة ليؤهل للتقرب من الله، لذلك تبدأ بذبيحة المحرقة وتنتهي بذبيحة الإثم ( أنظر لاويين 1 : 1 إلى لاويين 6 : 7 )؛ وهذا ما سوف نراه بتدقيق وتفاصيل شديدة من خلال بحثنا فيما بعد ...
  • ولنلاحظ بالطبع، أن العهد القديم تمهيد وإشارة للعهد الجديد الذي صنع بدم ابن الله الحي، فكم تكون قداستنا ولقاؤنا معه في سر تجسده العظيم وصليبه المحيي، لأنه بذبيحة نفسه صار لنا قداسة وطهارة: " الآن قد أُظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه " ( عب 9: 26 )
  • ومن المستحيل على الإطلاق على مستوى العهدين ( القديم وبالأكثر الجديد) أن يقترب أحد من الله بطبع غريب عنه، الذي هو الشر والفساد،لأن الله مطلق القداسة ولا يتعامل مع شبه شر، فكم ينبغي أن نكون مؤهلين للاقتراب منه، لذلك دعانا للمجد والفضيلة للقداسة " كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة " ( 2بط1: 3 )، " كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة " ( أف1: 4 )، " فلستم إذاً بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله " ( أف 2: 19 )، " وأما الزنى وكل نجاسة أو طمع فلا يسم بينكم كما يليق بقديسين " ( أف5: 3 )، " بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة " (1بط1: 15)، " لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس " (1بط 1: 16 )، وذلك بغرض أن نقرب إليه ويكون لنا شركه معه في النور، لذلك نسمع القديس يوحنا الرسول ينبهنا وينذرنا قائلاً :
  • " وهذا هو الخبر الذي سمعناه منه ونخبركم به أن الله نور وليس فيه ظلمة البتة. إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق، ولكن أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية، أن قلنا انه ليس لنا خطية نضل أنفسن اوليس الحق فينا. أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم " ( رسالة يوحناالأولى1: 5 – 9 )

 

2020/10/15

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس (الجزء 3) أهمية الذبيحة وشمولها، تابع لمحة تاريخية سريعة الفصح πασχα


دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12

تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة
تابع ثالثاً: أهمية الذبيحة وشمولها – لمحة تاريخية سريعة
للرجوع للجزء الثاني أضغط هُنــــــــــــــــــا


تابع (أ) البشرية الأولى
  • (4) إسحق – يبدو أن لإسحق كان مذبح دائم في بئر سبع، يُقدم عليه ذبائح تعبيراً عن شكره وتعبده لله الذي قوَّاه وشدَّده مقابل مضايقات مقاوميه ( من رعاة أبيمالك الذين نازعوه على كل بئر يحفرها )، " ثم صعد من هناك إلى بئر سبع. فظهر له الرب في تلك الليلة و قال أنا إله إبراهيم أبيك لا تخف لأني معك وأباركك وأكثر نسلك من أجل إبراهيم عبدي. فبنى هناك مذبحا ودعا باسم الرب ونصب هناك خيمته وحفر هناك عبيد اسحق بئرا " (تك26: 25)، ولم يُذكر نوع الذبيحة التي قدمها لله، بل يتم استنتاج تقدمة ذبيحة – مع أنه غير معلوم نوعها – بسبب بناءه للمذبح، وربما تكون تقدمات من أي نوع ...
  • (5) يعقوب – نجده عندما ظهر الله له في حلم ووعده بالبركة لهُ ولنسله كتجديد العهد الذي أعطاه لجده وأبيه: " بكر في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه (نصبَهُ) عموداً وصب زيتاً على رأسه ( ليكرسه للرب )، وسمى ذلك الموضع بيت إيل " ( تك 28: 18و19) ، وبعد أن قطع عهد سلام مع خاله لابان: " ذبح ذبيحة، ودعا إخوته ليأكلوا طعاماً " ( تك31: 54)؛ كما أقام مذبحاً في شكيم " وأقام هناك مذبحاً ودعا إياه (باسم) إيل إله إسرائيل " ( تك33: 20)؛ وعندما عاد إلى بيت إيل: بنى هناك مذبحاً " ( تك35: 7)، وعندما وصل لبئر سبع، في طريقة إلى مصر " ذبح ذبائح لإله أبيه وإسحق " (تك46: 1) ملتمساً الإرشاد والمشورة الإلهية، لذلك سمع صوت الله في رؤيا الليل " يعقوب، يعقوب ... أنا الله إله أبيك، لا تخف من النزول إلى مصر، لأني أجعلك أُمة عظيمة هناك: أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أُصعدك أيضاً..." (تك46: 2-4)
  • (6) الفصح פֶּסַח( انتهاء العبودية والدخول لعهد الحرية بدم الحمل ) - بنو إسرائيل في مصر تحت المذلة وقسوة العبودية – بلا أدنى شك قد شاهد بني إسرائيل المصريين يقدمون الذبائح لآلهتهم، فعندما طلب موسى من فرعون أن يُطلق الشعب ليعيدوا في البرية " ونذبح لرب إلهنا " (خر5: 1-3 ؛ 7: 16)، لم يندهش فرعون عندما سمع عن الذبائح، بل سأل موسى " من هم الذين يذهبون ؟ " (خر10: 8)؛ ولما أراد فرعون أن تبقى الغنم والبقر، قال له موسى: " لا يبقى ظلف، لأننا منها نأخذ لعبادة الرب إلهنا " (خر10: 26)
  • وبعد ذلك – وفي آخر الضربات – ذبحوا الفصح פֶּסַח، حسب أمر الرب: " وكلم الرب – يهوه יְהוה - موسى وهرون في أرض مصر قائلا: هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور هو لكم أول شهور السنة. كلما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء شاة ( لكل بيت ) للبيت. وإن كان البيت صغيراً عن أن يكون كفوا لشاة (أو اقل من أن يأكلوا شاة) يأخذ هو وجاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس كل واحد على حسب أكله تحسبون للشاة (فليُشارك فيه جاره القريب من منزله حتى يجتمع عليه عدد من النفوس يكفي لأكل خروف). تكون لكم شاة صحيحة ذكراً ابن سنة تأخذونه من الخرفان أو من المواعز. ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية. ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها. ويأكلون اللحم تلك الليلة مشويا بالنار مع فطير على أعشاب مرة يأكلونه. لا تأكلوا منه نيئا أو طبيخا مطبوخا بالماء بل مشويا بالنار رأسه مع أكارعِهو جوفه. ولا تبقوا منه إلى الصباح، و الباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار. وهكذا تأكلونه:أحقاؤكم مشدودة و أحذيتكم في أرجلكم و عصيكم في أيديكم وتأكلونه بعجلة هو فصح للرب. " (خروج12: 1 11)
  • وبعد ذلك ذبحوا الفصح – حسب أمر الرب – ورشوا الدم على القائمتين والعتبة العُليا، فعبر الملاك المهلك عنهم حسب وعد الرب: " فأرى الدم وأعبر عنكم " ( خروج12: 13)
  • كلمة " فصح פֶּסַח ، وباليونانية πασχα (بصخة)، معناها عبور أو تجاوز، ومعناها الذي نستشفه من كلام الله حسب قصده من هذه الكلمة (هو فصح للرب )، بمعنى أنه ليس مجرد وليمة عادية للأكل والشرب، يشترك في أكلها مقدموها، ولكن هذا الحمل المذبوح يخص الرب الذي سيجتاز في أرض مصر تلك الليلة، ويضرب كل بكر فيها من الناس والبهائم؛ ودم هذا الحمل ( فصح الرب ) المرشوش على بيوت بني إسرائيل هو العلامة التي يراها الرب في اجتيازه فيعبر عنهم ويُخلّصهم من ضربة الهلاك والموت. فهو عبور أو فصح للرب الذي نجاهم من الموت وصار سبب حريتهم ...
  • ومن هنا نجد أن لهذا الفصح مكانة خاصة جداً في الكتاب المقدس، لذلك نجد أن اليهود يحتفلون بهذا العيد تذكاراً خالداً لهم، يعيدونه في كل الأجيال عيداً للرب وفريضة أبدية لتذكار خلاص الشعب من العبودية في مصر، وهذا هو أول ذكر لأول عيد يفرضه الرب للاحتفال به فريضة أبدية، لأنه عيد الحرية، وهذا العيد ليس بالعيد العادي لأن فيه تطلع إلى الخلاص على يد المسيا الآتي الذي يصنع عهد حرية حقيقي وأبدي، وهذا ما قاله الرب يسوع فصحنا الحقيقي : " فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً " (يو 8 : 36)
  • ويشرح القديس أغسطينوس كلمة " فصح – بصخة " رابطاً بينها وبين حمل الله الذي أنقذنا من سلطان الظلمة وسيادة الموت وعبر بنا إلى سلطان النور وقوة الحياة لملكوت مجد لا يزول، فيقول: [ " بصخة " ليست كما يظن البعض – أنها كلمة يونانية الأصل، ولكنها كلمة عبرية، ومع ذلك فإنه يوجد توافق شديد في معنى هذه الكلمة في كلتا اللغتين. فمن حيث الكلمة اليونانية παθεν التي تعني: " يتألم "، فقد اعتقدوا أن كلمة " بصخة " تعني " التألم " ، كما لو كان الاسم قد أُشتق من الفعل يتألم . ولكن الكلمة في لغتها الأصلية – أي العبرية – بصخة تعني العبور، لأن شعب الله كان قد احتفل بالبصخة للمرة الأولى عندما عبروا البحر الأحمر في هروبهم من مصر. والآن تم الرمز النبوي وصار حقيقة عندما سيق المسيح كحمل إلى الذبح، حتى بدمه المرشوش على قوائم أبوابنا، أي بإشارة صليبه المرسوم على جباهنا يمكننا أن ننجو من الهلاك الذي ينتظره هذا العالم، مثل إسرائيل بنجاته من عبودية المصريين وإهلاكهم. وأصح عبور نعمله هو حينما نعبر من تبعية الشيطان إلى المسيح، ومن هذا العالم غير المستقر إلى ملكوته الثابت إلى الأبد. وهكذا فإننا بكل تأكيد يستحيل علينا أن نعبر إلى الله الدائم إلى الأبد ما لم نترك هذا العالم الزائل.
  • والرسول في تمجيده لله من أجل هذه النعمة التي أنعم بها علينا يقول: " الذي أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته " ( كو1: 13)
  • هذا الاسم " بصخة " الذي تكلمت عنه، يُطلق عليه باللاتينية Transitus أي عبور، ويفسره لنا الإنجيلي المبارك ( يوحنا ) عندما يقول: " أما يسوع قبل عيد الفصح، وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم ( بصخة ) إلى الآب " ( يو13: 1 ). وترون هذا أننا أمام بصخة وعبور (ينتقل). فمن أين وإلى أين نعبر ؟ - من هذا العالم إلى الآب. وهكذا أُعطي الرجاء للأعضاء في رأسهم (أي المسيح راس الكنيسة) أنهم بدون أدنى شك سوف يتبعون ذاك الذي عبر أمامهم.
  • وماذا عن غير المؤمنين الذين انفصلوا تماماً عن هذا الرأس وأعضائه ؟ ألا يعبروا هم أيضاً، نظراً إلى أنهم لن يبقوا هنا دائماً ؟إنه من الواضح أنهم سيعبرون، ولكن هناك عبور من العالم، وعبور آخر مع العالم؛ فالعبور إلى الآب شيء، والعبور إلى العدو شيء آخر. فالمصريون أيضاً عبروا، ولكنهم لم يعبروا البحر إلى المملكة؛ بل عبروا في البحر للهلاك ]
  • ويقول الشهيد يوستين (165م): [ إن الذين خلصوا من شعب إسرائيل في مصر إنما خلصوا بدم الفصح الذي مسحوا به قوائم أبوابهم وأعتابهم، لأن الفصح كان المسيح الذي ذُبح في ما بعد!! فكما أن دم الفصح خلَّص الذين كانوا في مصر، هكذا دم المسيح يحفظ من الموت الذين يؤمنون به. ولكن هل هذا يعني أنه إذا لم تكن هذه العلامة موجوده على الأبواب كان الله يُخطئ في معرفة ( الذين له )؟ كلا، ولكن هذه العلامة كانت استعلاناً مسبقاً عن الخلاص الذي سيتم بدم المسيح الذي به يخلّص جميع الخطاة في كل الأمم عندما يتقبلون الصفح عن خطاياهم ولا يعودون يخطئون ]
  • ويؤكد القديس هيبوليتس (235م) نفس هذا المفهوم قائلاً: [ إن الدم عندما مُسح به كعلامة صار هو السرّ القائم في ختم دم المسيح. نعم إن هذه العلامة لم تكن هي ذات الحقيقة بعد ولكنها مثال للحقيقة الآتية: أن كل الذين يأخذون هذا الدم ينطبع على نفوسهم، كما حدق وانطبع على بيوت اليهود عندما مُسحوا به كأمر الناموس، فكل الذين ( أخذوا هذه المسحة ) يعبر عنهم الهلاك .
  • فالدم كعلامة هو الخلاص، كما كانت على البيوت كذلك على النفوس، لأن النفوس بالإيمان وبالروح القدس ما هي إلاَّ بيوت (هياكل) مقدسة. هذا هو سرّ البصخة العامة ( العبور ) للعالم كله ]
  • (7) ذبيحة الشكر وتمجيد الله - يثرون المدعو رعوئيل أي صديق إيل ( صديق الله ) – وهو كاهن مديان وحمى موسى وكان يعبد الله الحقيقي إله إبراهيم، فقد وصلت إليه أنباء انتصار شعب إسرائيل بيد الله القوية: " فسمع يثرون كاهن مديان، حمو موسى، كل ما صنع الله إلى موسى وإلى إسرائيل شعبه، أن الرب أخرج إسرائيل من مصر ... " ( خروج18: 1)، و " قص موسى على حميه كل ما صنع الرب بفرعون والمصريين من أجل إسرائيل، وكل المشقة التي أصابتهم في الطريق فخلصهم الرب. ففرح يثرون بجميع الخير الذي صنعه إلى إسرائيل، الرب الذي أنقذه من أيدي المصريين. وقال يثرون: مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين ومن يد فرعون، الذي أنقذ الشعب من تحت أيدي المصريين. الآن علمتُ أن الرب أعظم من جميع الآلهة، لأنه في الشيء الذي بغوا به كان عليهم. فأخذ يثرون حمو موسى محرقة وذبائح لله، وجاء هارون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاماً مع حمى موسى أمام الله – فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله 1كو10: 31 - " ( أنظر خروج 18: 2 – 12)
  • عموماً نجد أن ذبيحة يثرون كانت لتمجيد الله على خلاصه العظيم مع شعبه المختار، وتقدمة شكر وتسبيح من أجل الإنقاذ من الأعداء ومن كل الشدائد والضيقات التي أجتازها إسرائيل وخرجوا منها ظافرين .

 

2020/10/14

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس (الجزء 2) أهمية الذبيحة وشمولها، لمحة تاريخية سريعة


 

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12

تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة
ثالثاً: أهمية الذبيحة وشمولها – لمحة تاريخية سريعة
للرجوع للجزء الأول أضغط هُنــــــــــــــــــا



إن نظرة استطلاعية للكتاب المقدس تجعلنا ننتبه لأهمية الذبيحة وشمولها. فهي تملأ كل جوانب التاريخ:
(أ) البشرية الأولى
  • (1) – التقدمة – أول مرة نقرأ عن الذبائح هو ما جاء عن هابيل وقبول الله لذبيحته " وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها" (تك4)، وكان تقديم الذبيحة كبكر من نتاج العمل وذلك للشكر والعرفان بالجميل واسترضاءٍ لوجه الله، والله قبلها بسبب قلب مقدمها وليس من أجل نوعها كما هو الظن السائد والمعروف – كما رأينا سابقاً: " بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل ( أعظم ) πλείοναθυσίαν - more excellent sacrifice من قايين. فيه شهد أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه. وبه وإن مات يتكلم بعد... ولكن بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه " (عب11: 4و6 )، وهنا سرّ قبول الذبيحة (بل قبول أي تقدمة من أي نوع) هو الإيمان التي تسنده الأعمال البارة.
  • وتقول الدسقولية (تعاليم الرسل) : [ أن الله ليس بمحتاج للقرابين لأنه فوق كل احتياج بطبيعته، ... بل أن المُحب لله الأول هابيل ونوح وإبراهيم والذين جاءوا بعدهم ... لما تحركت ذواتهم من جهة الناموس الطبيعي (وقلبهم الشاكر) أن يقرَّبوا لله، لم يفعلوا ذلك بتكليف – هكذا أعطى الله موضعاً للعبرانيين بأن يصنعوا هذا ولم يأمرهم، لكن سمح لهم أن يكون ذلك منهم إذا أرادوا هم؛ وسُرَّ بقرابينهم إذ قدَّموها بضمائر مستقيمة ] ( دسقولية 33: 64 )
__________

  • (2) – المحرقة – ثم نقرأ عن نوح عقب خروجه من الفُلك: " وبنى نوح مذبحاً للرب ( وهذه أول مرة يُذكر فيها المذبح على صفحات الكتاب المقدس ) وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد ( صعيده ) محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا ( وهذه أول مرة يُسمع فيها عن رضا الله ) " ( تك8: 20و21)؛ ونلاحظ هنا أن ذبيحة هابيل سماها الكتاب " قرباناً أو تقدمة " أما هنا سُميت " صعيده محرقة للرضا "، وهذا كما جاء أيضاً في ذبيحة المحرقة في سفر اللاويين هكذا: " ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب " ( لا1: 9 ) وكما يدعوها أيضاً " محرقة للرضا " ( لا1: 3و13 ) وكان ذلك تعبيراً عن منتهى خضوعه الكلي لله وشكره العميق وتعبده لله ملتمساً رضاه بعد أن أغضبه البشر بشرورهم حتى أنه ندم أنه خلق الإنسان، كما أنه أراد أن يعبَّر عن اعترافه بفضل الله الذي خلصه من الموت، فكان نوح هنا نائباً عن البشرية في هذا الموقف العظيم حينما أصعد محرقاته المعبَّرة عن شكره وامتنانه وخضوعه والتماسه لرضا الله وهكذا " صار وارثاً للبرّ الذي حسب الإيمان " ( عب11: 7 )
  • ونلاحظ أن ثمرة ذبيحة نوح التي قدمت كإعلان للطاعة والخضوع: " فتنسم الرب رائحة الرضا وقال في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أُميت كل حي كما فعلت " ( تك8: 21)، وأن كان نوح وهو من البشر قد قدم ذبيحة ردت غضب الله وجعله لا يلعن الأرض أبداً، فكم تكون ثمرة ذبيحة المسيح له المجد " الذي أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة " ( أف 5: 2 )،" الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ؟! " ( عب9: 14 ) [ الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة ] ( رفع البخور – اعتراف الشعب ]
__________

  • (3) العهد مع إبراهيم ونسله ثم من بعد نوح نصل لإبراهيم، ونجد أنه لم يقدم ذبائح في أور الكلدانيين أو في حاران، وطبعاً السبب واضح جداً في الكتاب المقدس، لأن الله أعطاه أمر ليخرج من وسط الجو الذي يعيش فيه المفعم بعبادة الأوثان، لأن الله مستحيل يُعبد وسط أوثان أو في وجود الخطية وتحت سلطانها الذي يعمل بالموت في أبناء المعصية: " هكذا قال الرب إله إسرائيل، آباؤكم سكنوا عَبر النهر منذ الدهر، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخرى، فأخذت إبراهيم أباكم من عَبر النهر وسرتُ به في كل أرض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته اسحق... فلآن أخشوا الرب واعبدوه بكمال وأمانة وانزعوا الآلهة الذين عبدهم آباؤكم في عبر النهر وفي مصر واعبدوا الرب " (يش24: 2و3و14)، ومن هذا الجو الذي عاش فيه أبرام جاءت الدعوة الإلهية ليترك كل شيء ويتبع الله وهو لا يعلم إلى أين يذهب: " و قال الرب لإبرام أذهب (أرحل) من أرضك و من عشيرتك و من بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك " (تك12: 4)،فنجد أن إبراهيم أطاع الله وترك بسهولة وسار وفق الدعوة الإلهية: " بالإيمان إبراهيم لَّما دُعيَّ أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي " (عب11: 8)
  • وعندما تمم خروجه الكامل ووصل إلى شكيم عند بلوطة مورة ( نسبة لأصحاب الأرض الأصليين ) وقف هناك يُصلي فظهر له الرب فـ " بنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له " (تك12: 8). وعندما انتقل إلى بيت إيل " بنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب " ( تك12: 8 )؛ ولما عاد إلى " مكان المذبح الذي عمله هناك أولاً دعا هُناك باسم الرب " (تك13: 4)، وعندما نقل خيامه: وأتي وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون، بنى هناك مذبحاً للرب " (تك13: 8)، وطبعاً لم يذكر هنا كلمة ذبيحة، ولكن من الصعب إقامة مذبح بلا ذبيحة !!!
  • ونجد أول ذكر لمواصفات ذبيحة أمر بها الرب عندما أقام الرب مع إبراهيم ميثاقاً بعد أن " آمن بالرب فحسب له براً، وقال له أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها؛ فقال أيها السيد الرب بماذا اعلم إني أرثها، فقال له خذ لي عجلة ثلثية وعنزة ثلثية وكبشا ثلثيا ويمامة وحمامة، فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد مقابل صاحبه وأما الطير فلم يشقه... فأخذها وقدمها ذبيحة للرب ... حيث قطع الرب مع إبرام ميثاقاً عهداً בְּרִית" (أنظر تك15 : 9 – 18)، وهذه تعتبر ذبيحة عهد، وهي أول ذبيحة يأمر بها الرب بمواصفات خاصة مع شقها من الوسط، كعلامة إبرام عهد ملزم بالتنفيذ المؤكد، لأن الله هو المسئول عن التنفيذ .
  •  طاعة الإيمان، الامتحان لإظهار الإيمان الحي لتعليم الأجيال ما هو الإيمان ومدى الثقة في الله ثم نقرأ عن أول مرة يطلب الله من إنسان أن يقدم له ذبيحة في تكوين 22، والغريب أن الطلب فيه ما هو غريب وهو ذبيحة بشرية، كما لم يحدث قط أن يطلب الله ذبيحة بسفك دم بشري، لأنه يمقت كل تصرفات الأمم الوثنية الذين قدموا البشر ذبائح لآلهتهم وبذلك جبلوا على أنفسهم غضب الله، فالله لا يمكن أن يقبل سفك دم إنسان تحت أي مبدأ أو عذر، ولكن هناك قصد من وراء هذا الطلب الذي يعتبر غريب عن الله جداً !!!
  • فكل الذبائح التي رأيناها سابقاً – عدا ذبيحة عهد الله مع إبراهيم – كان يقدمها رجال الله باختيارهم الحرّ، ويقدمونها من الحيوانات الطاهرة، وكان ذلك تعبيراً عن اعترافهم بفضل الله في وجودهم وحياتهم وخضوعهم وتعبُّدهم وشكرهم له بقلب يشعر بفضل الله وإحسانه...
  • أما الآن يطلب الله من إبراهيم ذبيحة محرقة محدده الوصف: " خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق ... وأصعده محرقة " ( تك22: 2 )، وطبعاً السبب واضح في بداية الكلام: " وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم "، وحينما أطاع إبراهيم الله ونفذ ما طُلب منه " هناك ناداه ملاك الرب من السماء ... لا تمد يدك إلى الغلام.. فرفع إبراهيم عينية ونظر وإذا كبش وراءه ممسكاً في الغابة بقرنية فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه " ( تك22: 11 – 13 )، وبذلك تبرر إبراهيم بالإيمان (رو4: 3) وتبرر أيضاً بالأعمال (كثمر لإيمانه الحي بالله) (يعقوب2: 21) التي أظهر بها صدق إيمانه بالله.
  • فـ " بالإيمان قدم إبراهيم إسحق .. الذي قَبِلَ المواعيد وحيده.. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً، الذين منهم أخذه أيضاً في مثال " (عب11: 17 – 19) [ بالإيمان قدم إبراهيم ابنه الوحيد ذبيحة عندما امتحنه الله، قدمه وهو الذي أعطاه الله الوعد وقال له: بإسحق يكون لك نسل، معتبراً أو حسب (بالإيمان) أن الله قادر أن يُقيم من الأموات. لذلك عاد إليه ابنه إسحق وفي هذا رمز – (حسب ترجمة الجامعة الأنطونية من النص العبري) ] ، وطبعاً ذلك رمز واضح كمثال حي لعمل الفداء الحقيقي والعظيم حين قدم ابن الله نفسه – باختياره وسلطانة حسب التدبير – كفارة: [ الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله (رو 3 : 25)، وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً (1يو 2 : 2) ، في هذه هي المحبة ليس إننا نحن أحببنا الله بل انه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا (1يو 4 : 10) ]


دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس (الجزء 1) أصل وطبيعة الذبيحة ونظرية تقدمها



دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12

1- مقدمـــــــــــــــة عامة
أ – مقدمــــــــــة

+++ [ ملحوظة هامة أولاً ] سلام لكم يا إخوتي هذه دراسة تفصيلية عن الذبائح أحببت أن أكتبها هنا لكم - كما سبق وكتبتها في منتديات أخرى وتم نقلها من مكان لآخر، ولكني هنا أعيد كتابتها مع أكثر تفاصيل وتدقيق، وسوف نبدأ هذه الدراسة اليوم وسنكملها لنهايتها لأني لم أنهيها في اي مكان آخر، وقد كتبتها لأهميتها وبسبب عدم التدقيق في هذه الدراسة لكثيرين من الكتاب إذ قد حدث عند الكثير منهم لبس في بعض الألفاظ والذبائح بعدم تدقيق مع بعض الملابسات في التدقيق اللاهوتي مما يؤثر على علاقتنا مع الله في الحياة المسيحية التطبيقية في حياتنا، لأن أي موضوع لاهوتي روحي دراسي الغرض منه الشركة مع الله على مستوى الخبرة حسب قصد الله المعلن بتدقيق وبإعلان الروح القدس الرب المُحيي، وليس للمعلومات والمعرفة المجردة التي تحرمنا من الشركة، وهذا هو الجزء الأول من الدراسة وفي نهايتها سأكتب المراجع كلها، اقبلوا مني كل التقدير النعمة معكم آمين +++
أولاً: تعريف المصطلحات ( الذبائح والتقدمات )
  • أن كلمة أو لفظة [ التقدمة ] الخاصة بتقدمة الذبيحة: هي الكلمة العربية المكافئة للعبرية، فهي تُفيد منحه لا تُرد لأنها تُذبح، أي هدية أو عطية عن طيب خاطر، هديه كاعتراف بالجميل، أو تقدمة لكسب تحالف أو منع شرّ. والذبيحة في اللغة الإنجليزية مأخوذة من مجموعة كلمات لاتينية تعني " شيئاً مقدساً " أو " تقديس " ( أي أنها تُشير إلى جعل شيء مُقدساً أو تكريسه وتخصيصه ووقفة على لأن التقديس يعني التخصيص على نحو خاص جداً )...
  • وبعض الباحثين يستخدمون المعنى الأول ( التقدمة ) ليعني تقديم شيء كمنحة أو هبه، والكلمة الثانية ( ذبيحة ) لوصف الهبة على أنها شيء عُرض وقُدم على وجه الخصوص لكائن إلهي. وآخرون يستخدمون كلمة ذبيحة للإشارة إلى أي تقدمة تتضمن طقس ذبح حيوان. وفي كلتا الحالتين تٌعتبر " التقدمة " أو " القربان " تعبيراً عاماً بأكثر مما هو الحال لكلمة ذبيحة، لأن التقدمة يتم فيها تقديم أي شيء ومن ضمنها الذبيحة، أما الذبيحة فهي تختص بالذبح فقط...
  •  والمصطلح العبري " يُقدم قرباناً " هو جمع بين الفعل يُقدم وقَربَ، أو يُقدم قُرباناً: " ودعا الرب موسى وكلمه من خيمة الاجتماع فقال: قل لبني إسرائيل: إذا قرب أحدٌ منكم قرباناً للرب، من البهائم " ( لا1: 1و2 )؛ " وإذا قرب أحد قرباناً تقدمة للرب، فليكن قربانه دقيقاً يُصب عليه زيتاً ويضع لُباناً ويجيء به إلى بني هارون، الكهنة، فيأخذ الكاهن ملء قبضته عينة من الدقيق والزيت وكل اللبان ويوقدها على المذبح وقيدة تُرضي رائحتها الرب. وتُذكره بمقدمها " (لا2: 1و2 )... وهكذا
  • عموماً تعبير " قرب قرباناً " يُقدم السياق اللازم لتقديم ذبيحة المحرقة وتقدمة القُربان، وذبيحة السلامة. وكان بوسع الشخص أن يُقرَّب قُرباناً، قد يكون تقدمة مُحرقة (لا1: 3) وهي تقدمة ذبح حيوان، أو قربان تقدمة (لا2: 1) وهي تقدمة بلا ذبيحة، أو ذبيحة سلامة (لا3: 1)، ونلاحظ أن الكلمة العبرية " ذبيحة זֶבַח " لا ترد في ( لا 1 – 3 ) حتى ( لا 3: 1 )، فالتركيز الأول كان على التقدمة وبعدها الذبيحة.
  • عموماً نجد أن كلمة " قربان " تُستخدم كتعبير شامل لتقديم الذبائح الحيوانية أو الغير حيوانية، وحتى بالنسبة للتي تُذبح خصيصاً لأكلات جماعية، وتعبير " نظام الذبائح " يُمكن استخدامه للإشارة إلى جميع ذبائح وتقدمات العهد القديم ككل.
  • وفي نظام التقدمة والذبائح في العهد القديم، نجدها معروفة على المستوى الأكاديمي والشعبي بأن تفاصيلها كثيرة وقد تبدو لنا معقدة جداً وصعبه للغاية، ولا يوجد تفسير مفصل لها، وذلك بسبب الطبيعة المتأصلة في العمل الطقسي نفسه، والمعنى أساساً يُفهم من العرض والسياق وليس من الشرح.
  •  أما بالنسبة للكلمة اليوناني prosphora - προσφορα فهي تعني في الأصل: إحضار، تقديم. وقد اُستخدمت بمعنى تقديم الهبات الذبائحية، ثم بوجه خاص تقديم الطعام، خاصة في شكل تقدمة حبوب. وقد أُستخدم الفعل prosphero προσφέρω لعمل التقدمة وجعلها في شكل عطية ، وقد أتى التعبير ليُشير إلى الخضوع الكامل للألوهة.

ثانياً : أصل وطبيعة الذبيحة ونظرية تقدمها
  • إن أصل نشأة تقديم الذبائح أمر تحوطه الأسرار وكثير من الغموض، وذلك لأنه يرجع إلى عصور ما قبل التاريخ أو على نحو أدق قبل تدوين التاريخ بشكل منظم وتدقيق في الأحداث بتفاصيلها الدقيقة. ويُسجل لنا سفر التكوين حقيقة تقديم الذبائح، ولكنه لا يذكر شيئاً عن كيفية بدايتها. كما أننا نقرأ عنها في عصور الآباء، ثم نجد شريعة موسى في النهاية تقرها وتقننها بأمر إلهي.
  • وعموماً نجد أن تقديم الذبائح أمراً شائعاً عند كل الشعوب منذ أقدم العصور مما أحدث الخلط – عند البعض - ما بين تقديم هذه الشعوب وبين ما قُدم في الكتاب المقدس، ونجد أن أنواع الذبائح التي تقدم عند الشعوب، يا إما من الحيوانات أو البشر أو تقدمة من البقول أو العسل أو أي نوع من أنواع الطعام أو من الأشياء مثل حصاه أو عصا أو حربه ... الخ ...
  • وقد افترض علماء الثقافة وعلم الإنسان وعُلماء الاجتماع، ومؤرخو الديانات الكثير من النظريات المختلفة – بعيداً عن الكتاب المقدس – عن أصل وأهمية شيوع تقديم الذبائح بين كل الشعوب كظاهرة دينية والتي تتمثل معناها في ( الهبة كشكر للإله، الوجبة أي كشركة مع الإله، التقديس، الرضا، التكفير ) ، وتتلخص هذه النظريات والتحليلات في الآتي :
1- النظرية النفسية لتخفيض القلق من خلال تقديم ذبائح لأحد الآلهة
2- النظرية السحرية والتي تقول بأن هلاك الذبيحة التي تم التضحية بها تتسبب في إطلاق قوة سحرية لصالح مقدم الذبيحة.
3- ويعتبر العلماء أن تقديم الذبائح عموماً من ابتكار الإنسان لتكوين علاقة مودة مع الإله أو لإكرامه أو لاسترضائه، أو لمشاركته الطعام للدخول في عهد معه.

4 – اعتقاد بعض العبادات بوجود روح الإله في حيوان ما، وإذ يأكل الإنسان (العابد لهذا الإله والمؤمن به) من الذبيحة فهو يأكل الإله ويكتسب في نفسه كل الصفات الجسمانية والعقلية والأدبية التي للإله الساكن في الذبيحة. وفي بعض الحالات كان العابد يشرب دم الذبيحة وبذلك – حسب اعتقاده الخاص – يمتص منها الحياة والقوة. كما كانوا في بعض الحالات ينهشون لحم الحيوان قبل أن يموت تماماً، أي وهو لا زال ينبض بالحياة، حتى يمتصوا روح الإله الذي يسكنه !!!

5- نظرية المنحة، وقد أطلقها تيلر Tyler سنة 1871 والتي يقول فيها إن الذبيحة منحة أو هبة مقدمة، فقد اختزل كافة القرابين والذبائح إلى الفكرة الآلية الخاصة بالتبادل أو الرشوة بمعنى: " أُعطيك لكي تعطيني أيضاً مقابل ما أعطيتك وقدمته لك"، وفلسفة هذه النظرية أتت من أن الذبيحة الحيوانية تعوزها السمة الأخلاقية لذلك ليس لها – في الأساس – أي مغزى أخلاقي هام، ولم تكن تعبيراً عن العبادة الحقيقية بأي شكل كان، بل كانت في جوهرها، عملية تجارية كتلك الموجودة بين البشر والمبنية على خد وهات !!!
مع أن هذه النظرية لا تتفق – مثل كل ما سبقها – مع جاء في تكوين 4، والذي يعد أول ذكر لقربان الحبوب أو ثمار الأرض والذبيحة الحيوانية في تاريخ البشرية، طبقاً لما جاء في الكتاب المقدس. وعلى عكس هذه النظرية: يبدو أن قايين وهابيل قَدَما قربانهما إجلالاً واحتراماً لله كإله شخصي يقدمون له الشكر على ما أعطاه لهما ، وذلك لكي يكسبا رضاءه، ومن الواضح أن الله في هذا الموقف لا يتأثر بالعطية أو معطيها على أساس رشوة أو شيء مقابل شيء، أو حتى مقابل رضاؤه كفعل مقدم له من الخارج، فالله أظهر بوضوح شديد أنه ينظر أولاً للقلب والنية والضمير وليس للعطية في حد ذاتها مهما عظمت أو كبرت، فالله مهتم بالنواحي الأخلاقية الداخلية، وبالاستجابة لأقواله .
فنلاحظ أن الله استجاب لشخص ولم يستجيب لآخر: " و لكن إلى قايين و قربانه لم ينظر فاغتاظ قايين جدا و سقط وجهه " (تك 4 : 5)، ويشرحها القديس بولس الرسول ويقول في عبرانيين: " ليس كما كان قايين من الشرير و ذبح أخاه ولماذا ذبحه لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة " (1يو 3 : 12)، ومن هنا نفهم أن الله لا يرتشي أو ينظر لقربان مقدم حتى لو كان تنفيذاً للوصية، إن لم يكن مقدم من الداخل بقلب طاهر.
6 – أما علماء الكتاب المقدس فيقولون إن تقديم الذبائح أمر وضعه الله للإنسان منذ البداية ( مع أن ذلك غير مؤكد ولا يوجد أمر أو وصية محددة قبل شريعة موسى )، ويبنون ذلك على أساس ما جاء في الإصحاح الرابع من سفر التكوين حيث نقرأ: " أن قايين قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب، وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه. ولكن إلى قايين لم ينظر " (تك4: 3و4)، وفي رسالة العبرانيين يقول: " بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين " (عب11: 4)، فالله مستحيل أن يرفض أي عطية مقدمة من أي نواع من إنسان يتقيه ومن الداخل قلبه صالح يحترمه ويحبه، وكما نجد في سفر اللاويين أن الله لا يقبل فقط الذبائح الدموية بل هناك عطايا أخرى تُقبل من الإنسان كما سوف نرى فيما بعد من خلال بحثنا هذا ...
ويقول "فابر" Faber: [ حيث أن الإيمان هو الذي جعل الذبيحة مقبولة أمام الله، فلابُدَّ أن هذا الإيمان كان على أساس وصية محددة من الله، أمر بها من قبل ( وطبعاً هذا الكلام غير مؤكد، حيث أنه لم يظهر أي وصية أو أمر إلهي بذلك )، فبدون هذه الوصية الإلهية المحددة لضمان فاعلية الذبيحة، لا يكون ثمة معنى لإيمان هابيل. وبعبارة أخرى: لكي يكون للإيمان أساس ثابت وتوجه صحيح، لابد أن يكون هذا الأساس بإعلان من الله يُعبَّر عن إرادة الله بكل دقة ووضوح ]
بل ويذهب "فيربرن" Fairburn في كتابه " رموز الكتاب " إلى أبعد من ذلك فيؤكد على أن الجلود التي ألبسها الله لآدم وحواء ليستر عريهما، كانت جلود ذبائح قُدمت عنهم، وبالطبع لا يوجد ما ينفي ذلك في الكتاب المقدس وممكن قبوله بشكل كبير لأجل المعنى الذي قصد إعلانه الله في سفر التكوين بناء على النبوات وعمل الله في كساء الإنسان بالنعمة بتجسد الكلمة.

 

2020/10/12

أشعياء 53 الممنوع قراءته وهل هو عن إسرائيل أم عن المسيا ترجمة – ترجمة: سانتا نبيل غالي





أشعياء 53 الممنوع قراءته وهل هو عن إسرائيل أم عن  ترجمة – ترجمة: سانتا نبيل غالي

 

  • قد اعترف المؤرخ اليهودي رافاييل ليف في القرن السابع عشر أنه منذ زمن طويل قد اعتاد الحاخامات على قراءة إصحاح أشعياء 53 في المعابد ولكن بعد أن تسبب الإصحاح بعمل” بلبلة كبيرة والتباسات ” فقرر الحاخامات القيام بأبسط حل وهو بإخراج النص من قراءات Haftarah في المعابد. ولذلك عندما نقرأ اليوم إصحاح أشعياء 52 نتوقف في منتصفه وفي الأسبوع التالي نقفز مباشرة إلى نص أشعياء 54.

  • إذا قد تتساءل ما الذي حدث لإصحاح أشعياء 53؟ وهذا هو تماما هدف هذه المقالة. في الإنجيل المقدس في كتاب أشيعا الفصل 53، إن النبي أشعياء يتنبأ بمجيء  الذي سيُرفَض من قِبل شعبه هو والذي سيتألم ويموت في وجع وإن الرب سوف يرى معاناته وألمه على أنه فداء وتكفير عن خطايا البشرية جمعاء. كان أشعياء قد عاش نبيا حوالي عام 700 قبل الميلاد. ووفقا لـ نبوءته في إصحاح أشعياء 53 يقول النبي أشعياء أن قائد إسرائيل سوف يعترف في نهاية الأيام أن اليهود قد أخطئوا عندما رفضوا  وكما أن أشعياء قد صاغ نبوءته في صيغة الماضي ولأنه قد رأى نفسه جزء من شعب إسرائيل أستخدم صيغة المتكلم الجمع “نحن” في كلامه.

  • في نهاية الفصل 52 أشيعا يكتب مقدمة للفصل 53: “هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ،….”إن مصطلح خدامي يجب أن يشير ويربط لأجزاء سابقة في الكتاب الذي يتكلم عن “خدام الرب” (مثلا، في الفصول 42 و49 و50 حيث يوصف  بخادم الرب الذي يعاني).

  • “يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا”هذا ليؤكد عظمة مقام  والذي سوف يقوم مؤكدا من الموت و يصعد للسماء ويجلس عن يمين الآب، ولسوف تعطيه أعماله مقاما أعلى شئنا من أي ملك وحاكم.

  • “كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ”قبل أن يُمَجد  لسوف يعذب ويُهان، جسده سوف يُعَذب ويُساء أليه بشدة لدرجة أنه لسوف يتشوه بالكامل وتصبح ملامحه غير معروفة.

  • “هكَذَا يَنْضِحُ أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ.”وبالرغم من المعاناة الفظيعة سوف يأتي اليوم الذي سيأتي الجميع حتى الملوك لينظروا إليه بتبجيل وقداسة.والآن لنتعمق بـ الفصل 53 بذاته. . . .

  • “ومن صَدَّقَ خبرنا”وهذا وصف لقلة الإيمان بين شعب إسرائيل الذين لا يصدقون ما سمعوا.“وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ”إن أشعياء يصف  ” بزراع الرب “، قد قال أشعياء سابقا في الفصل 40 معلنا أن يد الله سوف تحكم عنه. وفي الفصل 51 سوف يضع التلاميذ ثقتهم وأملهم في زراع الرب وكذلك قِيل “زراع الرب ” سوف تغفر، وفي الفصل 52 يقول “زراع الرب ” سوف تجلب الخلاص. وفي الفصل 53يكشف أشعياء أن مقصده “زراع الرب ” هو  وأن  جزء من الرب بذاته.

  • “نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. “كان زرعا في أرضٍ لا إيمان فيها ولم يكن فيها كلمة من كلمات الرب لأربعمائة عام.“وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ “لم يكن جميلا لنا ومظهره جميلا أو مبهرا بشكل خاص والطريقة التي ظهر فيها لم ترغب الناس به، وذلك على عكس ما يدرس الحاخامات اليهود، وطبقا لهذه النبوءة إن  لن يولد من عائلة حاخامات مرموقة أو يتربى في كنف الحاخامات الأغنياء. ولذا بإمكاننا القول بثقة شبه أكيدة أن الشكل الخارجي للمسيح لم يكن غير عادي على الإطلاق.

  • “مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِتم توصيف حياة المسيح بالألم والرفض من قادة شعبه. قد نصفه أنه غير مندمج اجتماعيا مع محيطه شخص نخجل من التقائه في الطريق والنظر له، شخص لم نكن لنظن أنه المسيح.

  • ” لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولًا. “المسيح قد تألم عنا وقد حمل كل أمراضنا ومعاناتنا وآلامنا…. وكذلك ذنوبنا، بينما شعبنا – نحن – ظننا أن عقابه ومعاناته هو عقاب الرب لما أرتكب هو لم نكن نعلم ونفهم أنه كان يُعاقَبُ عن ذنوبنا نحن.

  • ” وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. “في العبرية مجروحا ومسحوقاً مثل شخص أصيب جريحا وليس لأي ذنب أقترفه هو لكن عن أخطائنا نحن. قد سحق لأجل ذنوبنا وظلمنا وكل العقاب والتأديب الذين نستحقه نحن ذهب له.و”ضربات الجلد ” هي ضربات قاسية تترك جروح ولكن بجروحه شُفينا نحن. وبهذه الطريقة تماما بعد مئات السنين قد تحققت النبوءة “يشوع ” يسوع المسيح قد ذهب للصلب آخذا الموت الذي نستحقه معه.
  • ” كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. “تكلم عن ضياع اليهود كالغنم الذي شرد وضل عن طريقه. وبالرغم أننا نحن – شعب إسرائيل جميعا- قد تجاهلنا المسيح وأكملنا طريقنا، إن الرب قد أخذ ذنوبنا وظلمنا ووضعها عليه (على المسيح ).

  • ” ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. “استخدام اللفظ العبري يشير أنه قد أُستغلْ وأسيء له و….وكرامته وحقوقه بمحاكمة عادلة قد أُخذَت منه وكما قالوا أنه قد عُذِب ولكن لم يفتح فمه. وهذا يُظهر أنه لم يبدي مقاومة برغم ظلم محاكمته، فهو لم يحاول التمرد أو الهروب ولم يطلب ممثلا قانونياً برغم حكمه بالموت، ولكنه سُيقَ إلى موته مثل خروفٍ إلى الذبح بدون مقاومة الظلم الذي أُلحقَ به.

  • ” مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ “قد اعتقلوه وأخذوه إلى المحاكمة التي كانت نتيجتها “أنه حُرم من مملكة الأحياء” أي الموت، ولكن ليس لأي ذنبٍ أقترفه هو بل لأجل ذنوب شعبه. في الكتاب المقدس “شعبي ” كانت تعني دائما شعب إسرائيل، حيث أن المسيح سوف يصلب عن شعبه – الشعب الذي يجب عليه أن يتحمل عقاب ذنوبه – لكن المسيح قد أعتقهم وهو الذي سيموت. إن شعبه الذي عاش معه لن يأبه بذكر المسيح في حديثه لكن سيخفون وجوده من حياتهم، ولذا ولآخر ألفي سنة كان يسوع المسيح أكثر الأسرار حفظا في اليهودية و لهذا السبب بالتحديد سمي باليهودية “يشوع” والذي يرمز ل “لا يجوز طمس اسمه وذكراه “. (ימח שמו וזכרו(נו (Y’mach Sh’mo V’Zichro(no)).

  • ” وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. “وعلى الرغم أنه قد أُخذ ليتم الصليب مثل المجرمين وبالرغم أنه لم يقم بأي عملٍ خاطئ فهو لم يكذُب ولكن موته ودفنه جُعِلَ في قبرِ رجلٍ غني و مات يسوع حقا على الصليب ودفن في قبر رجلٍ غني عضو في مجلس الشورى اليهودي وهو يوسف الرامي. وهذا رمز واضح للمفارقة العظيمة حيث المسيح تلقى شرف الدفن في قبر أنبلهم على الرغم من تهمة الموت الذي استحققناها عنه.

  • ” أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. “من المسئول عن موت المسيح ؟ ” اليهود “؟ ربما الرومان؟ فهم كانوا الذين صلبوه حقا ؟ لا.“أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِإن الرب وحده هو القادر على الصفح و إخلاص العالم وقد جعل من نفسه أُضحية. أي نوع من الأضاحي؟ ذبيحة للكفارة. لم يكن موت المسيح صدفة – قد استخدم الرب شعبه قاسي الرأس ككهنة لتعليم البشرية جمعاء وليس فقط شعب إسرائيل عن مغفرة الخطايا. على غير أضحية ” يوم كيبور” التي كانت صالحة فقط للسنة التالية وغطت خطاياهم فقط ولم تغفرها. مغفرة المسيح إزالة خطايانا إلى الأبد – لا احد منا نحن البشر كامل – فلا يمكننا أن نكون أضحية كاملة كالمسيح.

  • وبعد هذا يأتي القول المثير جدا للاهتمام “ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. “ فعلى الرغم من أنه قد سيُقتَلْ إلا أنه سيطيل أيامه سيقوم من الموت وسيرى ” ثمرة أعماله ” مزروعة في قيامته.“مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. “المسيح سوف يرى ويُسَر بعمله لأنه بتحمله آلامه أصلح الكثيرين وكرجلٍ صالح أخذ على عاتقه خطايا وظلم الكثيرين. وكل الذين اعترفوا به المسيح سيكونون “بذوره” أي نسله في معنى روحي.

  • ” لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ.قد كان المسيح هو الوسيط والمؤيد لنا نحن الخطأة وقد أخذ على عاتقه خطايا كل من يؤمن به. فهي نبوءة مطمئنة عن مستقبل و عن أمل الخلاص للشعوب. فلله ليس فقط بالكلمات أرانا الصفح فقط بل وأوضح لنا الرب ذلك بالفعل، لهذا أخذ جسد عبدٍ وأخذ عقابنا المستحق عنا.

  • الدارسين والحكماء اليهود ظنوا أن إصحاح أشعياء 53 كان عن المسيحمن المهم أولا أننا لا نتكلم من منطلق وتفسير مسيحي هنا، حكماء اليهود القدماء أيضا كانوا يفسرون إصحاح أشيعا 53 أنه عن المسيح، لكن في الحقيقة مصطلح ” المسيح ابن يوسف ” هو من هذا النص. في القديم قد ترجم اليهود جوناثان بن عزيئيل (كتابه تاراغوم جوناثان ) فمنذ القرن الأول افتتح القِسم بالكلمات ” خدام الرب ” وهذا ليقول أن ابن اوزيل مرتبط بالفصل الذي عن المسيح.

  • الحاخام اسحق ابرافينيل الذي عاش من قرونٍ مضت اقر بأن تفسير جوناثان بن عزيئيل بأن الإصحاح هو عن مجيء المسيح وبأن هذا أيضا كان ما فسره الحكماء الأقدمون كما شوهد في كتاباتهم.

  • في كتاب زوهار الذي يُعنى بمبدأ الطعن بأن معاناة المسيح ستأتي لتأخذ المعاناة الذي يستحقها البشر عن خطاياهم. وفي مقطع  وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ” يقول كتاب زوهار أن هناك حديقة جنة عدن التي تدعى بمكان أبناء المرض حيث يدخل المسيح إلى هذا المكان ويستدعي كل وجع وكل عقاب في إسرائيل : كلهم يأتون ليرتاحوا عليه. وإن لم يكن يخفف حِملهم من إسرائيل وحَملهم هو لم يكن ليوجد رجل قادر على حمل ذنوب إسرائيل منتهكي القانون 

  • ميدراش كونين في مناقشة إصحاح أشيعا 53 وضح الكلمات التالية من فم النبي إيليا ” وهذا يَقولُ للمسيح : تحمل آلام وحكم سيدك الذي سيجعلك تُعاني بسبب خطايا بني إسرائيل وهذا هو المكتوب ” هو جُرح بسبب معصيتنا وسُحِقَ بسبب ظلمنا وهكذا حتى نهاية الدهر “

  • مسالك مجلس الشورى اليهود في التلمود البابلي (98ب) : يكتب عن اسم المسيح ” اسمه هو مؤدب(شافي) البرص كما هو مكتوب ” بالتأكيد هو حمل آلامنا وحزننا ولكننا قد اعتبرناه أبرص و مُعَذبا من الرب و منكوبا “.

وفي كتاب مدراش تانهوما : يقول ” يقول الحاخام ناتشمان أن الإصحاح لا يتحدث عن احد غير المسيح ابن داوود والذي قيل عنه، الذي يُدعى ” الكوكب” وقد ترجمه يونان ليُدعى المسيح ويُقال الحق أنه يُدعى ب” رجل الآلام الذي يعرف الحزن “

ويقول مدراش شوميل عن إصحاح أشيعا 53: ” إن المعانات قد قسمت لثلاثة أجزاء : جزء عن جيل الآباء وجزء عن جيل shmad وجزء للمسيح الملك.
كانت صلوات يوم كيبور(يوم كيپبور، يوم هاكيپبوريم أو عيد الغفران، هو اليوم العاشر من شهر “تشرين”، الشهر الأول في التقويم اليهودي، وهو يوم مقدس عند اليهود مخصص للصلاة والصيام فقط. ) التي نعرفها كلنا أيضا مرتبطة بإصحاح أشعياء 53 وبالمسيح. والصلوات التي أضيفت إلى صلوات يوم كيبور من قبل الحاخام إليعازر وذلك حوالي القرن السابع : “مسيحنا الحق قد أبتعد عنا ونحن الذين قد تصرفنا بغباء ولا يوجد أحد ليبرر لنا تصرفنا ذاك. قد حمل آثامنا و اعتداءاتنا وقد جُرح لأجل خطايانا وقد حمل ذنوبنا على كتفيه ولنجد المغفرة من ظلمنا فبجروحه شُفينا. “

“Our righteous Messiah has turned away from us we have acted foolishly and there is no one to justify us. Our iniquities and the yoke of our transgressions he bears and he is pierced for our transgressions. He carries our sins on his shoulder, to find forgiveness for our iniquities. By his wounds we are healed.”

 

  • كلما تعمقنا بالبحث في صلوات يوم كيبور تبين أهميتها أكثر حيث أنها تأتي على ذكر المشهد حيث ترك المسيح جماعته. “ذهب المسيح الحق مبتعدا “وذلك ليقول أن المسيح قد جاء وذهب وأيضا أنه قد عانى عوضاٌ عن البشر وأن خطايا العالم قد وضعت على عاتقه وأنه بعد أن عانى عنهم قد ذهب وتركهم وهذا كان سبب قلقهم الأكبر ولذلك الشعب يصلي لعودته. إن الجزء الأكبر من هذه الصلوات مأخوذة مباشرة من إصحاح أشعياء 53 ولذا من ما ذكر سابقا أنه ولغاية القرن السابع من المنظور اليهودي – وكذلك بين الحاخامات – كان إصحاح أشعياء 53 يتحدث عن المسيح.

  • في كتاب التوراة رباح يقول الحاخام موش ها درشان أن الرب قد أعطى القوة للمسيح لينقذ الأرواح لكنه عليه أن يُعاني كثيراٌ وأيضا يربط موسى بن ميمون إصحاح أشيعا 53 بالمسيح مع رسالة  اليمن. كتب الحاخام شيمون بار يوشاي ” ومات المسيح من أفرام هناك وتحزنُ إسرائيل عليه كما هو مكتوب :’مَبغوضٌ من قبل البشر ‘، ويعود ليختفي’ ونختبئ نحن كمن كانت وجوهنا نحن الذي نخفيها”. ‘

  • رأي الرابي راشي في العصور الوسطىعاش الكاتب راشي كما نعرف في أسبانيا في وقت تعايش اليهود والمسيحية سوية ولكن بشكلٍ طبيعي تفتئت الشجارات بينهم. فكان الأصدقاء والجيران المسيحيين لراشي حاولوا إقناعه أن النبوءة في الإنجيل كانت تدل على “يشوع” ومن ضمن عدة نبوءات أروه نبوءة أشعياء 53 التي كانت الأوضح ولم يكن لدى راشي خيار ولم يكن يريد أن يعترف أن “يشوع ” هو المسيح فحاول أعادة تفسير النبوءة لكي لا تكون عن المسيح بل عن شعب إسرائيل. فيدعي راشي أن الخادم المعذب هو أشارة إلى شعب إسرائيل الذي تعذب على يد الشعب الغير يهودي.

  • ” مع العلم أن الكثير من الحاخامات مثل – الحاخام غون ساديا والحاخام نفتالي بن أشير والحاخام موشي الشيشتقد عارضوا علنا تفسير راشي الجديد لنبوءة أشعياء 53 وطالبا حكماء إسرائيل بتجاهله والعودة إلى التفسير الأصلي للنبوءة وكان أشهر المعترضين موسى بن ميمون الذي أعلن بشكل قاطع أن راشي على خطاء تام “
  • لكن في أيامنا هذه إن تفسير راشي هو الأكثر قبولا بين الحاخامات الذين هم أيضا غير مهتمين بأن “يشوع” هو قد يكون المسيح الذي تم رفضه وتعذيبه ومات تماما كما تنبئ أشعياء.

  • ويأتي مثال جيد من الحاخام هايم ريتيج الذي كتب ” أنه من المستحيل على أيّ مسيحي في العالم قد يطابق مواصفات خادم الرب الذي قيد كالخروف إلى الذبح ؟ أنه من غير الممكن أن أشعياء قد يتنبأ عن حدث مسيحي بدلاً من حدث يهودي. إن نبوءة أشعياء تتحدث عن الشعب اليهودي خلال الأجيال المختلفة إن إسرائيل قد أعطت نفسها لتكون هي بنفسها الحمل البريء “. وللمفارقة على الرغم من أن المعلمين حرفوا اسم “يشوع” لاسم ” يسوع المسيحي “فتغير الاسم للاسم المسيحي لا يعني انه اصبح هو  حيث أن الدين المسيحي الرسمي قد أسس في القرن الثالث ويشوع كان في الحقيقة يهوديا من نسل داوود وعاش في إسرائيل.

  • وأيضا عندما أدعى الحاخام ريتيج أن نبوءة أشعياء 53 ليست عن المسيح بل عن إسرائيل التي قدمت نفسها كحمل بريء، فهل يمكننا حقا القول أن شعب إسرائيل كان “الحمل البريء”؟ إن تعريف مصطلح الحمل البريء في الإنجيل هو “الذي بدون خطيئة، بدون لوم الذي لا يقترف الشر والذي لا يمكن أن يخطأ لكن هو كامل ونظيف من كل ذنبٍ وعيب”. فهل يطابق شعب إسرائيل هذه المواصفات حقا ؟ أنه من الكافي أن تقرأ الجريدة أو تشاهد الأخبار لتعرف جوابك.

  • وبما أننا نتكلم عن نبوءة أشعياء فلندع أشعياء يجاوب عن سؤالنا هذا. فلنلاحظ هذه الكلمات الموجهة لشعب إسرائيل فقط على بعد 6 فصول من إصحاح أشعياء 53 : (اشعياء 59)” لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِالْكَذِبِ، وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِالشَّرِّ. لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ بِالْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ، أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ الزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلًا مُعْوَجَّةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَمًا. “

  1. فشيء واحد مؤكد من قول أشعياء النبي أن إسرائيل ليست ب”الحمل البريء”.دلائل أخرى على استحالة أن يكون الإصحاح عن إسرائيل إن خادم الرب المعذب دائما ما أشير له بصيغة الفرد ( أي كشخص واحد مفرد ) وليس كجماعة أو ضمير جماعي كمثل مجموعة أشخاص أو شعب واحد. يقول في المقطع الثامن “أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟” من أجل شعب إسرائيل طبعا فإذا “شعبي” تدل على شعب إسرائيل لذالك لا يمكن أن تكون إسرائيل هي خادم الرب المعذب لأنه إذا كانت هي فمن سيكون “شعبي” ؟

  • والأكثر من ذلك إن خادم الرب يُعاني طوعا وبدون اعتراض وشعب إسرائيل لم يُعاني طوعيا قط ! وطبقا لما ورد في التوراة إن معاناة شعب إسرائيل كلن بسبب ذنوبهم وليس صلاحهم بينما عانى خادم الرب كرجل صالح حق وليس لأنه قد أخطاء فإنه كان بدون أيّ ذنب، ووفقا للتوراة إن شعب إسرائيل دائما ما كان يُعاقب من الرب بسبب ذنوبه ومن جهة أخرى لم يُعاني الإسرائيليون عن أي شعب آخر بل بسبب شرهم هم.

  • خادم الرب قد قام من بين الأموات، لكن الإسرائيليون لم يقطعوا تماما من أرضهم فلم يمكنهم “القيامة من الموت “. فعلى فرض كان خادم الرب هو إسرائيل وليس المسيح فإذا القول عنه “المسيح ابن يوسف ” يختفي تماما.

  • في المختصر المفيد إننا قد أخطأنا وأن المسيح قد عانى عنا، نحن الذين نستحق الموت ولكنه هو الذي صُلِبَ عنا. الرب الكامل قد أتَخَذَ هيئة خادم ليُظهرَ نفسهُ لنا. سمح لنا بإذلاله ورفضه وأهانته وتعذيبه للموت لأجل أن يحمل خطايانا عنا. فلذالك نحن أيضا علينا أن نعاني لأجل حمل وصفحِ من أساء ألينا، ونحن بغير كمالنا كم يتوجب أن نسامح بعضنا البعض؟ أن هذه الرسالة الرائعة عن الخادم المُعذب : إن الرب قد قدم لنا ما لا يمكننا أبداً تقديمه لبعضنا البعض.

المرجع:

Isaiah 53 – The forbidden chapter Dr. Eitan Bar