2015/08/04

إنفصال الأقانيم.أخطاء منسوب للآب متى المسكين.ج5.




هل علم القمص متى المسكين بإنفصال الآب عن الإبن؟


  • يتدعى البعض إن الآب متى المسكين يقول إن الآب قد ترك الإبن,وهذا خطأ لاهوتى,وفكر غريب.وهُنا كما تعودنا سنوضح ما قاله الآب متى المسكين.ونُبين خطأ فى فِهم هؤلاء.

  • فيقول الآب متى:ـ[ولكن لم يقبل المسيح عار الصليب كجزء من رواية كما هو مقدَّم الآن في هذا الفصل، بل إن العار الذي حمله المسيح كسر قلبه: «العار قد كسر قلبي «(مز 20:69). فأن يحمل المسيح كرامة أبيه ولقبه «أنا هو «الذي هو لقب يهوه العظيم، ويؤكِّد أنه جاء باسم أبيه ليعمل مشيئته، ويصنع المعجزات التي تكشف عن أي سلطان يحمل، ثم بعد ذلك يتعرَّى ويُصلب على خشبة كمجرم ويشهَّر به بين الناس، هنا يبلغ العار مضادته العظمى: حامل المجد كيف يحمل عاراً. وهي ليست مضادة مجازية أو فكرية، بل مضادة جوهرية يستحيل حدوثها بأي حال من الأحوال. فعار الابن يلحق الآب ولا محالة!! والعار لعنة، واللعنة إن أصابت الابن أصابت الآب حتماً. لذلك لولا أن المسيح كشف لنا سر اللعنة التي حملها لظلَّ الصليب لغزاً لاهوتياً غير مقبول بل عثرة. هنا كشف المسيح الستار عن كيف تحمَّل المسيح العار وحده، عندما رفع صوته بصراخ ليسمعه الجميع وتسجِّله الأناجيل والتاريخ وعلماء اللاهوت: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟ «(مر 34:15). هذا هو الترك الحتمي الذي أجراه الله على المسيح حتى يمكن أن يجوز اللعنة وحده من أجل البشرية التي يحملهافلولا هذا الترك الإلهي لما صحَّ الصليب ولما صارت اللعنة لعنة بل ضحكاً!! هنا صار الصليب صليباً حقا وزادت مرارته ألف مرَّة. فَتَرْك الله الآب له هو أشدُّ هَوْلاً من آلام الصليب مراراً، بل هو الموت حقا الذي ذاقه المسيح بالترك قبل أن يذوقه بالموت على الصليب. فالمسيح صُلب مرَّتين، صُلب بترك الآب له عمداً وصُلب بيد الأشرار قهراً. أو هو صليب ذو وجهين، وجه سماوي قاتم قتام الظلام الحالك لا نور فيه لاختفاء وجه الآب، ووجه أرضي اظلمَّت له الدنيا كرجع وصدى لظلمة السماء، فاختفى نور الشمس لاختفاء نور وجه الآب عن الابن رب الخليقة ونورها، كرد فعل للجريمة التي اقترفها الإنسان من نحو الابن!!][1].


  • بادئ ذى بدء إن الآب متى المسكين لم يقول إن الآب إنفصل عن الإبن,فلم نجد فى ما قيل أى شئ يُوحى بهذه الهرطقة.التى يُريدون إقحامها فى كتابات الآب متى المسكين,فنُطالبهم بعد ما وضعنا نص الكلام أنفاً.أن يأتوا لنا بنص واحد يقول إن هُناك إنفصال بين الأقانيم.



  •   بل إن المعنى المقصود هو[الترك التدبيرى]الذى لم ولن يخرج عن كونه[SALVATION    ECONOMY]  أى تدبير الخلاص .بمعنى إن الآب قد ترك الإبن يجتاز ألم الصليب. مثلما تركه حينما[أخلى ذاته],وحينما[مات على الصليب].وعند [نزوله إلى الجحيم],وعند[صعوده إلى السماء.فهذا النوع من الترك بعيد كُل البُعد عن[إنفصال الأقانيم].فيكون معنى الترك هُنا هو[الرضا],أو[الموافقة].


  •  فالآب ترك بمعنى[وافق],[راضى] على إجتياز الإبن الصليب,وقبله الإخلاء,وبعده ألم الموت ونزوله للجحيم ثم قيامته وصعوده للسماء,كُل هذه يقع فى بوتقة[سر تدبير الخلاص]الذى كان فِي خَلَدِالله وأتمه المسيح منذ لحظة[الإخلاء]حتى صعودة وجلوسه عن يمين الآب.فلم يكون القصد هو[إنفصال إقنومى]قد حِدث .ثم ما هيا الكيفية التى سينفصل بها إقنوميين لهُم نفس الجوهر؟فهذا الإنفصال يُحتم تنازل أحدهم عن الجوهر الإلهى للأخر.وهذا ما لايُمكن تخيله[حتى فى فكر أعتى الهراطقة].

  • فضلاً إنه لو لم يحدث هذا الترك,لتحولت قصة الفداء إلى مسرحية يُجسد فيها الإبن بطولة زائفة.بل وأقول إنه لو لم يحدث هذا الترك لبات خلاص البشرية شئ مُستحيل.فكان لابد من الترك لخلاص البشرية,ولكن الترك كما شرحناه وليس كما فهمه البعض.



  • ويؤكد هذا الأمر البابا شنودة الثالث قائلاً:ـ [ليس معناها الانفصال، وإنما معناها: تركتني للعذاب.  تركتني أتحمل الغضب الإلهي على الخطية[2]هذا من جهة النفس.  أما من جهة الجسد، فقد تركتني أحِس العذاب وأشعر به.  كان ممكنًا ألا يشعر بألم، بقوة اللاهوت..  ولو حدث ذلك لكانت عملية الصلب صورية ولم تتم الآلام فعلًا، وبالتالي لم يدفع ثمن الخطية، ولم يتم علمية الفداء].[3]

   
  • ونفس الكلام عينه قاله الأنبا بيشوى:ـ[إن هذه العبارة لا تعنى ترك الآب للابن بمعنى الانفصال أو الابتعاد بينهما، ولكنها تعنى (لماذا تركتني في هذا العذاب.)[4].



  • فنخلص إلى إن لابُد أن يحدث هذا الترك,وهذا الترك يُسميه الآب متى"ترك حتمى"من جهة التدبير(تدبير الخلاص),وهذا الترك هوالترك للألم,ولأن هذا الترك قائم على أساس لاهوتى وهو الخلاص,كان لابد من أن يتم,وليس فى قول السيد المسيح,أى إشارة لترك الآب للإبن من جهة الطبيعة الواحدة.بل هو ترك بمعنى "الموافقة "والرضا,والترحيب,ولهذا قد أعطى الأنبا بيشوى مثال قد أخذه من البابا شنودة يقول:ـ[مثلما يأخذ أحد الأشخاص ابنه لطبيب الأسنان ويمسك بيده وهو على كرسي الطبيب أثناء الحفر في أسنانه، وحينما يشعر الإبن بالألم يقول لأبيه (يا بابا أنت سايبني ليه؟!) فيقول له والده (أنا معك يا ابني ولم أتركك)][5].


  • وهذا ما قاله القمص متى المسكين تحت عنوان[توضيح لاهوتى].قائلاً:ـ[إن ترك الآب للإبن لم يتم من جهة الطبيعة، لأننا نؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين، وأن لاهوت الابن ولاهوت الآب واحد لا ينقسم. ولكن الترك تمَّ فعلاً من جهة التدبير أي بانحجاب وجه الآب ومعونته زمنياً عن المسيح المتجسِّد حتى يمكن أن يتقبَّل الموت واللعنة زمنياً ويتم الفداء.][6].



  • وحينما يقول الآب متى[إن عار الإبن أصاب الآب]لايُعنى إن الأب أصبح مُصاب باللعنة,بل الإبن ذاته لم يُصاب بها,ولكن فى قول الأب متى هذا تدليل أبائى رائع,فإن قولنا إن الموت قد أصاب اللإبن لايُعنى إنه قد نال منه بل إن الموت قد بلغ الإبن ولكنه لم يقدر عليه.
  • فيقول ق.كيرلس الكبير:[إن رب المجد قد إحتمل إهانات اليهود وإحتمل الموت تدبيرياً على الخشبة,ليس لكى يبقى مائتناً معنا,بل لكى يبطل سلطان الموت الذى لم يستطيع أحد أن يقاومه,ولكى يعيد عدم الفساد إلى طبيعة الإنسان لإنه كان حقاً إلها فى الجسد][7].
  •  إن الجسد المائت -القابل للموت-المأخوذ من المائتيين المستعبدين للموت قد صار هو نفسه جسداً للحياة-اى للوغس-لكى بهذا الجسد الذى كان خاضعاً للموت بحسب طبيعته الخاصة يتمكن أن يُحارب الموت وذلك بأن يقيمه من الأموات ويشكله من جديد فى عدم فساد وفى نصرة على الموت لأن الموت حينما أصاب جسد الحياة إنعدمت قوته

  • ومثال توضيحى[إن ضِرب العدو جندى مصرى فى الحرب,فنقدر أن نقول إن الطلقة قد أصابت الجُندى,وبلغت إليه,ولكنها لم تقدر عليه ولم تنال منه]وهذا ما حدث وما يقصد الآب متى المسكين,فاللعنة قد أصابت[وصلت,,أدركت]الإبن,ولكنها لم تنال منه,ولم تقدر عليه,بل هو من تغلب على تلك اللعنة.رغم إن اللعنة قد أصابت جسد الكلمة, ويجب أن لا نفصل الطبيعتين لكى لا نقع تحت حُرم ق.كيرلس الكبير[8].لذا نقول إن الموت قد أدرك الكلمة المُتجسد,وفى هذا الإدراك تم إبطال قوته ومفعول الموت.مثلما يطرح المُصارع خصمه أرضاً.


  • ويقول الآباء فى ذلك ولا سيما ق.كيرلس:ـ[كإله يُبطل ضعفات الجسد,بأن يقتنيها لنفسه خاصة بصفتها قد وقعت على جسده الخاص,,وهكذا يُقال عنه إنه جاع وضعف وتألم من أجلنا][9],وهذا ما نقوله فى صلواتنا قائليين[اقتل أوجاعنا بآلامك الشافية][10].


  • فقد أخذ الجسد كأداة[الحديث هُنا عن الله الكلمة]من أجل الأفعال الجسدية ليحتمل به الضعفات الطبيعية البريئة..وهكذا اقتنى لنفسه نفساً بشرية كأداة ليحتمل بها الآلام البشرية..][11].فالجسد يحوى فى ذاته اللوغس [12].غير المتألم الذى كان يبطل الضعف اللاصق بالجسد,وقد فعل ذلك لكى اذ يقبل ما هو لخاصتنا فى نفسه ويرفعه ذبيحة عنا ,ويبطل بذلك عنا.[13].


  • إذاً كان هُناك ضرورة,لهذا الترك[للألم,وعذاب الموت]وهذه الضرورة تتضح فى الخلاص,فحينما يبلغ الموت الكلمة المتجسد,وحينما تبلغه اللعنة,حينها فقط تبطل كُل قوة الموت,وتبطل كل لعنة الخطية,وهذا ما تم على الصليب,وقت [ترك الرضاء والموافقة] الذى فعله الآب مع الإبن.


  • وليس فى قولنا هذا أى تلميح إلى نظرية إسترضاء الأب.بل نُعنى إن الأب راضى على ما يحدث,اى موافق,وليس قصدنا ما نادى به ق.إنسلم[من الكنيسة الكاثوليكية]من إن الأب كان غاضب فالإبن إسترضاه على الصليب.فذال الغضب عن وجه الأب.بل رضا الأب لايخرج عن كونه رضاء لإتمام فداء الإنسان فقط.



  • أما بخصوص تعجب المشكك من قول القمص متى المسكين[إن المسيح صلب مرتين]فتلك الجُملة لاتُعنى إنه عُلِق على الصليب مرتيين,بل كلامه واضح وضوح الشمس لمن يشاء الفهم,فقصده [إن فى ترك الآب له على الصليب لهو شئ صعب,وهذه الصعوبة فى ذاتها صليب,مثلما نقول نحن على[ المرض] إنه [صليب]وهذا ما شرحه القمص متى قائلاً:ـ[. فَتَرْك الله الآب له هو أشدُّ هَوْلاً من آلام الصليب مراراً، بل هو الموت حقا الذي ذاقه المسيح بالترك قبل أن يذوقه بالموت على الصليب. فالمسيح صُلب مرَّتين][14].


  • وليس فى هذا القول شئ غريب.فقد قال بولس شئ مُشابه لذلك حينما قال[إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه](عبرانين6:6),فهل بولس الرسول هو الآخر [مُهرطق]ومُخطئ؟أم إنه تعنُت من أجل النقض فقط؟. فإن كانت خطيتنا تِصلب المسيح,والمعنى هُنا ليس حرفى,بل يمكن أن نفسره على أساس إن فى خطيتنا نجرح رب المجد ثانيه,فمن يتسأل مُعترضاً[كيف يقال أن المسيح صلب مرتين]نقول له كل مرة يخطئ فيها إنسان يُصلب فيه رب المجد,إن قالوا إن الصلب هُنا رمزى وروحى,نقول لهم والقمص متى يقصد الصلب الروحى ,قاصداً إن فى ترك الأب ذاته ألام تُعادل الصلب.


تم بنعمة الله
مينا فوزى



[1] الإنجيل بحسب ق.مرقس دراسة وتفسير وشرح,الآب متى المسكين ص607.
[2] نورد قول قداسة البابا شنودة كما هو.رغم عدم إرتياحنا لهذا التعبير,لان به عوار لاهوتى خطير.فضلاً إن هذا التعبير لم يستخدمه أحد من أباء الكنيسة شارحى العقيدة,بل هو فكر دخيل على الأرثوذكسية من خلال ما يُعرف باللاهوت الغربى.

[3]البابا شنودة فى( سنوات مع إيميلات الناس) \أسئلة عن الكتاب المقدس\معنى آية: إلهي إلهي لماذا تركتني.

[4] كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي (مع حياة وخدمة يسوع) - الأنبا بيشوي\ 194- إلهي إلهي لماذا تركتني؟.

[5] المرجع السابق.

[6] الإنجيل بحسب ق.مرقس دراسة وتفسير وشرح,الآب متى المسكين ص607.

[7] ضد ثيؤدور 6Library of Fathers of the Holy  Catholic Church, oxford.p323
 [8] ا لحرمان الثانى من حرومات ق.كيرلس الكثبير الاثنا عشرة ضد نسطور.

[9] القديس كيرلس .تعاليم فى تجسد الإبن الوحيد 8.
 [10] من قطع صلوات الساعة السادسة.

[11] القديس كيرلس الكبير ,المسيح الواحد.ص75.

[12] بحسب تعبير ق.غريغوريوس اللاهوتى فاللوغس غير المحوى أصبح محوى رغم إنه لايُحوى,وهذا ما يُعرف باللاهوت السلبى.ولاهوت النفى.

[13] رسالة6:59.


[14] الإنجيل بحسب ق.مرقس دراسة وتفسير وشرح,الآب متى المسكين ص607.