2023/11/28

ماذا كان يرى المسيحيين الأوائل في يسوع؟(ج1)

 ماذا كان يرى المسيحيين الأوائل في يسوع؟

 سيمون ج. جاثركول

ترجمة مينا فوزى




 من الواضح أن البدايات شئ مهم فى أي قصة. كيف فكر التلاميذ الأوائل في يسوع في بداية الكنيسة هو سؤال هام لأي شخص، مثل "بارت إيرمان" الذي يسرد لنا عن آراء المسيحيين في قديما ،وهو ما يوحي  به عنوان كتابه " كيف أصبح يسوع إلهًا " فهو يرى قصة تحول: نوع من قصصى مثل قصة  “ugly duckling” or Sound of Music tale.. وفي تلك القصة  يصبح الشخص  وهو إنسان عادي وهو مروفض من الكثيرون ولكونه شخص خطر سياسيا يتم اعدامه - واخيرا يصبح حسب تعبير قانون الإيمان النيقاوي - "إله من الله، نور من نور" و"كائن واحد مع الرب". 

  وحسب إيرمان فهذا التحول  بأي حال ليس فوري، ولكن  تطور قد تم على مدار قرون. بحسابات إيرمان فتم ذلك  قبل "يسوع التاريخي" ويستمر حتى "مجمع خلقيدونية عام 451 م" . ومع ذلك فأهم عناصر القصة حدثت في وقت مبكر.فظهورات القيامة هي نقطة التحول الرئيسية في القصة، لأنه في القيامة ارتفع يسوع إلى يمين الله. وكانت رؤيتهم  ليسوع القائم – والتي اعتقد بعض التلاميذ الأوائل أنهم رأوا فيها يسوع – يعترف بها إيرمان كحقيقة تاريخية، مهما كان رؤيتك لحقيقة قيامة يسوع التاريخية .

 أثارت هذه الرؤى تغييرات كبيرة في "كيفية فُهم يسوع" وحدثت التغييرات الرئيسية فيما يسميه العلماء "فترة النفق" التي استمرت حوالي عشرين عامًا بين يسوع التاريخي والكتابات المسيحية الأولى (أي حوالي 30-50 م). عندما اعتبر التلاميذ أن يسوع قد قام من  الأموات، فتغيرت نظرتهم بشكل جذري "لمن هو الذي قام "، ونتيجة لرؤيتهم تلك  فتوصلوا إلى الاعتقاد- وفقًا لكتاب إيرمان "كيف أصبح يسوع إلهًا"- أنهم توصلوا الى ان  يسوع قد تم تبنيه كابن لله وأنه  أصبح إلهيًا. وفي خلال "فترة النفق" ، أصبح يُنظر إلى يسوع تدريجيًا على أنه أكثر أهمية. وبعد ذلك أصبح يُنظر إليه على أنه ابن الله حتى قبل ذلك. رأى البعض أن هذا "التبني" حدث فى معموديته؛ وأعاد آخرون هذا الأمر إلى أبعد من ذلك، حتى ولادته والحمل به. يستمر إيرمان في التعبير عن وجهة نظر مفادها أنه ، كان يُنظر إلى يسوع على أنه كائن شبيه بالملائكة – "موجود مسبقًا"وذلك في كتابات بولس، أي موجود حتى قبل أن يصبح إنسانًا. المصطلحات  التى يستخدمها إيرمان لهذا الفصل هنا هي "كريستولوجيا التمجيد" و"كريستولوجيا التبني". مع إدراك تمجيد يسوع و ارتفاعه إلى يمين الله، تبدأ الكريستولوجيا. وفقاً لكتاب "كيف أصبح يسوع الله"، كانت وجهة نظر يسوع لدى المؤمنين الأوائل هي أنه بعد موت يسوع، رفعه الله إلى منصب السلطة العليا . بل ان الله "تبنى" يسوع كابن له، حتى لو لم يكن لديه نفس الطبيعة الإلهية  . وكان من الممكن أن يعبده المسيحيون الأوائل، ولأنهم كانوا يهود لم يكن يعبد كإله منفصل، بل إلى جانب الله الآب.

أقترح في هذا الفصل التعامل مع ثلاثة مجالات رئيسية، تم التطرق إليها في عدد من الأماكن في كتاب كيف أصبح يسوع الله، ولكن بشكل خاص في الفصل السادس: "بداية المسيح: المسيح مرتفعًا إلى السماء". سوف نرجع إلى الوراء بتسلسل زمني، وننظرالى:-

 أولاً:-  كريستولوج كل من" متى ومرقس ولوقا" مكتوبين في النصف الثاني من القرن الأول. 

ثانيا:- سوف نعود بالزمن إلى المنطقة المشبوهة  "فترة النفق".

ثالثا:- سنقدم رواية مختلفة عما حدث وقت تمجيد يسوع. وسنرى أن الأدلة لا تمكننا من رسم تطور تدريجي في نظرة المسيحيين الأوائل إلى يسوع. 


أولاً:-  كريستولوج كل من

" متى ومرقس ولوقا" 

 أحتاج أن اقوم بترتيب قوائم الأناجيل  ، لأنه - كما يُقرعلماء الكتاب المقدس تقريبًا - إن إنجيل مرقس كتب أولاً. هناك المزيد من الجدل حول أيهما جاء بعد ذلك، متى أم لوقا، ولكن انطباعي هو أن معظم العلماء يفضلون الترتيب مرقس-متى-لوقا (خصوصا أولئك الذين يعتقدون أن لوقا استخدم إنجيل متى - وعلى العكس  ، لا يكاد أي شخص يعتقد أن متى استخدم إنجيل   لوقا).


هل أصبح(يسوع) ابن الله عند الولادة؟ 

الكريستولوجي في متى ولوقا

تتضارب آراء إيرمان بصورةكبيرة حول "كريستولوجيات متى ولوقا" . فهو لا يرى  فيهم ان يسوع "موجود مسبقًا"،ويقصد(ايرمان)ان يسوع تم تصويره على أنه ذو خلفية في السماء. بل يقول فى كتابه "كيف أصبح يسوع الله" ان يسوع في هذين الإنجيلين جاء إلى الوجود كابن الله عند الحمل به أو ولادته. في لوقا، حل الروح القدس على مريم وبالتالي فإن الطفل القدوس سيُدعى ابن الله. يرى إيرمان أن متى لم يكن واضحًا تمامًا بشأن العملية التي تم بها الحبل بيسوع، ولكن لا يزال هذا الإنجيل ينظر إلى يسوع على أنه ابن الله من لحظة الحمل. ونتيجة لذلك، فإن يسوع أصبح شخص إلهي منذ بداية وجوده على الأرض.  يحاول إيرمان  التأكيد على أن  متى ولوقا لا يتفقان  مع  قوانين الإيمان فى تعريفه ليسوع

  يقول ايرمن" أؤكد أن روايات الحمل العذراوي  التي كتبها متى ولوقا ليست بأي حال من الخيال تتبنى وجهة النظر التي أصبحت فيما بعد هى التعليم الأرثوذكسي للمسيحية. ووفقاً لوجهة النظر اللاحقة   كان المسيح كائنا إلهي  موجود مسبقاً "وتجسد ( "إنساناً") من العذراء  مريم ". ولكن ليس بحسب متى ولوقا. إذا قرأت رواياتهم   سنرى أنه لا علاقة لها بفكرة وجود المسيح قبل الحمل  . في  الإنجيلين،يأتي يسوع إلى الوجود لحظة الحبل به. ولم يكن موجودا من قبل."


  لا أستطيع مقاومة الرد على هذه الفقرة، لأنني كتبت ذات مرة كتاباً كاملاً أجادل فيه بوجهة النظر المعاكسة،  حول موضوع الوجود المسبق للمسيح في أناجيل متى ومرقس ولوقا.   حيث ركزت اهتمامى  على قول  يسوع "لقد أتيت"، وىموجودبكثرة  في متى ولوقا (وكذلك  مرقس). لخص يسوع في مناسبات مختلفة مهمته في عبارات مثل ما يلي:

 لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة (مرقس 2: 17)،(متى 9: 13)،(لوقا 5: 32 يضيف لوقا "إلى التوبة") لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقضها، بل لأكملها. (متى 5: 17)

جئت لألقي نارا على الأرض، وكم أتمنى أن تكون قد اشتعلت. (لوقا 12:  49)

لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً . (متى 10: 34 )،( لوقا 12: 51)

  فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها. (متى10: 35)

  فإن ابن الإنسان أيضًا لم يأت ليُخدم، بل ليخدم، ويبذل نفسه فدية عن كثيرين. (مرقس 10: 45/متى 20: 28)

لأن ابن الإنسان جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك. (لوقا19: 10).


  أود أن أقترح أن المعنى الطبيعي لهذه الأقوال هو أنها تشير ضمناً إلى أن يسوع قد جاء من مكان ما لإنجاز مهمته. (لا يتحدث يسوع عن كيفية وصوله إلى مدينة معينة، مثال، من الناصرة إلى كفرناحوم). عندما نفحص أقوال يسوع هذه، فإن أقرب ما يتطابق معها في العهد القديم و التقليد اليهودي عبارة عن تصريحات يدلي بها الملائكة بشأن مهماتهم الأرضية ( دا 9: 22 – 23)، (10: 14)،(دا 11: 2). لقد وجدت أربعة وعشرين مثالاً في العهد القديم والتقليد اليهودي للملائكة الذين يقولون: "لقد جئت لكي . . . "  كطريقة لتلخيص مهماتهم الأرضية. ولا يلخص"النبي أو المسيح" في العهد القديم أو التقليد اليهودي  أبدًا عمل حياته بهذه الطريقة.

  أنا لا أتدعى للحظة واحدة أن يسوع يُنظر إليه على أنه ملاك في الأناجيل، بل كان يُنظر إليه على أنه جاء من مكان ما ليقوم بعمل ما، أي من السماء. يصر إيرمان على أنك إذا قرأت متى ولوقا بعناية، سترى أنه لا علاقة لهم  بفكرة "الوجود المسبق للمسيح" قبل الحبل به." لكنى أعتقد أنك إذا قرأت متى ولوقا بعناية في ضوء خلفيتهم اليهودية، يمكنك أن ترى أن لها علاقة كاملة بوجود المسيح قبل أن يُحبَل به، قبل أن "يأتي" ليبدأ مهمته الأرضية.



هل أصبح ابن الله في المعمودية؟ الكريستولوجيا في إنجيل مرقس

ان وصف "كيف أصبح يسوع إلهًا في إنجيل مرقس" يتداخل مع صورة متى ولوقا، ولكن إيرمان لا يرى يسوع ككائن موجود مسبقًا في مرقس. (النقاط التي أثيرت حول الوجود المسبق الآن، تنطبق على مرقس أيضًا، لأن عبارات يسوع "لقد أتيت" منتشرة في متى ومرقس ولوقا). طبقا لإيرمان، فإن مؤهلات مرقس "الأرثوذكسية" أضعف،  لأنه - على النقيض من متى ولوقا - فإن يسوع في مرقس لم يولد من عذراء . وما زال ينظر إليه أنه ابن الله، ولكن في مرقس وصل يسوع إلى ذلك  في وقت متأخر مقارنة بمتى ولوقا، أي عند معموديته. وجهة نظر ايرمان هنا مبنية على   الصوت السماوى  : "أأنت ابني الحبيب الذي به سررت" (مرقس 1: 11).

  تعليقًا على هذه الآية، يؤكد إيرمان: "هذا الصوت لا يبدو أنه يقول بوجودة مسبق. بل يصدر إعلان.ففي هذا الوقت أصبح يسوع ابن الله بحسب مرقس

يستمر إيرمان في القول موضحا أنه بعد المعمودية قام يسوع بكل أنواع الأعمال الجدة، لكن هذا لا يقول أن يسوع أصبح ابن الله للمرة الأولى في معموديته.واللافت للنظر هو أن الصوت يأتي لاحقًا في إنجيل مرقس ويقول شيئا مشابه لحظة التجلي، قال الله عن يسوع: "هذا هو ابني الذي أحبه. اسمعوا اليه!" (مرقس 9: 1). من المفترض أن الله لن يتبنى يسوع ثانية. فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أن يشير الصوت في المعمودية إلى تبني الله ليسوع، والصوت المماثل عند التجلي يمكن أن يعني شيئًا مختلفًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق